ماذا لو بقي الإخوان المسلمون في الحكم؟

ماذا لو بقي الإخوان المسلمون في الحكم؟


02/07/2018

خمسة أعوام مرّت على ثورة 30 يونيو، التي جسدت لحظة فارقة في تاريخ مصر، التقت فيها إرادة الشعب بإرادة مؤسساته في خلع تنظيم الإخوان من الحكم، وإنهاء مؤامرة استهدفت السطو على هوية هذا البلد وحرف مساره باتجاه مشروعات إقليمية ودولية لم تعد خافية.

لم تتوقف أبواق الجماعة عن وسم ما جرى بالانقلاب على "شرعية" محمد مرسي، مندوب التنظيم في قصر الرئاسة، رغم تهافت وانكشاف خطابات الجماعة التي عكست حالة مركبة من حالات الإنكار لكل خطاياها من جهة، ولمطالب الشعب المصري الراسخة في التغيير للأفضل من جهة أخرى. 

ومع استقرار الدولة المصرية الجديدة، ومرور خمسة أعوام على الثورة الشعبية، تعزز فيها استقرار بُناها، وانخرطت معه في خوض مواجهة صعبة مع ثلاثة تحديات: 

تمثّل التحدي الأول باستعادة كفاءة وتماسك مؤسسات الدولة المصرية، التي عانت تغلغلاً لجماعة تصوّرت أنّ فرصتها قد لاحت للبقاء في الحكم لأعوام طويلة قادمة، وهو ما انعكس في سعي حثيث لعناصر إخوانية للتسلل لبنية المؤسسات الأمنية، وهو ما تم إجهاضه لاحقاً، مع غيرها من مؤسسات الدولة، فيما عرف بـ "الأخونة" التي كشفتها للمفارقة مجموعات سلفية كحزب النور.

جسدت ثورة 30 يونيو لحظة فارقة في تاريخ مصر التقت فيها إرادة الشعب بإرادة مؤسساته

أما التحدي الثاني؛ فكان استعادة الأمن وتفكيك شبكات الإجرام تحت عناوين دينية، التي سمّيت "الجماعات الإسلامية"، بطيفها الإخواني والسلفي والجهادي، المصطلح الذي تنبغي إعادة تحريره ليكون متوافقاً مع قاموس الدولة المدنية، التي لا تعرف تلك الكيانات التي يلتبس فيها الدعوي بالسياسي، ومفهوما الحزب بالدولة.

نجحت الدولة المصرية، عبر أعوام مريرة، وما تزال، تكمل مسار استعادة الأمن عبر عملية شاملة، انطلقت في التاسع من شباط (فبراير) من العام الحالي، مستهدفة بالأساس شراذم "داعش" التي نجحت في تقليم أظفارها والدخول في مراحل نهائية، لإنهاء وجودها بالكامل على تراب سيناء، كما نجحت الأجهزة الأمنية في إنهاء وجود الأذرع المسلحة لجماعة الإخوان، مثل: كتائب المقاومة الشعبية، والعقاب الثوري، وحسم، ولواء الثورة، وغيرها من عناوين العنف، الذي انطلق بعد ثورة  30 يونيو، بالشكل الذي لم تعد معه الجماعة، كتشكيل عسكري، قائمة أو قادرة على تكدير أمن المجتمع، سوى من عمليات يائسة ومحدودة تتصدى لها أجهزة الأمن وتجهضها قبل حدوثها، بفضل جهد معلوماتي ضخم، في إعادة رسم خريطة تلك المجموعات وحصارها قبل الانخراط في أية عمليات.

اقرأ أيضاً: "الإسلام دين ودولة".. شعار أزمة لم تنته بعد

بشكل عام، نجحت الأجهزة الأمنية في استعادة قدر كبير جداً من الأمن، بعد أعوام عصيبة من المواجهة مع أشباح الإرهاب، الذين وفّر لهم تنظيم جماعة الإخوان الغطاء الذي مكّنهم، عبر أعوام ماضية، من الاختباء والتخفي تحت عناوين مضلّلة، لم تحجب كونهم أحد عناوين التطرف والإرهاب الذي يحارب الدولة الوطنية، ويتربّص بها.

عانت مصر تغلغلاً لجماعة تصورت أنّ فرصتها قد لاحت للبقاء في الحكم لأعوام طويلة

جسّد الهمّ الاقتصادي التحدي الثالث الأخطر؛ حيث مضت الدولة المصرية بإرادة حاسمة وشجاعة في إجراءات صعبة على هذا الصعيد؛ كتحرير سعر صرف العملة المحلية، وتقليص فاتورة الدعم العيني، والتحول التدريجي باتجاه الدعم النقدي، وإصلاح النظام الضريبي، مع تحرير أسعار بعض السلع والخدمات التي ظلّت أسعارها ثابتة لأعوام طويلة، ما انعكس على عائدات تلك المرافق، وقلّص حجم الموارد المتاحة واللازمة للإنفاق على خدمات رئيسة؛ كالصحة والتعليم وغيرها من بنود الإنفاق، فضلاً عن التأجيل المتكرر للتعامل مع العجز الفادح في الموازنة العامة للدولة.

لم يكن من الممكن لكل تلك الإجراءات أن تمرّ لولا وجود تفويض شعبي لم يتغير، رغم قسوة الحياة على كثير من المصريين ومعاناتهم من تحمل العبء الأكبر لفاتورة الإصلاح، الذي لن يكتمل، لا شكّ، دون مواجهة حاسمة مع الفساد الذي استشرى في الكثير من مؤسسات الدولة، ويهدد عملية التنمية الشاملة.

اقرأ أيضاً: هل احترم الإخوان مقولاتهم التأسيسية؟

بشكل عام، تمضي الدولة في الإصلاح الاقتصادي دون خوف أو تردد، وهو ما سينعكس قطعاً على مستقبل مصر خلال الأعوام القادمة.

مع كل تلك التحديات التي عكست مناخ دفع الفواتير، وتحمّل الأعباء بما يخلّفه في نفوس البعض من مرارة، تجعلها ربما مهيّأة للتعاطي مع خطابات التحريض والتشكيك في كل قرار وسياسة وتوجه، انتشرت إشاعات تشكّك في دوافع وبوصلة النظام السياسي، بدءاً من ملفات محلية إلى إقليمية إلى دولية، ورغم انكشاف تلك الدعاية بفعل مواقف حاسمة في السياسة لا تقل أهمية وتأثيراً عن مواقف وقرارات الدولة الاقتصادية والأمنية، يبدو السؤال الأهم الآن: ماذا لو لم تنطلق ثورة 30 يونيو وبقي الإخوان في الحكم لأعوام أطول أو حتى أكملوا  فترة ولاية واحدة؟

نجحت الأجهزة الأمنية في استعادة قدر كبير جداً من الأمن بعد أعوام عصيبة من مواجهة الإرهاب

إنّ الإجابة عن هذا السؤال لدى الإخوان أنفسهم، الذين أزعجهم في ثورة 30 يونيو، التي أسموها "انقلاباً"، شيء فقط؛ أنّ هذا الحراك الشعبي قرّر في لحظة حاسمة إنهاء حلم الإخوان في البقاء في الحكم لأعوام مديدة؛ حيث ظلّوا يعتقدون طويلاً أنّهم سادة الحشد، القادرون على استلاب الجماهير عبر خطاب عاطفي يتوسل بالدين، لم يزعجهم شيء بقدر ما أزعجهم أنّ خطابهم هذا لم يعد ينطلي على أحد.

كي نتخيل ملامح مصر تحت حكم الإخوان، لو نجحوا في إجهاض ثورة 30 يونيو، علينا التأمل فيما تعيشه شعوب أخرى تتشارك مع الجماعة أيديولوجيتها المدمرة.

اقرأ أيضاً: كيف تحولت البيعة من المعنى الديني إلى السياسي؟

تأملوا إيران التي يرزح شعبها تحت حكم قمعي، لا تخفي قسوته ابتسامات الملالي الزجاجية، وخطابهم المراوغ، تماماً كقيادات الإخوان التي كنا سنراها تبتسم خلف الشاشات لترسم ملامح من يحسبون أنّهم ظل الله على الأرض، بينما يقمعون معارضيهم باسم نصرة الدين وأصواتهم تعلو بالتكبير دون خجل.

دولة التنظيم هي ما نراه في دولة الملالي الشيعية التي كان الإخوان يريدون أن يبنوا لها نظيراً سنياً.

دولة التنظيم هي ما نراه في إيران التي كان الإخوان يريدون أن يبنوا لها نظيراً سنياًّ

لم يكن لقاء خيرت الشاطر، رجل الجماعة القوي، بقائد الحرس الثوري الإيراني، في عام الإخوان الأول والأخير، مجرد لقاء لتبادل الخبرات، بل كان حلقة من حلقات التعاون بين ولاية الفقيه الشيعية التي انطلقت في نهاية السبعينيات، مع ولاية الفقيه السنية التي تأسست قبلها بأعوام طويلة في نهاية العشرينيات.

لم يترجم خامنئي مؤلفات سيد قطب اعتباطاً، ولم يزر نواب صفوي جامعة القاهرة لالتقاط الصور تحت قبتها، دائماً كان وراء الأكمة ما وراءها، وقد يأتي الوقت لكشف الأبعاد الكاملة لهذا التعاون، أو قلْ التآمر الإخواني الإيراني.

اقرأ أيضاً: كيف تنشأ علاقة صحيّة بين الدين والدولة؟

استمرار حكم الإخوان كان يعني دولة التنظيم السري، التي يخضع التوظيف فيها لثقة المرشد ومكتب الإرشاد، والتي يجلس فيها رئيس الدولة شكلياً في القصر الرئاسي، بينما يحكم المرشد فعلياً من مقره، في مشهد يذكِّر بما يحدث في إيران التي يحتفظ فيها المرشد بكل الصلاحيات، بينما يبقى الرئيس المنتخب مجرد ديكور لإلهاء شعب يعاني القمع الناعم والخشن وتتخفى قياداته خلف الابتسامات الزجاجية؟

لو أردتم التعرف إلى ملامح مصر لو بقي الإخوان في الحكم أطول من عام، تأملوا ما يجري في نماذج إيران أو السودان أو حتى باكستان، فـ"بركات" الجماعة هناك لا تخطئها عين!


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية