هل يستهدف الإسلامويون النظام الديمقراطي الغربي؟

هل يستهدف الإسلامويون النظام الديمقراطي الغربي؟


13/09/2018

ترجمة: علي نوار


تقول حنان سروخ، رئيسة قسم الدراسات الإسلامية في منظّمة "مجموعة الدراسات الإستراتيجية"، غير الحكومية الإسبانية؛ أنّ قصتها الشخصية هي انعكاس للتحوّل الذي شهده إقليم كتالونيا على مدار الأعوام الأخيرة.

حقّقت هذه المرأة المسلمة، المولودة في برشلونة، لوالدين مغربيّين، اندماجاً كاملاً في المجتمع الذي ولدت داخله، دون أن يطرأ على معتقدها أيّ تغيير، رغم اضطرارها للهروب من منزلها؛ حين قرّرت والدتها، عقب وفاة والدها، الزواج من أحد أوائل السلفيين، الذين وصلوا إسبانيا كي يفرضوا آراءهم باعتبارها الوحيدة الصائبة.

الأصوليون يسعون إلى تأسيس نظام اجتماعي إسلامي وتحذر سروخ من إعداد كوادر جهادية داخل الجماعات الإسبانية

تقول سروخ: إنّ المسلمين الأصوليين يسعون إلى "تأسيس نظام اجتماعي إسلامي"، محذّرة من إعداد كوادر جهادية داخل الجماعات الإسبانية، ومنتقدة "غياب المسؤولية" عن السياسيين الذين يسمحون لمسلمين بعينهم بتنفيذ شيء يتقنون فعله؛ التسلّل إلى "أركان" النظام الديمقراطي الغربي لتقويضه.

وتبرز: "لا يمكننا التقليل من شأن الأصولية، ولا التفكير في أنّ الأمر لا يعدو كونه أربعة متشدّدين بدائيين ليس إلّا؛ الأمر أعقد من ذلك بكثير، ويمثّل خطراً قائماً منذ وقت طويل بالنسبة إلى الغرب، وقد اتّخذ بعداً عالمياً، جعلتنا الهجمات ندرك وجوده، لكن منذ حقبة الثمانينيات؛ كان هؤلاء الذين يتطلّعون لنظام اجتماعي إسلامي، والذين فرّوا من مصر أو الجزائر، يعرفون جيّداً إلى أين هم ذاهبون، وما الذي سيفعلونه.

حنان سروخ، رئيسة قسم الدراسات الإسلامية في "مجموعة الدراسات الإستراتيجية" بإسبانيا

رؤوا أنّه في وسعهم استغلال تدفّق موجات الهجرة كعامل قوة إذا أحسنوا ذلك، وأنّ الوصول لأجيال جديدة ممكن، وقد وفّروا الظروف لذلك؛ أشخاص مؤّهلين ومؤمنين بفكرة مستحوذة عليهم بالكامل، مع بني جلدتهم الموجودين بالفعل هناك، في أوضاع هشّة وسيئة، نتج من هنا خطاب الضحية ومعاداة الإسلام: هم ونحن".

أغلب ضحايا هذا الإرهاب هم من المسلمين

تتبنّين مصطلح "إرهاب التفكيك الاجتماعي"؟
ضحايا التيار الجهادي متنوعون، وحينما يقولون إنّ أغلب ضحايا هذا الإرهاب هم من المسلمين، فهذا صائب. لا يتعرّضون لبتر الرؤوس فحسب؛ بل تُنتهك كرامتهم وأفكارهم أيضاً.

إذاً، من وجهة نظرك؛ هل من المستحيل أن يستهدف هذا التفكيك الاجتماعي المسلمين الذين يعيشون في إسبانيا أو أوروبا فحسب؟

شهدت إسبانيا قدراً كبيراً من التوتّرات فيما يخصّ بناء المساجد، أحبّ دائماً الاستشهاد بمثال بسيط للغاية، مثال السيدة ماريا؛ المتقاعدة التي لطالما ذهبت إلى المجزَر المجاور، لشراء 100 غرام من لحم الخنزير، ثم تتناول قدحاً من القهوة مع صديقاتها. وفجأة يتغّير الحي تماماً؛ فقد أصبح المجزَر يبيع اللّحم الحلال، لم يعد لديها لحم الخنزير، ولا تدلف هي للشراء، ليس لأنّها ترفض هذا اللحم، لكن لأنّهم لا يبيعون ما تريده.
ونظراً إلى أنّ المقهى أغلب رواده من الرجال، فلم تعد ترتاده، لتبدأ في الشعور كما لو كانت نازحة، من يساعدها في فهم كلّ ذلك؟ من يرافقها؟ اليمين المتطرف فحسب، العنصريون بحقّ، ينقلون لها رؤيتهم، ينبغي أن نتابع، من المؤكّد أنّ أوروبا ستشهد وجود نسبة من المواطنين الذين يعتنقون الإسلام، والذين لا يشكّلون أدنى مشكلة، أما مسألة النظام الإسلامي؛ فيجب أن نتحلّى إزاءها بالمسؤولية؛ لأنّه ثمة من يستغلّون الوضع بكلّ الأساليب.

يدور حديث بعض وسائل الإعلام حول وجود دولة خفية داخل الدولة لا تنصاع للدستور ولا تسير وفق القانون، إلى أيّ مدى هذا صحيح؟
توجد في كتالونيا مستويات مختلفة؛ هناك مستوى أوّل يضمّ المؤسسات ذات الصلة بالإدارة الحكومية، جهات اجتماعية تستكشف خطاب الضحية، ويدور مفهومها عن الاندماج في تطبيع الفكرة الإسلامية وليس الإسلام، هي أشياء متباينة. أنشط أنا بين المؤسسات الدينية، مثل؛ المجلس الإسلامي، ونشاطه يماثل ذلك الذي تضطلع به أيّة كنيسة، والمنظّمات الإسلامية. تنظّم الأخيرة أنشطة جماعية للأطفال والمراهقين والشباب، تركّز على الهوية الإسلامية، لا الدين الإسلامي في حدّ ذاته، مع معايير رقابة حكومية شبه منعدمة. في المستوى الثاني؛ تأتي المجموعات التي تعمل بشكل حثيث على غرس هذه الهوية الإسلامية، ليس لهذه المجموعات أيّة علاقة بالدولة، سوى في حالات معدودة، ومن هنا تظهر المساجد السلفية، والأئمّة المزعومون الذين لا يعرفون ولا يهتمون بإدراك في أيّة دولة هم يعيشون، أو اللغة الرسمية لهذه البلاد، هدفهم هو السيطرة، اكتشفوا في إنجلترا وجود شرطة إسلامية، تبيّن أنه في بعض الأحياء يتعيّن على الفتاة أن تعتني بملابسها، إذا كانت الأسرة لا تريد المشكلات، ويحدث هذا الشيء في فيجيراس، في حيّ ماركا ديل آم، أصبح هناك إسبان بالكاد، أو في مناطق مثل: كان أنجلادا بتيراسا، أو فيك، أو سالت، أو توريديمبارا. المستوى الثالث: هو المجموعات العنيفة.

في بعض الأحياء على الفتاة أن تعتني بملابسها، إذا كانت لا تريد المشكلات

تتقرّب الأحزاب السياسية إلى القيادات الإسلامية سعياً وراء الأصوات؛ هل يشجعّون بذلك المسلمين الحقيقيين؟

التقاط الصور، زيادة الوجود الإعلامي حول هؤلاء الذين يسعون لتطبيع الهوية الإسلامية لا يعني وجود مشروع إدارة للهجرة ولا الدمج الاجتماعي، هذا ليس عملاً، ولا حتى ردّاً؛ بل يستخدم فحسب لإخفاء غياب الأفكار والالتزامات، لا يشجّعون كبار المسلمين، بل الإسلاميين، وطالما نحن ننادي بفصل الكنيسة عن الدولة، لا يمكننا هنا أن نفعل العكس. نحن هنا ندفع السياسة للدخول إلى المسجد، ويصبح المسجد مكاناً لصناعة السياسة، هذا ليس إيماناً؛ بل تلقيناً عقائدياً.

اكتسبت (نوس كتالانس)، المنبثقة من حزب "كونفرجنسيا" والمتخصصة في العلاقات من هذا النوع، ثقلاً كبيراً في هذا الصدد.

لقد انتهت منظمة (نوس كتالانس)، التي كانت تسعى خلف الإطراء على الهوية الإسلامية الكتالونية، بحثاً عن انخراط في السياسة وبعض الأصوات، كانت مثالاً على انعدام المسؤولية والافتقار للوعي تماماً، دون عمل حساب للضرر الذي قد يقع على باقي المجتمع، للصورة الفولكلورية تبعات، وهذا يحدث نتيجة الاعتراف والإقرار بوجود أيديولوجية إسلامية في السياسة، وبالتالي؛ إمكانية قيام نظام سياسي إسلامي دون التعمّق بشكل حقيقي في الوجهة التي قد يقودنا إليها ذلك، دون حتى مناقشته.

هل سيحدث حوار مجتمعي في هذا الصدد؟ أليس أحرى بالسياسيين فهم المشكلة وتقديم حلول؟

أعتقد أنّنا، في هذا الحالة، يجدر بنا الاتفاق على ماهية الخطوط الحمراء، ما هي هويتنا؟! نتحدث كثيراً عن هوية الآخر، لكنّ الهوية الغربية والإسبانية والأوروبية موجودة، ويجب أن نحافظ عليها، يتعيّن علينا أن ندرك ونكون واقعيين، يتوجّب علينا البدء في الحوار لإرساء أسس مجتمع المستقبل، الذي سيكون فيه مواطنون إسبان مسلمون.

الجماعات المسلّحة المنظمة تصنع مقاطع فيديو، لكنّها تعي إلى أين تذهب، ومَن يستهلكها يتواجد في محيط مستقبِل لها

لا أنكر أنّني مسلمة، لكنني كذلك في مجتمع غربي ولدت فيه، لا يمكن للإسلام بالكامل، أو النظام الإسلامي (على غرار حماس أو الإخوان المسلمين) القيام في أوروبا وإسبانيا، هذا أمر يجب أن نكون على دراية به، المشكلة لا تكمن في المسجد ولا الحجاب؛ بل في وجود أناس وفدوا إلى إسبانيا أو أوروبا، لكنّهم لا يستوعبون أنّهم يعيشون في أوروبا.
على أي حال؛ ينبغي مناقشة ذلك والحديث بشأنه، طالما كان هناك نقاش فستكون أسباب التغييرات التي تطرأ معلومة، أما إذا لم يحدث نقاش، فسيتفاجأ الناس ذات يوم وهم يشاهدون كيف أصبح آخر أيام رمضان عيداً وطنياً في كتالونيا، ولن يستوعبوا ذلك، وستتصاعد المشكلات بصورة كبيرة.

في بعض مساجد كتالونيا يتم استقطاب صغار القياديين لإقناعهم بفكرة الهوية الإسلامية

حين تتحدثون عن نظام إسلامي؛ هل تقصدون الهياكل الإسلامية التي انتقلت إلى بلادنا؟

أقصد المساجد، المدارس، المنازل التي يلقّنون داخلها الأطفال، تجري عملية استقطاب هنا في كتالونيا لصغار القياديين وشباب الجامعة المؤهّلين، لإقناعهم بفكرة الهوية الإسلامية. هم كوادر شابة ولدت هنا، ليسوا مهاجرين، بل إسبان، يتواجدون داخل الجامعات، ومرّوا عبر كلّ هذه المستويات، وهؤلاء لدى التحاقهم بالجامعة قد يصبحون قياديين في المستقبل يستطيعون تأسيس نظام إسلامي، يريدون لهم أن يكونوا مؤهّلين، هم طليعتهم، على غرار الأحزاب السياسية، هؤلاء هم الطليعة الإسلامية.

وماذا عن الشقاق؟
الإرهاب شيء معقد جداً، ليس مجرد هجوم فقط، يسبقه بناء وتاريخ قديم للغاية، مع إبراز فكرة الانخراط والانصياع للنظام الإسلامي، ودور من يريدون إقامته؛ هو فهم الشقاق داخل دولة ما، كي يتمكّنوا من التسلل إليها. فعلى سبيل المثال؛ حين يُقال: الشباب يطالعون الإنترنت ثم يصبحون متشدّدين! هذا ليس صحيحاً، لا يسير الأمر على هذا النحو، فالجماعات المسلّحة المنظمة تصنع مقاطع فيديو، لكنّها تعي إلى أين تذهب، ومَن يستهلكها يتواجد في محيط مستقبِل لها.

هل هذا ما حدث في الاعتداء الذي وقع قبل عام؟
حسناً، لا يكفي الحديث عن الوقاية فحسب؛ بل ينبغي العمل عليها، كانت أجهزة الأمن تعمل وفق الدرجة الرابعة؛ هل كنّا نحن، كاجتماعيين، نعمل على المستوى نفسه؟ هل نعرف في أيّ مستوى نعمل؟ ومن هو؟ ألدينا وعي حول كيفية التعامل مع أوضاع مثل تلك التي دفعت هؤلاء الفتية في ريبوي لتنفيذ هجومهم؟ استسلم الجميع للدهشة وحسب.
"هل كانوا مندمجين، هل كانوا يتحدثون اللغة الكتالونية؟" كان هذا هو محور الحديث، ثم يأتي بصورة ثانوية الجدل حول مصدر أيدولوجية الهوية الإسلامية، وأين أمكن العثور على هؤلاء؛ الذين انتهى بهم المطاف منفذّين لأعمال عنف مثل التي جرت.
هل تقصدون أنّ هناك قصوراً في الإدارة؟ تحديداً في حالة الحكومة الكتالونية؟
أعتقد أنّه بعد الاعتداءات، أصبح الخطاب ككل دليلاً على ذلك؛ فالصورة التي كانت تنقل لم تكن دقيقة؛ جرى الترويج لفكرة أنّ كتالونيا تتميز بالإدماج، لكن هذا لا يحلّ المشكلات، عدم إجراء نقاش، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وإنكار وجود شقاق، لا يعني أنّ التعايش يسير على ما يرام؛ بل هناك مقاومة.
في كاتالونيا، هذه الأيام، بدلاً من العمل على تعزيز التنوّع، يتمّ خلق مسافات ومساحات: المساحة الإسلامية والإسبانية، الإسلامية والغربية، لقد أصبحت المسألة الآن حول متى سنصل لنقطة المواجهة؟!

هل سنصل؟
أرى أنّنا نصل بالفعل، لكنّ السياسيين سيبدؤون في التشكيك في كلّ شيء، حين يأتي زعيم سياسي، مثلما يحدث في بلجيكا، يرغب في إرساء الشريعة التي تثير الخوف، حتى ذلك الحين ستكون هناك مراحل كثيرة في الطريق.


مقابلة مع حنان سروخ، نشرتها صحيفة "الموندو" الإسبانية

الصفحة الرئيسية