هل يمتلك التونسيون وصفة سحرية لاقتلاع شوكة الإرهاب؟

تونس

هل يمتلك التونسيون وصفة سحرية لاقتلاع شوكة الإرهاب؟


05/09/2018

بات سؤال الإرهاب في تونس مؤرقاً بعد أن عجزت الحكومات المتتالية عن الحدّ من ضرباته القاسية التي توجّه في كل مرة إلى صدور أبناء الجيش والشرطة والحرس موجعة، بل إنها طالت حتى المدنيين في أكثر من مناسبة بين ذبح وقتل واختطاف.

وفيما ينتظر التونسيون الحد من العمليات الإرهابية وتجفيف منابعها، تباغتهم الجماعات الإرهابية من حين إلى آخر بتنويع عملياتها، مستفيدة من ظاهرة الإرهاب بوصفها ظاهرة عالمية لها وسائلها واستراتيجياتها وارتباطاتها العابرة للحدود بالسياسة ودوائر المال العالمية.

التطورات النوعية الأخيرة

بدأت أولى العمليات الإرهابية في تونس عام 2012، وسقط أنيس الجلاصي أول شهيد في المؤسسة الأمنية بعد الثورة في عملية "جبل بو شبكة" في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2012، فقرعت العملية ناقوس الخطر ونبهت التونسيين إلى الخطر المحدق بالبلاد بسبب الإرهاب، وبأنّ الجماعات الإرهابية كانت تعد لما هو أخطر وأقسى.

اقرأ أيضاً: قصة حبّ من طرف واحد تحوّل شاباً تونسياً إلى إرهابي خطير!

هذا ما كشفته عمليات إرهابية لاحقة منها عملية جبل الشعانبي، التي راح ضحيتها 8 جنود في كمين تم ذبح خمسة منهم وشوهت جثثهم بعد الاستيلاء على أسلحتهم وبدلاتهم العسكرية، ليقف التونسيون عن كثب على مدى وحشية الجماعات الإرهابية.

الخليفي: نظام الحكم لم يقدّم بعد إستراتيجية شاملة للقضاء على الإرهاب

وتحرص الجماعات الإرهابية على تنويع عملياتها واعتماد التخطيط المحكم وتوظيف عنصر المباغتة. ويذكر في هذا الإطار عملية متحف باردو المحاذي لمجلس النواب في قلب العاصمة التونسية التي هاجمت خلالها جماعة إرهابية سياحاً كانوا داخل المتحف فقتلت منهم العشرات، واحتجزت منهم عشرات الرهائن تم تحريرهم بعد القضاء على منفذي العملية.

يضاف إلى ذلك اعتماد الأحزمة الناسفة التي استخدمت في تفجير حافلة الأمن الرئاسي في العاصمة تونس، وقد أسفر الهجوم حينها عن مقتل منفذ العملية وعدد من عناصر الأمن.

اقرأ أيضاً: هكذا يتحوّل الشباب العاطل عن العمل في تونس إلى "قنبلة موقوتة"

وما تزال حادثة اختطاف الراعيين في منطقة "عين سلطان" شاهدة على بشاعة الجماعات الإرهابية ووحشيتها؛ إذ اختطفت الراعي الأول وقطعت رأسه وأرسلته مع أخيه وظلت القوات الأمنية والعسكرية تبحث عن جثته أياماً، وبعد أشهر اختطفت أخاه الثاني فلقي المصير نفسه.

التنويع مستمر

واصلت الجماعات الإرهابية توجيه ضرباتها الموجعة، معتمدة عنصر التنويع والمباغتة، وكانت آخر عملية في هذا الشأن في بداية الشهر الجاري، عندما نزل إرهابيون من جبل الشعانبي المحاذي لمدينة القصرين واقتحموا بنكياً بالمدينة فاستولوا على مبلغ مالي قيمته 90 ألف دينار تونسي (33000 دولار أمريكي تقريباً).

وقد أكّد وزير الداخلية هشام الفوراتي حينها، أنّ المتورّطين في العملية على علاقة بالجماعات الإرهابية قائلاً "لا يمكن إخفاء أنّ لهم صلة بالجماعات الإرهابية".

بدأت أولى العمليات الإرهابية في تونس عام 2012 وسقط أنيس الجلاصي أول شهيد في المؤسسة الأمنية بعد الثورة

غير أنّ الباحث في الإرهاب والاستخبارات، ومدير المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب، الدكتور جاسم محمد، لا يرى في هذه العمليات تنويعاً بقدرما يراها دليلاً على ضعف الجماعات الإرهابية، بعد تضييق الخناق عليها إذا ما قورنت بما حققته من نتائج في عمليات سابقة.

ورأى الدكتور محمد في تصريح لـ "حفريات"، أنّ "هذا النوع من العمليات يعكس بدون شك حجم تراجع الجماعات أو التنظيمات المتطرفة إقليمياً ودولياً ومنها تونس، فبعد أن كانت تستهدف مقرات حكومية ومقرات الشرطة، اليوم تستهدف هذا النوع من الأهداف الرخوة وذلك مثال على تراجع هذه الجماعات".

وأوضح أنّ "هذه العمليات لا تعتبر تنويعاً أبداً بقدر ما هو تعبير عن خسارة هذه الجماعات قدرتها وإمكانياتها، إلى جانب أنها تبحث عن مصادر تمويل"، حسب تعبيره.

اقرأ أيضاً: جهادي تونسي وجد نفسه أكثر تطرفاً من "داعش" فاختار الفرار

وعن تقييمه للتجربة التونسية في مكافحة الإرهاب، أكد الدكتور محمد أنّ تونس نجحت بالفعل في الحد من العمليات الإرهابية ومن خطورة الجماعات الإرهابية المتحصنة بالجبال. وتابع "أجد أن نتائج العمليات للجماعات الإرهابية قد تراجعت كثيراً، ونتذكر عمليات الجماعات في هجوم متحف باردو والهجوم على الشواطئ عام 2015، اليوم اختفت هذه العمليات".

ويخلص الدكتور محمد إلى أن "هذا يعني أن أجهزة الأمن في تونس انتزعت عنصر المبادرة من هذه الجماعات".

د.جاسم محمد: تونس نجحت بالفعل في الحد من العمليات الإرهابية

تبادل التهم والتوظيف السياسي

إثر كل عملية إرهابية، تغرق الساحة بالتحليلات، وتمتلئ المنابر بالخطب، والدروس، والمواعظ لتفادي عمليات إرهابية قادمة، وينتهي المسلسل بـ"فتح تحقيق في الغرض"، سرعان ما ينسى، وتنكشف الحقيقة أنّ فتح التحقيقات إنما هو مجرد حبة تسكين للألم وحدّ من غضب الشارع.

اقرأ أيضاً: حملة عسكرية تونسية.. هذه هي أهدافها

غير أنّ الأكثر خطراً أن تتحول العمليات الإرهابية في كل مرة إلى المزاد السياسي فترفع أسهم هذا الحزب أو ذاك، وتحطّ من قيمة أسهم الآخرين. ويدخل الشارع السياسي في لعبة التوظيف والتوظيف المضاد دون وعي بخطورة قضية الإرهاب وما تستدعيه من جدية وصرامة في التعامل.

سؤال الإرهاب بين الجدية والتراخي

حصلت تونس على عديد التجهيزات والمعدّات من أمريكا وأوروبا لمواجهة الإرهاب، حيث أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" ينس ستولتنبرغ، في 11 الماضي، أنّ الحلف قرر زيادة الدعم المقدم لتونس والأردن، بهدف مكافحة الإرهاب في المنطقة.

وأعلنت الولايات المتحدة مؤخراً دعمها لتونس في مكافحة الإرهاب، وقد التقى وزير الداخلية التونسي هشام الفراتي مؤخراً بمقر الوزارة، المنسق الأمريكي لمكتب مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف نايثن سايلس، بحضور السفير الأمريكي، وذلك لمزيد تعزيز التعاون الأمني التونسي الأمريكي لتطوير الآليّات المعتمدة في مكافحة الجرائم الإرهابيّة والتصدي لها، حسب بلاغ وزارة الداخلية.

وزير الداخلية التونسي هشام الفراتي

غير أنّ كل هذه الجهود لم تنجح بعد في تخفيف وطأة العمليات الإرهابية. ولئن تمكنت القوات الأمنية والعسكرية بحكم خبرتها من الحد نسبياً من نشاط الجماعات الإرهابية ووجهت لها ضربات موجعة وقتلت عدداً كبيراً من عناصرها أو قبضت عليهم، فإنّ الجهد يظل غير كاف.

معالجة ظاهرة الإرهاب في تونس تحتاج عزيمة قوية تقتلعها من جذورها وتجفف منابعها الدينية والاجتماعية والسياسية

ويرى الدكتور عبيد الخليفي أنّ "الجماعات الجهادية عبرت عن حضورها القوي بعمليتي (عين سلطان) و(بنك الآمان) لتكذب كل التخمينات والتحليلات التي ترى أنّ الجماعات الجهادية قد ضعفت وتلاشت، ويظل المشهد الاقتصادي والسياسي في تونس مساعداً على بقاء هذه الجماعات وعودتها للنشاط بأكثر قوة".

ويؤكد الدكتور الخليفي، في تصريح لـ" حفريات" أنّ المعالجة الأمنية قد نجحت إلى حد ما في "تخفيف المخاطر الإرهابية"، ولكنه مع ذلك يرى أنّ منظومة الحكم لم تضع بعد "تصوراً شاملاً واستراتيجية وطنية لمكافحة ظاهرة الإرهاب بالقضاء على مسبباته الفكرية والعقائدية والاجتماعية الاقتصادية" على حد تعبيره.

تخطو تونس خطواتٍ جادّة نحو الديمقراطية والحداثة، غير أنّ التأسيس الحقيقي لن يكون إلّا إذا توفر عنصر الجدّية والإرادة الحقيقية. وأول شرط لذلك هو معالجة ظاهرة الإرهاب المؤرقة بعزيمة قوية تقتلعها من جذورها وتجفف منابعها الدينية والاجتماعية والسياسية، بالاستعانة بالجهود الدولية والتجارب المقارنة لمكافحة الإرهاب.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية