حكاية الجهاز السري لـ"النهضة" ودوافع الإفصاح عنه حالياً

حكاية الجهاز السري لـ"النهضة" ودوافع الإفصاح عنه حالياً


11/10/2018

أحمد أمين نمر

منذ إعلان هيئة الدفاع عن اغتيال القياديين التونسيين محمد برهامي وشكري بلعيد الكشف عن معلومات تفيد بوجود جهاز سري وخاص لدى حركة النهضة متخصص بالانقلابات والاغتيالات السياسية لمعارضين وسياسيين، والتلاعب بوثائق ترتبط باغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اشتعل الرأي العام التونسي حول حقيقة التهم الموجه إلى النهضة، مما جعل النيابة العامة في تونس تعلن عن فتح تحقيق للنظر في المعلومات والوثائق التي كشفت عنها هيئة الدفاع.

وبحسب الوثائق التي أعلن عنها المحامي رضا الردواي، وما تتضمنه من معلومات عن وجود جهاز سري خاص بالنهضة، وظيفته تنفيذ مهمات اغتيالات سياسية ضد خصوم، من بينهم شكري بلعيد ومحمد برهامي، تبين أن إخوان مصر كانوا وراء تقديم النصيحة لحركة النهضة بإنشاء "جهاز سري"، الأمر الذي يوضح مدى الوحدة التنظيمية بين الإخوان في مصر وتونس، وعملهما معاً بتنسيق مشترك تحت قيادة التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، إذ قام إخوان مصر بدعمهم ليس بالنصيحة فحسب، ولكن بالتدريب العسكري والأمني أيضاً، وذلك بحسب ما أورده الرداوي.

وبالنظر إلى تاريخ الجهاز السري لإخوان النهضة المعني بالاغتيالات السياسية والانقلابات فهو ليس حديث العهد؛ بل قائم منذ أواخر سبيعنيات القرن الماضي، قبل أن تُبدّل النهضة اسمها من "الاتجاه الإسلامي" إلى حركة "النهضة"، وهذا ما أكده المفكر، الباحث التونسي، أستاذ كرسي اليونيسكو لعلم الأديان المقارن، البروفسور محمد الحداد في حديث خاص مع "كيوبوست"، حين قال: "أن تكون حركة "النهضة"، ومسمّاها السابق "حركة الاتجاه الإسلامي"، قد شكلت في مرحلة معينة من تاريخها تنظيماً سرياً -ربما كان يدعى بالتنظيم الأمني أو الجهاز الخاص- رغم ادعائها سابقاً أنها حركة دعوية ثم أنها حزب مدني، هذا أمر لا يكاد يشك فيه الباحثون، إذ مرّت الحركة عندما كانت بالمهجر بمراجعات عديدة، نشر جزء منها في مواقع التواصل الاجتماعي آنذاك، وجاء فيه على لسان قيادات بارزة اعترافات صريحة بوجود هكذا تنظيم، فضلاً عن اعترافات مؤسسين كبار على غرار نائب رئيس الحركة حالياً الشيخ عبدالفتاح مورو في مناسبات عديدة".

وأوضح الحداد أن مناخ النشوة بانتصار كاذب عقب ثورة 2011 دفع بعض القياديين إلى الإقرار، في مناسبات علنية، بوجود قطاعات سرية في التنظيم، منهم المنصف بن سالم، الذي عين وزيراً للتعليم العالي في الحكومة ذات الأغلبية النهضوية، وهو صاحب كتاب نشر بالكويت بعنوان "سنوات الجمر"، يكشف فيه تفاصيل واضحة عن وجود جهاز عسكري كان يخطط لاغتيال الزعيم الراحل بورقيبة والإطاحة بحكمه، وهذه المسألة لا يختلف فيها الباحثون.

وأشار البروفيسور كذلك إلى أنه بعد الثورة مباشرة تولت شخصية مشهورة من "النهضة" بعث ما عرف آنذاك بمدارس "الزمقتال" في أحياء كثيرة من البلاد التونسية، على مسمع ومرأى من الجميع، من إحداها تخرّج "كمال القضقاضي" الذي أقرّ القضاء أنه منفذ عملية اغتيال الشهيد شكري بلعيد، وإن لم يُبحث في الجهة التي تقف وراءه، مضيفاً أنه كان على حركة النهضة بعد هذه الوقائع الموثقة أن تعترف بها ثم تعلن إدانتها والقطيعة النهائية معها، كي تتجنب أن تظل باستمرار تحت دائرة الاتهام، لكنها فضلت الاعتماد على حليفها حزب "نداء تونس" لإغلاق الملف دون اعتراف، متناسية أن التحالفات السياسية هي دائماً تحالفات ذات طبيعة ظرفية، وأن الحليف يمكن أن يتحوّل إلى خصم في أية لحظة ويكشف المستور.

واعتبر المفكر التونسي أن الإفصاح في الظرف الحالي عن معلومات دقيقة بشأن وجود جهاز سري في السنوات الأولى بعد الثورة "يمثل ورقة ضغط على النهضة كي تقبل المطلوب منها، والمرجح أنها ستستجيب لهذا الضغط وتذعن له مستكينة ذليلة كي لا تفتح على نفسها أبواب المساءلة والتشكيك، وهي التي قامت بجهد كبير في السنوات الأخيرة كي ينسى التونسيون وغيرهم ماضيها ويقتنعون بأنها فتحت صفحة جديدة وناصعة. لكن فتح صفحة جديدة كان يقتضي تصفية تركة الماضي والاعتراف بأخطائه، وإلا فإن الاتهام يتواصل والشك في من أخفى حقيقة سابقاً أن يخفي في الحاضر أيضاً حقائق".

كما أشار الحداد في حديثه الخاص إلى كيو بوست إلى أنه "سيترتب على هذه القضية تعميق الانقسامات داخل الحركة نفسها بين جيل جديد كل طموحه تحصيل نصيبه من كعكة الثورة، دون أن يكون متورطاً في مشاكل الماضي، وجيل قديم تربّى على الوسائل الإخوانية التي تُعدّ دائماً التنظيمات السرية جزءاً من الجهاد -الذي هو فرض عين- من موقع اعتبار أنها جماعة المسلمين. لذلك لا أعتقد أن "النهضة" قادرة حالياً على التصعيد أو ترهيب خصومها، لا سيما أن الأجهزة الأمنية تم تطهيرها في السنوات الأخيرة من العناصر المندسة".

أما على صعيد المستقبل السياسي في تونس، فأكد الحداد أنه على صفيح ساخن، ليس بسبب "النهضة"، ولكن بسبب الصراع العلني والمكشوف بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وهما من حزب "نداء تونس"، وبسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتردّي، مضيفاً: "لقد ظنت "النهضة" أنها قادرة على استغلال هذه الأزمة لصالحها، لكن تسريب هذه المعطيات في هذا الوقت بالذات إنما يهدف تحديداً إلى منعها من مواصلة تحصيل المكاسب على حساب هذه الأزمة، وتوجيه رسالة واضحة مفادها أن عودتها إلى السلطة من جديد ما زالت أمنية بعيدة المنال".

هذا، وكانت الجبهة الشعبية قد عقدت ندوة صحفيّة مؤخّراً للكشف عن "وثائق جديدة" قالت إنّ لها علاقة بقضيّتي الاغتيال السياسي اللتين هزّتا البلاد عام 2013، إذ أعلنت أنها أجرت تحقيقاً موازياً للتحقيق القضائي -الذي لم تختم فيه الأبحاث بعد- بالاعتماد على ملفّات ووثائق لم يتمّ تقديمها إلى القضاء، لكنها تدين حركة النهضة.

وبحسب مجلة ميم الإلكترونية، فإن التحقيق الموازي الذي قدّمت الجبهة الشعبية نتائجه في ندوتها الصحفيّة مبنيّ بالأساس على بعض الوثائق الأمنيّة المسرّبة، وعلى معطيات أبحاث وملفّات تتعلّق بملفّ قضائي تم البت فيه قبل سنوات، وكذلك على تسجيلات صوتيّة، كلّها حسب الجبهة الشعبيّة قرائن إدانة لحركة النهضة بتشكيل "جهاز سريّ"، وحتّى بتعطيل سير التحقيقات.

عن "كيوبوست"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية