هكذا حاول الإعلام المقرب من قطر اختطاف احتجاجات الأردن

الأردن وقطر

هكذا حاول الإعلام المقرب من قطر اختطاف احتجاجات الأردن


10/06/2018

شهد الأردن، وهو واحدٌ من البلاد العربية الأكثر استقراراً على الصعيد الأمني منذ عقود؛ احتجاجاتٍ شعبية واسعة في نهاية شهر أيار (مايو) الماضي، وامتدت حتى الأيام الأولى من شهر حزيران (يونيو) الجاري.
الأزمة، كما وصفتها مستويات عديدة في الأردن، سواء الشعبية، أو من جهة جلالة الملك الأردني عبد الله الثاني، جاءت على وقع سياسة اتبعتها حكومات أردنية متعاقبة، اضطرت غالباً لفرض مزيدٍ من الضرائب من أجل تسديد مديونية الأردن الخارجية، فضلاً عما يتصل بالعلاقة الملتبسة بصندوق النقد الدولي، واشتراطاته الباهظة.
ووسط مطالباتٍ شعبيةٍ شديدة اللهجة ومظاهرات، من أجل تغيير النهج الاقتصادي لا تغيير الوجوه والحكومات فقط، ومن أجل إلغاء "مشروع قانون ضريبة الدخل" الأخير، ووقف رفع الأسعار والمحروقات بشكلٍ شبه دوري، حاولت وسائل إعلام قطرية وأخرى تابعة لـ"الإخوان" الدخول على خط الأزمة، وإخراجها من سياقها المحلي الوطني، وعن مطالبات الشعب الأردني لتدعي وجود سياق أكبر، متعلق بما يسمى "صفقة القرن".
استرجاع ربيع مأزوم
مصطلحات عديدة، استخدمها إعلام دولة قطر والمواقع الإلكترونية التابعة لقطر لها منذ بداية الأزمة تقريباً، من أبرزها "تمرير صفقة القرن"، وهو ما يبدو واضحاً في مقال "أسامة أبو ارشيد"، المنشور في صحيفة "العربي الجديد" بتاريخ 8 حزيران (يونيو) الجاري، حيث يقوم أبو ارشيد برمي أسباب معاناة الشعب الأردني على "كاهل الإمارات والسعودية".

حاولت وسائل إعلام قطرية الدخول على خط الأزمة وإخراجها من سياقها المحلي الوطني لتدعي وجود سياقٍ أكبر

ورغم أنه يشير نحو صندوق النقد الدولي، وما سماه بالفساد أو سوء الإدارة الاقتصادية، والديون المتراكمة التي بلغت "37" مليار دولار لصندوق النقد، إلا أنه يعتبر أنّ هنالك أسلوباً متعمداً من دول التحالف العربي لإفقار الأردن، وذلك بقوله "أشقاء السوء قرروا تقديم الأردن كبش فداء مع فلسطين من أجل حلف مضاد مع إسرائيل"، وذلك لأن إيران وتركيا ومحور الإسلام السياسي برأي الكاتب، هم "أعداء السعودية والإمارات، ولا يبقى سوى الحليف الطبيعي إسرائيل". وذلك رغم أن الإعلام المقرب من قطر، استعان بإعلام الاحتلال مثل صحيفة "يديعوت" الصهيونية.

سارع الإعلام المقرب من قطر للاستعانة بإعلام الاحتلال من أجل صياغة نظرية المؤامرة

مغالطات أبو ارشيد كثيرة، ولا يتسع المجال لذكرها كلها، لكنه قفز ببساطة عن مشاكل الأردن الاقتصادية من عام 1990 وحتى اليوم، ونسي مباشرة خروج عائلات وشبابٍ وكبارٍ بالسن، بصورة حضارية سلمية، من أجل حقوقهم كما عرضت تلفزات عديدة حول العالم ما يجري بتوازن، ومهنية ومصداقية، وهي عناصر أساسية غالباً ما تُغيّب بقصد عن سياقات تفكير "الجزيرة" وأخواتها.

ولا يسأل أبو ارشيد نفسه، ومن خلفه شاشة "التلفزيون العربي"، وكذلك "قناة الجزيرة وموقعها الإلكتروني" هؤلاء المتظاهرين عن الدور القطري في سوريا ومن قبله العراق، وكيف خسر، الأردن دولةً وشعباً؛ ملايين الدولارات سنوياً منذ دمار البلدين وإغلاق حدودهما مع الأردن، أم تنبغي العودة إلى تصريحات حمد بن جاسم نفسه، وكذلك السفير الروسي السابق في قطر "تيتورينكو"، من أجل الإشارة وبحسب جاسم، إلى أن قطر دفعت ثلاثة أضعاف مديونية الأردن لصندوق النقد "137 مليار دولار"، من أجل "دعم حركاتٍ  وأفرادٍ في سوريا أثناء الثورة".
اقرأ أيضاً: السفير الروسي يعيد الجدل بشأن قطر و"الربيع العربي"

وفي السياق ذاته، تذكر صحيفة "القدس العربي" في 18 أيار (مايو) 2013، أن "قطر ربما تقبع خارج حسابات صندوق دول الخليج لدعم الأردن والذي أسسه ملك السعودية الراحل عبد الله بن عبد العزيز ". كما تذكر الصحيفة من خلال المقال ذاته، وهو للكاتب بسام البدارين، أن "الدوحة تعمل على تسييس مساعداتها للأردن وتمتنع عن الالتحاق بدول الخليج الثلاث التي تفاهمت مع عمان بسبب تعاكسات في الأجندة السياسية بما يخص الملفين الفلسطيني والسوري".
مقال بسام البدارين: قطر خرجت من حسابات المساعدات الاردنية.. وبرنامج الإنضمام ‘للخليج’ يتلاشى وإستقبال اللاجئين السوريين لن يتراجع

وفي الوقت الذي كانت فيه منشورات الأردنيين على مواقع التواصل الاجتماعي، تتحدث عن نهج اقتصادي معلن، يخرج البلد من أزماتها، عثرت "العربي الجديد" على الحل السحري! ويكمن فيما أسمته "حصار قطر والأردن" محاولةً القول إنّ دول التحالف العربي تشترط مساعدة الأردن مالياً مقابل الموافقة على "صفقة القرن"، وأنها تتعرض لحصارٍ يشبه حصار قطر، رغم أنّ التناقض يظهر واضحاً، من خلال قيام الدوحة تحديداً بعد الالتزام بمساعداتها للأردن ومنذ العام 2014.

تخفي الدوحة أنها هي من حاصرت الأردن ومنذ 2014

وكان مقال البدارين، ذكر أيضاً أن "الدوحة أول من بادر بتسييس دعمها المالي المزعوم للأردن". بينما يأتي إعلامها اليوم، محاولاً ذر الرماد في العيون من جديد، بحجة إحياء الربيع المأزوم. لكنه هذه المرة، موجه ضد دول التحالف العربي.

التباكي الإعلامي
بدوره، حاول موقع قناة "الجزيرة" على شبكة الإنترنت، مضافاً إليه مواقع أخرى إخوانية ومقربة من قطر، كعربي 21، ونون بوست، أن تجعل من صفقة القرن المزعومة محور الحالة الاقتصادية المتردية في الأردن، ويبدو واضحاً، أن من محركات ذلك الغلو، خسارة تنظيم الإخوان في الانتخابات الأخيرة لنقابة المهندسين الأردنيين قبل شهر تقريباً، وكذلك تجاوز حراك الشارع الأردني السلمي لجماعة الإخوان، وتحييدهم من "ركوب موجة الحراك وإفساده أو إحالته إلى العنف"، مثلما حصل في مصر عام 2012 مثلاً.

يحاول الإعلام المقرب من قطر زعم أن دول التحالف العربي تسعى لإفقار الأردن لتمرير ما يسمى صفقة القرن

محاولة إعلام الإخوان المقرب من قطر (استغلال الحراك الشعبي)، جعل عديدين يردون على كل هذه المحاولات، ومن أبرزهم؛ الباحث الأردني المتخصص بالإعلام  د.خلف الطاهات، الذي تساءل بوضوح خلال تصريحٍ له في صحيفة "عكاظ "بتاريخ 8 حزيران (يونيو) الجاري "ما هذا الكرم الحاتمي؟ الذي هلَّ على مسؤولي قطر وقياداتها، بحيث أخذوا يتباكون على معاناة الشعب الأردني من خلال (تويتر)"؟

من ردود الأردنيين الواسعة على أوهام ومزاعم الإعلام المقرب من قطر

وأكد الطاهات، أن دولة قطر "ساهمت بفعالية في محاصرة الشعب الأردني، فمنعت تأشيرات دخوله للعمل على أرضها، ووجهت رجال أعمالها لعدم الاستثمار في الأردن، كما لم تدفع حصتها في صندوق الدعم الخليجي للأردن".
وكان الطاهات، اعتبر ما فعلته دولة قطر "مشيناً، ويمثل انتهازيةً سياسية بكل وضوح، ولا عجب برأيه أن تغلق الأردن مكتب الجزيرة في عمان، وتخفف التمثيل الدبلوماسي لقطر في الأردن".
وفي حين اتحدت جيوش دولة قطر الإلكترونية والإعلامية، من أجل محاولة تجيير ما يحصل في الأردن من احتجاجاتٍ شعبية سلمية وراقية، وصلت في رقيها وأحقيتها حد وصف الملك عبد الله الثاني لها "أنها حق لشعبه". سعى إعلام دولة قطر من ناحيته إلى الانتقام من دول التحالف العربي، لكن دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تحميهما الحقائق والأرقام.

الطاهات: قطر ساهمت بفاعلية في محاصرة الشعب الأردني فمنعت تأشيرات العمل ووجهت رجال أعمالها لعدم الاستثمار في الأردن

فالإمارات، ومن خلال أرقام مركز الدراسات الاقتصادية وغرفة صناعة الأردن، ووفقاً لتقريرٍ صدر عام 2016، فإن حجم الاستثمارات والدعم الإماراتي، بلغا أكثر من "58" مليون درهم، وهو رقم يؤكده كذلك موقع "الخليج اونلاين"، من خلال تقرير نشر في 17 كانون الثاني (يناير) 2017.
بعد ذلك، وبحسب التقارير السابقة، تأتي المملكة العربية تاليةً للإمارات العربية المتحدة، ومن ثم الكويت، تليهما دولة قطر في الأخير من حيث الاستثمارات في الأردن والدعم.
صفقة القرن وعلاقات قطر بإسرائيل:

 

 

أما فيما يخص دور الأردن في القضية الفلسطينية، والولاية الهاشمية التاريخية، المختصة برعاية "مقدسات بيت المقدس والمسحد الأقصى"، فإنها غير معنيةٍ، وخصوصاً خلال العقدين الأخيرين، بما لم تقدمه دولة قطر إلى فلسطين، ذلك أنها أسهمت منذ ما بعد 2006، بتعزيز الانقسام الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وبقيت تحظى كل فترة، باتهاماتٍ عن طبيعة علاقاتها منذ بداية التسعينيات بالاحتلال الإسرائيلي، مما يفقدها أحقيتها في الحديث من خلال إعلامها عما تسميه "صفقة القرن".
اقرأ أيضاً: كاتب أمريكي يشيد بالتصريحات القطرية الإيجابية تجاه إسرائيل

وفي ذات السياق، لا يمكن إنكار تأثرِ إعلام قطر، بمجموعةٍ من المصطلحات التي ابتكرها من الوهم، ويئِسَ حين لم يجد لها صدى في الواقع، مثل "الحصار"، "صفقة القرن"، وغيرهما الكثير، مما جعله يخرج عن حاضنته العربية ربما في كثيرٍ من الأحيان، ومن يشاهد تلك الفضائيات والمواقع الإلكترونية، بجيوشها الرقمية الممولة، سوف ينتبه بحزن، إلى مدى التعلق بأمريكا وإيران وتركيا، وأي دولٍ مركزية عالمية، المهم أنها غير شقيقة، وغير عربية!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية