الإسلاميون وحرب أكتوبر

مصر

الإسلاميون وحرب أكتوبر


15/10/2018

عملت هزيمة العرب في حزيران (يونيو) العام 1967، على إعادة إحياء تيارات الإسلام السياسي، التي استطاعت أن تنهض مجدداً، على ركام الهزيمة التي أرجعتها إلى "الابتعاد عن الدين، والانخراط في المشروع الاشتراكي، غير المستند إلى مرجعية إسلامية"، وفق ما يدعون.

وعندما حقق العرب انتصاراً جزئياً على "إسرائيل"، وعبر الجيش المصري الضفة الشرقية لقناة السويس بعد تحطيم خط برليف، لم يعتدّ الإسلامويون بهذا النصر، فلم يكد يمر على حرب (أكتوبر) سوى شهرين، حتى بدأت جماعة إسلامية خرجت من رحم المظلومية الإخوانية في أواخر عصر الرئيس جمال عبدالناصر، بالتخطيط للإطاحة بنظام الرئيس الجديد حينها أنور السادات الذي لم يشفع له عنده هذا النصر الكبير.

تمرد بعد النصر

لم يكن السادات قد ذهب بعد لتوقيع اتفاقية سلام مع "إسرائيل"، ولم يفعل سوى أنه فتح أبواب السجون على مصراعيها، كي يخرج منها آلاف الإسلاميين الذين كان سلفه عبدالناصر سجنهم على إثر الخلاف المرير بينه وبين جماعة الإخوان، والذي أفضى بمحاولة اغتياله في ميدان المنشية بالإسكندرية، شمال مصر، ثم الصدام الثاني بينه وبين الإخوان العام 1965، بعد تشكيل الجماعة تنظيماً قاده سيد قطب، هدف لقلب نظام الحكم، عبر سلسلة من العمليات العدائية ضد مؤسسات الدولة.

لم يكد يمر على حرب أكتوبر سوى شهرين حتى بدأت جماعة إسلامية بالتخطيط للإطاحة بنظام السادات

بيد أنّ فصيلاً من هؤلاء الإسلاميين، شكل تنظيماً ضم المئات، هدف إلى الاستيلاء على مؤسسات الدولة، ونفذ هجوماً على مبنى الكلية الفنية العسكرية، راح ضحيته العشرات، وباءت خطتهم بالفشل الذريع، بعد أن ألقي القبض على قادة التنظيم وعناصره، مطلع العام 1974.

لم تكن ثنائية "الهزيمة والنصر" معياراً عند التنظيمات الإسلامية للخضوع لنظم سياسية أو منح ولاءات لرؤساء وحكام، ولم يكن رفع الشعارات الإسلامية معوّلاً عليه لتغيير مواقفهم المبدئية، وإلا لما تمردت هذه الجماعات على الرئيس المصري الراحل السادات مبكراً، وهو من أطلق على نفسه "الرئيس المؤمن"، ومن أشار بصيحة "الله أكبر" عند عبور جيشه إلى الضفة الشرقية من قناة السويس.

اقرأ أيضاً: قصة يرويها الأسواني.. أحد المتهمين باغتيال السادات

فطالما أنّ النصر لم يأتِ بعد لحظة "تمكين" الجماعة ومن خلالها، فلا شك، أنّ هذا النصر "مزعوم ووهميّ"، في اعتقاد تلك الجماعات التي تظن أن الله قد اختصها وحدها بالنصر.

 

 

كمون إخواني

أثناء زخم الاحتفالات بحرب أكتوبر العام 1973، لم تصدر جماعة الإخوان المسلمين وقتها أي بيانات تشارك المصريين فرحتهم، بل التزم قادتها الصمت سواء الذين كانوا ما يزالون في السجون وقتها، أو الخارجون لتوّهم منها، ومنهم مرشد الجماعة حسن الهضيبي.

تعتقد غالبية التيارات الإسلامية في أنّ الجهاد ضد العدو يشترط أن يكون تحت لواء راية نقية "ذات توحيد خالص وفق مفهوم الجماعة"، وهو ما يعني أنهم يرفضون القتال تحت لواء النظم الحاكمة التي يعتبرون أنها بعيدة عن الإسلام، ولا تطبق شرع الله.

طالما أنّ النصر لم يأتِ بعد لحظة "تمكين" جماعة الإخوان ومن خلالها فلا شك أنهّ "مزعوم ووهميّ"

كما ترفض تلك الجماعات القتال تحت راية وطنية حتى في سبيل الدفاع عن الأرض، وتعتبره نوعاً من "العصبية الجاهلية" ومن ثم فهي تزدري الولاء للوطن وتجعله في مواجهة مع الولاء للأمة الإسلامية، التي تتمثل نواتها الحقيقية والصلبة في الجماعة أو التنظيم... عبر عن ذلك سيد قطب في جملته الشهيرة "وما الوطن إلا حفنة تراب".

ولم تشارك أيٌّ من التيارات الإسلامية، على كافة تنويعاتها، في الحرب، وفق شهادة حافظ سلامة، أحد زعماء المقاومة الشعبية في السويس، على الرغم من محاولات بعضها ادعاء ذلك، ومنهم؛ القيادي الإخواني، عصام العريان.

اقرأ أيضاً: الشعراوي حين سجد لله شكراً بعد نكسة 1967!

وحتى بعد أن وصل الرئيس الأسبق، محمد مرسي، إلى السلطة في مصر، العام 2012، ودشنت جماعته احتفالية كبرى في ستاد القاهرة، بمناسبة حلول "ذكرى العبور"، أصرت الجماعة على حضور عدد من قادة الجماعة الإسلامية، المسؤولين عن اغتيال السادات، في نفس اليوم الذي يواكب ذكري رحيله، وهو ما أثار سخطاً شعبياً عارماً.

اعتبرت الجماعة أنّ سبب النصر هو اتجاه الشارع المصري إلى التدين

السلفية مواقف متباينة

ومع تحفظ شيوخ السلفية في الحديث عن حرب أكتوبر، إلا أننا لم نعدم بعض البيانات التي صدرت في هذه الفترة التي يمكن تحليلها لمعرفة موقف تلك التيارات من تلك الحرب.

فبعد "العبور" أصدرت جماعة "أنصار السنة المحمدية" في مجلتها الشهرية بياناً أرجعت فيه أسباب النصر إلى "الأمة التي بدأت تتجه إلى الواحد الديان، تلتمس منه النعمة وتنزيل الرحمة، وفتيات أعلنّ الثورة على الفجور والسفور، وحققن قول الله تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ..)".

جماعة أنصار السنة المحمدية أعادت أسباب النصر لاتجاه الشارع المصري إلى التدين

واعتبرت الجماعة في ذاك الوقت، أنّ سبب النصر على الكيان الصهيوني هو اتجاه الشارع المصري إلى التدين، "رغم أنف بعض المتمردات، وشرذمة قليلة، فكان المقابل أن فتيات وشباناً في الجامعات شكلوا جمعيات دينية بالكليات ورفعوا عقائدهم ألا نجاة ولا حياة إلا بالقرآن نستهديه، وبرسول الله وسنته نستفتيه".

أما التيار السلفي المدخلي، بعد ثورة 25 يناير، فجاء موقفه واضحاً من تلك الحرب؛ إذ دعا الشيخ محمود لطفي عامر، بمنح الحصانة القضائية لأبطال الحرب، رافضاً محاكمة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك باعتباره قائداً للضربة الجوية.

واعتبر الشيخ محمد سعيد رسلان، حرب أكتوبر "علامة بارزة في تاريخ الحروب"، متحدثاً عن حب الوطن الإسلامي وفضل الدفاع عنه ومنزلة الشهداء عند الله... ومع ذلك يجمع هذا التيار على حرمة الاحتفال بعيد النصر باعتبارها "بدعة"، كما كشف عن ذلك الدكتور ياسر برهامي، زعيم الدعوة السلفية في مصر، في فتوى له على موقع الجماعة الرسمي "صوت السلف".

الصفحة الرئيسية