مبروك عطية: أزهري بنكهة "كوميديان"

مبروك عطية: أزهري بنكهة "كوميديان"


30/07/2018

قد لا يجول في خلد من يتناقلون فيديوهات الدكتور المصري مبروك عطية أنّ هذه الشخصية، التي يغلب عليها الأداء الكوميدي، تحتل موقع "عميد كلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر"، وقد لا يظنون أيضاً أنه يقدّم ذاته في الأوساط الأكاديمية بصورة الباحث والفقيه.

يجلس عطية في استديو بخلفية فاقعة، من قبيل الأزرق الكهربائي أو الأخضر "الجنايني"، ويجيب عن الأسئلة التي تصله والتي يدور جلّها حول العلاقات الزوجية، حاملاً في يده باقة من الورد البلدي، الذي يذكّر بباقات الورد الاصطناعية التي كانت استديوهات التصوير القديمة تضعها في جنبات المكان بألوان فاقعة، كما يضع على عينيه نظارة شمسية سوداء، ويرتدي في مرات العباءة العربية فوق البدلة. كان قد برّر ذلك بأنّه يشير من خلال الورد لسماحة الأحكام التي يُطلقها والفلسفة الدينية التي تقوم عليها، ليعلّل أمر النظارة بعينه المصابة باعتلال جرّاء خطأ تعرّض له أثناء عملية جراحية.

قلّما يستشهد بالقرآن والحديث أو الإرث الديني بل يستعيض عن هذا بمنطقه الشخصي في حل الأمور

قلّما يستشهد عطية بآية قرآنية أو حديث نبوي أو حتى حكاية من الإرث الديني؛ بل يستعيض عن هذا كله بمنطقه الشخصي في حل الأمور، وبلهجة مصرية شعبية قد يستعصي فهم بعض مصطلحاتها على المتلقي العربي، من قبيل قوله عن إحدى المتزوجات التي يشكو زوجها من عدم سماحها له بلمسها "مراتك مبرغشة وعايزة مبرغش"، على الرغم من كونه تلقّى تعليمه الجامعي في تخصص اللغة العربية، كما أنّ رسالة الدكتوراة التي أعدّها حملت عنوان "القضايا النحوية والصرفية في تفسير القاضي البيضاوي".

 

 

وإن كان الفنان السعودي محمد عبده قد "عاكس" المذيعة السعودية التي تقدّم برنامج "تفاعلكم" على شاشة العربية سارة دندراوي، فإنّ عطية قد فعل ذلك بجرأة أكبر حين خاطبها بقوله "حبيبتي"، وحين أبدت استغرابها تساءل "هو الحب واقف على اتنين في أوضة نوم؟". والطريف أنّه في موضع آخر قال إنّ الحب يسبّب له القيء، ناصحاً الفتيات بالاستعاضة عن فكرة الحب بزواج العقل "أن تطيق النظر إليه، وأن يملك 4 جدران ويجهز شقته كاملة ولا تدفع الفتاة جنيهاً واحداً، وأن تكون لديه وظيفة، وأن يكون على خلق ويقيم الصلاة، وبعد كده لا تقولي حب أو مش حب".

 

 

لا يعرف المتابع لعطية إن كان الرجل يحتكم لمنهجية محددة وضعها لنفسه تتمثل في استخدام اللهجة المحكية وخفة الظل والنزعة الشعبوية؛ رغبة منه في الشهرة وإحداث "فرقعة" إعلامية، أو إن كانت هذه شخصيته على أرض الواقع، والتي لربما يملك طلبته في الأزهر أو من يعايشونه في المنزل تحديد ما إذا كانت حقيقية أم استعراضية، لكن من يتابع بعض تصريحات الرجل السياسية يشعر أنّ ثمة خبثاً لا يُستهان به يقف خلف الأمر.

اقرأ أيضاً: سلفية فركوس.. الجزائر في مرمى التشدد

عطية يجد في الرئيس عبد الفتاح السياسي "مُخلّصاً" وأنه يتحمّل وزر أخطاء الحكومة؛ بل ذهب للقول إنه يوافق أن يحكم السيسي مدى الحياة، موضحاً "إحنا مش ناقصين وجع قلب ومضيعة للمال والوقت، وطالما أننا اخترنا رئيساً نثق به، أياً كان اسمه، فما الداعي لتغييره بعد عدة سنوات؟ وهو إحنا خدنا إيه من الديموقراطية والكلام الفارغ ده؟". يجاهر هنا عطية بحقيقة موقفه السياسي بلا مواربة: أنه شيخ بلاط وسلاطين، وهو في هذا لا يبتعد كثيراً عن مشايخ تتماهى مواقفهم مع النظام الحاكم، ويسعى القائمون عليها إلى إحداث لغط ديني بين الحين والآخر من خلال إطلاق فتاوى غرائبية، قد يجد المتابع أنها تسعى لتشتيت انتباه المواطن المصري تحديداً، فالعربي المتديّن ثانياً، عن أخطاء سياسية يجب الوقوف عندها طويلاً.

يقول إنّ الإخوان "جماعة زي الفل ومش إرهابيين" رغم مهاجمته لمؤسس الجماعة حسن البنّا

لكن الرجل يقول إنه لا يوجد في الحقيقة من يعرف معنى مصطلح "الخطاب الديني"، كما لا يفهم مصطلح "مراجعات فكرية"، ويقول إنّ المتطرف في السجن يجب أن يلقى محكوميته من دون محاولة التحاور معه وتغيير فكره؛ معللاً هذا بقوله "ده لو اتريق على سبحتي واعتبرها بدعة مثلاً ممكن أتعصب عليه وأقتله". كما يجد عطية أنّ الخطر على الشعب المصري يأتي من الصحافة والإعلام، وأنه لولا "عبقرية" الشعب المصري و"أنه مؤيد بنصر من الله" لكان قد لاقى مصيراً يشبه مصير سوريا بعد ثورات "الربيع العربي".

 

 

والطريف في الأمر، أنّ الرجل الذي يسعى للتواجد في مساجد الطبقة الفقيرة لسماع أسئلتهم، والذي يختار لذاته لهجة شعبية وأسلوب بسيط، والذي ينزل بمصطلحاته لمستوى منحدر في مرات قد لا يتناسب و"أكاديمي"، مثل قوله، عن تصنيفات الجماعات الإسلامية "على الجزمة" و"دا هجص"، الطريف أنه يتحدث في بعض المرات بفوقية وقلة تفهّم عن هؤلاء الفقراء والبسطاء، قائلاً إنه ليس من الضروري لهم أن يتزوّجوا، وأنّ الإسلام اشترط الاقتدار المادي في الزواج وأن لا شيء في الإسلام اسمه خذوهم فقراء يغنهم الله، بل هو يذهب للقول إنّ دعوات "السفور" وخلع الحجاب قد تلقى رواجاً في حال انتعشت الحالة الاقتصادية للطبقة الفقيرة.

اقرأ أيضاً: عصام الشوّالي: التعليق الرياضي بنكهة ثقافية

التناقض هو السمة الرئيسة لمن يتتبّع خطاب عطية؛ إذ في وقت استنكر فيه مصطلح الخطاب الديني، فإنه عاد في مواضع أخرى ليقول إنه يجب تجديد الخطاب الديني دونما مسّ بالثوابت، وفي وقت تحامَل فيه على الفقراء من خلال تصريحات كالآنفة، فإنه عاد ليقول: لا بد من أخذ جزء من ثروات الأغنياء؛ لإنقاذ الوضع الاقتصادي في البلاد، كما اتّهم الإعلام في تصريحات، كما سبق وأشرنا، ليعاود القول إنه كان يحلم في طفولته بأن يكتب في جريدة "الأخبار"، ما يجعل السؤال المطروح بقوة: هل يعاني عطية من قلة تركيز وغياب رؤية حقيقية في الخطاب الذي يتبنّاه، أم أنّ الرجل يتلقّى تصحيحات مستمرة وملاحظات على أقوال سابقة له فيعمد إلى تغييرها لاحقاً؟

أفتى لرجل استفتاه في إخبار زوجته الأولى برغبته بالزواج من ثانية بأن يخفي عنها الأمر

لربما كان يُنتظر من "أكاديمي" أن يكون أكثر عمقاً عند سؤاله عن نظرته للفنون، لكن الرجل يصرّ على النزول للمستوى الشعبي بل السوقي في مرات، كقوله "الرقص الشرقي أبو الفنون ومن تريد أن ترقص لزوجها فلترقص وأرشّح لها أغنية آه لو لعبت يا زهر وحبة فوق وحبة تحت"، وكقوله لرجل استفتاه في إخبار زوجته الأولى برغبته بالزواج من ثانية "هو في راجل عاقل يقول لمراته أنه هيتجوز عليها؟"، داعياً إياه لإخفاء الخبر عنها.

 

 

تارة ينزل عطية للشارع ليغسل الأطباق ويقلي "الطعمية" ويبيع الجرجير مع العامة، وتارة أخرى يدخل في تلاسنات مع الفنان المصري عادل إمام لتقليده إياه، وثالثة يقول إنّ الإخوان المسلمين "جماعة زي الفل ومش إرهابيين" برغم قوله سابقاً إنه لا يعترف بهذه التصنيفات وبرغم مهاجمته لمؤسس الجماعة حسن البنّا.. هذه بعض من جدليات عطية التي ما تزال تتوالى، والتي تطرح سؤالاً مُلحّاً حول مؤسسة الأزهر ومخرجاتها ودورها، وحول بعض المنابر الإعلامية المصرية وأهليّة من تفتح لهم الأبواب وتُطلِقهم تباعاً نحو الجمهور المحلي والعربي، وحول ما إذا كان مبروك عطية، تحديداً، داعية و"أكاديمي" يفتقر للتركيز ويتصرّف على سجيّته، أم أنّه ممثل يساند السلطة بنكهة كوميدية - دينية؟

 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية