"غوغل بلس" منصة داعش لغزو الإنترنت مجدداً

"غوغل بلس" منصة داعش لغزو الإنترنت مجدداً


29/08/2018

محمود زكي


كشفت دراسة حديثة صدرت عن كلية الإعلام والوسائل الحديثة بجامعة أوسلو في النرويج مؤخرا، عن ظهور هجرات كثيفة لنشطاء على الإنترنت تابعين لتنظيم داعش إلى موقع “غوغل بلس”.

ورصدت الدراسة ظهور العشرات من الحسابات المزيفة التي حملت شعارات وصورا تتبع داعش وتقوم بترويج خطاب عنيف ومتطرف ضد المسيحيين في الغرب.

بدت الهجرات الجديدة امتدادا لإستراتيجية إلكترونية متبعة عزم عليها نشطاء داعش منذ أن فرضوا وجودهم في منصات التواصل الاجتماعي، بداية من موقع تويتر التي وصلت فيه أعداد الحسابات التابعة للتنظيم المتطرف لنحو 400 ألف حساب في عام 2015. وسرعان ما حوّل داعش دفته إلى تطبيق إنستغرام بعد موجة حظر وإغلاق عنيفة طالت حسابات متطرفة منذ بداية عام 2016.

مع أن داعش وجد في إنستغرام ملاذا آمنا لقرابة العامين، بعدما منحت مميزات وعوامل التطبيق أدوات خاصة للتواصل والتجنيد والترويج لأفكار التنظيم دون قدرة حقيقية على كشف تلك الحسابات، لكن بدا أن الحملات الشرسة التي قادتها بعض الحكومات الأوروبية على التطبيق وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي زادت من حدة الحرب على الخطاب المتطرف وسلطت الضوء أكثر على إنستغرام الذي تحوّل لساحة مكشوفة لقنص أماكن وطبيعة المواد المنشورة لجنود داعش.

يتميز موقع غوغل بلس، الذي يصل عدد مستخدميه إلى نحو 400 مليون شخص، بكونه أكثر رحابة من مواقع أخرى مثل فيسبوك وتويتر. ويجمع بين صفات عدة تشتهر بها كل وسيلة تواصل، فيمتلك خاصية الهاشتاغ الذي يجمع تحته موضوعا محددا مثل تويتر، كما يقدم خاصية “+1” وهي تتشابه مع عملية الإعجاب والتعليق على فيسبوك، فضلا عن تمتعه بخاصية المحادثات المغلقة بين طرفين أو أكثر تحت اسم “هانغ آوت”، والتي تشبه ما يقدمه تطبيق واتساب.

وأبرز ما يميز الموقع، الذي أطلقته شركة غوغل عام 2011، هو تمتعه بخاصية منفردة تسمي “دوائر”، وهي أداة تمكّن روّاد الموقع من تكوين شبكات خاصة منغلقة مثل الدائرة تجمع النشطاء تحت موضوع موحد يشترك الجميع في الاهتمام به.

وقد تكون الدائرة مغلقة على أصحابها أو مفتوحة للباحثين عن الموضوع ذاته.

وبحسب الدراسة، يعتمد نشطاء داعش على تلك الخاصية الهامة لتشكيل دوائر عديدة تختص بعضها بشرح أيديولوجية داعش الفكرية، والحديث عن أحدث أخبار الهجمات وإثارة خطاب الكراهية والعنف المفرط كرسائل تهديد للغرب، بينما تساعد دوائر أخرى متابعيها في تقديم شرائط مصورة لعرض كيفية استخدام الأسلحة والسكاكين وصناعة القنابل في المنزل.

تبدو المعضلة التي يطرحها الموقع في كثرة الدوائر وسهولة الوصول إليها من قبل روّاد الموقع عن طريق محرك البحث البسيط، والذي يحمل خاصية غوغل البحثية الشاملة والمميزة، وصعوبة تتبعها بشكل دقيق وسريع، ما يجعل مهمة إدارة غوغل بلس الأمنية معقدة في إغلاق تلك المنصات أو اتخاذ وقت طويل حين الكشف عنها.

ويشي تحول داعش الجديد بكثير من الأهداف التي عبر عنها من خلال بعض التوجهات، ولا يتوقف الاتجاه نحو منصات جديدة عند إيجاد إستراتيجيات جديدة للهروب من عمليات الإقصاء الممنهجة من قبل إدارات التواصل ضد الحسابات المتطرفة، لكنها بداية لإعلان مرحلة جديدة يرغب داعش في الترويج لها بأنه عائد من جديد في صورة أكثر قوة دون تأثير مما ناله من خسائر كبيرة ميدانيا في سوريا والعراق، وكذلك تراجع في العمليات الإرهابية في دول أخرى.

