ما الجديد في إستراتيجية ترامب لمكافحة الإرهاب؟

مكافحة الإرهاب

ما الجديد في إستراتيجية ترامب لمكافحة الإرهاب؟


14/10/2018

إنها "إستراتيجية واقعية لعصر من التحديات"، هكذا وصف مدير مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية في أمريكا، كليفورد ماي، إستراتيجية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الوطنية لمكافحة الإرهاب عقب نشرها في 5 تشرين الأول (أكتوبر) العام 2018.

مهّد الرئيس للإستراتيجية الجديدة التي أعلن عنها في البيت الأبيض بالقول إنّه يعد الشعب الأمريكي "وعد سليمان" (إشارةً إلى وعد سليمان، عليه السلام، لله، عز وجل، في الكتاب المقدس بأنه سيبذل قصارى جهده في الطريق الذي اختاره له الله، عز وجل) بأنّه لن يدخر جهداً في المحافظة على أمن وسلامة أمريكا، وأنّ الإستراتيجية ستساعد في المحافظة على هذا القسم"، بالتأكيد على مقولة "إنّ أمريكا أمة ما تزال في حالة حرب، وإنّ القرن الواحد والعشرين هو قرن الأزمات، وليس من المحتمل تغيُّر ذلك في المدى المنظور".

أساليب غير عسكرية

رغم ما قيل بأنّ الإستراتيجية (التي تتكون من 34 صفحة) جديدة وشاملة، إلا أنّها بشكل أو بآخر استمرارية لإستراتيجيات باراك أوباما العام 2011 وقبلها إستراتيجية جورج بوش الابن في ولايته الثانية؛ لكن يمكن رصد ثلاثة تطورات مهمة عليها:

1-   بروز تنظيم داعش والتأكيد على خطورته في التجنيد والدعاية.

أكد ترامب أنّ أمريكا ما تزال في حالة حرب وليس من المحتمل تغيُّر ذلك في المدى المنظور

2-   تزايد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الجماعات الإرهابية خاصة داعش والقاعدة.

3-   تحدي عودة "المقاتلين الإرهابيين الأجانب" إلى بلادهم بعد الهزائم المتكررة لتنظيم داعش في معاقله الرئيسة في العراق وسوريا.

وقد أكدت الإستراتيجية أنّ الوضع الحالي يتطلب مقاربة جديدة لمكافحة الإرهاب العالمي، والشبكات الإرهابية التي تموّلها دول مثل؛ إيران، والمخاطر الداخلية التي تلهمها الدعاية الإرهابية، والتأكيد أنّ أمريكا ستهزم من وصفهم بـ"الإرهابيين الراديكاليين الإسلاميين"، وعلى رأسهم، داعش والقاعدة وفروعهما، بالإضافة إلى الشبكات الإرهابية التي تدعمها إيران "مثل حزب الله اللبناني، وحماس، وحركة الجهاد الإسلامي في غزة".

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. تقرير يكشف حجم الإنفاق الإيراني على الإرهاب

وفي الشأن ذاته، أعلن  مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، أنّ الإستراتيجية الجديدة أشمل من سابقاتها والأولى من نوعها منذ العام 2011 (يقصد إستراتيجية الرئيس باراك أوباما)؛ لأنها "تشمل مقاربة لأيديولوجية الإرهاب، وتضم توجيهات للتعامل مع التهديدات وتوقعها، وستركز على حماية الولايات المتحدة وحدودها وبنيتها التحتية"، مؤكداً أنّ واشنطن ستعمل مع حكومات أجنبية وستحثها على "تقاسم الأعباء" فيما يخص مكافحة الإرهاب في الداخل والخارج، "نظراً لأنّ الجماعات الإرهابية المتطرفة تمثل أبرز تهديد عبر الحدود للولايات المتحدة ولمصالحها في الخارج".

مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون

الأمر الآخر اللافت هو "تأكيد الإستراتيجية على استخدام الأساليب الخشنة والوسائل العسكرية والأمنية الاستخبارية، وضرورة مطاردة الإرهابيين وقتلهم"، رغم أنّ جون بولتون أشار إلى أنّ الرئيس ترامب شدّد على ضرورة استخدام الأساليب غير العسكرية؛ بمعنى الجمع بين الوسائل العسكرية وغير العسكرية لمحاربة الإرهاب الموجود لدى الولايات المتحدة، مع عدم التركيز على مواجهة تنظيم واحد؛ بل على كل شبكات الإرهاب، وحرمان الإرهابيين من التنقل بحرية.

اقرأ أيضاً: بالأدلة.. تورط حزب "الإصلاح" بدعم التنظيمات الإرهابية في اليمن

إلا أنّ بولتون في الوقت نفسه أشار إلى أنّ أمريكا "لم تقم بتطوير هيكلية تمنع وتحول دون تطرف وتجنيد الإرهابيين"، وغالباً هو يشير هنا إلى عدم وجود برامج لمكافحة التطرف العنيف وإعادة التأهيل والرعاية اللاحقة في الولايات المتحدة.

تأكيد الإستراتيجية على استخدام الأساليب الخشنة والوسائل العسكرية والأمنية الاستخبارية

بماذا يُذكر هذا؟

إن هذا يُذكر مباشرة بمقاربة "الحرب على الإرهاب العالمي" التي تبنّاها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن عقب هجمات 11 أيلول (سبتمبر) العام 2001، من حيث التركيز الشديد على قاعدة الحرب العسكرية، والقوة الغاشمة، والإيمان بالحرب الاستباقية، والقضاء بقوة وعنف على الإرهابيين، والتخلي عن إستراتيجية أوباما الذي ظل يحاجج بأنّ الحرب على الإرهاب العالمي التي اعتمدها سلفه بوش الابن هي مثل غيرها من الحروب في العالم يجب أن تنتهي، وقام بدعم منقطع النظير لجماعة الإخوان المسلمين كمعبّر عن الإسلام السياسي، وكان يتجنب استخدام مصطلحي الإرهاب والتطرف الإسلامي خوفاً من إثارة مشاعر المسلمين.

بولتون أشار إلى أنّ أمريكا لم تقم بتطوير هيكلية تحول دون تطرف وتجنيد الإرهابيين

إلا أنّ بعض المحللين الأمريكان يدّعي أن إستراتيجية أوباما العام 2011 كانت نسخة محسّنة فقط من إستراتيجية بوش الابن خاصة في ولايته الثانية، خاصة مسألة التعاون مع الشركاء الدوليين في مكافحة الإرهاب، لكن ميزة أوباما أنّه توسع في هذا التطبيق؛ الذي أحسبُ أنه قاده مع وزيرة خارجيته آنذاك، هيلاري كلينتون، للانفتاح على جماعات ما يسمى "الإسلام السياسي المعتدل" وعلى رأسهم "الإخوان المسلمون".

لكن المؤشرات تفيد أنّ هذا الأمر أدى إلى نتيجة خطيرة جداً على سيرورة "الإسلام السياسي" بشكلٍ عام، إذ أدى بطريقة غير مباشرة إلى احتدام حالة التنافس بين جماعات الإسلام السياسي والجماعات الراديكالية الإرهابية مثل "داعش" التي رأت في الإخوان عملاء للأمريكان وأعداء الأمة الإسلامية، ولذلك فهم من يمثل الإسلام الصحيح والفرقة الناجية، ويبذلون الغالي والنفيس في سبيل كرامة الأمة الإسلامية، وإقامة الخلافة على منهج النبوة، وهذا دفعهم وحفّزهم بشكل محموم إلى النشاط والاندفاع في العالم من خلال حملة إرهاب عالمي لم يشهدها التاريخ طال معظم الدول، من خلال 8 فروع إقليمية (ولايات) وأكثر من 20 شبكة إرهابية مستقلة في إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: الإرهابي المصري رقم 1 في قبضة السلطات الليبية.. من هو؟!

الآن جاءت إستراتيجية ترامب لـ"شطب" إستراتيجية أوباما كلياً، والتأكيد على محاربة "الجماعات الإرهابية الإسلامية الراديكالية"؛ ولذلك أكّد بولتون في تصريحات له في البيت البيض تعليقاً على الإستراتيجية أنّ "هنالك أيديولوجيا إرهابية تواجهها أمريكا والعالم، ودون إدراك ذلك فلن نتمكن من مواجهة خطر الإرهاب بشكل ٍ مناسب".

رغم ما قيل عن الإستراتيجية إلا أنّها استمرارية لإستراتيجيات باراك أوباما

التركيز على إيران

ظلّت إيران منذ الثورة الإسلامية العام 1979 على رأس الدول الراعية للإرهاب العالمي في إستراتيجيات مكافحة الإرهاب الأمريكية، وقوائم وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.

وكان ترامب في الإستراتيجية الوطنية التي نُشرت في كانون الأول (ديسمبر) العام 2017 قد أشار إلى إيران كدولة مارقة، تسعى للحصول على السلاح النووي، لكنه لم يتوسع حينها بوصفها راعية للإرهاب.

الإستراتيجية تقارب "الحرب على الإرهاب العالمي" التي تبنّاها بوش الابن عقب هجمات 11 سبتمبر

لكن الجديد والإضافة النوعية في إستراتيجية "ترامب 2018" هو تركيزها على "الإرهاب الشيعي"، ودور إيران في دعم الجماعات الإرهابية الشيعية؛ حيث أكّدت الإستراتيجية أنّ "حكام إيران الشيعة ليسوا أقل إرهاباً من بعض السنّة"، وبكل وضوح وصفت الإستراتيجية إيران بأنّها الدولة الأكثر رعاية للإرهاب في العالم من خلال شبكة علاقاتها العالمية، وأن الدولة الدينية ورجال الدين (الثيوقراطيين) في إيران كانوا "البنك المركزي العالمي للإرهاب الدولي منذ الثورة الإيرانية 1979"،  وأنّ إيران تشكل تهديداً لأمن ومصالح أمريكا؛ لأنّها ما تزال تدعم جماعات تصنفها بعض الدول بـ"الإرهابية" مثل؛ حزب الله في لبنان، وحماس والجهاد الإسلامي في غزة.

اقرأ أيضاً: في ذكرى هجمات 11 سبتمبر.. أين وصلت الحرب على الإرهاب؟

ولذلك شدّدت الإستراتيجية على أهمية شلّ قدرات الجماعات الإرهابية في العالم، وحرمانها من مصادر القوة والتمويل الذي يحافظ على بقائها، من خلال زيادة التركيز على استخدام الأدوات الاقتصادية لاستنزاف الاقتصاد الإيراني، والجماعات الإرهابية على المدى الطويل. وهنا يمكن أن نلاحظ أنّ الإستراتيجية جاءت مكمّلة للسياسة الخارجية الأمريكية بالضغط المتواصل على طهران من خلال سلاح المقاطعة الاقتصادية والحصار، ولذلك شدّد بولتون على أنّ أمريكا ستسعى إلى ألا تكون هناك أي استثناءات من الحظر على استيراد النفط الإيراني، حتى تتقلص صادراته إلى الصفر.

شدّدت الإستراتيجية على أهمية شلّ قدرات الجماعات الإرهابية في العالم

الانعكاسات على الشرق الأوسط

تعرضت الإستراتيجية لبعض الانتقادات من سياسيين وخبراء داخل أمريكا، خاصة من جهة أنّ وجهات نظر ترامب وبولتون لا تتوافق مع بقية أعضاء فريقه، خاصة في مجال الحديث عن التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب، وقوله إن شعار "أمريكا أولاً لا يعني أمريكا وحدها"، ونوعية المبادرات التي تنوي الإدارة الأمريكية تطبيقها في الخارج في مجال مكافحة الإرهاب.

رغم المكاسب النسبية لدول الخليج بشأن إيران إلا أنّها قد تكون مُضللة وغير إستراتيجية على المدى الطويل

وجدير هنا التذكير بخطابات ترامب في قيادة الناتو، والدول السبعة الكبرى هذا العام، التي وُصفت بـ "الغطرسة وعدم احترام الأعراف الدبلوماسية"؛ فكيف سيكون رد الدول والشركاء في مكافحة الإرهاب، هل سيتعاونون مع أمريكا ترامب، أم سيحبطون جهودها؟ لا سيما أنّ مواقف ترامب تؤكد أنّه ضد المساعدات التنموية والاقتصادية للدول المحتاجة لها في آسيا والشرق الأوسط، ومعظمها ساحة جيوسياسة لمعركة الإرهاب العالمي، وكان آخرها قطع المساعدات عن وكالة "الأونروا".

إنّ موقف الشركاء والفاعلين الدوليين مرتبط بالمصالح الدولية، فماذا يستفيد الشركاء من التعاون مع أمريكا في مجال مكافحة الإرهاب خاصة في دول مثل؛ الباكستان، وأفغانستان، واليمن، ودول الساحل والصحراء، ومصر، والأردن، والسعودية، وبقية دول الخليج النفطية؟

اقرأ أيضاً: 10 جماعات أشعلت نار الإرهاب في ثوب الحياة العربية

ورغم ما قد يبدو أنه مكاسب نسبية لدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، من هذه الإستراتيجية على حساب التضييق على خصمها إيران واتهامها برعاية الإرهاب، إلا أنّ هذه المكاسب تبدو مُضللة وغير مجدية على المدى الطويل؛ لأنها تخضع لمبدأ تحليل المخاطر والفرص الاقتصادية عند ترامب وإدارته الحالية؛ فقد ينقلب غداً ويجلس مع القادة الإيرانيين، كما سبق له أن جلس مع قائد محور الشر والدولة المارقة الأخرى؛ كوريا الشمالية.

خلاصة الأمر؛ إن شعار ترامب الذي ذكره في الإستراتيجية أنّ "أمريكا أولاً لا يعني أنّ أمريكا وحدها" قد ينقلب لدى الشركاء والحلفاء أيضاً ليصبح: أمريكا أولاً؛ يعني أنّ أمريكا وحدها.

الصفحة الرئيسية