هل تمّ قطع الطريق على مصالحة بين خاشقجي والقيادة السعودية؟

هل تمّ قطع الطريق على مصالحة بين خاشقجي والقيادة السعودية؟


10/10/2018

تتدحرج قضية اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وتكبر ككرة الثلج، في ظلّ غياب معلومات حقيقية حول مصيره، وتتقلص الأخبار عن الرجل، في ظلّ روايتين: سعودية؛ تقول إنه خرج من القنصلية السعودية في إسطنبول بعد إنجاز معاملة له، ورواية تركية تنفي أنّه غادرها، وما بين الروايتين أسئلة كثيرة، تخضع مخرجات الإجابة عنها لسيناريوهات اختلط فيها "الحابل بالنابل" في رسم سيناريوهات متعددة لمصيره، في إطار توظيف إعلامي وسياسي "من الواضح أنّه معدّ مسبقاً" لاختفاء الرجل، وتداولت تلك السيناريوهات، وكأنها حقائق، بما في ذلك تصفيته.

وقد ألقت الأزمة الخليجية بين قطر وكلّ من السعودية والإمارات والبحرين، إضافة إلى مصر، بظلالها على الأزمة، في شيطنة متبادلة، وصلت حدّ تداول الشائعات حول مقتل خاشقجي وتقطيعه ونقل جثته، أو دفنه داخل حرم القنصلية السعودية، باعتبارها حقائق مؤكدة غير قابلة للنقاش.

الجانبان؛ التركي والسعودي، يتعاملان مع القضية بإطار متوازن رغم بعض التصريحات الانفعالية الصادرة عن أوساط في كلا الطرفين

من الواضح؛ أنّ الجانبين؛ التركي والسعودي، يتعاملان مع القضية في إطار متوازن، حتى تاريخه، رغم بعض التصريحات الانفعالية التي تصدر عن أوساط في كلا الطرفين، بانتظار نتائج التحقيقات، وجوهرها الإجابة عن السؤال المركزي في القضية: هل خرج خاشقجي من القنصلية أم لم يخرج؟ ومن الملاحظ على هذا التعامل تماسك الموقف السعودي في روايته حول خروجه، مقابل ارتباك من الموقف التركي، وصدور أكثر من تصريح من الحزب الحاكم ورئاسة الجمهورية، ومصادر أمنية على صلة بالتحقيقات.

اقرأ أيضاً: السعودية تنفي أنباء مقتل جمال خاشقجي في قنصليتها بإسطنبول

عملية بهذا الحجم، لا شكّ في أنّها تدل على تخطيط واختيار الزمان والمكان والهدف بدقة وعناية فائقة، بمعنى أنها "جريمة منظمة"، إن جاز الوصف، وبعيداً عن حملات الإعلام، الذي فقد أدنى درجات المهنية في التعامل مع القضية ومخرجاتها، التي يكاد ينسى معها الضحية، ويتم التركيز على تداعياتها، والسيناريوهات "الهوليودية" التي يتم تداولها، بما فيها التي تقفز لتأكيد "تدهور" العلاقات السعودية التركية، قبل ظهور أية نتائج للتحقيقات، يبدو أنّ السؤال الأهمّ الذي يطرح اليوم، من بين أسئلة عديدة، لا أحد يملك الإجابات الحقيقية عنها، هو: من هي الجهة المستفيدة من قضية بهذا الحجم أربكت السلطات التركية والسعودية معاً؟ أملاً في أن تقضي على أية إمكانية لتحسين العلاقات، الباردة أصلاً، بين الجانبين، خاصة أنّ الحقيقة المؤكدة: أنّ كلا الجانبين؛ السعودي والتركي، هما الطرفان المتضرران من اختفاء خاشقجي.

السؤال الأهمّ هو: من هي الجهة المستفيدة من قضية بهذا الحجم أربكت السلطات التركية والسعودية معاً؟

لقاءات خاشقجي بالسفير السعودي في واشنطن، قبل وصوله إلى إسطنبول، وكذلك في لندن، ترجّح سيناريو أنّ السلطات السعودية كانت تعمل على احتوائه، وربما إقناعه بالعودة إلى السعودية، وأنّ جهات في أماكن إقامته وتحركاته في واشنطن ولندن وإسطنبول مطلعة، أو اطلعت، على "ميول" لخاشقجي بهذا الاتجاه، وهي غير راضية عن ذلك، وأرادت تعطيل مشروعه، وربما كان مستوى مقاربات خاشقجي وانتقاده للقيادة السعودية، يؤسس أرضية لمصالحة تضمن عودته إلى السعودية.

اقرأ أيضاً: عائلة خاشقجي: لا نعرف خديجة وسنلاحق مروجي الشائعات قضائياً

وتبرز إيران هنا، كطرف محتمل في قضية خاشقجي، باعتبارها الحاضر الغائب، في ظلّ سياقات علاقاتها بالتطورات الإقليمية، تحديداً مع تركيا والسعودية، فتطورات الموقف التركي في سوريا، واتفاقها مع روسيا، بمعزل عن إيران، بخصوص ملف إدلب، والموقف التركي من الملف السوري والتركيز على أنّه لا حلّ في سوريا إلا بغياب الأسد، إضافة إلى بروز مؤشرات توافق تركي أمريكي، كلها عوامل تدفع إيران لتوجيه ضربة لتركيا، خاصّة أنّ إمكانيات قيام أجهزتها الأمنية بعمليات ذات طابع أمني على الساحة التركية واردة، كما هي ساحات بلجيكا وأوروبا في استهداف المعارضة الإيرانية، فيما هدّدت إيران، بعد عملية الأحواز، بانتقام مزلزل من السعودية والإمارات، لم يكن بالإمكان تنفيذه من خلال عمل عسكري ضدّ الدولتين، كما أنّ إستراتيجية إيران الحالية لمواجهة تداعيات العقوبات الأمريكية وانعكساتها على الداخل الإيراني بانتفاضة شاملة جديدة، يشكل إعادة تأجيج للصراع على أسس مذهبية، أحد أبرز محاورها، وتركيا والسعودية، في المنظور الإيراني العميق، الدولتان المحوريتان في الدول السنّية، المطلوب منهما، أمريكياً، تشكيل "ناتو" جديد ضدّ إيران.

اقرأ أيضاً: قصة اختفاء جمال خاشقجي بين الاستهداف والاستثمار

كما تبرز جماعة المعارض التركي، فتح الله غولن، التي تواصل العمل ضدّ القيادة التركية، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة، العام 2016، المنتشرة في مؤسسات الدولة التركية، كأحد الفاعلين المحتملين، كما تبرز الجماعات الأصولية المسلحة في إدلب، التي رأى بعضها في اتفاق سوتشي بين الرئيسين؛ أردوغان وبوتين، أحد الفاعلين المحتملين في قضية خاشقجي.

اقرأ أيضاً: تذبذب تركي في ملف خاشقجي يربك الهجوم الإخواني على السعودية

وفي الخلاصة؛ فإنّ التعامل مع سيناريوهات قتل خاشقجي، وتقطيع جثته، أو دفنه داخل القنصلية، أو تخديره ونقله إلى السعودية، تبدو غير واقعية، في ظلّ وجود بدائل أكثر سهولة وأقلّ تكلفة، يعرفها المبتدئون في عالم الاستخبارات، ومؤكد أنّه إذا لم تذهب قضية اختفاء خاشقجي، على غرار اختفاء موسى الصدر؛ فإن سيناريو المفاجأة يبدو وارداً وبقوة.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية