مواقع التواصل الاجتماعي تفضح زيف الدعاة الجدد

مواقع التواصل الاجتماعي تفضح زيف الدعاة الجدد


21/06/2021

ظهرت في مصر في آخر عقدين من الزمان، ظاهرة الدعاة الجدد، "المودرن"؛ الذين يرتدون البدلة، ويحفون لحاهم، أو يحلقونها. خرجوا علينا بطلّتهم، وأدائهم التمثيلي، ونبرات صوتهم الدرامية، محاولين أن يُبسّطوا للناس صورة الدين بلغة سهلة وبقالب حديث، وللأسف فإنّ التكوين العلمي والديني، لمعظم هؤلاء الدعاة، ضعيف وهشّ، ومع ذلك كان لهم تأثير كبير في الشباب، وفي توجيههم وصناعة وعيهم بالدين، وأصبح هؤلاء الدعاة نجوماً في الفضائيات، التي وظّفتهم لتحقيق أرباح من الإعلانات، فقاموا هم بتوظيف الدعوة لمكاسبهم الشخصية، وازدادوا ثراءً، وأقاموا في أرقى الأحياء، وارتدوا أغلى الثياب، وأفخم السيارات.

اليوتيوب جعل لقنوات التلفزيون وبرامجها ذاكرة متاحة لكلّ الناس فاستطاع نشطاء الفضاء الإلكتروني كشف كذب هؤلاء

وصار لكل نجم من الدعاة الجدد سعر في الظهور الإعلامي، وله سكرتارية، ومكتب إعلامي، واعتقد هؤلاء أنّهم أصحاب رسالة، وحاملي لواء الدعوة، والموجهين لسبيل الهداية والرشاد، فإذا بالإعلام يصنع من الوهم واقعاً على الأرض، واقعاً مزيفاً أكبر من كونه حقيقياً، هو واقع تيار الدعاة الجدد الذين يستخدمون كل وسائل الاتصال الحديثة لنشر الدعوة بين الناس، وبقدر ما بُني الإعلام من وهم، بقدر ما استطاعت السوشيال ميديا أن تحطم الوهم، وتكشف زيف هؤلاء الدعاة، وضحالة منطقهم، وبيان كذبهم.

اقرأ أيضاً: الدعاة.. مندوبو تسويق يسقطون مجتمعيا واحدا تلو الآخر

كما استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي في شهور أن تحطّم ما صنعته قنوات الإعلام التلفزيونية في أعوام، ولعلّ السبب في ذلك؛ أنّ وسائل التواصل الاجتماعي صارت متاحة لمجموع أفراد المجتمع، ليعبروا عما يدور بخلدهم تجاه كلّ الأحداث، والأشخاص، والوقائع.

السوشيال ميديا وصناعة الذاكرة

الذي حدث أنّ اليوتيوب جعل لكلّ قنوات التلفزيون وبرامجها ذاكرة متاحة لكلّ الناس، كما سمح الفيسبوك، من خلال الهاتف أو الكمبيوتر، لأيّ فرد القدرة على التعبير عما يشاهده، بل ونقده وفضحه؛ لذا استطاع بعض النشطاء في الفضاء الإلكتروني كشف كذب هؤلاء فيما يروجون له، وما يدعون إليه؛ فالشيخ الذي خرج علينا ليروّج لإعلان الفراخ الإسلامية، تمّ وضع اليوتيوب الخاص به للناس على الفيسبوك، حتى يعبروا بضجر وسخط واستخفاف بالداعية، الذي كان لامعاً ومسيطراً على جيش من الشباب؛ لأنه يروّج للتجارة والسلع باسم الدين، وحين كسِرت هيبته خرج علينا، مدّعياً إخلاصه العميق، ثم يمثل باكياً مردداً كلام الرسول، صلّى الله عليه وسلّم: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتىي، وقلّة حيلتي) باعتباره مستخلفاً بدعوته لاستكمال مسيرة الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، لذا فقد استطاع الفضاء الإلكتروني كسر أسطورة داعية الفراخ، الذي يتاجر بدينه من أجل الأموال التي يجمعها.

هؤلاء ينظرون لأنفسهم على أنهم حازوا خلافة صفوة الأمة وتاريخها باعتبارهم دعاة لدين الله على الأرض

أما الآخر؛ الذي يدعو الناس إلى محبة الجمال والحجاب، فقد كشف لنا عن مدى جوهر حبّه للجمال، في عشقه للنساء والولع بهنّ وبنكاحهنّ؛ فالذي يدعونا لنظفر بذات الدين، عشق ذات الجمال، يتزوج ويُطلّق بحثاً عن المتع الحسّية على الأرض، ويدعو الناس إلى الصبر على الظلم والقهر والجوع، انتظاراً لجنّة الآخرة والحور العين، فأين مصداقية هؤلاء فيما يدعون الناس إليه؟

اقرأ أيضاً: الدعاة الجدد: عندما ترتدي المدرسة الإنجيلية ثوباً إسلامياً

إنهم يخدّرون الناس على ضيق حالهم وفقرهم باسم التدين الذي يروّجون له، وهنا وضعه النشطاء على الفيسبوك بأحاديثه ودعوته كمادة للنقد، كاشفين نزقه، وعرضوا صور زوجاته، وصورة الفنانة الزوجة الجديدة، التي لا ترتدي الحجاب الذي يدعو الناس إليه، وقد تجد لديه المبرر والردّ، بأنه يتبع ممارسات الرسول، صلى الله عليه وسلم، والصحابة، رضوان الله عليهم، وأنّ الإسلام لا يمنع تعدّد الزوجات، هؤلاء ينظرون لأنفسهم على أنهم حازوا خلافة صفوة الأمة وتاريخها باعتبارهم دعاة لدين الله على الأرض.

اقرأ أيضاً: هل وصلت رحلة الدعاة الجدد محطتها الأخيرة؟

لقد استطاع الفضاء الإلكتروني أن يحطم مصداقية هذا الداعية "المودرن" أيضاً، ويؤثّر في إمكانية استماع الناس له بعد ذلك، وتصديقهم له.

ازدواجية المعايير بين الخطاب والممارسة

إنّ جوهر أزمة الدعاة الجدد في الفجوة الشديدة والفصام بين ما يقولون وما يسلكون، بين دعوتهم للناس وسلوكهم في الواقع؛ لذا استطاعت الذاكرة الحافظة لليوتيوب، التي سجلت كلماتهم على الفضائيات، بيان مدى تناقضهم، وبيان مدى تكالبهم على الدنيا، فبعد أن أصبحوا كالنجوم، كل واحد يحدد سعره، وثمن ظهوره في الفضائيات استطاع نشطاء الفيسبوك تعرية هؤلاء الدعاة كل واحد على حدة، وذلك من خلال أقوالهم وأفعالهم المتجلية لهم على الفضاء الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك نستطيع أن نقول: إنّ ما صنعته شاشات التلفاز في أعوام، استطاعت وسائل التواصل الاجتماعي الحرة أن تهدمه في شهور، وأن تكسر سطوة تأثير هؤلاء الدعاة في الشباب، وتزييفهم لوعي قطاع من الشباب بأنماط يروّجون لها من التدين الكاذب، دون أن يكونوا هم قدوة لهؤلاء الشباب في سلوكياتهم وتصرفاتهم .

رغم مثالب وسائل التواصل الاجتماعي إلا أنها تتمتع بقدر من الحرية لا تتمتع بها الفضائيات الموجَّهة

ومن ثم يمكن القول: إنّ ما يصنعه الإعلام الموجّه على الفضائيات الخاصة من أجل الربح والاستثمار، صار له ذاكرة على الفضاء الإلكتروني الحرّ، وأصبح يوضع على مشارط أصحاب التوجهات المغايرة، في هذا الفضاء، الذين يسلطون الأضواء على كلّ مثالب هذا الإعلام الموجَّه، ليكشف لنا عبر هذا الفضاء مدى تهافت هذه الدعوات الموجهة ومدى متاجرتها بالدين، ولعل هذا ما يحسب لوسائل التواصل الاجتماعي، في جانبها الإيجابي، من حيث الاستخدام، وهو جانب فاعل في صناعة رأي عام مغاير تماماً لكلّ ما يعرض في الإعلام الموجه.

اقرأ أيضاً: هل ينجح دعاة فيسبوك وتويتر بمحاصرة الإرهاب الإلكتروني؟

من ثم، فرغم مثالب وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها تتمتع بقدر من الحرية لا تتمتع بها الفضائيات الموجَّهة، كما أنها تتميز بأنها متاحة للجميع دون استثناء، كي يعبّر الفرد عن نفسه، بخلاف القنوات التلفزيونية التي تحدّد ضيوفها باختيار وتوجه؛ لذا لا بدّ من أن نعترف بالدور الفاعل والمتميز لهذه الوسائل الجديدة.

الصفحة الرئيسية