عبد الواحد النبويّ: قادرون على البناء رغم المحن الشديدة

عبد الواحد النبويّ: قادرون على البناء رغم المحن الشديدة


06/09/2018

أجرى الحوار: سامح فايز


تحظى الثقافة بدور كبير في عملية البناء في مصر التي ستعتمد في المقام الأول على بناء الإنسان المصري، في محاولة لاستعادة الهوية المصرية التي يرى محللون أنها تأثرت بشكل سلبي، عقب أحداث يناير 2011، نتيجة "ثورات الربيع العربي".

لتجلية هذا الأمر، حاورت "حفريات" وزير الثقافة المصري الأسبق، وأستاذ التاريخ المعاصر بجامعة الأزهر، الدكتور عبد الواحد النبوي، في محاولة لاستكشاف معالم إعادة البناء على المستوى الثقافي في الفترة المقبلة، ودور الثقافة أيضاً في تنمية المنطقة العربية ككلّ؛ إذ يرى النبوي أنّ بناء الشخصية، لتكون مؤهلة للتعامل مع المستقبل بكل علومه، يستدعي التركيز على عاملين رئيسين هما: التعليم والثقافة، مؤكداً " قادرون على البناء رغم المحن الشديدة".

هنا نص الحوار:

أعلنت الحكومة المصرية؛ أنّ المرحلة الثانية من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، تهتم ببناء الإنسان المصري في المقام الأول، على مستوى التعليم والثقافة والصحة، لماذا لم تكن تلك المحاور أولوية للحكومة في الفترة الأولى من حكم الرئيس؟

ما بعد 30 حزيران (يونيو)، كان لدينا مواجهات ومخاطر ضخمة، منها: أنّ الحدود الأربعة للدولة المصرية كانت ملتهبة، أضف إلى ذلك الالتهاب الداخلي، مثل وجود جماعة مرفوضة من المجتمع ككلّ، تحاول إعادة نفسها للمشهد مرة أخرى، ثانياً: لدينا أناس اعتلوا تيار المعارضة والرفض من أجل الرفض، دون فهم متطلبات المرحلة، وهؤلاء يمثلون البعض ممن تنطعوا، ولم يفهموا أعباء السلطة، ثالثاً: الكتلة الكبيرة من الشعب المصري المؤيدة للنظام الحالي تنتظر آمالاً كبيرة، لذلك كانت المسألة الأهم للرئيس هي تثبيت الدولة المصرية؛ من خلال استعادة الأمن بشكل جيد، وبثّ الطمأنينة والاستقرار في نفوس المجتمع المصري، وإعطاء رسالة للخارج أنّ الدولة المصرية تستعيد كيانها بشكل قوي، وأنّ هناك سلطة تدرك ما هو دور مصر في هذه المرحلة، وبالتالي يتم إيصال رسالة مفادها؛ أنّ مصر تستعيد دورها المحوري في هذه المنطقة من العالم مرة ثانية، وبالفعل نجحنا بنسبة 80% في تحقيق ذلك، من استعادة الاستقرار، واستعادة الأمن بشكل جيد، أيضاً تقليم أظافر الجماعة الإرهابية التي تريد أن تأخذ المجتمع المصري إلى منطقة بعيدة عمّا كانت عليه، أو ما هي عليه مصر.

♦ إعادة الاستقرار وثقة المواطن

الحدود الأربعة للدولة المصرية كانت ملتهبة

هل معنى تلك الرؤية؛ أنّ ضبط الوضع الأمني للدولة أهم من العمل على ملفات أخرى مثل؛ الثقافة والصحة والتعليم؟

أولاً: لم يكن الأمن فقط، المحاور الخاصة بإعادة الاستقرار وثقة المواطن مسألة خطيرة، فعندما نقدم مشروعاً مثل؛ قناة السويس الجديدة، نؤكد للعالم أنّ الشعب المصري قادر على البناء في ظلّ المحن الشديدة. جميعنا يتذكر أزمات الكهرباء كنموذج، أما الآن فقد أصبح لدينا فائض من الكهرباء، أيضاً التنوع في مصادر الطاقة؛ لدينا الآن طاقة شمسية، وطاقة بالغاز، والمازوت، وطاقة بالفحم، والآن يتم العمل على الطاقة النووية في محطة الضبعة. الاستعادة أيضاً تتمثل في تأهيل البنية التحتية للدولة المصرية، حتى تصبح جاذبة للاستثمار.

اقرأ أيضاً: حروب الشمس: الصراع على الطاقة في العالم العربي

من وجهة نظري؛ أرى أنّ فترة 4 أعوام للمرحلة الرئاسية قليلة على الإنجازات المقدَّمة خلالها، لقد سارت مصر في عدة مستويات إصلاحية بالتوازي في قطاعات مختلفة، يجب أن نعرف أيضاً أنّ المنطقة كانت تُرسم ويعاد ترتيب أوراقها بعيداً عن مصر، لكنّ مصر تمكّنت من استعادة دورها، وذلك نتيجة العمل على الملف الخارجي بالتوازي مع العمل على الملف الخارجي، من أجل استعادة الثقة لدى أطراف أوروبية، وآسيوية، وإفريقية. 

تيار المعارضة المصرية له وجهة نظر مختلفة تشير إلى تراجع الأوضاع في مصر على مستويات مختلفة، وهي رؤية تخالف الطرح الذي تقدمه..

انظر إلى البيانات الصادرة عن الخارجية الإيطالية، والإسبانية، والفرنسية، واليونانية، وجميع الدول المحيطة، في الفترة التي أعقبت تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي للحكم، ستجدها بيانات ضدّ النظام الموجود، أما الآن؛ فلتقرأ الخطاب السياسي، الغربي والشرقي، تجاه مصر، يكفي أن تعلم أنّ عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي تمّ تعليقها، ومنعت مصر من حضور اجتماعاته، أما حالياً، فنحن رؤساء الاتحاد الإفريقي، أيضاً علقت عضويتنا في منظمات أخرى كثيرة، هنا يتضح أنّ استعادة الثقة ليست بالمسألة السهلة، من جانب آخر؛ هناك عدوّ يعمل على تلك الدول نفسها، يسعى للتشهير بك، وتصدير صورة سلبية عنك، يبدو أنّ الناس تناست البيانات التي كانت تصدر عن الخارجية الأمريكية بحظر سفر الأمريكيين للقاهرة، وتكرّر الحظر مع دول أخرى، مثل إيطاليا وبريطانيا، جميعها تحديات واجهتها مصر وتناساها الناس الآن، أيضاً منظمات التمويل الدولية كانت ترفض التعاون معنا حتى استقرار الأوضاع في القاهرة، تصنيفنا الاقتصادي تهاوى لدرجات سيئة جداً، أما الآن؛ فالوضع اختلف تماماً، وارتفع التصنيف لدرجة آمنة، وليست استعادة الثقة هي مكسبنا فقط الآن، أيضاً أصبحت مصر عنصراً رئيسياً في التفاوض والمباحثات فيما يتعلق بالمنطقة.

♦ بناء الشخصية المصرية

كيف تفسّر مدى أهمية رسالة الرئيس بالعمل على بناء الشخصية المصرية من جديد خلال الفترة الرئاسية الثانية؟

مسألة التطرف الموجودة الآن، التي لا يقصد بها فئة معينة، بل تطرف جميع التيارات المحيطة بك، وتطرّف الأشخاص العاديين غير المنتمين لأيّ تيّار داخل المجتمع، التسامح في التعامل بين الناس لم يعد موجوداً؛ فالهوية المصرية قائمة على التسامح، على البناء وليس الهدم، لذلك فأهمية العمل على بناء الشخصية المصرية مؤشر مهمّ؛ لأننا نعمل على إعادة ترسيخ فكرة قبول الآخر، فالاختلاف في الرأي لا يعني حمل مواطن السلاح من أجل فرض رأيه على الآخرين، من ضمن بناء الشخصية أيضاً أن تكون مؤهلة للتعامل مع المستقبل بكل علومه، ومن أجل بناء تلك الشخصية بهذه المواصفات؛ يجب أن نركز على عاملين رئيسين هما: التعليم والثقافة، بالتالي، يحب إعادة بناء المناهج التعليمية مرة أخرى؛ لذلك مسألة التعليم يجب أن يعاد النظر فيها بالكامل، ولتفعيل ذلك لا يتعين أن يكون التخطيط للتعليم داخل الغرف المكيفة، أو أن نستورد برامج تعليمية ونطبقها على هذا المجتمع كما هي؛ فالبرامج التعليمية يجب أن تكون نتيجة لحاجة المجتمع، بمعنى آخر؛ حين الحديث عن التعليم وتطوير برامجه لا يجب أن أتناسى آخر مدرسة في آخر نجع في أسوان، أو السلوم، أو رفح، يجب أن أعرف أولاً ما هي إمكانات تلك المدارس وبنيتها التحتية، بشكل شخصي؛ أعرف مدارس تجاوز عدد طلبة الفصل الواحد فيها 120 طالباً، فعند تطوير التعليم يجب أن ننتبه لعدة محاور، مثل المناهج، والمدرّس القائم بعملية التطوير، والطالب متلقى المنهج، والبنية التحتية.

عندما قررت الدولة خوض مرحلة تطوير مناهج التعليم بالكلية، هوجم التطوير بشكل شرس جداً من المواطن ومؤسسات المجتمع المدني وتيارات المعارضة، كيف ترى ذلك المشهد؟

أولاً: يجب أن أضيف إلى سؤالك أنّ هناك أناساً عاديين من عامة الشعب انتقدوا هم أيضاً ذلك التطوير، مع الوضع في الاعتبار؛ أنّ هناك حالة من عدم الرضا على مشروع التطوير، فهناك أيادٍ تستغل ذلك الرفض، وسبب عدم الرضا هنا أنّك لم تنتبه أثناء التحضير لمشروعك أنّ 70% من سكان المجتمع المصري يعيشون في الريف، والأماكن البعيدة عن العاصمة، كان من الأوْلى أثناء التحضيرات للمشروع أن نذهب إلى القرى، ونشاهد وضع البنية التحتية لمؤسسة التعليم داخلها. جميل أن يكون هناك تطوير للتعليم يستخدم فيه التكنولوجيا الحديثة، وتزويد الطلبة بهواتف ذكية، لكن تناسينا أنّ البنية التحتية لتلك المدارس لا توجد بها شبكات إنترنت من الأساس، أو أنّ خدمات الهواتف تعاني مشكلات، هنا تجب إعادة النظر في البنية التحتية، فليس التطوير فقط أن نقوم بتغيير الأفكار أو تزويد الطلبة بهواتف ذكية، ما سبق جزء في عملية التطوير، أيضاً مهمّ جداً في عملية التطوير؛ أن يكون المحتوى المقدَّم ملائماً للمجتمع المصري، ويجب أن يقتنع المجتمع، أولاً، بذلك المحتوى، وحدوث ذلك كان في حاجة إلى أن يذهب وزير التعليم إلى تلك القرى ليستمع إلى الناس.

♦ دور الثقافة

 الثقافة هي أداة النظام السياسي ليحقق النقلة الحضارية

ما هو تحديداً دور منظومة الثقافة في الفترة المقبلة، على مستوى الهدف أو السياسات الثقافية المناسبة للمرحلة؟

دور الثقافة هنا؛ أن تهيّئ المجتمع لكلّ حركات التحديث في الوطن، فأجهزة الثقافة المتاحة؛ من مسرح، وسينما، وفنّ شعبي، والمجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وقطاع الفنون التشكيلية، يجب أن تعمل ضمن خطة قومية للاشتغال على ذلك الهدف.

النبوي: لا توجد آلية واضحة للنشر الحكومي في مصر والدعم لم يكن معلوماً على أية نوعية من الكتب يصرَف

وجهة النظر التي عملت عليها أثناء عملي في الوزارة؛ أنّ الثقافة هي أداة النظام السياسي ليحقق النقلة الحضارية والتحديث المستهدف، وذكرت ذلك في تصريحات صحفية؛ أننا نعيش نظاماً جديداً يبني مصر جديدة، ودور الثقافة هنا إرسال تلك الرسالة من خلال أدواتها للمجتمع. مثلاً: أثناء وجودي كوزير للثقافة كلّفت المركز القومي للسينما بأن يتابع عمليات حفر قناة السويس، مرحلة مرحلة؛ لأنّ المركز من مهامّه الأولى تسجيل مثل تلك الأحداث.

لماذا نشعر دائماً بأنّ هناك فجوة واضحة بين المثقف والمواطن العادي في الشارع؟

جزء من ذلك عائد إلى اعتقاد المثقف بأنّ عليه تسجيل فكره دون الاهتمام بوصوله للمتلقي من عدمه، أيضاً ربما يكون النتاج الفكريّ للمثقف غير مناسب للمرحلة التي يعيشها. بمعنى آخر؛ بعضهم في أحيان كثيرة يكون منفصلاً عن المجتمع، في مرحلة ما نظمنا عدة فعاليات ثقافية لمحاربة الإرهاب في محافظات مصر المختلفة، وقدمنا قرابة 30 قافلة ثقافية توجهت إلى تلك المحافظات، للأسف؛ بعض المفكّرين المدعوّين لهذه القوافل الثقافية، اعتذروا عن المشاركة لمجرّد أنّ السيارة المكلفة بنقلهم لمكان الفعاليات تأخرت بضع دقائق عن موعدها. نعتذر عن التأخير، بالطبع، لكنّ المثقف يجب أن يدرك، بدايةً، أنّ مواردنا المتاحة في مصر ضئيلة. والقصد من المثال هنا؛ أنّ البعض لا يريد أن يكلف نفسه بعض العناء، أو أن يصبر على التجربة.

♦ هل المثقف حجر عثرة؟

على المثقف أن يعي طبيعة المرحلة التي تمرّ بها مصر

هل معنى ذلك أنّك ترى أنّ المثقف أصبح حجر عثرة في طريق التنمية؟

على العكس؛ أرى أنّه أكبر عامل مساعد، لكنّ يجب أن يعي، في المقام الأول، طبيعة المرحلة التي تمرّ بها مصر، أن يعرف مشكلات المرحلة ومتطلباتها، ثانياً: يجب أن نصبر قليلاً حتى نصل إلى نهاية التجربة.

الطرح الذي تقدمه يعتمد على ولاء المثقف لأهداف السلطة التنموية، بالشكل الذي يجعله يقف في الصفّ نفسه مع النظام الحاكم، علماً بأنّ العبارة المشهورة التي يرددها المثقف دوماً؛ أنّه يجب أن يكون على يسار السلطة دعماً للطبقات الفقيرة والكادحة؟

السلطة الحاكمة الآن؛ هي سلطة وطنية، وإن لم تكن وطنية فلتقف على يسارها أو يمينها، لا توجد مشكلة، لكن من صكَّ تلك العبارة؟! فهل نقدّم عبارات ثمّ نسير خلفها دون تفسير، لا اعتراض أن تقف على يسار السلطة دعماً للطبقات الفقيرة والكادحة، لكن ذلك يتم عندما تجد أنّ النظام لا يدعم مثل تلك الطبقات، ولك الحقّ، في ذلك الوقت، أن تخبره بخطأ منهجه في الحكم، وفي النهاية جميعنا وطنيّون، لكن أعود وأقول مرة أخرى؛ يجب أن تعي المعارضة طبيعة المرحلة التي نعيشها، أن تعي الصعوبات التي تهدّدنا كمجتمع ودولة، وفي النهاية جميعنا بشر والخطأ وارد، لكن يجب أن نقارن حجم الخطأ، وهل هناك نية لتصويب تلك الأخطاء أم لا، تلك مسألة مهمة. وفي النهاية؛ يجب أن ندرك أنّ هناك مشكلات ضخمة يعانيها المجتمع المصري الآن، فالمزاج المصري بدا مختلفاً، والسلوك المصري تغيّر، وعلينا مهمة في سبيل تصويب تلك المسارات المتعلقة بالفرد، وإذا كان لكَ تحفظات على النظام تحدّث معه، وقدّم رؤيتك، واستمع إلى رؤيته، وإذا شعرت بشكوكٍ في أنّه لا يعمل لمصلحة الدولة، هنا طريق المعارضة مفتوح أمامك، لكن أنا أثق بأنّ النظام الموجود نظام وطني من الدرجة الأولى، ولديه الكثير جداً من الحسنات، وإذا كانت عليه مجموعة من التحفظات، فجميعنا في النهاية بشر، ونستطيع أن نعيد النظر في تلك المسائل.

اقرأ أيضاً: هكذا عالج طلعت حرب الاقتصاد المصري

مثلاً؛ عندما كنت في الوزارة، اكتشفت أنه لا توجد آلية واضحة لمسألة النشر الحكومي، والدعم لم يكن معلوماً على أيّة نوعية من الكتب يصرَف، هيئة من هيئات الوزارة، مثلاً، كانت تصدر كتباً أعتقد أنّنا لا نحتاج سوى إلـى 10% من تلك العناوين.

الكلام في ظاهره؛ أنّ هناك موازنة مناسبة لوزارة الثقافة إلا أنّها تصرف في غير مكانها المناسب، علماً بأنّ 70% من موازنة الثقافة تذهب رواتب ومكافآت للموظفين، و11% فقط تصرف على الأنشطة؟

أختلف معك في ذلك، حدث أن قلت، خلال مؤتمر صحفي بعد أن توليت حقيبة الثقافة، إنّ الدولة أعطتنا ما يقرب من 460 مليون جنيه، واكتشفت، رغم قرب نهاية السنة المالية، أنّ هناك 260 مليون جنيه لم تصرف على أيّ أنشطة أو فعاليات، واستطعت في تلك الفترة البسيطة صرف 220 مليون جنيه، على فعاليات ثقافية، في حين أنّ هناك 9 شهور سابقة على ذلك لم تصرف فيها الوزارة سوى 200 مليون جنيه على الفعاليات الثقافية، مثلاً كانت هناك أماكن مغلقة أعدناها إلى العمل، ومشروعات لم تكتمل بعدُ أنهيناها، وهناك تعاقدات لم تتم فعّلناها. الدولة أعطتنا الموازنة، لكن كيف يكون لديك، كمسؤول، من النشاط والمتابعة أن تضع كلّ جنيه في مكانه المناسب.

♦ عشرة وزراء خلال سبعة أعوام

تعاقب على منصب وزارة الثقافة المصرية عشرة وزراء خلال سبعة أعوام، هل دلالة عدم الاستقرار في منصب الوزير أنّ أحداً منهم لم يقدّم سياسة ثقافية واضحة، أم أنّ البيروقراطية المتمثلة في دولة الموظف العميقة هي التي تعيق عملية التطوير؟

أودّ أن أشير إلى أنّ جميع من تقلدوا منصب الوزارة خلال تلك الفترة قادرون على إحداث تغيير، لكن هناك ما يمكن أن نطلق عليه "دولة الموظف العميقة"؛ التي ساهمت في إحداث قلق وبلبلة في وزارة الثقافة، فالمشكلة لم تكن مشكلة وزير؛ إنّما هي مشكلة تلك الدولة العميقة، يمكن أن تقول: "أصحاب المصالح"، أو هناك عداوة نشأت لمجرد أنّ الوزير جاء من أيديولوجيا مختلفة، أو أنه غير معروف لدى الآخرين، بالتالي؛ هو سيئ، من وجهة نظري، دون حتى أن أعطيه فرصة لإثبات أنّه الأفضل، إلى جانب أنّ الدولة كانت تمرّ بحالة من السيولة، بعد أحداث يناير، تسبّبت في توجيه نقد دائم للمسؤولين، بشكل مبالغ فيه وغير معتمد على وجهة نظر موضوعية.

باعتبارك أستاذ تاريخ معاصر ورسالتك للدكتورة كانت عن إمارات الخليج العربي، كيف ترى دور الثقافة أيضاً في تجاوز الأزمات التي تمرّ بها المنطقة ككل؟

الخليج أزماته محدودة؛ فدول الخليج جميعها خرجت من قلب الجزيرة العربية؛ فالخلفية الاجتماعية واحدة، وأيضاً الأعراف والتقاليد واحدة، ويجمعهم دين واحد، الأزمات الموجودة، نستطيع أن نقول إنّها توابع لأزمات حدثت في العالم العربي، سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا أو تونس، إلى جانب أن هناك دولاً محيطة بالعالم العربي، بنت موقفها في الأزمات على أساس إمّا أن تكون حليفة، أو أن تقف على الجانب الآخر منه، مثل إيران وتركيا.

النبوي: التطرف الموجود الآن لا يقصد به فئة معينة، بل تطرف جميع التيارات المحيطة بك وتطرّف الأشخاص العاديين

تركيا مثلاً وقفت في صفّ "الربيع العربي"، من أجل أن تمدّ نفوذها مرة أخرى لما يطلق عليه الولايات، في محاولة لاستعادة مجد الدولة العثمانية، بأن تحتل تلك المناطق سياسياً، وترسّخ نفوذها في تلك الأراضي. أو إيران فترى أنّ التمدّد الطبيعي لها، فيما تسمّيه "الهلال الخصيب" يبدأ من إيران، مروراً بالعراق وسوريا، نهايةً بلبنان والأردن. كلّ دولة هنا تبحث عن مصالحها، في ظلّ تماسك المنطقة العربية، في فترة الثمانينيات والتسعينيات، لكن الآن تستطيع من خلال الثقافة أن تبشر؛ أنّه مهما كبر الخلاف فهو منتهٍ، استناداً إلى أنّ تلك المنطقة ذات طبيعة جغرافية واحدة، وتاريخ واحد، ولغة واحدة، ودين واحد، إن جاز التعبير.

منظمات التمويل الدولية كانت ترفض التعاون معنا حتى استقرار الأوضاع

لكن داخل ذلك النسيج الواحد توجد قطر؟

قطر تسعى لإحداث حالة من الاستقواء في سبيل الحفاظ على كيانها؛ خوفاً من أن تبتلعها دولة خليجية أكبر، على حدّ ظنّها، وهي تصريحات ردّدها مسؤولو قطر؛ لذلك، منذ العام 1995، بعد انقلاب حمد بن خليفة على والده، بدأت قطر في تحصين نفسها بعلاقات قوية.

اقرأ أيضاً: تقرير التنافسية 2018: الإمارات الأولى عربياً ومصر تتحسن وقطر تتراجع

هناك نظرية في العلوم السياسية تتحدث عن الحليف الإقليمي والحليف الدولي؛ تقول: إذا كنت في منطقة مضطربة، ولا تملك كياناً  كبيراً، لا بدّ من أن يكون لك حليف من داخل المنطقة؛ هو الذي سينقذك في حالة الأزمات، إلى أن يهبّ لمساعدتك الحليف الدولي، الحليف الأكبر، قوة من القوى العظمى، وهذا ما نفذته قطر في الأزمة الأخيرة، ولم تستند إلى حليف إقليميّ واحد، بل حليفين، إيران وتركيا، ثم وطدت علاقاتها بالحليف الدولي؛ وهي الولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأنّ بناء مثل تلك التحالفات لم يبدأ اليوم، قطر بدأت بناء التحالفات منذ العام 1995، وهي تعي جيداً مسألة الحليف الإقليمي والدولي.

النبوي: وزير الدفاع القطري عرض توسيع قاعدة العديد الأمريكية في قطر هدية من الشعب القطري بمليار ونصف مليار دولار

إذاً؛ كيف يمكن أن تكسب الحليف؟ تكسبه بالاقتصاد، لذلك لو نظرنا إلى حجم الاستثمارات القطرية في تركيا، وفي إيران، وفي أمريكا، سوف يتضح المشهد؛ قطر تستثمر حالياً 10 مليارات دولار في البنية التحتية الأمريكية، قطر اشترت 10% من بنك "باركليز" البريطاني، و10% من شركة "بورش" للسيارات، اشترت مجموعة من المباني الضخمة والفنادق المهمة جداً في بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، واشترت أندية رياضية، مثل "باريس سان جيرمان". تخيّل هذه الأموال كيف تؤثر في صانع القرار السياسي في تلك الدول.

♦ قطر وملفات التطرف

هل يمكن أن نعدّ ما سبق دليلاً واضحاً على دعم تلك الدول للجماعات المتطرفة لإحداث خلخلة لأنظمة الحكم في الدول الأخرى؟

هذا مؤكد، بلا شكّ، فالدعم القطري لتلك الجماعات لا يمكن إنكاره، أقلّ دليل أنّك تمنحهم نافذة إعلامية ضخمة للتعبير عن أفكارهم من خلالها، مثل قناة "الجزيرة"، إلى جانب المساعدات المادية والعينية، قطر تستقبل على أرضها مكاتب تمثيل سياسي لبعض جماعات الأفغان.

اقرأ أيضاً: هل أحرقت "حسم" السجون المصرية في أحداث يناير؟

وزير الدفاع القطري، في زيارة قريبة لأمريكا، عرض توسيع قاعدة "العديد" الأمريكية في قطر، هدية من الشعب القطري بمليار ونصف المليار دولار، حتى تكون هذه المنطقة مريحة ومؤهلة، وتضمن الاستمرار للمواطنين الأمريكيّين في بلدهم الثاني القطري، وكل ذلك من أجل أن تحافظ قطر على وجودها وبقائها.

الصفحة الرئيسية