قمة ترامب – كيم.. هل هي نهاية متأخرة للحرب الباردة؟

قمة ترامب – كيم.. هل هي نهاية متأخرة للحرب الباردة؟


20/06/2018

ارتبطت سيرورة العولمة في بداية القرن العشرين بنهاية الحرب الباردة وانهيار جدار برلين 1989، وتفكك الاتحاد السوفياتي 1991، وفي جزء كبير من هذه الأحداث التاريخية التي مهدت الطريق لسيرورة العولمة الحالية، كانت لقاءات واجتماعات الرؤساء الأمريكيين، والزعماء والقادة العالميين، خاصة في الصين وروسيا، هي السبيل الوحيد لإعادة ترابط العالم، والتخلص من الحرب، أو التهديد بها، والوعود بالرخاء الاقتصادي والسلام العالمي.

وفي كل تلك الأحداث التاريخية التي شكلت عالمنا اليوم، كان هناك قادة وزعماء أقوياء يملكون بصيرة، وإرادة آمنوا بها ونفذوها دون التفات لسهام النقد والهجوم، وفي النهاية استحقوا صناعة السياسة الدولية.

هذا العام سيطر اللقاء التاريخي (12حزيران 2018)، في منتجع سينتوسا - سنغافورة، بين الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب ونظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون على كافة الأخبار العالمية.

الصين المستفيد الأكبر من القمة حيث هيأت أجواءها لكيم مؤملة استخدام مخرجاتها لمصلحتها في المنافسة مع أمريكا

وكان اللقاء، الذي استمر لمدة 45 دقيقة، كفيلاً بأن يشطر عالم السياسة العالمية إلى شطرين؛ ناحية تقيم هذه الخطوة التاريخية التي لا أعتقد أنّ أحداً يختلف فيها من المحللين السياسيين.

أما الاختلاف، فهو يرقد في جوف التفاصيل (الشيطان يرقد في التفاصيل، كما يقال)، والاختلاف هنا ينحصر في أمرين هما: الأول متفائل، ينظر بإيجابية كبيرة لما حققه الزعيمان.

والثاني متشائم؛ على العكس مباشرة ينظر بسلبية مفرطة للقمة، ويصف ما حققه ترامب، تحديداً بأنه مجرد استعراض يخلو من المضمون.

الجانب المتفائل يرى من منظار المصالح الدولية في نزع فتيل صراع دام قرابة 70 عاماً، منذ تأسيس كوريا الشمالية في 9 أيلول (سبتمبر) 1948، في منطقة حساسة من العالم اقتصادياً وجيوسياسياً في شبه الجزيرة الكورية، وضرورة إقفال آخر الملفات العالقة للحرب الباردة سيئة السمعة.

اقرأ أيضاً: ترامب وكيم: ابتسامات بعد إهانات.. ماذا بعد؟

وأنّ ترامب مارس دبلوماسية (غير أرثوذكسية) غير تقليدية من خلال الاشتباك المباشر مع كيم، وأنه بذلك تجنب حرب حافة الهاوية، بحسب تعليق فيكتور تشاو- المسؤول السابق عن ملف كوريا الشمالية في إدارة جورج بوش الابن، وهذا يُحسب لترامب، ويزيد من شعبيته داخل أمريكا، خاصة في أوساط الحزب الجمهوري.

هذا التفاؤل عبّرت عنه دول المنطقة بتفاوت؛ حيث عبّرت كلّ من اليابان وكوريا الجنوبية والهند والباكستان والصين وروسيا، عن ترحيب عام بالخطوة؛ وإن كانت الصين، وهي المعني الأهم بالملف، قد رحبت بحذر، ومثلها روسيا التي حذرت من التفاصيل الدقيقة.

ويمكن هنا أن نلتمس العذر للصين وروسيا، على اعتبار أنهما رأس حربة المعسكر المضاد للهيمنة الأمريكية، الذي تقف على رأسه منظمة التعاون، التي تزامن اجتماعها الأخير، مع اجتماع الدول السبع الكبار في كندا، الذي ربما "خرّبه" وأفشله دونالد ترامب، بعد رفضه التوقيع على البيان الختامي، وغادر مسرعاً للقاء كيم جونغ أون في سنغافورة.

الصين، في النهاية، هي المستفيد الأكبر من القمة، وهي التي هيأت الأجواء وموّلتها لكيم، وتأمل استخدام مخرجاتها لمصلحتها الخاصة في حرب المنافسة القادمة مع أمريكا.

لقد كان ردّ الصين متحفظاً ومدروساً بشكلٍ كبير.

ويمكن ملاحظة ذلك من طريقة تعليق الحزب الشيوعي الصيني الحاكم على القمة؛ حيث ورد خبر مقتضب على الصفحة الثالثة من صحيفة الحزب "الشعب اليومية"، حول رد فعل وزارة الخارجية الصينية على المحادثات، أمّا النسخة الإنجليزية من صحيفة "الصين اليوم"، فذكرت بتحفظٍ شديد أنّ "سير المحادثات بسهولة وسلاسة يعني نتيجة إيجابية".

هناك من وصف اللقاء بأنّه مصارعة استعراضية تخلو من الجدية وقمة التقاط الصور والوعود المهشمة فقط

أما روسيا، فهي حساسة جهة الجغرافيا السياسية للجزيرة الكورية، وخائفة على خاصرتها الشمالية الشرقية التي لا يفصلها عن كوريا الشمالية إلا نهر تومين الذي يصبّ في بحر اليابان.

وكان من اللّافت الموقف الإيراني الذي حذّر الكوريين من تلاعب ترامب.

على كلّ، فإنّ هذا التفاؤل العام أو المشوب بالحذر ربما يتبدل في الأيام القادمة، وتظهر النوايا ووجهات النظر بشكلٍ أوضح، خاصة من جانب كوريا الجنوبية واليابان، الحلفاء الأقوى والأهم لأمريكا.

ولعله من المفارقات العجيبة أنّ المقاربة المتشائمة جاءت من الأوساط السياسية الأمريكية، التي رأت أنّ ترامب ذهب بعيداً في دعم الموقف الدولي والشرعية الدولية لنظام كيم، رغم الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، واستمرار برنامجه النووي.

اقرأ أيضاً: هل يكون الأسد ثاني من يلتقي كيم جونغ بعد ترامب؟

ثم إعلانه في القمة؛ أنه سيوقف المناورات العسكرية المشتركة مع الحليفة كوريا الجنوبية، الأمر الذي أصابها بالصدمة، ولا بدّ من أنه فاجأ اليابانيين أيضاً. الأمر الذي أربك السياسيين والعسكريين في واشنطن، خاصة من حزب الرئيس ترامب الجمهوري، وهو ما فسّره، من وجهة نظري، الاجتماع السريع لنائب الرئيس مايك بينس بالنواب الجمهوريين، وتصريحه لهم بأنّ "الجاهزية العسكرية، والتدريبات وتبادل الخبرات سيستمر مع كوريا الجنوبية، لكن "لعبة الحرب" هي التي ستنتهي، ثم تبع ذلك زيارة وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبييو، إلى كوريا الجنوبية واليابان، لشرح الموقف وتطمينهما من الموقف الأمريكي."

ردّة الفعل السلبية في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية، كما عبرت عنها-على سبيل المثال- مجلة الفورين بوليسي، والفورن أفيرز، وعدد من مراكز الدراسات تركز على نقطة جوهرية تتلخص في أنّه صحيح أنّ القمة لحظة "تاريخية"، لكن كيم، وفقها، لا يمكن الوثوق به، وأنّه "مجرم" انتهك الكثير من حقوق الإنسان وقرارات الأمم المتحدة، وأنّ ترامب منحه العفو عن جرائمه وطوق النجاة في النظام العالمي، على حد وصف البرفسور مايكل غرين، المسؤول السابق عن آسيا في مجلس الأمن القومي في إدارة جورج دبليو بوش.

وأنّ أمريكا لن تحقق أيّاً من أهدافها الرئيسة في السياسة الخارجية، كما أنّ الوعود بنزع الأسلحة النووية ليست المسألة الوحيدة في الملف مع كيم، وليس هناك ذكر لإنهاء الحرب الكورية (1950-1953)، ولا إنهاء الحصار الاقتصادي على كوريا الشمالية، وكيفية إنهاء ملف المفقودين وأسرى الحرب الأمريكيين، الذين يبلغ عددهم 7700 مفقود، غير معروف مصيرهم.

أما تعهد ترامب في البيان الختامي بنزع الأسلحة الذرية من شبه الجزيرة الكورية؛ فهو يعني إزالة المظلة النووية عن كوريا الجنوبية حليف أمريكا، وهو أمر أصابها بالرعب؛ لأنّه سيتركها عرضة لخطر التدخل من كوريا الشمالية، لكنّ البيان الختامي لم يذكر أي شيء عن تخلي كوريا الشمالية عن برنامجها النووي.

فيرجسون: ترامب كان أكثر نجاحاً ووضوحاً في سياسيته الخارجية من سابقه باراك أوباما

والتذكير بأنّ اللقاءات الرئاسية السابقة، والقمم مع زعماء المعسكر الشرقي، كانت تعقد تحت عنوان الأهداف والمصالح المشتركة، والكيمياء المشتركة بين الأطراف، وسيطرة على السياسية الداخلية، مثل لقاء الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بالزعيم الصيني الأسطوري ماو تسي تونغ، في 21 شباط (فبراير) 1972، ثم التقى في أيار (مايو) من العام نفسه، بالزعيم السوفييتي ليونيد بريجنيف، ثم التقى رونالد ريغان بميخائيل غورباتشوف في تشرين الثاني (نوفمبر) 1985 في جنيف، وهي القمة التي مهدت لنهاية الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفياتي 1991.

كل هذا النقد لنصل إلى درجة أنّ هناك من وصف اللقاء، بأنّه "مصارعة استعراضية" تخلو من الجدية، وقمة التقاط الصور والوعود المهشمة فقط، وخداع صنّاع القرار من مشرّعين وعسكريين في الحزب الجمهوري الحاكم، ولم تكن خطوة دفع إلى الأمام.

في الخلاصة، فإنّه يمكن تفهم تضارب وجهات النظر بين المتفائل والمتشائم؛ فكلّ طرف يرى الأمر من منظوره الضيق الخاص، سواء على مستوى الأطراف الفاعلة من الدول أو الجماعات والأفراد، خاصة تلك المعنية مباشرة بنتائج القمة، وعلى رأسها أمريكا وكوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والصين واليابان وروسيا وإيران.

ومن المرجح أنّ الخاسر الأكبر من القمة سيكون إيران؛ خاصة إذا نجحت الاجتماعات القادمة مع الكوريين، لماذا؟

ببساطة؛ لأنّ إيران ستكون وجهاً لوجه مع أمريكا في هذا الملف، بعد لجم كباح جموح وجنون "الرجل الشرير" كيم جونغ أون.

اقرأ أيضاً: قمة ترامب وكيم: كوريا الشمالية تنزع أسلحتها النووية.. فماذا عن إيران؟

و هذا يذكرني بمقابلة معبرة نشرت في صحيفة "التايمز" في تاريخ 13 أيار (مايو) 2018، للمؤرخ والمعلق السياسي البريطاني نيل فيرجسون، الباحث في معهد هوفر – أمريكا، لخّص فيه الوضع مع إيران؛ حينما شبّه قرار ترامب بالانسحاب من صفقة النووي مع إيران، والاتفاق مع كوريا الشمالية، في فيلم الكابوي الشهير للمخرج سيرجيو ليوني "الطيب والشرير والقبيح"، الطيب هو الممثل كلينت إيستود، والشرير هو لي فان كليف، والقبيح كان إيلي وليش.

وهنا إيران تمثل القبيح، وكوريا تمثل الشرير، العبرة أنّ ترامب فعل كما فعل كلينت إيستود، عندما أفرغ مسدس القبيح من الرصاص، خلال المواجهة الثلاثية للسيطرة على الذهب في الفيلم، وتفرغ لقتل الشرير، ثم أجبر القبيح تحت تهديد السلاح بالحفر لاستخراج الذهب.

تحتاج إلى مشاهدة الفيلم لمعرفة التفاصيل والعبرة .

في الخلاصة؛ يصل فيرجسون إلى نتيجة، بحسب رأيه الشخصي، أنّ ترامب كان أكثر نجاحاً ووضوحاً في سياسيته الخارجية من سابقه باراك أوباما.

أعتقد أنّ الأيام القادمة ستثبت؛ هل نجح ترامب فعلاً بقتل الشرير وحيّد القبيح؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية