ما شكل صورة العرب والمسلمين في عقلية الغرب؟

ما شكل صورة العرب والمسلمين في عقلية الغرب؟

ما شكل صورة العرب والمسلمين في عقلية الغرب؟


19/11/2023

يتسع الفارق بين صورة العرب والمسلمين كما هي في الواقع، وتلك التي تحلّ بعقلية الغرب حين يرانا، لتصير في خاتمة المطاف مجرد صورة مجازية، شكّلتها السياسة، سواء بأحداثها الراهنة، أو حمولاتها التاريخية التي سجلتها الحوليات، والكتب والتقارير التي كتبها ساسة ورحالة ومستشرقون، وبعض الدراسات الأنثروبولوجية والاجتماعية.

فالعربي "الشهواني" و"المسلم الإرهابي" ليسا سوى انعكاس لرغبة من أراد أن يصوّرهما على هذا النحو، ناعتاً إياهما بكلّ الصفات والسمات المرتبطة بالشهوانية، التي انداحت وصنعت في المجمل صوراً عديدة كانت بمثابة "إنشاء كتابي"، جعلت من الشرق اختراعاً غربياً، على وجه التقريب، "اتسم بنزعة رومانسية، والكائنات الغريبة المدهشة، والذكريات  السابحة، والتجارب الاستثنائية، ليصير نهجاً من الإنشاء الكتابي له ما يعزّزه من المؤسسات والمفردات، وتراث البحث، والصور، والمعتقدات المذهبية، وحتى الأجهزة البيروقراطية الاستعمارية، والأساليب الاستعمارية"، وذلك وفق ما ذهب إليه إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق".

العربي "الشهواني" و"المسلم الإرهابي" ليسا سوى انعكاس لرغبة من أراد أن يصوّرهما على هذا النحو

وتقوم الرؤية الاستشراقية، في جانب كبير منها، على أنّه إذا كان العربي ذا تاريخ على الإطلاق، فإنّ تاريخه جزء من التاريخ الممنوح له، أو المستلب منه، وبناء عليه ظهر العربي في الكتابات الغربية على أنّه يمثل قيمة سلبية، بوصفه عدواً للغرب، وعقبة أمكن تجاوزها لخلق إسرائيل، وارتبط في الأفلام والتلفاز على أنّه شخص فاسق، وغادر، ومخادع، ومتعطش للدماء، وذو طاقة جنسية مفرطة، قادر على المكيدة، ومراوغ وسادي وخؤون، ويظهر في أدوار قائد عصابات اللصوص المغيرين، والقراصنة، والعصاة من السكان الأصليين.. وهذه الصفات تفارق الحقيقة لتدخل إلى حيّز مجاز سلبي، لم يقتصر على الرؤى الاستشراقية المصنوعة للخاصة، إنّما انتشر على نطاقات واسعة، عبر مختلف وسائل الإعلام.

فقد قدم الإعلام الغربي قوالب نمطية سلبية جاهزة في تعامله مع العرب وقضاياهم السياسية والفكرية، وجلّ هذه القوالب مستحضر من التاريخ السابق على الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وازداد الوضع سوءاً بعد هذا الحدث الرهيب، بعد أن دخلت جهات منظمة على خطّ تشويه الصورة العربية واستخدام الإعلام ووسائله؛ فالإعلام الغربي راح يكرس جهداً وفيراً للحملة على العرب، وتشويه صورتهم، بعد أن انتهى من تشويه صورة الزنوج والهنود الحمر، وبعض الأقليات التي تعيش في أوروبا وأمريكا، ووصلت هذه الصورة المشوهة إلى مناهج التعليم نفسها، في مختلف المدارس الغربية، لتصبح جزءاً من مضامين التنشئة الاجتماعية.

ظهر العربي في الكتابات الغربية على أنّه يمثل قيمة سلبية بوصفه عدواً للغرب وعقبة أمكن تجاوزها لخلق إسرائيل

في الحقيقة؛ إنّ الصورة المجازية السلبية المنطبعة في الذهن الغربي عن العرب والإسلام، ليست وليدة الأعوام الأخيرة، بل تضرب جذورها في عمق تاريخي بعيد، فقد استمر وعي الغرب بصورة العربي الموروثة عن القرون الوسطى، يقوم على أسس انفعالية مجبولة على العداء، وهذا الوعي المشوّه واصل سيره حتى القرن العشرين، بتعديلات محدودة، ليساهم في علاقة التبعية بين الدول العربية والغرب، مثلما ساهم في حركة الاستعمار، وبالطبع فإن هذا التصور العدائي والمتحامل لا يمكن ردّه إلى الأفراد؛ بل إلى المنظومة الحضارية الغربية برمتها، في جوانبها السياسية والاجتماعية والإعلامية.

ويعزى هذا الإدراك المشوه إلى جهل الغرب بالماضي والحاضر العربي، وهنا يقول بشارة خضر، في كتابه "أوروبا والوطن العربي: القرابة والجوار": إنه باستثناء بعض الاختصاصيين، الذين تكبّدوا عناء تعلّم اللغة العربية والسفر مراراً إلى الوطن العربي، والبحث عن المعلومات من مصادرها الأولى، فإنّ الغربيين قلّما يعرفون، وبشكل سيئ، واقع الوطن العربي.

لم تقتصر صورة العربي على الرؤى الاستشراقية النخبوية إنّما انتشرت على نطاقات واسعة عبر مختلف وسائل الإعلام

ويفضح سلين ليزلي تضاؤل المعرفة الغربية بحقيقة العرب، أو الجنوب عموماً، بقوله: "في مجال المعرفة المتبادلة، هناك أسطورة راسخة: الشمال يجهل تماماً ما هو عليه الجنوب، في حين أنّ الجنوب يعرف الشمال تمام المعرفة، بفضل النخب التي درست في الجامعات الغربية، وهذه الخرافة لا تقاوم النقاش، فمعرفة العالم العربي والإٍسلامي التي تراكمت في الغرب جعلت أية دراسة لا يمكن إنجازها دون الاعتماد على هذا الرصيد من الأعمال والوثائق الموجودة هناك، وعلى العكس من ذلك؛ نجد معرفة تامة بأوروبا وأمريكا في المدارس والجامعات العربية والإسلامية".

إنّ عدم العودة إلى المصادر، أو تعمّد التحيز، جعل وسائل الإعلام هي المنفذ الرئيس، إن لم يكن الوحيد، في تشكيل الصورة المجازية العربية الإسلامية المنطبعة في الذهن الغربي، وهنا نجد أنّ الإفراط في الإعلام الحدثي يميل، في الغالب، إلى تشويش الأفكار وخلط الأوراق والمسائل وحجب الرهانات، والرأي العام المضلل يلجأ إلى المقولبات والأحكام المسبقة، التي تقوم على تفسير واقع الوطن العربي بالأصولية، والعنف، والثروة النفطية، ومعاداة الغرب، والهجرة؛ فهذه القضايا تساهم في تكريس الصورة القديمة للشرق في إدراك الغرب، على أنّه مقاتل ومتعصب واستبدادي وشرِه للاستهلاك.

الصورة المجازية السلبية في الذهن الغربي عن العرب والإسلام تضرب جذورها في عمق تاريخي بعيد

وبدا هذا التصور يشكل تياراً في الغرب، يؤمن بـ"صدام الحضارات"، وهو تعبير مجازي آخر، تحدث من خلاله الباحث الأمريكي، صمويل هنتنغتون، عما سمّاها خطوط التقسيم بين الحضارات، باعتبارها نقاطاً تفجر الصراعات في المستقبل، وهي تحل في نظره محلّ الحدود السياسية والأيديولوجية لحقبة الحرب الباردة، الأمر الذي يعني حتمية المواجهة بين الحضارتين الإسلامية والغربية، وقد انعكس هذا على العديد من الأدبيات السياسية الغربية، التي راحت تتحدث عن أنّ الإسلام هو الدين الوحيد الذي استمر في مواجهة مع الغرب طيلة التاريخ.

لكنّ ذلك لم يمنع من تفهم بعض عناصر النخب السياسية والفكرية الغربية لطبيعة الدين الإسلامي، ووجود "أوجه متعددة للمسلمين"، على حدّ ما ذكر واحد من أكثر الباحثين الغربيين تعمقاً في دراسة ظاهرة الإحياء الإسلامي الحديثة، وكذلك وجود اختلاف بين المسلمين أنفسهم في التوجهات السياسية والفكرية، وفي نمط علاقتهم بالآخر، خاصة الغرب، لكنّ صوت أصحاب هذه الرؤية ما يزال خافتاً مقارنة بالمروجين لفكرة صدام الحضارات، الذين وجدوا مؤسسات تتبنّى وجهة نظرهم المغلوطة، في سبيل تحقيق أهداف سياسية معنية في المحيط الخارجي، وهو تصور تتصاعد حجيته مع تصاعد إرهاب تقوم به جماعات وتنظيمات ليست بعيدة بأية حال من الأحوال، في نشأتها وأسباب تمددها واستمرارها، عن يد الغرب.

حملات التشويه لم تمنع تفهّم بعض عناصر النخب السياسية والفكرية الغربية لطبيعة الدين الإسلامي

ويمدّ جورج كرم هذا المجاز السلبي لدى الغرب إلى أبعد ما يتعلق بالعرب، فيقول: "يمكن أن يصبح الخيال أكثر فتكاً من الحقيقة الموضوعية والمدنسة، وانفجار حربين عالميتين دليل على الدور الذي تلعبه الأوهام في تركيب أسباب الصراعات العملاقة.."، ما يعني أنّ الاستعارات والمجازات الخاطئة لدى الغرب لطالما أوقعته في المآسي، وما تزال.

الصفحة الرئيسية