لماذا تمنع الدول العربية الكتب؟ إجابات مثيرة لكتّاب باحوا بالأسرار

الكتب

لماذا تمنع الدول العربية الكتب؟ إجابات مثيرة لكتّاب باحوا بالأسرار


02/10/2018

الثقافات والأنظمة في غالبيتها عرفت ظاهرة المنع، وتجاوزتها وخففت من حدتها في زمن السماوات المفتوحة والإنترنت، لكنّ الثقافة العربية والأنظمة العربية الرسمية ماتزال متشبّثة بأكثر الظواهر تخلّفاً: المنع الذي يتصل بعقلية التحريم التي تبسط نفوذها أكثر من ذي قبل.
في كل عام، وقبل كل موسم ثقافي، يسمع المراقب أصداء زوبعة في هذا البلد العربي أو ذاك، بسبب كتاب أو مجموعة من الكتب صدرت في حقها بطاقات حمراء تمنع عرضها وتداولها. وثمن من يعتقد بأنّ لا شيء يمكن أن يهب كتاباً بطاقة تجوال حرّ في الأسواق سوى عين الرّقيب التي لا تراعي قيمته ولا قيمة صاحبه مهما علا شأنه. فلا درويش صمد ولا ماركيز ولا نزار قباني ولا غيرهم صمد أمام لجان لا تقرأ الكتب لتجيزها بالنظر إلى قيمتها ولكن لتبحث في ثناياها عن "قرينة" منع.
"حفريات" توجّهت إلى عدد من الكتاب والمبدعين لتسألهم: "لماذا تمنع الدول العربية الكتب؟
حجي جابر: للمنع أربعة أوجه
لا يخفي الروائي الإريتري حجي جابر استغرابه من حركة المنع العربية التي تصدر من حين إلى آخر في وجه كتاب أو مجموعة من الكتب، خصوصاً أن ّالمنع صار مستحيلاً عملياً.
يقول: "يبدو من العسير فهم العقلية التي تقف خلف منع الكتب وبهذا القدر من التشدد، في وقت تتجاوز فيه المعلومات كل الحواجز والحدود، يعرف الجميع مدى استحالة إخفاء كتاب بالكامل بعد أن تم طبعه ونزل للأسواق، ومع هذا تجهد حكومات عربية في ملاحقة كل كتاب يلامس أو يكاد تلك المحاذير الموضوعة سلفاً".

الروائي الإريتري حجي جابر
ويتابع، في تصريحه لـ"حفريات": "برأيي أنّ الساعين في منع الكتب يعرفون قبل الجميع مدى هشاشة ما يقومون به، لكنهم بذلك إنما يريدون جملة أمور كل حسب موقعه في خريطة القوى الاجتماعية التي تشكّل هذا البلد أو ذاك. هناك من يريد أن يقول ها أنذا، فهذه الحماسة ليس لمنع الكتاب فقط بل للتشهير بهذا المنع، هو إثبات وجود وتسجيل دور في حراك المجتمع. آخرون يعتقدون أنهم بمنع كتاب إنما يوجهون ضربة للتيار الذي يحمل الأفكار نفسها التي يضمها الكتاب. فليس الغرض الكتاب أو صاحبه، بل هو جانب من مباراة مستمرة بين التيارات".
مثقّفون برتبة كتّاب تقارير!
أما الصنف الثالث، بالنسبة إليه فيمثله "المثقفون الذي يكيدون لزملائهم بكتابة التقارير التي تؤدي لمنع الكتب، ويؤسفني وجوده حقيقة. هناك حالات معروفة لكتّاب لا يتورعون عن "الوشاية" بكتب لا يروق لهم أصحابها، ويمتلئون بهجة إذا ما استطاعوا استصدار قرار بمنعها".

حجي جابر: الساعون في منع الكتب يعرفون قبل الجميع مدى هشاشة ما يقومون به

وهناك صنف يبحث عن شهرة من وراء منع كتابه، أو هو الذي يريد لكتابه أن يمنع لادعاء بطولة ما، رغم أنّ اللهاث وراء الكتب الممنوعة لم تعد في خريطة القارئ المعاصر بما أن كل الحواجز قد طرقت.
يوضح صاحب "سمراويت": "هناك صنف أخير، وهو الكاتب الممنوع نفسه، حين يسعى بكل الطرق ليجعل كتابه ممنوعاً بغية تحصيل الترويج الذي يعقب ذيوع الخبر عادة. ورغم أنّ القارئ لم يعد يطارد الكتب الممنوعة كالسابق، لا تزال هذه الطريقة باقية بشكل أو بآخر".
ديمة محمود: استمرار للجهل والتخلّف
من جهتها ترى الشاعرة المصريّة ديمة محمود أنّ "منع الكتب في عالمنا العربي ليس جديداً، وهو استمرار للجهل والتخلف الذي لم يغادر بلادنا، بل ازداد ويزداد حتى صار سمةً واضحة. ذراع الرقابة تمتد بغباء وعمى في اعتقاد بالغ الهزلية بجدوى سياسات المنع المختلفة سواء منع الكتب والمواد الفنية من أفلام وغيرها وحظرها، أو العقوبات الموجهة نحو المؤلفين والمشاركين في الأعمال تحت حجج المساس بالدين أو السياسة أو الأخلاق. وكأن على الآداب والفنون أن تكون بعيدة عن واقع الناس واحتياحاتهم".

الشاعرة المصريّة ديمة محمود
وتضيف صاحبة "ضفائر روح"، لـ"حفريات"، أنّ "الأمر كله يدخل في نطاق استمرار محاولات التعتيم والتجهيل للشعوب في زمن لم يعد ممكناً في الحقيقة حظر أي مادة مكتوبة أو مسموعة أو مرئية أو إخفاؤها".
حصار فكريّ
وتتساءل متعجبة: "ألا يدرك الموكلون بهذه الأمور إمكانية الحصول على أي من المواد مهما كان محتواها من خلال جوجل. وأن مثل هذه الإجراءات للحصار الفكري لا تعدو كونها عواءً في قربة مخرومة. ما تفعله هذه الأجهزة الحمقاء مجرد حملات إعلانية غير مدفوعة وترويجاً مجانياً لهذه الأعمال. وجميع الأعمال التي تمت محاصرتها وصلت إلى نطاق أوسع وطيف أكبر من شرائح المجتمع".

اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن "المكتبة الخالدية" في القدس
ولا أدل على بؤس المنع وتفاهة هذه الحركة، في نظر محمود، سوى أنّ "هذه الأعمال تقرأ وتشاهد في الخفاء بشكل كبير من قبل مانعيها ومنتقديها في العلن. الشعوب الأبوية لاتزال تعيش على أمل محاصرة الفكر والمعرفة وتراهن على تجهيل الشعوب وتخلفها باستمرار خنوعها وقبولها بالفتات والانقضاض على حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية"، على حد تعبيرها.
وتذهب ديمة محمود بعيداً حفراً في تفسير ظاهرة منع الكتب وبحثاً عن أسبابها العميقة فتربطها بخلفية الخوف من فقدان السلطة، إذ أن "المعرفة والتنوير شبحان يخيفان السلطات المختلفة لأنهما يعلّمان الناس الجرأة والقدرة على قول الحقيقة".

المنع احتكار للعقول.. بطولة كرتونية
ولكن المستقبل سيزيل "الغشاوات عن أعينهم وأرواحهم، وبالتالي لن يرضوا بالبقاء خلف الأبواب الصدئة، وسيطالبون بمزيد من الحقوق والتغيير الذي يستكثره عليهم كثيرون تحت اسم الدين والسياسة. لا يتعلم - ولم يتعلم - الرقيب من التجربة، فلا منع "وليمة لأعشاب البحر" جعلها نكرة، ولا منع "فئران أمي حصة" سيردع كاتبها عن الكتابة بجرأة. كل ما في الأمر أن السلطات التي تستخدم المنع جعلت من نفسها مهرجاً في العلن لأن الكل صار متأكداً من لا جدوى المنع بحال من الأحوال في زمن الإنترنت والفضاءات المفتوحة".

ديمة محمود: الشعوب الأبوية لاتزال تعيش على أمل محاصرة الفكر والمعرفة، والمانعون يريدون أن يحتكروا عقولنا

وتختتم ديمة محمود حفرياتها في ذهنية المنع بأنّ المانعين "يريدون أن يحتكروا عقولنا ويحددوا لنا ما نقرأ وما لا نقرأ، وما نشاهد وما لا نشاهد، ولو كان هذا مقبولاً لامتلك كل منا مفتاحاً لقفص يضع فيه الآخرين ليطلع كيفما يشاء على ما في عقول الآخرين ويستقرئ ما يفكرون به، لكنهم في غيابات أوهامهم التي سيجرون وراءها طويلاً، ولن يستفيقوا منها إلا وهم في حلبة جديدة من بطولاتهم الكرتونية".
عبد الرزاق بوكبة: كيف تخاف السّلطة ما لا يقرأ؟
في معرض تحليله لظاهرة المنع، يلفت السارد والشاعر الجزائري عبد الرزاق بوكبة الانتباه إلى أنّ مفارقة قائمة بين تنامي حركة المنع وحدتها في ظل مجتمع يوسم بأنه لا يقرأ.

الشاعر الجزائري عبد الرزاق بوكبة
ويشير بوكبة، لـ"حفريات"، إلى ضرورة "أن نراعي معطى مهمّاً لفهم المفارقة القائمة على أنّ العرب لا يتعاطون القراءة، مع ذلك تخاف السلطات السّياسية لديهم من الكتب المعارضة لرؤاها وسياساتها، هو أنّ العربي يقدّس الكلمة المكتوبة ويخضع لها. فهو يمارس الشتم والجنس في أقصى تمظهراته، لكنه إذا قرأ ذلك في عمل أدبي اعتبر كاتبه خارجاً عن الأعراف، لأنه يتعاطى مع الكلمة بقداسة استمدها من موروثه الديني".

الكتابة قنبلة مؤجّلة!

ربما ذلك ما يفسر رعب السلطة من الكلمة، إذ "يأتي خوف السلطة السياسية من الكتابة المضادّة لخياراتها، فهي ترى فيها قنبلة مؤجلة قد تنفجر في وجهها في أيّة لحظة، فتلجأ إلى سيف الرّقابة والمنع والتّنكيل بالأقلام الحرّة. غير أنّ المنع الذي يثمره الخوف، عادة ما يجعل كيد صاحبه في نحره. فقد أثبتت التّجارب العربية في هذا الباب، أنّ الكتب الممنوعة تحظى بانتشار أكبر من الكتب التي لم تمنع، فيصبح المنع خدمة للكاتب والكتاب".

اقرأ أيضاً: إبادة الكتب في القرن العشرين
ويؤكّد بوكبّة أنّ "هذا ما يفسّر تهافت قطاع واسع من الكتّاب العرب على أن تمنع كتبهم ليحظوا بهالة من الاهتمام والتداول، خاصّة في ظلّ تعاطف غربي معهم يمليه انتصار الفضاء الغربي لحرّية التعبير".
ويخلص كاتب "ندبة الهلالي" إلى أنّ "السلطة السياسية العربية لا تستفيد أبداً من الدروس، ولا ترصد التحوّلات الواقعة في الحياة، منها هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يكاد النشر الإلكتروني يكون بديلاً للنشر الورقي. فأيّ معنى بقي لسياسة المنع؟".

سفيان رجب: تاريخ متجذّر في الثقافة العربية
يعتقد الشاعر التونسي سفيان رجب أنّ "تاريخ الرقابة والوصاية السياسية على الأدب متجذّر في الثقافة العربيّة، ولئن عرفت بعض الدول العربية نسمات خفيفة من الحرية مثل لبنان وتونس، فإنّ بقية العالم العربي لايزال يتخبّط في الظلام".

 الشاعر التونسي سفيان رجب
رجب قال لـ "حفريات": "اليوم يُمنع كتاب لمجرّد كلمة تخدش حياء الشعب المتديّن، مع العلم أنّ هذا الشعب أغلبه لا يقرأ كتاباً في حياته. ويمنع كتاب لأنّه يفكّك السرديات الكبرى وينزع عنها قداستها، رغم أنّ هذه الإشكاليات لو قارنّاها بأوروبا فإنّ طرحها متخلّف بثلاثة قرون تقريباً".
ثمّة ما هو أخطر من المنع!
ويذهب رجب بعيداً ليفحص لوناً آخر من ألوان المنع، بل إنه يعتبره أخطر منه، هو "الجانب النّاعم في الرقابة والذي أرى أنه أخطر من قرارات منع الكتب، والتي استعصى أمرها كثيراً في زمن الإنترنت، ولذلك خُلقت طرق بديلة متطورة، والتي أرى من أهمها الجوائز".

اقرأ أيضاً: لماذا لا يشعل جاك أضواء المكتبة؟
ويشرح رجب وجهة نظره بأنّ الجوائز الراهنة إنما تشجع لوناً من الكتب دون غيرها وتضع شروطاً أخلاقية لا ينبغي تجاوزها لئلا تحرم من المكافآت الثقيلة للجوائز العربية، فـ"اليوم تُغذى الكتب التي تعيد صياغة التقاليد، وتنعش بأموال الجوائز الكبرى، لأنّها ببساطة لا تمسّ السلطة التي بُنيت على المنظومة التقليدية تلك، والمباركة بالسماوات السبع للسرديات الكبرى، ومهندسوها يدركون خطورة الكتابات البديلة، وإن لم يجدوا سبباً لمنعها، فإنهم يستعينون بخلق مصابيح مزيفة أخرى".
بكائيّات بلا فائدة
ويستنتج "لتلك الأسباب صرنا نرى اليوم روايات ملطخة بالبكائيات والأشجان العربية تُعرض في الواجهات المضيئة للمكتبات العربية، وهي تلبس نياشينها الورقية. أعرف أنها روايات متميزة فنياً وتقنياً، لكنها لا تضيف شيئاً للعقل العربي".
ويتابع كاتب "شباك جارتنا الغريبة": "أعرف بعض الجوائز تشترط على الأعمال المقدّمة ألا تمس الأخلاق والمقدّسات، وهذا شرط مهين للإبداع، يعني أنّ لجنتها شرطة أخلاق قبل أن تكون لجنة نقدية لتقييم الأعمال الأدبية، والحقيقة أنّ أغلب الجوائز العربية تديرها شرطة أخلاق".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية