من تركيا إلى "داعش".. رحلة مصري منشقّ تكشف الحقيقة

الإرهاب

من تركيا إلى "داعش".. رحلة مصري منشقّ تكشف الحقيقة


11/01/2020

قال المصري المنشقّ عن "داعش"، أحمد حسين، إنّ ابن خاله كان هو السبب في انضمامه للتنظيم، حينما تواصل مع أحد قادة التنظيم، الذي كان معه فترة الاعتقال بالتسعينيات، وكان تابعاً لجماعة الجهاد، "بعدها تواصل معي وحدثني عن قضية تكفير الحكّام والحكومات وجاهلية المجتمع، وأقنعني بالذهاب إلى سوريا، وبالفعل سافرت إلى هناك عن طريق جواز سفر مزور؛ حيث حصلت على تأشيرة تركيا، وكل التكاليف دفعها لي شخص قريب من التنظيم، وأعطاني كذلك ألف دولار، ودفعني للذهاب إلى تركيا دفعاً رغم أنه لم يسافر وبقي بمصر".

المصري المنشقّ عن "داعش" أحمد حسين

تركيا.. طريق الإرهاب الممهّدة

يؤكد حسين، في حديثه الذي خصّ به "حفريات"، أنّ الانتقال من تركيا إلى "داعش" كان سهلاً جداً، موضحاً أنّه نزل مطار إسطنبول، واتصل بمنسق للتنظيم كان مقيماً بالمدينة لكي يقوم بتوصيله، وبالفعل نقله إلى مدينة غازي عنتاب، وهناك كان في انتظاره شخص آخر.

يؤكد أحمد حسين أنّ الانتقال من تركيا إلى داعش داخل سوريا كان سهلاً جداً

في خلال ساعة من وصوله إلى فندق قريب من مطار عنتاب جاءه إلى الفندق من أخذه في سيارة "ميكروباص" إلى الحدود السورية؛ حيث نزل منها وقطع حوالي مائة متر مشياً على الأقدام، حتى دخل الأراضي السورية، من مكان اسمه (باب لمون) فى منطقة الراعي، وهي منطقة كان يسيطر عليها "داعش"، مشيراً إلى أنّ هناك مناطق كثيرة كان يدخل منها المهاجرون للتنظيم مثل تل أبيض وغيرها.

وأضاف: بتنا ليلة في الراعي، وبعدها نقلونا بالباص إلى منطقة جرابلس، حيث ما يطلق عليها (المضافات) التي يستقبلون فيها العناصر الجديدة، وكانت عبارة عن مدرسة كبيرة ممتلئة بملتحقين جدد من جميع الجنسيات.

نزل حسين مطار إسطنبول واتصل بمنسق للتنظيم كان مقيماً بالمدينة

من الضيافة إلى الإعداد

بقي أحمد حسين في المضافة قرابة شهر، تعرّف خلالها على كثيرين من جميع البلاد، وبها تمت عملية الانتقاء والاختيارات، التي يقوم بها متخصّصون في التنظيم، لتوظيف هذه العناصر وتوزيعها على باقي الولايات، وساعتها تم نقله هو وابن خاله و15 مصرياً آخرين، كما 50 سعودياً وليبياً وتونسياً وفرنسياً إلى ولاية الفرات، وهي ولاية مهمة، لأنّها الوحيدة التي تضم أراضي عراقية وسورية، منها مدينة القائم العراقية، ومدينة البوكمال السورية.

بكل مدينة يسيطر عليها داعش مضافة لاستقبال المستقطبين الجدد وتوزيعهم

بكل مدينة يسيطر عليها "داعش" مضافة لاستقبال المستقطبين الجدد، وفي ولاية الفرات بقي حسين لمدة واحد وعشرين يوماً، وكان بصحبته 25 عنصراً لا يعرف فيهم سوى ابن خاله، كلهم دخلوا في برنامج أعدّه التنظيم لهم خصيصاً؛ حيث كانوا يخضعونهم لدورات شرعية مكثفة، وأبحاث فكرية، فقط، وكان التنظيم متكفلاً بكل شيء مثل؛ الأكل والشرب واللباس، وحتى خطوط الهاتف.

اقرأ أيضاً: قاضٍ عراقي: عناصر داعش ليسوا بشراً بل آلات للقتل

بسبب ظروف الطيران، وقصف دول التحالف الدولي للتنظيم، لم ينتقل حسين ورفاقه إلى الدورات العسكرية، وأدخلوهم مباشرة لخوض الحرب! حيث تم توزيعهم، فمنهم من ذهب إلى الفلوجة، وآخرون ذهبوا للقائم وعملوا في الحسبة والشرطة، وهو و7 مصريين آخرين وضعوهم في حاجز لشرطة التنظيم في منطقة راوة، وهي تابعة لمدينة القائم، والأخيرة مدينة صغيرة، كانوا يقومون فيها بالتجهيز للمعارك مع قوات الحشد المسيطرة على مدينة حديثة.

اقرأ أيضاً: هل داعش بسبعة أرواح.. لماذا لا ينتهي؟

مكث حسين شهرين في حاجز منطقة راوة، ثم اشتغل بعدها شهراً في الدفاع الجوي على رشاش 14،5، ثم بعدها نقلوه إلى مدينة هيت، لكي يدخل المعارك مباشرة.

أدركَ أنّ التكفير عندهم بلا ضابط وكل واحد يكفّر على هواه وعندهم شهوة شديدة للقتل والتنكيل

أول معركة خاضها حسين كانت في منطقة اسمها زخيخة؛ حيث سيطر عليها التنظيم بكل سهولة، وبعدها رجع هو وابن خاله إلى سوريا، حتى يحضرا زوجاتهما وأولادهما معهما، وهذا ما حصل، وبعدها عادوا لمنطقة راوة، واشتغلا بالحسبة.

والحسبة، كما يقول، هي شرطة السوق المكلفة بما أطلقوا عليه مخالفات شرعية، مثل؛ التدخين، وفرض الحجاب، والاختلاط، وقضايا الزنا، والسحر، وغيرها.

بعد شهرين ذهب حسين إلى معركة أخرى في مدينة البغدادي بالأنبار، وسيطر التنظيم أيضاً عليها بسهولة، ثم رجع إلى البوكمال، واشتغل في الحسبة هناك، وبهذه المدينة تعرّف على التنظيم جيداً، وكانت رحلة العودة والخروج منه.

التنظيم الإداري

يحكي حسين عن "داعش" فيقول: يتشكّل التنظيم من الخليفة البغدادي، ويرمز له بالحاج إبراهيم، وبعده أعضاء مجلس الشورى من حيث الأهمية، وكان نائبه هو أبو معتز القرشي، وبعده أبو علي الأنباري، وكانا أهم اثنين بالتنظيم بعد البغدادي، ثم يليهما أبو محمد العدناني، ثم اللجنة المفوضة، والقرشي والأنباري والعدناني قتلوا جميعاً، وبقيت اللجنة المفوضة، التي يوجد جزء منها كان يقوده العدناني، الذي كان منصبه هو أمير سوريا، والمتحدث الرسمي، وأمير لجنة الحرب، وأمير الولايات الخارجية (مصر، ليبيا، اليمن)، وأمير العمليات الخارجية (كان هو المسؤول عن كل العمليات فى أوروبا وغيرها)، لذا كان قتله نكبة كبيرة للتنظيم، وهناك لجنة مفوضة بالعراق، وكلهم عراقيون، ثم يليهم أمراء الولايات، مثل؛ ولاية حلب، وحمص، والرقة، ودير الزور والحسكة في سوريا، وولاية الفرات، والأنبار، والجزيرة، ونينوى في العراق.

العراقيون لم يكن عندهم نزعة التكفير كما أعضاء التنظيم بسوريا وكان تعاملهم مع المدنيين أفضل

ويوضّح حسين أنّ الدواوين تأتي بعد منصب الوالي من حيث الأهمية؛ كديوان الأمن والشرطة والحسبة والزكاة والركاز والقضاء والدعوة والمساجد والزراعة والخدمات..، "وهذا عدا جيش الولاية التابع لكل ولاية، وكتائب جيش الخلافة، وهذا هو جيش أميره البغدادي نفسه، أو ما يسمى بديوان الجند، وهو عبارة عن كتائب قتالية تابعة لجيش الخلافة، تُستدعى بطلب من والي الولاية إلى لجنة الحرب، أو وزير الحرب الذي كان أبوعمر الشيشاني، والآن بعد مقتله يتولاه أبوحمزة الكردي".

يؤكد حسين أنّ البغدادي لا يثق سوى بالعراقيين

تكفير يلتهم الجميع

يقول حسين: أدركت أنّ مسألة التكفير عندهم ليس لها ضابط، كل واحد يكفّر كما يشاء، وعندهم شهوة شديدة للقتل والتنكيل، فقرّرت أن أتركهم، وبحثت عن مهرّب، ودفعت له مبلغاً كبيراً، وكان هؤلاء المهرّبون يعملون تحت عين وبصر تركيا، وذهبت إلى مدينة إعزاز، حيث انضممت إلى الجيش السوري الحر، وحكيت لهم قصّتي، والغريب أنني وجدت منشقين كثراً عن التنظيم، وبقيت معهم، حتى أستطيع أن أجد حلاً لإرجاع زوجتي وأولادي إلى مصر، ونجحت مؤخراً في إرجاع زوجتي وأولادي بالفعل.

يؤكد حسين أنّ البغدادي لا يثق سوى بالجناح العراقي لداعش وكان يتّهم الجناح السوري بالغلوّ

العراقيون وفق حسين لم يكن عندهم نزعة التكفير التي كانت في أعضاء التنظيم بسوريا، وكان تعاملهم مع المدنيين أفضل، وكان معظم الولاة والأمراء من العراق قبل تحرير الولايات من أيديهم، وحينما انهار التنظيم، قعد جنود التنظيم العراقيون في بيوتهم وأصبحوا مواطنين عاديين.

يؤكد حسين أنّ البغدادي لا يثق سوى بالعراقيين، أو الجناح العراقي لـ"داعش"، وكان يتّهم الجناح السوري بالغلوّ، وقادة العراقيين هم الذين يسيّرون أمور التنظيم الآن عقب تركه الولايات، ومن أشهرهم أبو إسحاق العراقي، وأبو محمد العراقي، وأبو صالح العراقي، وأبو أنس الفراتي، وأبرز قادة الجناح السوري أبو أيوب، وأبو لقمان الرقاوي، وأبومحمد الهاشمي، والغريب، كما يقول، أنّ الجناح السوري كان من جهته يتّهم جماعة الجناح العراقي أنهم فاسدون وأصحاب سلطة!

لا يوافق حسين على تقسيم "داعش" إلى ما يسمّى البنعللين (نسبة إلى المقتول تركي البن علي) وغيرهم؛ لأنّ البنعلي والقحطاني وكل شرعيي "داعش" المعتمدين، كما يقول، يتّبعون الفكر نفسه.

مجموعة الحازمي كفّروا داعش والبغدادي نفسه وبدأوا بالقتل والاستيلاء على الأموال واغتصاب النساء

ويتابع: حتى الجناح العراقي والسوري لم يكن عندهم أية مشكلة فكرية، لكنّها ظهرت مع أتباع الحازمي، ومعظمهم من التوانسة، وبعض الأجانب، واستفحل بظهور أبوجعفر الحطاب، وأبوعمر الكويتي، وهؤلاء كانوا يقولون بكفر العوام، أو المدنيين، و"داعش" قتلتهما رمياً بالرصاص، وشكّلت لجنة من القحطاني والهاشمى وأبوأيوب، وعملوا مراجعات للعناصر الباقية، وتم السيطرة على الموقف، إلى أن ظهر فكر الحازمي من جديد في نهاية 2016، حيث اعتنق هذا الفكر أمراء كبار، وغالبية التوانسة، وبعض العجم من تركستان، وداغستان، وغيرهم، وظهرت من جديد المشاكل الفكرية في مواضيع مثل؛ العذر بالجهل، وتكفير العوام، والتوقف والتبين، حتى أن مجموعة الحازمي كفّروا "داعش" والبغدادي نفسه، وكل من على الأرض، ما دام يخالف معتقدهم، وبدأوا بقتل المدنيين والاستيلاء على أموالهم، وكذلك اغتصبوا النساء.

تركيا تخيّر المنشقين بين العودة للقتال مع التنظيمات في سوريا أو البقاء كما هم رهن الإقامة الجبرية

ويبين حسين أنّ ذلك لم يقتصر على العوامّ بل مع مخالفيهم الرأي داخل التنظيم نفسه، "فتصدّى لهم أمير ديوان الأمن العام، بقيادة أبو أيوب، وأطلق عليهم لفظ خوارج، وقتل كثيرين منهم، وفرّ الباقون إلى تركيا، وبعضهم لا يزالون موجودين الآن بصحراء سوريا خلف مناطق سيطرة داعش، يتجهزون للانقضاض عليها في أقرب فرصة".

ويتابع: ما سبق أدى إلى حدوث انشقاقات كثيرة داخل التنظيم، بعد أن ظهر عوار الفكر والمنهج، وكل هذا بجانب أن البغدادي نفسه أصيب إصابة بالغة لثالت مرة، ما أدّى إلى تصدّع "داعش"، خاصة عند الجنود، وطبعاً حملة طيران التحالف أدت إلى مقتل من تبقى منهم.

اقرأ أيضاً: قيادات داعشية تسلم نفسها للأمن المصري... ما هي الأسباب؟

يؤكد حسين أن المشكلة التي واجهت "داعش" في الفترة الأخيرة عدم وجود بديل للقيادات، "فبعدما قُتل أبو معتز، وبعده الأنباري، لم يجد البغدادي بديلاً لهما، فاعتمد على أهل الثقة من القياديين القدامى، وأعطى اللجنة المفوضة في سوريا وفي العراق صلاحيات كبيرة، فبدأت تشتغل نيابة عنه".

أحمد حسين الآن مسجون لدى تركيا التي تسيطر عملياً على محيط مدينة اعزاز السورية مع منشقين آخرين، وتخيّرهم بين العودة للقتال مع التنظيمات في سوريا أو البقاء كما هم رهن الإقامة الجبرية، رغم أنّه وفق قوله، أدرك أنه أخطأ، ووضع نفسه في مصيبة كبيرة، باعتناقه هذه الأفكار المتطرفة الدموية الشاذة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية