الأطفال وجذور التطرف الفكري

الأطفال وجذور التطرف الفكري


02/10/2018

سالم سالمين النعيمي

تلعب المدرسة والأسرة ووسائل الإعلام المختلفة، ووسائل التواصل الاجتماعي، ونمط الحياة المتسارع، والاتجاه للفردية في مجتمعاتنا والرغبة في التفرد والشعور بالمهانة والذل وعدم التقدير وقلة الاحترام والتعرض للاعتداء الجسدي والنفسي والفكري، دوراً كبيراً في جعل الطفل قنبلة «مؤقتة» مع ضعف في منظومة إدارة التغيير والمرونة الفكرية على المستوى الشعبي لدى معظم الحكومات في العالم.

وتعد عملية البحث عن مؤشرات التطرف عملية وقائية فعالة للقضاء على التطرف لدى الأطفال خاصة في سن مبكرة، واقتلاع تلك السلوكيات قبل أن تتمكن من مد جذورها في أرض خصبة وتحديد استراتيجيات المواجهة منذ ولادة الطفل وعدم الانتظار لمرحلة الدراسة الابتدائية، وذلك لأن جزءاً كبيراً من شخصية الإنسان تتشكل في السنوات الأولى من حياته، ولذلك يستغرب عدم إجراء اختبارات أنماط الشخصية والميول للعنف وتجهيز ملف نفسي وفكري لكل تلميذ وتلميذة لمعرفة مدى قابلية تبني العنف والغلو والتطرف في الفكر والمواقف لديهم من سن مبكرة وصولاً للمرحلة الثانوية، وتتبع إشارات التحذير المبكر لوجود خلل ما كأن يكون الطفل مدمناً للألعاب الإلكترونية العنيفة ومشاهدة برامج تلفزيونية تعج بمشاهد العنف والتعنيف لساعات طويلة، والتي تستدعي تدخلاً تصحيحياً فكرياً وسلوكياً مباشراً والتنسيق بين المدرسة والمنزل، وحتى لو تطلب الأمر استحداث هيئة لمكافحة التطرف لدى الأطفال والناشئة.

ومن جانب آخر، توجد دراسة أمريكية حديثة تبين أن الطفل الأمريكي يقضي بين ثلاث وخمس ساعات من كل يوم يشاهد التلفزيون وهو نفس المعدل للطفل العربي تقريباً، أي أن الطفل يقضي 1500 ساعة في السنة أمام التلفزيون مقارنة بـ900 ساعة في المدرسة فقط، كما تحتوي العروض التلفزيونية للأطفال على 25 عملاً عنيفاً في الساعة، وهذا يعني أنهم يرون حوالي 10000 مشهد عنف في السنة، ولذلك يشاهد الطفل 8000 جريمة قتل في نهاية المرحلة الابتدائية، وما يقارب من 200 ألف مشهد عنيف إلى أن يصل إلى سن 18 عاماً مع العلم أن أكثر من 60% من البرامج التلفزيونية تحتوي على العنف و75% من مشاهد العنف لا تظهر أي عقاب أو إدانة للعنف.

وفق تلك الدراسة مما ينتج عنه أعراض نفسية كثيرة تعد من مؤشرات التطرف، وقد تؤدي إلى التطرف العنيف مع مرور الوقت، حيث إن بعض السلوكيات والتصرفات قد تشير إلى تعرض الطفل لتأثيرات التطرف، وذلك مثل الانطواء وحل جميع الخلافات بالصوت المرتفع واستخدام القوة لفرض واقع ما على من يتعامل معهم، وعدم الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير لتوبيخ وإيذاء الآخرين والافتخار بذلك.

وغالباً ما يصعب التفريق بين السلوك الطبيعي والموقف الذي يشير إلى أن طفلك قد يكون قد تعرض لتأثيرات راديكالية، ومن المهم متابعة التغيرات في مظهره وميوله للجدل في أمور تعتبر مسلمات في مجتمعه وأسرته، ورفض الاستماع إلى وجهات نظر مختلفة، وتجده غير راغب في الانخراط مع أقرانه المختلفين، ويسيئ للذين يعتبرهم خارجين عن معايير قبوله للشخص الآخر، ويتبني نظريات المؤامرة ولوم الآخر لأي خطأ يرتكبه، والتعبير عن الشعور بالاضطهاد، ويبتعد تدريجياً عن الأصدقاء القدامى.

ومن بين التغيرات المثيرة للقلق التحدث عن أمور تشريعية تخصصية في الدين، ويكذب في مكان تواجده، ويبالغ في السرية والتحفظ الكبير على دخول عالمه الخاص وكل ما يخصه. وقد تجده عاكفاً على قراءة السيرة الذاتية للشخصيات الثورية المتمردة على أعراف المجتمع، ويتعاطف مع الإيديولوجيات والجماعات المتطرفة، ويصف قياداتهم بالأبطال والرجال المخلصين، ويعمد لتغيير هويته عبر الإنترنت، ويخلق له أكثر من هوية واحدة على الإنترنت، ويقضي وقتاً طويلاً على الإنترنت أو عبر الهاتف دون أن يكتب أو يتكلم، ويكون بمثابة متلق سلبي ويحاول الدخول مراراً للمواقع المتطرفة الداعية للعنف، والوصول بأي طريق إلى المحتوى المتطرف على الإنترنت، والانضمام إلى مجموعات محادثة تتحدث عن مجد الإسلام الضائع، أو مواقع دينية بها محاضرات دينية لا تتحدث عن العنف، ولا تدعو للإرهاب أو ما شابه، ولكنها تتحدث عن شخصيات إسلامية مثيرة للجدل، وتمجيد طريقة العيش التي كانت تتبعها ورفضها للتغيير والخوف على فقدان الهوية، وهي مواقع استدراج أولي يجب أن تحذر طفلك منها بأسلوب لا ينفره أو يجعله يذهب خلف ظهرك ليبحث عن المزيد مع أهمية تصنيف المواقع من قبل الجهات المتخصصة وفق الفئات السنّية ورسائل تصنف المواقع للقارئ بمجرد أن يدخلها.

عن صحيفة "الاتحاد"

الصفحة الرئيسية