ملامح سقوط المشروع الإخواني: الفشل في إيجاد الأسرة المسلمة

ملامح سقوط المشروع الإخواني: الفشل في إيجاد الأسرة المسلمة

ملامح سقوط المشروع الإخواني: الفشل في إيجاد الأسرة المسلمة


03/12/2023

ناقشنا في المقال السابق الملمح الأول لسقوط المشروع الإخواني ألا وهو فشل التربية الإخوانية في إيجاد الفرد المسلم، أمّا الملمح الثاني الدال على سقوط مشروع الاخوان، الذي سنناقشه في هذا المقال، فهو الفشل في إيجاد المنتج الثاني في مشروعهم، وهو الأسرة المسلمة؛ فجميع الأسر الاجتماعية الإخوانية هي من إنتاج المجتمع، ولا دخل للتنظيم في تكوين هذه الأسرة، إلا في فرض الزوجة الإخوانية على العضو الإخواني، أما باقي أركان الأسرة الاجتماعية فقد تمت حسب قيم وقواعد المجتمع المحيط بها.

الأسرة، وهي أصغر وحدة بنائية اجتماعية يتكون منها المجتمع، لها أركان وقواعد ووظائف، وكون أهم وظيفة لها؛ التنشئة الاجتماعية للأجيال المقبلة، فقد ركّز الإخوان في مشروعهم على تكوين أسر اجتماعية جديدة تابعة للتنظيم، وعدّوها مرحلة من مراحل التمكين لهم؛ فاستهدف الإخوان تغيير قيم ووظيفة الأسرة المصرية، على أمل تغيير المجتمع ليخدم مصالح الجماعة والتنظيم.

كان في يقين حسن البنا؛ أنّ الأسرة الحالية، سواء في تكوينها، أو في وظائفها وأدوارها المجتمعة، أو في مضمونها القيمي، ليست أسرة مناسبة لفكره، ولن تخدم التنظيم؛ فجاءت محاولته للتغلغل في المجتمع عبر اتهام الأسرة العادية بأنها ليست مسلمة، ليكون ذلك بوابته في العبث بقيم الأسر الاجتماعية، فيقول في رسالة "دعوتنا"، مخاطباً المصريين والمسلمين جميعاً: "إنّ كلّ النظم التي تسيرون عليها في شؤونكم الحيوية نظم تقليدية بحتة لا تتصل بالإسلام، ولا تستمد منه ولا تعتمد عليه"، ثم يخص البنا نظام الأسرة والبيت بالنقد مع التأكيد المستمر على أنّه ليس متصلاً بالإسلام.

بهذا أوجد حسن البنا إشكاليتين:

الأولى: هل فعلاً نظام البيت والأسرة المعمول به في العالم العربي والإسلامي لا يتصل بالإسلام؟ والثانية: هل فعلاً الإخوان قادرون على إيجاد هذا النمط الاجتماعي الإسلامي المتخيَّل؟

إنّ ادعاء البنا أنّ النظام الاجتماعي للبيت والأسرة ليس إسلامياً، هو ادعاء مغلوط، فكلّ الأسر المسلمة وقت كتابته رسالة "دعوتنا"؛ أي في العام 1935، كانت تقيم الصلاة والصيام في رمضان، وتحيي الشعائر الإسلامية، ولم يعرف أنّ هذه الأسر كانت تمارس عقيدة مخالفة للإسلام. إنّ مبالغة البنا في اتهام الأسرة المسلمة بأنّها ليست مسلمة، أسّس لخطاب التكفير والجاهلية فيما بعد، كما سمح بالتطاول على أركان الأسرة، وبالتالي إعاقتها عن القيام بدورها في حماية المجتمع.

لم يحدد البنّا علامات صلاح المرأة أو الرجل بدقة ولم يدلنا على قواعد الإسلام للبيت

مع التسليم بأنّ الأسرة الحالية ليست مسلمة؛ فهل أوجد الإخوان أسرة مسلمة حقاً؟ وما هي ملامحها المتميزة؟ وكيف أوجدوها؟ وما الفارق الكبير بينها وبين باقي الأسر الاجتماعية في كل المجتمعات التي وجد فيها الإخوان؟ لن نجد هذا المنتج الوهمي؛ فالإخوان من منتصف ثلاثينيات القرن العشرين، وهم يبشرون بأنّهم قادرون على إعادة صياغة الأسرة لتصبح مسلمة، فلم نجد أيّ تغيير في طريقة الاقتران، أو في وظيفة الأسرة، أو في أركانها؛ بل وفشلوا فشلاً ذريعاً في إنتاج الركن الثالث؛ أي إنتاج أبناء يكونوا أعضاء في التنظيم، وإليكم شاهدين فقط على هذا الفشل:

الشاهد الأول: اعتراف الإخوان داخلياً بأنّ الأسرة الإخوانية، المكوَّنة من أبٍ (عضو في التنظيم)، وأم (عضوة في التنظيم)، لم تنجح في تربية أبنائها (أبناء الإخوان)؛ فمن منتصف التسعينيات، وهو موعد قطف ثمار الأسر الإخوانية التي تكونت في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات، لوحظ أنّ كثيراً من أبناء الإخوان، خاصّة أبناء قادة الإخوان، غير ملتزمين بالإخوان كجماعة، أو بقواعد الإسلام ذاته، مما جعلهم ينشئون لجنة في قسم التربية تهتم بدراسة أسباب هذا الفشل، أسموها "لجنة أبناء الإخوان".

وقد تمّ ترشيح مربين يتميزون بقدر كبير من مهارة الاحتواء، وطُلب منهم الصبر على أبناء الإخوان والترفق بهم والتغافل عن نزواتهم، من أجل ألّا يكونوا ثغرة ينفذ منها أعداء الأمن أو أعداء الإخوان، وكان عذرهم أنّ الأخ عندما ينشغل عن تربية أبنائه، فيجب أن تقوم الجماعة بهذا الدور نيابة عنه.

الشاهد الثاني: رفض عدد كبير من أبناء الإخوان الانضمام للجماعة، رغم نشأتهم في محاضن الجماعة، ما يعني فشل رسالة الأسرة الإخوانية في إنتاج أبناء ينتمون إلى الإخوان، وهم الركن الثالث في الأسرة.

إنّ غياب تصوّر الإخوان لنموذج الأسرة المسلمة؛ هو السبب في عدم إنتاجهم لهذا النموذج المنتظر

فما الذي نجح فيه الإخوان إذاً؟ كلّ الذي نجح فيه الإخوان؛ هو إيجاد (زوجة)، وهي الركن الثاني في الأسرة، وانحصر أداؤها في أسرتها الاجتماعية، على عدم إعاقة الزوج (عضو التنظيم) في تنفيذ تعليمات التنظيم، سواء في سفره، أو المبيت خارج المنزل، مع ضمانة حفظها لأسراره، وعدم إفشاء أسماء المترددين عليه من أعضاء الجماعة، وحمل الرسائل السرية بين الأخ والتنظيم في حال تعذّر قيامه بهذا، هذا كلّ ما أنتجه الإخوان في مرحلة الأسرة المسلمة.

إنّ غياب تصوّر الإخوان لنموذج الأسرة المسلمة؛ هو السبب في عدم إنتاجهم لهذا النموذج المنتظر، فبعد مطالعة رسائل وأدبيات الإخوان، لن نجد نموذجاً متفرداً مقترحاً للأسرة المسلمة المراد تحقيقها، أو حتى بعض ملامحها؛ بل سنجد نصائح لتحسين أدوار الأسرة لا أكثر، أو كلمات عامّة مبهمة، لا تملك تفصيلاً موضحاً لماهية هذه الأسرة المسلمة، فيقول حسن البنا في رسالة "دعوتنا في طور جديد" التي كتبها في آب (أغسطس) 1942: "إذا صلح الرجل وصلحت المرأة، وهما عماد الأسرة، استطاعا أن يكوّنا بيتاً نموذجياً وفق القواعد التي وضعها الإسلام، وقد وضع الإسلام قواعد البيت فأحكم وضعها، فأرشد إلى حسن الاختيار، وبيّن أفضل الطرائق للارتباط، وحدّد الحقوق والواجبات، وأوجب على الطرفين رعاية ثمرات هذا الزواج، حتى تنع وتنضج في غير عبث ولا إهمال، وعالج ما يعترض هذه الحياة الزوجية من المشكلات أدقّ علاج، واختط في كل نظراته طريقاً وسطاً لا تفريط فيه ولا إفراط".

نلاحظ هنا، أنّ البنا، وبعد عشرة أعوام من ادعائه أنّه سيوجِد الأسرة المسلمة، غير قادر على تحديد علامات صلاح المرأة أو الرجل بدقة، ولم يدلنا على قواعد الإسلام للبيت، ولم يضع قائمة بالحقوق والواجبات التي يجب أن يلتزم بها أعضاء الأسرة الاجتماعية، ليتصفوا بالأسرة المسلمة، لهذا فشلت كلّ برامجهم التربوية في إيجاد الركن الثاني في مشروع الإخوان وتحقيقه.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية