قراءة في عملية السلط... الوقائع والمآلات

الاردن

قراءة في عملية السلط... الوقائع والمآلات


13/08/2018

تدل معطيات كثيرة، وتحديداً أسلوب التنفيذ وأهداف العملية التي تمت بمدينتي الفحيص والسلط ضدّ القوات الأمنية الأردنية، أنّ الخلية الإرهابية مرتبطة بتنظيم داعش، وهو ما تم الإعلان عنه خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده المسؤولون الأمنيون اليوم، ومن المرجح أنّ اعتقال خمسة من عناصرها، بعد القضاء على ثلاثة آخرين، خلال المداهمة، سيكشف المزيد من المعلومات حول الخلية وارتباطاتها؛ حيث باشرت محكمة أمن الدولة الأردنية، وهي الجهة المختصة بقضايا الأمن الوطني، ومن بينها الإرهاب، التحقيق مع هؤلاء العناصر.

ربما يشكل هدف العملية وأسلوب التنفيذ متغيراً نوعياً في أساليب داعش وأهدافها

وأعلنت الناطقة الرسمية باسم الحكومة، وزيرة الإعلام جمانة غنيمات، انتهاء العملية، بعد ظهر أمس، بعد الانتهاء من مراسم دفن الشهداء الذين قضوا في هذه العملية من الأجهزة الأمنية، وعددهم ثلاثة، بينهم ضابط برتبة رائد، وهو قائد فريق الاقتحام، فيما تجاوزت الإصابات العشرين جندياً وضابطاً، تمّ الإعلان أنّ أغلبهم حالتهم الصحية جيدة، باستثناء حالة واحدة وصِفت أنها في خطر.

عملية "خلية السلط"، ألقت بظلالها على الشأن العام في الأردن، وسيطرت على المشهد العام، وسط حالة من الذهول والمتابعة لدى الرأي العام، وبرزت تساؤلات كثيرة، تحاول تفكيك المشهد، وتشير القراءة الأمنية للعملية إلى الآتي:

تمت العملية بمدينتي الفحيص والسلط ضدّ القوات الأمنية الأردنية

أولاً: تأتي العملية في إطار استهداف دائم للأردن من قبل خلايا تتبع للتنظيمات الإرهابية، خاصة داعش والقاعدة، وهي غير معزولة عن سلسلة طويلة من العمليات التي نفذت من قبل داعش؛ في إربد، والكرك، والبقعة، خلال العامين الماضيين، إضافة إلى عدد آخر من العمليات التي تمّ إحباطها من قبل الأجهزة الأمنية، وهي في طور التخطيط، ودون أن تعلن السلطات الأمنية عن ذلك؛ لأسباب مرتبطة بمقتضيات ومتطلبات العمل الاستخباري.

اقرأ أيضاً: الأردن يكشف الحصيلة النهائية لعملية السلط

ثانياً: رغم الخسائر البشرية في صفوف الأجهزة الأمنية، المرتبطة بأسباب ذات علاقة بالعقيدة القتالية لدى القوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تعنى بالحفاظ على أرواح المدنيين، مقابل عناصر لا تؤمن إلا بالقتل والدم، إلا أنّ إدارة العملية والمتابعة الحثيثة، عكست حرفية عالية لدى جهاز المخابرات العامة الأردني، في متابعة العملية والوصول إلى أعضاء الخلية في زمن قياسي، باستثمار المعلومات حول عناصر الخلية، كما أنّ التنسيق بين الأجهزة الأمنية سجّل مستوى جديداً، أكثر إقناعاً، مقارنة بالعمليات السابقة التي جرت في الكرك وإربد والبقعة.

تزامن تنفيذ العملية مع العديد من السياقات العامة المرتبطة بالشأن الداخلي الأردني

ثالثاً: تعكس العملية حجم الأزمة التي يعانيها التنظيم، بعد محاصرته في العراق وسوريا، وربما تشكّل نموذجاً لكيفية عمل تنظيمات داعش القُطْرية مستقبلاً، باعتماد مقاربات اللامركزية في إدارة العمليات، بحيث يقدر كلّ تنظيم، وفق ظروفه، مكان وأهداف عملياته دون توجيه مركزي، وهو الأسلوب ذاته الذي استخدمته القاعدة بعد محاصرتها في أفغانستان، بعد عام 2001؛ إذ أصدر أسامة بن لادن والظواهري مثل تلك التوجيهات لتنظيمات القاعدة "قبل ظهور داعش".

اقرأ أيضاً: مواجهة التطرف العنيف في الأردن.. هل من جديد؟

رابعاً: ربما يشكل هدف العملية وأسلوب التنفيذ متغيراً نوعياً في أساليب داعش وأهدافها؛ إذ إنّ العملية استهدفت رجال الأمن، ضدّ دورية مشتركة لقوات الدرك والأمن العام، خلافاً لأهداف داعش الاعتيادية، التي تستهدف الكنائس، والأماكن السياحية، والمنشآت الاقتصادية، وهو ما يفسّر عدم استهداف جماهير مهرجان الفحيص الفنّي والثقافي، فيما كانت المرة الأولى التي يفجّر فيها إرهابي نفسه مع عائلته والمبنى الذي يتواجد فيه.

اتجاهات الإرهاب في الأردن تشير إلى احتمالات واردة بتنفيذ عمليات جديدة

خامساً: تزامن تنفيذ العملية مع العديد من السياقات العامة المرتبطة بالشأن الداخلي الأردني: حملة إعلامية شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي، غذّتها جهات تطرح خطاباً مليئاً بمفردات التطرف و"الشيطنة"، ضدّ مهرجاني جرش والفحيص السنويَّين للثقافة والفنون، وتسجيل عدد من الظواهر الدخيلة، المتمثلة بالاعتداء على رجال الأمن العام، إضافة إلى انشغالات الرأي العام بقضية فساد غير مسبوقة، وهي القضية التي أصبحت تعرف باسم "مصانع الدخان المزورة"، والتي تكشف خلالها ارتباط أسماء ممن تولوا مناصب قيادية في الدولة، وبعضهم ما يزال على رأس عمله.

سادساً: تمتلك الأجهزة الأمنية قاعدة بيانات ضخمة حول الإرهابيين في كافة مناطق المملكة، وبما أنه تمّ تنفيذ عمليات في إربد والكرك والسلط، فإنّ تنفيذ عمليات جديدة في مناطق ومحافظات معروفة بتواجد خلايا إرهابية فيها، سيكون احتمالاً وارداً، ودون انتظار تعليمات وتوجيهات من قيادة داعش.

اقرأ أيضاً: العالم يتضامن مع الأردن في تصديه للإرهاب.. ردود الفعل

سابعاً: إنّ اتجاهات الإرهاب في الأردن تشير إلى احتمالات تنفيذ عمليات جديدة واردة، ارتباطاً بعاملين: الأول: تطورات الأوضاع في سوريا، والتي تشير إلى أنّ معركة إدلب على الأبواب، وما تعنيه من احتمال عودة العناصر الأردنية، ممن يعملون في صفوف داعش والقاعدة، وبخبرات قتالية جديدة. والثاني: تغيّر الأهداف وأساليب التنفيذ، ولا مركزية التنظيم، كما برز في عملية السلط، يتيح للخلايا الإرهابية في الأردن مساحة واسعة في اختيار الأهداف وأساليب التنفيذ.

الصفحة الرئيسية