واستفاد التنظيم مؤخرا من هدوء العاصفة ضده من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ليعيد ترتيب أوراقه وبدء مرحلة جديدة من الاستقطابات بغرض تجنيد العشرات من الشباب عن طريق الإنترنت ليكونوا نواة لضربات مستقبلية قريبة.

قال عادل عبدالصادق، مدير مشروع المركز العربي لأبحاث الفضاء الإلكتروني في مصر، إن لجوء أعضاء داعش لمنصة غوغل بلس ليس معناه البحث عن ملاذ جديد للاختباء، لأنه يتميز برقابة دقيقة وقوية على المواد التي يشتبه في بأنها تعكس خطاب كراهية أو تتطرف.

وأضاف لـ”العرب”، أن تلك التحولات الجديدة والسريعة تهدف إلى لمّ شمل متابعي داعش في أنحاء العالم من جديد، عبر فتح منافذ مختلفة بمنصات متعددة من أجل التأكيد على بقاء التنظيم بكافة أدواته وقوته الإعلامية.

وأوضح عبدالصادق، أنه سواء تويتر أو إنستغرام أو غوغل بلس، فتلك المنصات لا تمثّل سوى 40 بالمئة من نشاط داعش الرقمي والإلكتروني، لكن جميع التحركات الحقيقية، من حيث التنظيم والتمويل والتخطيط، تحدث داخل جزء غامض ومعقد يسمى “المحتوى العميق” أو Dark Web، وتصعب مراقبته أو تعطيله.

وكشفت بعض الدراسات الأمنية أن نجاح التنظيمات الإرهابية في الإبقاء على قوتها الإعلامية على الإنترنت جاء بسبب استخدام “الاتصالات المشفرة” خلال طبقة عميقة يصعب اختراقها أو الوصول إلى المعلومات فيها، إلا عن طريق رابط يرسله مستخدم إلى آخر، وأنه من المستحيل تتبع الخطاب المتطرف على تلك الشبكة أو اختراق المواقع بسبب الزخم المعلوماتي.

ويشير بعض الخبراء إلى أن وراء انتقال داعش من منصة إلكترونية إلى أخرى، يعود إلى رغبة التنظيم في استحداث أيديولوجيات جديدة، أهمها تخفيف حدة الرقابة اللصيقة عليها من خلال توسيع دائرتها وأدواتها الإعلامية، لتعقد من مسؤولية إدارات تلك المواقع المتهمة بتقاعسها المستمر في دحر تلك الأبواق المتشددة.

وألقت السلطات البريطانية والفرنسية والألمانية غضبها على الشبكات الاجتماعية بعد ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية في أوروبا، مع تكرر عامل استخدام الإنترنت في أغلب العمليات، ما دعا الحكومة في كل من لندن وباريس إلى تهديد بفرض غرامات مالية كبيرة، لفشل الشبكات الاجتماعية في حذف المشاركات المتطرفة.

ويبدو أن غوغل بلس امتداد لتلك الظاهرة التي اعتمد عليها التنظيم منذ ظهوره بقوة على مواقع التواصل في عام 2014، وبدأت بإنتاج حسابات مزيفة بنفس الاسم والصورة والشعارات والمواد المنشورة على الموقع ذاته لإرباك الإدارات الأمنية. وتتناقل تلك الحسابات في ما بينها روابط خاصة تنقله من حساب لآخر ومن موقع لآخر ليستطيع المتابع الاستمرار في متابعة أخبار التنظيم دون أن يتأثر بموجات الإقصاء الإلكتروني.

وأشار توماس إيغار أستاذ العلوم السياسية بجامعة أوسلو النرويجية، الذي شارك في إعداد الدراسة السابقة، إلى أهمية مواقع التواصل الاجتماعي التي أحدثت طفرة في إعلام الإرهابيين بعد أن جعلت التواصل والتنسيق أكثر سهولة وسرعة وصعّبت من مهمة أجهزة الاستخبارات في مراقبة حساباتهم.

وأوضح أن استخدام الإرهابيين لم يتوقف على استخدام الإنترنت من أجل تنسيق العمليات وتجنيد الآخرين فقط، لكنه وصل لدرجة تبادل معلومات تكتيكية قبل وأثناء الهجمات الإرهابية.

ويعتمد التنظيم على منهجية الإغراق المعلوماتي، ويستخدم المدونون تطبيقات إلكترونية متطورة وهاشتاغات لحشد جماهير الإنترنت، مستندا إلى خبراء متخصصين في وسائل التواصل.


عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية