"شارلي الأسود" لا يجد من يتعاطف معه!

"شارلي الأسود" لا يجد من يتعاطف معه!


13/09/2018

"لم تتدخل القوات الأجنبية عندما كانت الحرب الأهلية تدمر بلادنا، ولكنها تذكرت الصومال وتدخلت فقط، عندما تأسست المحاكم الإسلامية". رغم أنّ من قال هذه العبارة هو رجل يُعدّ في نظر الكثير من دول العالم إرهابياً، وهو المتحدث الرسمي والإعلامي باسم حركة الشباب المجاهدين في الصومال، علي طيري، إلا أنّ جملته هذه حوت في طياتها حقيقة يقر بها العديد من المراقبين السياسيين حول العالم، وهي أنّ إفريقيا التي تعمل الشركات والمنظمات الاقتصادية الدولية الكبرى يومياً على إفقارها واستغلالها، منذ انتهاء حقبة استعمارها ونهب ثرواتها بشكل مباشر، لا يتذكرها العالم إلا حين يلتقط مشاهيره صوراً تذكارية مع مساعدات رمزية على أراضيها، وهي مساعدات لا تزيدها إلا فقراً،  أو حين يرى فيها أعلاماً سوداء تحمل عبارات دينية تمثل له تهديداً حقيقياً.

كيف تحترق إفريقيا دون أن نسمع شيئاً؟

هذه الأيام، تتجه الأنظار إلى الشرق الأوسط، وتحديداً إلى مدينة إدلب؛ هنا حيث الحرب السورية باتت على مقربة من الانتهاء، ومعها فرص لا تعوض بمكاسب خرافية من إعادة الإعمار المنتظرة، بعد انتعاش كبير في سوق الأسلحة منذ بداية الحرب وحتى اللحظة.

ما لم يُهدد شارلي "الأبيض"، فإنّ شارلي الأسود لن يجد من يتعاطف معه، وتلك هي المأساة بعينها

كل القوى الدولية والإقليمية الكبرى تتابع الملف عن كثب، وكل منها تتابع تحت شعار الرغبة في القضاء على الإرهاب، ولكل منها أيضاً تعريفها الخاص حول الإرهاب، لكن معظمها على كل حال قد أعلن عدواً رئيساً هو "داعش"، حتى وإن أسهم معظمها أيضاً في أوقات متفرقة في إطالة عمر التنظيم، وليس بعيداً ما تم الكشف عنه عام 2015 عبر العديد من المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، ومنهم آدم شوبين، المسؤول البارز بوزارة الخزانة الأمريكية، والعديد من التقارير الصحفية الأجنبية من أنّ النظام السوري قد تورط في عمليات شراء للنفط من داعش، في الوقت الذي كان يعلن فيه أنه في معركة حياة أو موت ضد الإرهاب.

داعش الذي تعلن معظم الأطراف الدولية والإقليمية المتصارعة على المصالح في سوريا أنه عدوها الأول، أنشأ خلال السنوات القليلة الأخيرة تحالفات وفروعاً قوية له في إفريقيا، وتحديداً في الشريحة الجغرافية الوسطى في القارة السمراء؛ هناك حيث يتحول المكان مع الوقت إلى أخطر مكان في العالم، دون أن يسلط عليه الضوء المناسب؛ فتلك المنطقة الفقيرة لم تكن مغرية بما يكفي لوسائل الإعلام كي تسلط عدساتها عليها إلا فيما ندر، كما يتبدى من هذه الخريطة.

 خريطة العنف في إفريقيا خلال أول 5 أشهر من عام 2018

هذه الصورة تكشف خريطة العنف في إفريقيا في أول 5 شهور فقط من عام 2018، وهي الخريطة التي وضعها موقع (vice)، ويشير اللون الأزرق فيها إلى أعمال العنف ضد المدنيين، بينما يشير اللون الأسود إلى أعمال العنف التي ارتكبتها التنظيمات التابعة لداعش وحلفائه، واللون الأصفر يشير إلى ما ارتكبته التنظيمات الموالية لتنظيم القاعدة، أما بقية الألوان فتعود إلى أعمال شغب وعنف متفرقة.

وبينما لن تجد نشرة إخبارية لا تشير في طياتها إلى داعش في السنوات القليلة الماضية، فإنّ أكثر الجماعات (غير الحكومية) وحشية في العالم ليست تنظيم الدولة في العراق والشام، وإنما هي جماعة بوكوحرام التي نشأت في أفريقيا، والتي قتلت أكثر من 25 ألف شخص منذ تاريخ تأسيسها، ورغم أنّ أخبارها ليست متواترة كثيراً إلا أنها ما تزال نشطة وفاعلة في إفريقيا بقوة، حتى بعد الضربات التي وجهت إليها، فقد نزحت إلى بحيرة تشاد التي تلامس كلاً من نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد؛ هناك حيث توجد واحدة من أفقر المناطق في العالم.

أجمعت القوى الدولية والإقليمية الكبرى على اعتبار داعش عدواً رئيسياً لها

في منطقة الساحل الإفريقي استطاعت الجماعات الإسلامية المسلحة أن تبسط نفوذها على مساحة ليست هينة من القارة الإفريقية، سواء تلك الجماعات الموالية لداعش أو الموالية للقاعدة، وتشير أغلب التحليلات، إلى أن تلك الجماعات استطاعت ملء الفراغ الذي تركته الدول الإفريقية فاستطاعت أن تكتسب حواضن شعبية لها في تلك المناطق الفقيرة المسلمة، واستطاعت أن ترسي نوعاً من الاستقرار والنظام، وأن توفر الحد الأدنى من متطلبات الحياة، في تلك الأرض المنسية، التي كان أهلها يتصارعون من أجل الطعام والبقاء، وسط غياب حكومي شبه تام.

الفرق بين شارلي إيبدو الأسود وشارلي إيبدو الأبيض

حين سقط 12 قتيلاً في أحداث شارلي إيبدو في فرنسا العام 2015، بعد تخصيص الصحيفة لمحتوى تراكمي يسخر من الدين الإسلامي (عندما سخرت المجلة من اليهود نوهت في سخريتها أنّ ما يفعله اليهود من أفعال سيئة يخالف تعاليم دينهم، وحملت إسرائيل مسؤولية أفعالها، بينما حملت  مسؤولية أفعال المسلمين لرسولهم وأهانته في رسومها) ، اجتمع قادة العالم في باريس في موقف مشهدي، ليدينوا الإرهاب، وأحكمت أوروبا المتاريس على أبوابها أكثر وأكثر حتى تضيق على دخول المزيد من المسلمين القادمين من جحيم بلدانهم إلى أراضيها.

في منطقة الساحل الإفريقي استطاعت الجماعات الإسلامية المسلحة أن تبسط نفوذها على مساحة ليست هينة من القارة الإفريقية

وفي حين وجد ساخرو شارلي إيبدو، كل هذا التعاطف والاهتمام من قادة العالم، وتحول البحث عن فاقدي التعاطف العلني واليومي مع ضحايا شارلي إيبدو إلى شيء أشبه بمطاردة الساحرات في أوروبا بالقرون الوسطى، تمتد سيطرة التنظيمات المتطرفة على طول الساحل الإفريقي وتقتل الأفارقة الذين يعصونها أو يخرجون عن طوعها دون أن نسمع عنهم أي شيء؛ مجرد أرقام لعددٍ كبيرٍ من الضحايا السود المقتولين على يد تنظيمات متطرفة.

وكلما استفحل الأمر فلا مانع من أن تدعم القوى العسكرية الكبرى في العالم بضع عمليات عسكرية للنيل من مواقع تلك التنظيمات؛ فما تلبث أن تلجأ الأخيرة إلى مساحة سمراء جديدة تضم كل شروط الفقر والإهمال اللازمة لأن تصبح موطناً جديداً لتنظيم جديد، ويبدو أنّ الأمر سيظل هكذا؛ فما لم يُهدد شارلي "الأبيض"، فإنّ شارلي الأسود لن يجد من يتعاطف معه، وتلك هي المأساة بعينها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية