سعيد شعيب: مانزال نحارب الإرهابيين لا الإرهاب نفسه

سعيد شعيب: مانزال نحارب الإرهابيين لا الإرهاب نفسه


22/11/2020

أجرى الحوار: ماهر فرغلي


قال الكاتب والصحافي المصري سعيد شعيب إنّ الخوف من الإسلام في الغرب عائد بالدرجة الأولى إلينا نحن وليس الآخر؛ بسبب زيادة مستوى الحوادث الإرهابية التي ينفّذها أناس ينتسبون لهذا الدين، مؤكّداً أنّ من يقول إنّ الغرب هو الذي اخترع "داعش" يهرب من حقيقة أنّ هذا التنظيم "ابن ثقافتنا الدينية التي اعتمدت تفسيرات مجتزأة وخاطئة تحتاج إلى مراجعة".

الإخوان لم ينتشروا في العالم بحكم عبقريتهم بل لأنّنا نقدم لهم الجنود المهيئين للانضمام إليهم

وأضاف، نائب رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع" السابق والباحث في الحركات الإسلامية المقيم بكندا، في حواره مع "حفريات"، أنّ الإخوان وغيرهم من الإسلاميين تغلغلوا في الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني في الغرب، وصدّروا صورة غير صحيحة عن أنفسهم، بأنّهم "مسالمون" ويؤمنون بالحريات والديمقراطية وقيم الدولة المدنية، رافضاً أي نوع من الصفقات السياسية معهم في الدول العربية، وأنّ الأولى فتح الحريات والمجال العام لتفكيك الأساس الديني الذي يستندون إليه.

وهم الإسلاموفوبيا

بحكم إقامتكم في كندا، كيف تصف خريطة الإسلاميين في الغرب؟

خريطة الإسلاميين في كندا والغرب هي ذاتها الموجودة في العالم العربي؛ لدينا سلفيون وإخوان مسلمون، وحتى حزب التحرير الذي يؤمن بالخلافة، الفرق بين الغرب والشرق الأوسط هي أنّ الإسلاميين هنا يتمتعون بحريات كبيرة مثلهم مثل المواطن الكندي لا فرق، هم يستغلون هذه الحريات في التغلغل بنسيج المجتمع وتوسيع رقعة تأثيرهم في إفساد المسلمين، وتحويلهم إلى مشروع سياسي، الهدف الأول له هدم الحضارة الغربية التي يعيشون في نعيمها.

هل الإسلاموفوبيا حقيقة أم إحدى المبالغات التي يروّج لها البعض لأهداف خاصة؟

لا يوجد اسلاموفوبيا، بمعنى وجود عداء منهجي للإسلام والمسلمين، لكن توجد حوادث فردية تحدث من حين لآخر ضد بعض المسلمين وغير المسلمين، والذي يحدث له هذا التمييز يكون شخصاً "محظوظاً"! لأنّه استناداً إلى القانون الذي يطبّق على الجميع دون تمييز سوف يحصل على تعويض مالي ضخم، فضلاً عن سجن المعتدي.

من المهم أن أقول إنّ المسلم يتمتع في الغرب بحريات دينية وغير دينية لا يحصل عليها في بلده الأصلي أو أي بلد إسلامي، لكن بالتأكيد هناك قوى يمينية لا تحب ولا تريد المسلمين ولا أيّ مهاجر آخر، لكن لا بد من التأكيد أنّه لا توجد تنظيمات يمينية مسلّحة تستهدف المسلمين حصراً، فآخر إحصاء في كندا حول التمييز جاء في مقدمة المستهدفين به اليهود، ثم السود، وفي المرتبة الثالثة يأتي المسلمون.

لا يوجد عداء منهجي للإسلام في الغرب بل حوادث فردية من حين لآخر ضد بعض المسلمين وغيرهم

لكن من جانب آخر فهذا اليمين أو حتى المواطن الكندي العادي متوجّس من الإسلام والمسلمين، وهذا وضع طبيعي؛ لأنّه يظهر بين الفينة والأخرى أناس ينتسبون لهذا الدين رُحّب بهم في بلده، وأُعطوا حقوق المواطنة كاملة، والجنسية وهذا المزايا قد لا يحصلون عليها في أي بلد إسلامي، ومع ذلك فيمكن أن يقتلهم أو يدهسهم، كما حصل في حوادث كثيرة، وحتى من كان غير مسلّح من هؤلاء المتطرفين فهو يريد تغيير طبيعة البلد وتحويلها إلى ديكتاتورية دينية، وهنا يسأل المواطن الغربي العادي نفسه: لماذا يريدون هدم نظام البلاد التي منحتهم كل هذه الحريات؟!

الإخوان "إرهابيون غير مسلّحين" يعدّون الجنود لحين امتلاك القوة لفرض أيديولوجيتهم

هذا لا يعني إعطاء المبررات لليمين أو غيره، لكنني أحاول أن أبين أنّ الخوف من الإسلام والمسلمين عائد بالدرجة الأولى إلينا نحن وليس هم؛ سببه زيادة الإرهاب في الغرب، وللأسف إذا لم يستطع المسلمون حل المشكلة أو التقليل منها ومن آثارها، سوف يدفع الغالبية الأبرياء منهم ثمناً باهظاً.

ألا ترى أنّ الدول الغربية بدورها تساهم في نشر التطرف؟

هناك فرق بين الحكومات والمجتمعات؛ على مستوى الحكومات فقد تم استخدام الإسلام والمسلمين منذ أيام هتلر حين أسس وحدة عسكرية من مسلمي القوقاز ليحاربوا ضد الاتحاد السوفييتي "الشيوعي الكافر"، وهذه السياسة ظلّت موجودة حتى بعد رحيل النازية، فقد تم استخدام الإسلاميين لإسقاط السوفييت بعد ذلك، وهذا ما حدث كما تعرفون في أفغانستان، وهو ما يحدث في سوريا بشكل أو آخر. الحكومات الغربية وقعت وتقع في خطأ استخدام التطرّف، لكنّها باعتقادي لم تخلقه، لقد استخدمت شيئاً موجوداً عندنا، ومن يقول إنّ الغرب هو الذي اخترع مثلاً "داعش" كمؤامرة ضد الإسلام والمسلمين، فهو يحاول إنكار أو الهروب من حقيقة أنّ هذا التنظيم ابن ثقافتنا الدينية التي اعتمدت تفسيرات مجتزأة وخاطئة تحتاج إلى مراجعة.

التغلغل الإخواني في الغرب

لكن كندا، على سبيل المثال، لم تعلن الإخوان المسلمين جماعة إرهابية رغم كل ما ارتكبته!

ليس فقط في كندا، لكن أيضاً في أمريكا، ثمة أسباب كثيرة، منها أنّ إعلانها منظمة إرهابية سوف يلقى استياء حكومات، يرتبط معها الغرب بمصالح، كما أنّ الإخوان يحكمون بالفعل في بعض البلدان مثل؛ السودان وتركيا، السبب الثاني هو أنّ الإخوان وغيرهم من الإسلاميين تغلغلوا في الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، وصدّروا صورة غير صحيحة عن أنفسهم، بأنّهم "مسالمون"، ويؤمنون بالحريات والديمقراطية وقيم الدولة المدنية. كما أنّ الإخوان مثلاً متحالفون ومتغلغلون داخل الحزب الليبرالي الحاكم في كندا، رغم أنّ هذا الحزب مثلاً متحالف ويساند حقوق المثليين، فضلاً عن  أنّه لا يوجد تعريف محدد للإخوان يمكن الاستناد إليه، فهناك آلاف المنظمات والمساجد والمدارس تنشط في الغرب لا يعترف القائمون عليها أنّهم إخوان كنوع من "التقية"، في حين أنّهم ينفذون حرفياً هذه الأيديولوجيا.

 

 

كيف ترى أنشطة الجمعيات التابعة للجماعة بكندا؟

ربما لا يعرف كثيرون أنّ الإخوان والإسلاميين كادوا أن ينجحوا في تطبيق الشريعة في ولاية اونتاريو! وذلك بالاستناد إلى قرار حكومة المقاطعة بأن يحاول أبناء كل طائفة دينية حل مشاكلهم قبل الوصول إلى القضاء، وقد استغل الإسلاميون ذلك وأسّسوا مجلساً ليحكم بين المسلمين، وبعدها طالبوا بتطبيق الشريعة، وقد تصدى لهم النساء المسلمات، ومعهنّ قطاع غير قليل من الرجال المسلمين. كان ذلك في العام 2005، عندما خرجت مظاهرات ضد هذا التوجّه.

الحكومات الغربية تقع في خطأ استخدام التطرّف لكنّها لم تخلقه بل استخدمت شيئاً موجوداً عندنا

هذه الواقعة مؤشر على مدى تغلغل الإخوان والإسلاميين في المجتمع الكندي، فقد أصبح منهم أعضاء في البرلمان الحالي، وأظن أنّهم لعبوا دوراً في وضع مصر على قائمة الدول التي يتم تسهيل اللجوء السياسي منها، مثل اليمن وسوريا. كما أنّهم يسعون حالياً إلى أن يصدر البرلمان الكندي قانوناً يشبه قانون ازدراء الأديان في مصر، وذلك لمنع أي مسلم، أو غير مسلم أن ينتقد أيديولوجيتهم الدينية. كما أنّ الإخوان المسلمون مسيطرون على المساجد والمدارس الإسلامية، وعلى أغلب المنظمات الإسلامية، أي على قطاع كبير من المسلمين.

أيديولوجيا الإسلاميين ستنتهي حتماً مثلما انتهت الكثير من الأيديولوجيات غير الإنسانية

للأسف تمكّن الإخوان من خداع الحكومة الكندية وغيرها من الحكومات الغربية بأنّهم ممثلون للمسلمين، ويتحدثون باسمهم، كما أنّهم يدعمون بطبيعة الحال الإخوان في مصر والشرق الأوسط، ويتلقون المساندة من قطر لأنشطتهم في الغرب، ويوظّفون ذلك ضد الدول الخليجية الأخرى، من خلال توجيهه دعم الإخوان والإسلاميين في الشرق الأوسط.

ماذا بشأن دور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟

التنظيم موجود في كندا وأمريكا وكل الدول الغربية، وهناك "وثيقة تمكين" تشرح الآليات التي تستخدمها جماعة الإخوان لهدم الحضارة الغربية من داخلها (يسموّنه جهاداً حضارياً). وكتابي الذي صدر مؤخراً "خطورة الإسلام السياسي على كندا.. مع تحذير لأمريكا" يتضمن رصداً دقيقاً للمنظمات الإسلامية التي تنتمي الى الإخوان، رغم أنّ كثيراً منها لا تقول ذلك كما ذكرت، كما يتضمن الكتاب الذي شارك فيه 5 باحثين آخرين، محاولة لتفكيك الأساس الديني والتاريخي، الذي جاء منه الإخوان وغيرهم من الإسلاميين، هؤلاء الإسلاميون، وعلى رأسهم الإخوان، وهم الأكثر تنظيماً.

فشل في مواجهة الجماعة

هل تتفق مع من يقول إنّنا فشلنا في مواجهة الجماعة؟

بالطبع اتفق مع ذلك؛ لأنّنا لم نعطِ الحرية لتفكيك الأساس الديني للإخوان وغيرهم، ومن يفعلون ذلك كثير منهم يدخل السجون، أظن أنّنا نحارب الإرهابيين بكفاءة ولكن لا نحارب الإرهاب نفسه؛ فمن الصعب أن نحارب فكرياً الإخوان دون أن تكون هناك حريات واسعة للنقد الديني للأساس الذي يبنون عليه أيديولوجيتهم؛ الإخوان انتشروا في كل مكان في العالم ليس لأنّهم عباقرة، لكن لأنّنا نقدم لهم الجنود المهيئين للانضمام إليهم.

الإخوان والإسلاميون كادوا أن ينجحوا في تطبيق الشريعة في ولاية اونتاريو في كندا

وثمة أسباب أخرى بالتأكيد، منها أنّ القيم الحضارية الغربية تقدّس الحريات واحترام الأقليات، ومن هذا الباب توسّع وانتشر الإخوان، وأؤكد أنّ الإخوان وغيرهم من التنظيمات الإرهابية عليهم أن يشكرونا لأننا نقدم لهم جنوداً جاهزين، هم فقط يتولون تنظيمهم؛ فغالبية المدارس والجامعات والمساجد في الشرق الأوسط هي مصانع إنتاج المتطرفين.

ما رأيك بدعوات البعض لعقد "مصالحة" مع الإخوان؟

الخطاب الديني المنتشر يدعم الأيديولوجية الدينية للإخوان، شخصياً أرفض هذا النوع من الصفقات السياسية، وأرى أنّ الأفضل هو العمل علي تفكيك أيديولوجيا الإخوان الدينية، وفتح الحريات والمجال العام لانتقاد هذا الأساس الديني، ومن ثمّ إتاحة الفرصة لكل من يريد الاندماج في الحياة السياسية، بشرطين: الأول ألا تكون يداه ملطّخة بالدماء، والثاني التخلّي عن أي أيديولوجيا دينية هدفها الأول هدم الدول ونشر ثقافة الكراهية.

غلاف كتاب "خطورة الإسلام السياسي على كندا.. مع تحذير لأمريكا"

لقد أجريت حواراً قديماً مع مهدي عاكف نشرته في كتاب لك، هل قلت كل شيء فيه؟

لقد نشرت كل ما هو من حقي نشره كصحفي في هذا الكتاب، أما ما تسألني عنه فلا يمكنني نشره؛ لأنّه غير موثق بالصوت أو بأي شكل آخر.

من القيادي الأخطر في الإخوان الآن؟

الأخطر هي الأيديولوجيا؛ لأنّها التي تنتج هؤلاء الرجال، ولا يمكن أن نقضي عليها أو حسرها بالقمع بالحلول الأمنية وحدها، لكن بالحريات الحقيقية، وبإقامة دولة علمانية لا تستند إلى أي أيديولوجيا دينية، ولا تنحاز لدين، ولا لمواطنين ضد آخرين.

 

 

هل يمكن تصنيف الإخوان ضمن جماعات العنف المسلّح؟

في كتابي الأخير الصادر بالإنجليزية شرحت أنّ لدينا نوعين من الإرهابيين؛ الأول هو الإرهابي غير المسلح، وهذا فقط ينتظر حتى يملك القوة لينتقل إلى طور إرهابي مسلّح يفرض الدولة الإسلامية التي يتخيلها وفق رؤيته، ولذلك لا أفضّل تعبير الإسلام السياسي، والإخوان أعتبرهم "إرهابيين غير مسلّحين"؛ لأنّ أيديولوجيتهم الأساسية إقامة ديكتاتورية بغطاء إسلامي، وليس دولة يتساوى فيها كل المواطنين في الحقوق والواجبات، أي دولة علمانية مدنية.

هل ترى أنّ الجماعة في وجهها التونسي والمغاربي تختلف عن إخوان مصر؟

هؤلاء من الصنف الثاني، كما ذكرتُ آنفاً، يعدّون الجنود لحين امتلاك القوة لفرض أيديولوجيتهم؛ هذا حدث مثلاً مع أردوغان، عندما كان ضعيفاً كان يمدح العلمانية، والآن بعد إزاحة الجيش يقول هو ورجاله إنّهم يريدون "الدولة الإسلامية"، والخلافة الإسلامية، أي زعامة السنة في العالم.. أي ببساطة استعادة الخلافة العثمانية.

مستقبل الإسلاميين

بحكم وجودك في كندا ماذا بالنسبة إلى العائدين من أماكن التوتر بسوريا والعراق.. وكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة؟

الإجابة صعبة، فهؤلاء يؤمنون بأيديولوجية مدمّرة، فهم قتلة وأياديهم ملوثة بالدماء، ومن ناحية أخرى هم مواطنون غربيون لهم حقوق يجب احترامها؛ لأنّها جوهر الحضارة الغربية، التي جعلت هذه مجتمعات ناجحة.

فشلنا في مواجهة الجماعة لأنّنا لم نعطِ الحرية لتفكيك الأساس الديني الذي قامت عليه

حكومة حزب المحافظين السابقة في كندا أصدرت قانوناً يحرم من له جنسية أخرى من هؤلاء من الجنسية الكندية، لكن الحكومة الليبرالية الحالية ألغت هذا القانون، من ناحية أخرى العديد من الحكومات في الغرب، ومنها الحكومة الكندية، أنشأت مؤسسات حكومية لمحاولة تقويم هؤلاء، لكن، كما نعرف، هؤلاء يؤمنون بعقيدة دينية، لديهم كما يتصورون أمر إلهي بقتل وإيذاء المختلف عنهم حتى لو كان مسلماً، والحقيقة أنّ معظم المجتمعات الغربية لم تستقر بشكل نهائي على كيفية التعامل مع هذا الملف. في رأيي إنّ هؤلاء الإرهابيين يجب محاكمتهم، ومن يثبت أنّه متورط مع "داعش" أو غيرها، يتم سجنه مدى الحياة؛ لأنّه يمثل خطراً حقيقياً دائماً.

كيف تنظر إلى مستقبل تيارات الإسلام السياسي؟

هذه الأيديولوجيا ستنتهي حتماً، مثلما انتهت الكثير من الأيديولوجيات غير الإنسانية على مدار التاريخ؛ كالنازية والفاشية. لكن علينا العمل، خاصة في الشرق الأوسط، على إنهاء هذه الأيديولوجيا، وذلك بتأسيس مجتمعات علمانية تتيح الحرية لتفكيك الأساس الديني والتاريخي لها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية