الدراويش الغناباديون: تصوّف شيعي يواجه ولاية الفقيه

الدراويش الغناباديون: تصوّف شيعي يواجه ولاية الفقيه


22/02/2018

أثار الاشتباك العنيف بين قوات الأمن الإيراني ودراويش غناباد الرأي العام في إيران، وسلّط الضوء على هذه الجماعة الصوفية، التي ردّت عليها قوى الأمن بعنف، مساء الإثنين الماضي، بعد اعتقال أحد الدراويش، نعمت الله رياحي، من قبل أمن طهران.

اشتباكات عنيفة وتصريحات متناقضة

أدّت الاشتباكات إلى مقتل خمسة عناصر من الحرس الثوري، الذي تصدّى للمحتجّين، واحتجز أكثر من 300 محتج، كانوا يدافعون عن أفراد جماعتهم أمام بيت شيخهم نور علي تابنده، شرقي العاصمة طهران، لمنع رجال الأمن من اعتقاله، أو اعتقال أي فرد آخر منهم، وفق ما نشره الموقع الرسمي لدراويش غناباد "مجذوبان نور".

تطوّر الاحتجاج إلى اشتباك بعد اعتقال بعض أفراد الجماعة، كذلك بعد أن دهس أحد أفراد الجماعة عنصرين من الأمن، بحافلة كان يقودها في محيط الاحتجاجات، وقضى عنصر أمن آخر بسلاح أبيض كان بحوزة أحد المحتجين، الأمر الذي استدعى تدخل عدد أكبر من رجال الأمن، شمل قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري، وفق ما نقلته وكالة "إيرنا" الرسمية.

نور علي تابنده

ونشرت جماعة دراويش غناباد، عبر موقعها الإلكتروني "مجذوبان نور"، صوراً ومقاطع فيديو تبيّن العنف المستخدم ضدّهم، كذلك أكّدوا أنّ عدد المعتقلين تجاوز 300 معتقل، وأنّ وقفتهم أمام بيت شيخهم تابنده، كانت سلمية، وليست للتخريب والعنف، كما تقول الحكومة.

ونشر الموقع أسماء بعض المحتجين الذين اعتقلوا في بداية الاحتجاج، بعد ضربهم وشتمهم وسحبهم إلى مركبة الشرطة، وهم؛ سعيد سلطانبور، ومحمد ثلاث، مع الاستشهاد بمقولة شيخهم نور علي تابنده الشهيرة: "نحن في المحبة مثل ماء رقراق، وفي دفاعنا عن أنفسنا مثل حجر الصوان".

وقال الناشط وعضو هيئة تحرير موقع دراويش، غناباد كسري نوري، الذي شارك في الاحتجاجات، لراديو "فردا" الناطق بالفارسية: "بدأت قوات الأمن بالاشتباك، وكان ردّ الفعل من المحتجين، أما الحافلة التي دهس بها رجال الأمن، فقد كانت وسط الاحتجاجات قبل أي اشتباك، وأراد صاحبها أن ينقلها بعيداً عن الاشتباكات، وليس كما تروّج الحكومة بأنّ صاحبها قصد دهس رجال الأمن".

ونشر فرهاد نوري، أحد أعضاء دراويش غناباد، تغريدة على حسابه الشخصي في تويتر، كتب فيها: "يتحمّل الحرس الثوري مسؤولية حياة المعتقلين، ويتم الآن نقل جرحى الدراويش إلى مستشفيات الحرس الثوري"، وحتى الآن لم يعلّق الحرس الثوري على الأمر.

بعد ساعات، أعلن المتحدث باسم قوات الشرطة، العميد سعيد منتظري، انتهاء الاحتجاجات شرقي العاصمة طهران، بعد تمشيط المحلات والشوارع وأطراف المنطقة من دراويش غناباد، وفق تصريحه، الإثنين الماضي، لوكالة أنباء "مهر".

بعكس هذا تداول ناشطون إيرانيون هاشتاق #درويشان، عبر تويتر، نشروا فيه صوراً ومقاطع فيديو لإيرانيين من دراويش غناباد، يتم اعتقالهم وضربهم واستخدام الغاز المسيل للدموع لفضّ احتجاجهم، ونقل مرصد الحرية التابع لنشطاء إيرانين ما يدلّ على استمرار الاحتجاجات، بعكس الرواية الحكومية التي تقول: إنّ الاحتجاجات انتهت مساء الإثنين الماضي.

الدين بالنسبة إلى الدراويش الغناباديين مبني على العشق الصوفي، والمناداة بالسلام، ونبذ العنف والإقصاء

إلّا أنّ وكالة "إيرنا" للأنباء، عادت لتناقض رواية الناطق باسم الأمن، فقد نقلت تجدد الاحتجاجات في محيط منزل شيخ الدراويش، نور علي تابنده، مساء أول من أمس، وتمّ إخمادها، ووصفت وكالة "إيرنا" الرسمية للأنباء المحتجين بـ"مثيري الشغب والأراذل الأوباش".

وتضاربت الأنباء حول مقتل ثلاثة من الدراويش في المواجهات الدامية مع رجال الشرطة، فقد ذكرت صفحة دراويش غناباد الرسمية عبر تويتر، أنّ عدداً من الدراويش فارقوا الحياة متأثرين بجراحهم، إلّا أنّ الأمن نفى هذا الخبر عبر مصدر أمني لوكالة "إيسنا" للأنباء مساء أول من أمس.

ووفق تقارير صحفية، تناقلها الدراويش عبر صفحاتهم الرسمية في تلغرام وتويتر وصحيفة "الشرق" ووكالتي "إيرنا" و"إيسنا"، فقد تجدّدت الاحتجاجات مساء أول من أمس، وحتى صباح أمس، بينما نقل عدد من المحتجين إلى سجن أفيين، بتهم "تقويض نظام الحكم"، و"التجمهر غير المشروع"، و"الإخلال بالأمن المجتمعي"، وصدرت بحقهم مذكرات قضائية.

وكان دراويش غناباد قد نفّذوا احتجاجات سابقة، مطلع الشهر الحالي، بعد تجمهرهم أمام منزل شيخهم نور علي تابنده، بعد مشاهدة رجال أمن بزيهم الرسمي وآخرين بملابس مدنية، يتجولون في محيط المنزل الكائن في منطقة باسدران شرقي العاصمة طهران.

محمد ثلاث، أحد الدراويش الذين تمّ اعتقالهم

من هم الدراويش الغناباديون؟

يعود تاريخ دراويش غناباد إلى القرن الثامن الهجري، وكان المؤسّس الأول لهذه الطريقة "سلسلة نعمت الله" الصوفي، والشاعر سيد نور الدين شاه نعمت ولي المولود لأب حلبي وأم إيرانية، وأحد أقطاب التصوف في القرنين الثامن والتاسع، ومن مؤلفاته: كتاب "شرح لمعات" وفيه شذرات وقطع صوفية مكونة من 27 قطعة أدبية فيها حكم صوفية، وكتاب "رسائل نعمت الله ولي"؛ يضم 97 رسالة في التصوف، إضافة إلى قصائد وقطع شعرية منسوبة إليه، وتأتي طريقة غناباد ضمن هذه السلسلة، إلّا أنّ غلبة اسم "غناباد"، جاءت نسبة إلى المنطقة التي سكنها أتباع الطريقة في غناباد جنوبي محافظة خراسان رضوي.

لم يتقرّب الغناباديون من الحوزات الدينية على أساس مذهبي أو سياسي، وهذه رغبتهم، وفق إيمانهم بالدين، وليست دليلًا على ضعفهم في السياسة

جاء في كتاب "پیران طریقت"، للأكاديمي الإيراني جواد نوربخش، أنّ هذه الطريقة تنادي بعدم اعتزال الصوفي/ الدرويش للناس، وعدم جواز استخدام الحشيش، كما تفعل بعض الطرق، وضرورة العمل والعيش بحياة طبيعية، وعدم استخدام لباس محدد للطريقة، واحترام أتباع كلّ الديانات والمذاهب، والمناداة بالمؤاخاة، ونبذ العنف، والطريقة جزء من المذهب الشيعي الإثني عشري.

تقرُّ هذه الطريقة بالتوحيد والنبوة، والقيامة، والعدل، والإمامة الشيعية، ودفع الخمس والزكاة، وانتظار المهدي، وتقديس النبي محمد وفاطمة وعلي بن أبي طالب والحسين وأئمة الشيعة، ومن الأماكن المقدسة عندهم؛ مكة المكرَّمة، والبقيع، والمسجد الأقصى، والنجف، وكربلاء، ومشهد. ومن الأيام التي يقدسونها؛ عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الغدير، وعاشوراء، ومولد الأئمة. أمّا الكتب التي يستمدّون منها أحكامهم؛ القرآن الكريم ونهج البلاغة. وتناوب على الطريقة شيوخ كثيرون، وصلوا إلى الشيخ الحالي قطب الدرويشية الغنابادية نور علي تابنده، الملقب بمجذوب عليشاه، الذي يتزعم الطريقة منذ واحد وعشرين عاماً، بعد وفاة سلفه الشيخ محبوب عليشاه.

الدراويش .. في اعتصام سلمي

ما مشكلة الحكومة والمؤسسات الدينية معهم؟

تندرج الطريقة ضمن المذهب الشيعي، وتؤدي الشعائر والعبادات التي يؤديها الشيعة؛ لذا فهي شيعية وفق القراءة الفقيهة. من المعروف أنّ الشيعة يتبعون مرجعاً دينياً، وتشيّع الجمهورية الإيرانية الإسلامية يتبع ولاية الفقيه، إلّا أنّ دراويش غناباد يقدّسون القُطب الصوفي المتجلي وفق رؤيتهم الصوفية، ومع توالي أقطاب هذه الطريقة، فقد وصلوا اليوم إلى القطب الصوفي، شيخ طريقتهم نور علي تابنده.

لا يختلف الغناباديون عن الشيعة، إلّا أنّهم لا ينادون بالجانب الفقهي للدين (جدلية الشريعة والحقيقة عند المتصوفة)؛ فالدين بالنسبة إليهم مبني على العشق الصوفي، والمناداة بالسلام، ونبذ العنف والإقصاء، لهذا لم يتقرّب الغناباديون من الحوزات الدينية على أساس مذهبي أو سياسي، وهذه رغبتهم، وفق إيمانهم بالدين، وليست دليلًا على ضعفهم في السياسة.

تدّعي إيران عدم محاسبتها أيّ مواطن بسبب معتقداته وفق المادة 23 من الدستور لكن ما يحدث يؤكد غير ذلك

كان نور علي تابنده، الملقب بـ "مجذوب عليشاه"، أحد رموز الجبهة الوطنية وحركة التحرر الوطني في إيران، في عهد الشاه، وبعد الثورة شغل منصب معاون وزير الثقافة والإرشاد، ومدير مؤسسة الحج والزيارة، ومناصب في وزارة العدل، وغيرها من المناصب العليا، إلّا أنّه أصبح من المغضوب عليهم بعد مدة، وتعرّض للسجن أكثر من مرة، بسبب دروسه ومقالاته التي بدأ يظهر عليها طيف المعارضة.

وصل تابنده إلى مرتبة شيخ الطريقة الغانبادية عام 1997، بعد أن أوصى بمشيخته القطب السابق للطريقة محبوب عليشاه، وانتقل تابنده إلى مرحلة الصمت، وعدم الانخراط في أيّ شأن سياسي، حتى أحداث 2009، التي تصدّرتها الحركة الخضراء، ووصف تدخله في السياسة وقتذآك، بـ "ظروف استثنائية"، ليعلن دعمه لمهدي كروبي زعيم الحركة الخضراء.

ممّا يبعث على التساؤل حول الدراويش؛ حالة الانقياد والولاء لشيخ الطريقة، على سبيل المثال: في طقوس أخذ العهد والبيعة، ومجالس الذكر، والمراتب الروحية، التي يعلنها شيخ الطريقة للمريدين بحسب مرحلة اجتيازهم للطريق الصوفية، كما في كلّ الطرق، إلّا أنّ خضوع الدراويش لشيخهم ينافس طاعة الولي الفقيه، وتقديسهم للطريقة الصوفية لا ينسجم مع تقديس الإمامة الشيعية المطلق، دون إشراك أيّة وسيلة أخرى، حتى لو كانت شيعية خالصة، وهذا بحدّ ذاته يشكّل سؤالًا يؤرق السلطة في إيران: "هل يؤيدون شيخ الطريقة أكثر من تأييدهم للولي الفقيه؟".

كانت الحافلة التي دهس بها رجال الأمن متواجدة وسط الاحتجاجات قبل أي اشتباك

خوف وخلاف مع الدراويش

شنّت الثورة الإسلامية حملة واسعة على الحسينيات والخانقاهات الصوفية، كانت مدينة كرمان وسط البلاد المدينة الأولى التي طالتها الحملة على المظاهر الصوفية، وأيّ تشيّع لا يقرّ بولاية الفقيه والإمامة بشكل مطلق، ثم تلتها قم وكرج وطهران وبروجرد، حتى وصل الأمر إلى هدم مقابر سلسلة نعمت الله غنابادي، وطمس معالمها. نفّذ هذا متدينون إيرانيون تسترت عليهم الحكومة، وسهّلت لهم المهمة، كذلك بفتاوى رجال دين مرموقين، أفتوا لهم بضرورة طمس هذه البدع، أمثال: صافي غلبایغاني، وحید خراساني، نوري همداني، فاضل لنکراني، ومکرم شیرازي، وكان إقصاء دراويش غناباد هدفاً كبيراً أمام المؤسسات الدينية والحكومية، مثل مؤسسة الفرق والأديان، وجامعة باقر للعلوم.

تصنف إيران دراويش غناباد "جماعة منحرفة" وتضطهد الدولة البهائيين والمتصوفة والطائفة السنية

سعيد إمامي؛ أحد أهم منفذي الاغتيالات السياسية، المعروف بتورطه في جرائم إبادة جماعية، ومعاون علي فلاحان، وزير المخابرات الأسبق، يشير في إحدى لقاءاته عام 1997، إلى قلق الدولة بشأن دراويش غناباد، ووصفهم بـ "فرقة" تشكّل خطراً كبيراً على الدولة، تتلخّص بـ "أفكار متطرفة" و"تغلغل في المجتمع"، واعتقلت المخابرات الكثير منهم بهذه التهم، على حدّ قوله. مثل حجة الإسلام محمد مدني الغنابادي، رئيس الحوزة العلمية في غناباد، يصف دراويش غناباد بـ "الفئران الذين يبثون سمومهم في المجتمع"، وفق تصريحات له عام 2010، كذلك يغرّرون بالشباب، ويغسلون عقولهم.

شكل الدراويش معارضة واضحة للدولة بعد الثورة، وفي العقود الأخيرة، تزايدت أعداد الدراويش المعتقلين بتهم "تقويض نظام الحكم"، و"تهديد الأمن الوطني"، و"الانضمام لجماعة مجذوبان نور المنحرفة"، وكانوا ينظّمون الاحتجاجات والإضراب عن الطعام في السجون، للضغط على الحكومة التي تضطّهد شيخهم وأفراد جماعتهم.

تدّعي الجمهورية الإسلامية أنّها لا تحاسب أيّ مواطن بسبب معتقداته، هذا وفق المادة 23 من الدستور الإيراني، إلّا أنّ ما يحدث في إيران ينفي الالتزام بهذه المادة؛ لأنّ الدولة تصنف دراويش غناباد "جماعة منحرفة"، كذلك اضطهاد الدولة للبهائيين والمتصوفة والطائفة السنية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية