هل انتهت مغامرة الصدر مبكراً في العراق؟

العراق وإيران

هل انتهت مغامرة الصدر مبكراً في العراق؟


28/06/2018

أطنب محللون وخبراء أمريكيون وغربيون في الحديث عن "نتائج سارة" قدمتها الانتخابات العراقية الأخيرة، لجهة أنّ الفائز الأكبر كان تحالف "سائرون" بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر، الداعي إلى خروج العراق من مستنقع الطائفية الذي غطس فيه عميقاً منذ العام 2003.

وتحدث مارك بوروبكانسكي، المراسل والمحرر الصحافي الأمريكي المختص بالشؤون الخارجية  لنحو 30 عاماً، حين عمل حتى وقت قريب كمحرر للسياسة الخارجية في صحيفة "لوس أنجلوس تايمز"، بنبرة المتفائل "إذا كان الرئيس ترامب قلق حقاً من إيران، فهناك فرصة تنتظره في العراق"، وخلاصة ما يمكن لترامب أن يفعله لمواجهة إيران في العراق هو أن "يمد يد التعاون مع القائد الذي سبق أن حارب أمريكا، فليس عليك أن تكون صديقاً، ولا يجب عليك أن تنسى ما فعله الصدر.

الائتلاف الذي تم بضغط من إيران يعني عودة إلى الاصطفافات الطائفية بقيادة أمراء الدم والفساد

التعاون معه سيكون حبة دواء مرّ للعديد من الأمريكيين الذين قاتلوا في العراق، وخطوة صعبة للرئيس صاحب شعار "أمريكا أولاً" لكن يمكنه كبراغماتي تجاوز هذه العقبات".

وذهب مايكل د. سوليفان، وهو كولونيل في الجيش الأمريكي، خدم خمس مرات في العراق بين الأعوام 2004 و 2018، ويعمل حالياً في مكتب السفارة الأمريكية للتعاون الأمني في بغداد، إلى أبعد من ذلك فكتب مقالة نشرها الأسبوع الماضي موقع مجلة "فورين بوليسي" واسعة التأثير، تناول فيها "الشخصية المعروفة زعيم الميليشيا السابق الذي أرعب ذات مرة القوات الأمريكية وقد أعاد بناء نفسه على أنه وطني عراقي وبراغماتي"، مؤكداً "نعم قاتلت مقتدى الصدر لكنه الآن أفضل أمل للعراق".

اقرأ أيضاً: هل يفعلها الصدر؟!

مايكل د. سوليفان

وبدا لافتاً في قول سوليفان إضفاء الطابع البراغماتي الحيوي على سياسة الرجل الذي كان جزءاً بارزاً من أزمة العراق المتواصلة: الانقسام الطائفي "لقد كان الصدر دائماً وطنياً عراقياً، يضع بلاده أمام جميع القوى الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، إيران. مثله كان صدام حسين دائماً وطنياً عراقياً، ووضع بلاده أمام جميع الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة، والأهم من ذلك، إيران. إنه براغماتي، وعلى الرغم من أنه لم يقل ذلك علناً، يبدو أنّ الصدر يفهم أنّ العراق وحده -دون الولايات المتحدة وشركائه في التحالف- لا يستطيع تعزيز قواته الأمنية لمنع انفجار آخر مثلما حدث من عام 2013 إلى عام 2014، عندما استولت الدولة الإسلامية على مساحات شاسعة من البلاد".

لا خروج للعراق من نفقه المظلم الطويل طالما ظلت قيادته رهناً للسياسات الإيرانية

صحيح إن كثيراً من المحللين والخبراء الغربيين نهجوا في التطبيل لـ"تحوّل" في العراق عبر انتصار تحالف "سائرون"، كانوا يعترفون بمسؤولية الصدر عن "تمزيق المجتمع العراقي عبر التصفيات الدموية بحق السنة" لكنهم يعودون إلى القول، ومنهم سوليفان "تركتني هذه الانتخابات الأخيرة بشعور نادر في كل سنواتي في العراق، وبالتأكيد لم أكن لأتصور أبداً أنني أضم صوتي إلى مقتدى الصدر: بوصفه الأمل".

اقرأ أيضاً: كيف لطهران أن تتجاوز رجل العراق الأول مقتدى الصدر؟

هذه الموجة من التفاؤل الأمريكي والغربي بالصدر سرعان ما انحسرت فتكشفت الأيام التالية عن تناقض في مواقف السيد مقتدى الصدر، فـ"رجل الدين الشيعي الذي شن حملته الانتخابية اعتماداً على منصة تدعو لإنهاء السياسة الطائفية واستبدالها بحكومة تضع مصالح العراقيين أولاً، قام بتشكيل ائتلاف ما بعد الانتخابات مع كتلة شيعية منافسة تضم بعض أقوى الميليشيات التي تعمل في العراق - وهي مجموعات تحصل على تمويلها ودعمها من طهران".

اقرأ أيضاً: قاسم سليماني في العراق لتشكيل تحالف ضدّ مقتدى الصدر

وتظهر هذه الصفقة الدور النشط الذي تلعبه إيران في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة؛ حيث أرسلت مستشارين عسكريين وروحيين رئيسيين لإحياء التحالف الكبير بين الأحزاب الشيعية كتأكيد صريح لنفوذها في بغداد. كما أنه يوضح كيف اكتسبت إيران نفوذاً جديداً على الصدر.

تظهر الصفقة الدور النشط الذي تلعبه إيران في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة

فالتحالف بين كتلة "سائرون" التابعة للصدر وكتلة "الفتح" التابعة لهادي العامري، "جاء في أعقاب الضغوط الإيرانية المكثفة، بما في ذلك زيارات الجنرال قاسم سليماني صاحب النفوذ القوي في العراق منذ 2003 والمقرب جداً من الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، ولقاء الجنرال بالصدر في وقت سابق من هذا الشهر".

مقابل هذا الائتلاف، الذي جاء نتاجاً لتأثير إيران على القوى الداخلية في العراق، سيكون هناك تحالف سني وآخر كردي، وعودة للطائفية بين جميع الكتل والفصائل المسلحة، وهذا ما يعني فصلاً جديداً من فصول الأزمة العراقية  المتواصلة، ونهاية لآمال عراقيين كان يفترض أن تكون نتيجة الانتخابات بعيدة عن الانتماء الطائفي، فالائتلاف الذي تم بضغط من إيران، يعني عودة إلى المستنقع الرهيب: الاصطفافات الطائفية بقيادة أمراء الدم والفساد.

اقرأ أيضاً: هل يضيق الصدر الخناق على حلفاء إيران في العراق؟

قبل فترة قصيرة من الانتخابات استهزأ الصدر بتحالفٍ لم يدم طويلاً بين العامري والعبادي باعتباره "بغيضاً وعودةً للطائفية"، لكنه الآن، انضم إلى تحالف مع كليهما. هذا يعني بجلاء نهاية مغامرة الصدر بسرعة، لا تبدو مستغربةً عند من يعرفون تماماً أن لا خروج للعراق من نفقه المظلم الطويل طالما ظلت قيادته رهناً للسياسات الإيرانية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية