علماء شكلوا علامة فارقة في تاريخ الأزهر..هل تعرفهم؟

علماء شكلوا علامة فارقة في تاريخ الأزهر..هل تعرفهم؟


26/07/2018

بينما تخوض الدولة المصرية حرباً ضروساً مع التطرف والإرهاب، كثيراً ما تتعالى صيحات تنادي بتطوير المؤسسة الأقدم والأعرق، الأزهر الشريف، حاملاً لواء الدعوة الإسلامية وقلعة الوسطية في العالم الإسلامي، وقد يحمّلها البعض وزر التأسيس لتلك الثقافة الغريبة، وهي بريئة من تلك التهمة.

وفي هذا السياق، قد يتغافل كثير ممن يدعون الأزهر إلى مزيد من الاستنارة والتقدمية، عن أنّ تاريخ الأزهر حافل بتلك المشاهد التي أكدت وسطية واستنارة الكثيرين من شيوخه، الذين أرادوا تحريك المياه الراكدة في مسيرته، وكانت لهم صفحات مشرقة جديرة بأن تروى.

بدا حرص الأزهر على الابتعاد عن التعصب واضحاً في كونه لم يحدّد مذهباً محدداً لشيخه بل توالى على مشيخته الشافعي والمالكي والحنفي

بدا حرص الأزهر على الابتعاد عن التعصب الفكري والمذهبي واضحاً في كونه لم يحدّد مذهباً محدداً لشيخه؛ بل توالى على مشيخته، الشافعي والمالكي والحنفي، لكنّ اللافت، وهو موضوع هذا المقال، أنّ الغالبية من علمائه الذين تولوا منصب المشيخة لم يكن لهم انحياز فقهي محدّد؛ بل دعوا جميعاً إلى توحيد تلك المذاهب أو التسامح مع تعددها؛ للحيلولة دون تحوّل المذهب إلى قيد فكري وعقلي.

كان أول هؤلاء المشايخ، الذين لم يعرف لهم مذهب فقهي محدد، الشيخ أحمد الدمنهوري، الذي تولّى المشيخة في الفترة من 1768 إلى 1778، حاول الرجل التوفيق بين كلّ المذاهب، وقد تفقه فيها جميعاً على يد شيوخ الأزهر، لكن كانت له اهتمامات علمية وفنية متنوعة تكشف ثقافة وعلماً موسوعياً تميز به علماؤنا الأوائل؛ فمن أهم كتبه "حلية اللبّ المصون" في البلاغة، و"رسالة عين الحياة في استنباط المياه"، وهي رسالة في علم الجيولوجيا، "القول الصريح" في علم التشريح في الطب، "القول المفيد لمعاني درّة التوحيد"، "عقد الفرائد" في الهندسة، و"الدرة القويمة في الصنعة الكريمة" في الكيمياء.

اقرأ أيضاً: النيابة العامة تحاكم شيخاً أزهرياً بسبب تصريحاته المسيئة للمسيحيين

أمّا العلّامة الشيخ المصلح حسن العطار، الذي تولى مشيخة الأزهر في الفترة من عام 1830 لأربعة أعوام، فقد كان من أعلام الإصلاح الذين لا يقلّون عطاءً عن رواد النهضة في مصر.

تلقّى تعليمه على أيدي نخبة من العلماء منهم؛ الشيخان الأمير والصبان، وقد تخصّص في علم المنطق، وكان له علم واسع بالفلك والطب والكيمياء والهندسة والموسيقى، كما كان شاعراً أريباً، وقد وصفه الجبرتي بأنه: "قطب الفضلاء، وتاج النبلاء ذو الذكاء المتوقّد، والفهم المسترشد الناظم الناثر الأخذ من العلوم العقلية والأدبية بحظّ وافر".

يعدّ الرجل بحقّ من رواد النهضة الفكرية في مصر؛ حيث تتلمذ على يديه جيل من الروّاد، كرفاعة الطهطاوي ومحمد عياد الطنطاوي.

كان أول من أنشأ جريدة "الوقائع" المصرية، وتولى رئاسة تحريرها، أفاد من علوم الحملة الفرنسية، وارتحل إلى الشام وأوروبا، وألمّ باللغتين؛ التركية والفرنسية، كان نموذجاً للعالم الأزهري متعدّد الثقافات.

ألّف "حاشية ابن العطار في التهذيب" (المنطق)، ورسالة في كيفية العمل بالإسطرلاب، وديوان شعر، فضلاً عن مقالات في الطبّ والجراحة.

اقرأ أيضاً: الشيخة أم السعد أشهر امرأة في عالم قراءات القرآن الكريم

كان يقول دائماً: "إنّ بلادنا لا بدّ من أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها"، كما جمع إلى العلم والتنوير الموقف الوطني الناصع، فكان من قادة العمل الوطني المقاومين للحملة الفرنسية، وقد تولّى مشيخة الأزهر بعد إلحاح من العلماء والطلاب، بل وبتدخل شخصي من الوالي محمد علي الذي كان يجلّه كثيراً، رغم خصومته مع جلّ العلماء، وقد حرص الشيخ العطار، بالمقابل، على حسن العلاقة مع الوالي محمد علي، وكان في تقديره أنّ الاحتفاظ بعلاقة متوازنة مع الوالي، يفيد الأزهر ومطالبه في الإصلاح، خصوصاً أنه كان يريد إقناع الوالي بإدخال العلوم الحديثة للأزهر بغية الإصلاح.

أمّا الشيخ علي محمد الببلاوي؛ فقد تولى مشيخة الأزهر، بين عامَي 1902 و1905.

تلقّى تعليمه على أيدي كبار علماء الأزهر؛ الأنبابي وعليش والأسيوطي، وقد باشر التدريس في الأزهر والمسجد الحسيني، وعيّن ناظراً لدار الكتب المصرية، ثم نقيباً للأشراف، وشيخاً للمسجد الحسيني، ومن أهم مؤلفاته: "إعجاز القرآن"، و"فضل النصف من شعبان".

كان الشيخ مناصراً للثورة العُرابية، وصديقاً لشاعرها أحمد سامي البارودي، وقد فصل من نظارة دار الكتب بسبب ذلك.

اقرأ أيضاً: نقاد وقراء يفككون عالم عرّاب القراءة أحمد خالد توفيق

تجاوب مع حركة الشيخ محمد عبده الإصلاحية؛ ما استجلب ضيق الخديوي عباس منه، وقد قدم الشيخ استقالته احتجاجاً على عدم التجاوب مع خطته الإصلاحية.

برز أيضاً، ضمن تلك الكوكبة؛ فضيلة الشيخ محمد مصطفى المراغي، الذي تولّى المشيخة مرتين، ولم يمكث في الفترة الأولى سوى عام واحد، من 1928 وحتى 1929، حيث استقال احتجاجاً على محاولة الحكومة حرمان شيخ الأزهر من بعض الأوقاف الخاصة به.

أما الفترة الثانية من ولايته؛ فقد دامت 10 أعوام كاملة، في الفترة بين 1935 إلى 1945.

كان الشيخ ممّن دعوا إلى توحيد المذاهب، وقد تتلمذ على يد الشيخ محمد عبده، وتأثر بمنهجه الإسلامي.

برز ضمن تلك الكوكبة الشيخ مصطفى عبد الرازق شقيق الدكتور علي عبد الرازق  صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم"

حصل على العالمية، وعمل بالقضاء الشرعي في السودان؛ حيث عيّن رئيساً للمحكمة الشرعية العليا، شكل لجنة لتنظيم لائحة الأحوال الشخصية، ودعا إلى فتح باب الاجتهاد، وتوحيد المذاهب، طريقاً لتوحيد الأمة، وقد عرف بتسامحه الشديد.

من أهم كتبه: "الأولياء والمحجورون في الفقه"، و"تفسير جزء تبارك"، و"وجوب ترجمة معاني القرآن" (بحث علمي).

كان عالماً تقدمياً، عدّل في نظام هيئة كبار العلماء، تلك الهيئة التي تختار شيخ الأزهر؛ حيث وضع لها شروطا صارمة، وصفها البعض بالصعوبة، حرصاً على النهوض بمستوى تلك الهيئة خطيرة الشأن.

أنشأ مراقبة للبحوث والثقافة الإسلامية تختصّ بالعلاقات الإسلامية والبعوث ومراقبة الكتب التي تهاجم الدين.

برز ضمن تلك الكوكبة أيضاً: الشيخ مصطفى عبد الرازق، شقيق الدكتور علي عبد الرازق؛ صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، ولم يقل الشيخ مصطفى عن شقيقه تقدمية واستنارة، وكان أيضاً من تلامذة الإمام محمد عبده، عيّن مدرساً بالقضاء الشرعي بعد أن حصل على العالمية بتفوق، قاده طموحه العلمي إلى الانتظام بالدراسة في السوربون، لدراسة الفلسفة والآداب، من أهمّ كتبه "الترجمة الفرنسية" لرسالة التوحيد للشيخ محمد عبده والإمام الشافعي والبهاء الزهير.

جاهر عبدالرازق  بآرائه التقدمية لإصلاح المنظومة التعليمية والفكرية بالأزهر ما جلب عليه حنق بعض التقليديين

دعا الأزهر إلى الانفتاح على الغرب والإفادة من تجربة فرنسا السياسية والقانونية، كما جاهر بآرائه التقدمية لإصلاح المنظومة التعليمية والفكرية في الأزهر، ما جلب عليه حنق بعض علماء الأزهر التقليديين، وكان الرجل الوحيد الذي اختير شيخاً للأزهر، رغم أنّه لم يكن من بين أعضاء هيئة كبار العلماء، ولم يسبق له أيضاً التدريس في المعاهد الدينية، كما تقضي لوائح الأزهر، لكنّ التوافق على اختياره شيخاً للأزهر، بين الحكومة والملك، دفع الأخير إلى إصدار أمر ملكي بمساواة تدريسه في الجامعات المصرية بالمعاهد الدينية.

أسس قاعة للمؤتمرات بالأزهر حملت اسم أستاذه الإمام محمد عبده، كما اهتم بالطلاب المبتعثين، وهيّأ لهم مدينة سكنية بعد أن ألغى الأروقة، كما صرف لهم مرتبات شهرية.

اقرأ أيضاً: رحيل عالم مصري أنقذ مئات الملايين حول العالم

وتمتدّ سلسة الإصلاح، لتضمّ أعلاماً أخرى، كـ: محمد مأمون الشناوي، وعبد المجيد سليم، وإبراهيم حمروش، ومحمد الخضر حسين، ومحمود شلتوت، وصولاً إلى الدكتور أحمد الطيّب، الذي يمضي على مسيرة هؤلاء الأعلام، في وقت صعب ومعقّد للغاية، تبتذل فيه الكثير من المعاني والخطوات، لكن مسيرة الأزهر تبدو مستمرة نحو الاستنارة والإصلاح، وإن عاندتها جبال الجهل والتعصب والإغراض.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية