والدة الشهيدة رزان النجار لـ"حفريات": سلاح ابنتي كان سترة الإسعاف

فلسطين

والدة الشهيدة رزان النجار لـ"حفريات": سلاح ابنتي كان سترة الإسعاف


04/06/2018

من بين مئات المتظاهرين الشبان، وتحت أزيز الرصاص وأعمدة الدخان، هرعت الشابة رزان النجار (21 عاماً) مسرعة وبداخلها روح المسعف الإنسان، لتنقذ شاباً سقط جريحاً على مسافة صفر من السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، بعد إصابته برصاص القناصة الإسرائيليين.

وما إن اقتربت الشابة رزان من أقصى نقطة للشريط الحدودي لإنقاذ المصاب الغارق بدمائه، حتى باغتتها رصاصة أخرى فأصابتها في الصدر مخترقة جسدها، لتتمدّد على الأرض بجانب من أودت بحياتها من أجل إنقاذه، على الرغم من ارتدائها سترة الإسعاف البيضاء التي تلطخت في لحظات بالدماء الحمراء.

حين اقتربت رزان من أقصى نقطة للشريط الحدودي لإنقاذ مصاب باغتتها الرصاصة في الصدر

هذه هي الصورة الأخيرة لمسعفة ضحت بحياتها متطوعة لإنقاذ المصابين المشاركين في تظاهرات "مسيرة العودة" على طول الشريط الحدودي بين غزة وإسرائيل، فأنات المصابين أرهقت سمعها، وحركت مشاعرها، فهبّت لتقديم واجبها كمتطوعة، وهي لا تعلم أنّ رصاصة غادرة تتربّص بها.

على مدار شهرين متواصلين، تواجدت رزان يومياً على طول الشريط الحدودي الشرقي بين غزة وإسرائيل، متقدمة خطوط التماس الأمامية، لتكون قريبة من المصابين والشهداء، متسلحة بمعداتها الطبية الشخصية، غير آبهة بالجنود الإسرائيليين المتسلحين بالقناصة داخل الغرف العسكرية.

الوالدة صابرين وسترة ابنتها الملطخة بالدماء التي كانت ترتديها لحظة استشهادها

إصرار عجيب

"حفريات" انتقلت إلى حي خزاعة في شرق خان يونس بقطاع غزة، حيث كانت قبيل استشهادها على مقربة من المكان الذي يتزين الآن بصورها المنتشرة على الجدران وهي مبتسمة.

التقينا والدتها صابرين وهي تحتضن سترة ابنتها الملطخة بالدماء، التي كانت ترتديها لحظة استشهادها. وقالت والحزن يخيم على محياها: "هذه السترة هي سلاح ابنتي رزان وتلك المعدات هي ذخيرتها التي كانت تحملها يومياً وهي تنقذ المصابين على الشريط الحدودي، واستشهدت أيضاً وهي ترتديها".

وتضيف الأم الثكلى متسائلة: "ما الجُرم الذي ارتكبته رزان وهي ترتدي سترتها الطبية وتؤدي مهمتها ليطلق عليها الجنود بشكل متعمد الرصاص المتفجر، الذي اخترق جسدها وحرمني منها وحرق قلبي على فراقها"؟

المسعفة داليا:أنا وزملائي مصدومون ولم نصدق حتى اللحظة أنّ رزان فارقتنا

وتخبر الوالدة المكلومة "حفريات" بأن ابنتها كانت تتسلح بإصرار عجيب لتأدية مهمتها كمسعفة لإنقاذ المتظاهرين في مسيرة العودة، فعلى الرغم من تخوف أهلها على حياتها وإصابتها خلال مشاركتها على الشريط الحدودي، إلا أنها كانت دائماً تطمئنهم بعد رجوعها في كل مساء، ومعطفها ملطخ بدماء الشهداء والجرحى.

تتابع صابرين النجار: "يومياً كان الخوف يحيطني عندما تذهب رزان إلى الشريط الحدودي لتأدية مهمتها كمسعفة، وأبقى في هذه الحالة حتى ترجع إلى المنزل في المساء، وفي كل يوم قبل خروجها كنت أوصيها بأن تبقى حذرة حتى لا تتعرض لأية خطورة أو أذى؛ ولكنها كانت تفاجئني قائلة (لا تخافِي يا أمي، لا أنال إلا ما يكتبه الله لي، فأنا أقوم بمسؤوليتي وأقدم واجبي)".

وتضيف الأم: "بعد أن ترجع رزان إلى المنزل في المساء كانت تخبرني بعشرات الروايات التي خاضت غمارها، وهي تسعف المصابين من صغار وكبار وشبان وشابات، فعندما كانت تروي لي تلك القصص، كنت أقرأ في عيونها إصرارها على قهر التعب الذي لم تعرف له طريقاً، رغم نحول جسدها وعمرها الصغير".

على مدار شهرين تواجدت رزان على طول الشريط الحدودي الشرقي بين غزة وإسرائيل متقدمة خطوط التماس الأمامية

كان حلم الشابة رزان، كما تردف والدتها، أن تنهي دراستها وتحصل على شهادة البكالوريوس في كلية التمريض، إذ كانت متفوقة في دراستها ونشيطة بين زميلاتها، ولكنها لم تكمل دراستها بسبب الوضع الاقتصادي السيئ، وعدم مقدرة عائلتها على توفير الرسوم الجامعية.

مسعفة على السياج

رغم خطورة ما كانت تقوم به المسعفة الشابة رزان النجار، وارتقاء الشهداء وإصابة الجرحى أمام عينيها، بالإضافة إلى إصابتها أكثر من 12 مرة جرّاء قنابل الغاز التي يلقيها جنود الجيش الإسرائيلي خلال القيام بمهمتها، إلا أن ذلك لم يفقدها إحساسها بالمسؤولية تجاه المواطنين والشبان، في مواجهة أقوى ترسانة عسكرية في العالم، وهو ما أكده المسعف وئام مصباح أحد أعضاء الفريق الطبي الذي كانت تشارك فيه المسعفة الشهيدة، حيث أبلغ "حفريات" أنّ "رزان كانت من الأنشط في طاقم الإسعاف على الشريط الحدودي، وكانت بمثابة أيقونة حيوية ونشاط، فلم تنقطع يوماً واحداً على مدار شهرين متواصلين في المشاركة في إسعاف المصابين، إذ كانت تتواجد يومياً، والملفت أنها تتقدم صفوف المتظاهرين والمسعفين حتى تكون قريبة من المصابين لتنقذهم بشكل سريع".

والدة رزان: كان حلم ابنتي الشهيدة أن تنهي دراستها وتحصل على شهادة البكالوريوس في كلية التمريض

ويضيف: "رزان كانت بمعنى الكلمة فارسة الميدان ولا تأبه بالرصاص، وكانت تؤدي عملها بأكمل وجه، لأنها أدركت وأيقنت بقلبها أنّ وطنها وشعبها يستحقان التضحية".

ويشير مصباح إلى خبر استشهاد المسعفة الشابة رزان النجار، باعتباره صدمة كبيرة بالنسبة له وزملائها في طاقم الإسعاف: "لم أصدق حتى هذه اللحظة أنها استشهدت، فعندما أتذكر ذلك أشعر أنني أحلم، وأنتظر انتهاء هذا الحلم، لأجد رزان بجانبنا، ونعود نتشارك في الميدان، لكن للأسف رزان رحلت ولن تعود".

عائلة وأصدقاء الشهيدة يلقون عليها النظرة الأخيرة

اللحظات الأخيرة

المسعفة داليا أبو ريدة، صديقة الشابة رزان النجار ورفيقة دربها في طاقم الإسعاف، كانت تتواجد في منطقة خزاعة الحدودية الشرقية، وهي واحدة من الشهود على دورها البطولي في إنقاذ المصابين، وعلى جريمة قتلها أيضاً على يد القناصة الإسرائيليين.

تقول داليا لـ"حفريات" إنّ رزان كانت "بمثابة يد حانية على جرحى مسيرة العودة، بشهادة كل زملائها وزميلاتها الذين عملوا معها، فمنذ الأيام الأولى لانطلاق المسيرة تطوعت في فرق الإسعاف التابعة لهيئة الإغاثة الطبية دون أي مقابل، بل أحضرت المعدات الطبية على نفقتها الخاصة، في رسالة كانت تعدها واجباً وطنياً".

المسعفة داليا: رزان كانت بمثابة يد حانية على جرحى مسيرة العودة بشهادة كل زملائها وزميلاتها الذين عملوا معها

وصمتت الشابة داليا قليلاً بعد أن انهمرت الدموع من عينيها، لتخبرنا عن آخر اللحظات في حياة رزان النجار يوم استشهادها: "في عصر يوم الجمعة الأول من يونيو شاركت أنا ورزان كأي يوم من أيام مسيرة العودة، وكانت تتمتع في ذلك اليوم التي أطلق عليها (جمعة من غزة إلى حيفا) بهمة عالية ونشاط منقطع النظير في نقل المصابين من مسافة الصفر على الحدود، لإسعافهم داخل النقطة الطبية الميدانية القريبة من مناطق المواجهات".

وتضيف:" قبل أذان المغرب بساعتين أصيب شاب بطلق ناري في رأسه في أقصى منطقة قريبة من الحدود، ولم يتقدم أحد لإسعافه بفعل وجوده بمحاذاة السياج الفاصل، بالإضافة إلى كثافة الرصاص الذي كان يطلقه جنود الجيش الإسرائيلي، فتوجهت رزان مسرعة لإنقاذه ملوّحة بيدها في الهواء ليتوقف الجنود عن إطلاق النيران وتسعفه، ولكنها قبل أن تتمكن من ذلك أصيبت بطلق ناري في الصدر، أدى إلى استشهادها بعد ساعة من الإصابة".

وتتابع المسعفة داليا: "أصبت أنا وزملائي بالصدمة لمشهد استشهاد رزان، ولم نصدق حتى اللحظة أنها فارقتنا، ولم تعد ترافقنا في الميدان، ولكنني لن أنسى ما كانت تقوم به، وسأكمل مسيرتها في إنقاذ المصابين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية