حسين فهمي: "الواد التئيل" متعدد المهارات الفخور بإسقاط الإخوان

حسين فهمي: "الواد التئيل" متعدد المهارات الفخور بإسقاط الإخوان


18/01/2018

حين أطلقت شركة "فودافون" للاتصالات إعلاناً مُغنّى للفنانين، يسأل في مطلعه الممثل مصطفى فهمي شقيقَه حسين: "راح فين زمن الشقاوة؟"، كان الأخير منشغلاً في جبهات عدة، منها: حربه المستمرة على حركة الإخوان المسلمين، وقضايا طلاقه العالقة في المحاكم المصرية.

لا تكاد جدليات حسين فهمي، المولود في القاهرة في العام 1940، تتوقف، وقبل أنْ تكون سياسية بامتياز أو ذات طابع ديني، فإنّها كانت تتعلق ببرجوازيته وطبقة الباشاوات التي ينتمي إليها؛ إذ تارةً يدعو المصريين لربط الحزام، فيما صوره تُنشَر في أحد منتجعات الساحل الشمالي، وتارةً يدعوهم ليحذوا حذو الكوريين حين أكلوا الكلاب ونهضوا ببلادهم، فيما هو ما يزال يطالب الدولة بتعويضه عن ممتلكات عائلته التي تبدّدتْ في أعقاب ثورة الضباط الأحرار في العام 1952، وتارةً يعترف أنّه يغسل سيارته بالشامبو وأنّه يتفنن حتى التجلّي في تلميع أحذيته واختيار ربطات عنقه.

حسين فهمي وشقيقه مصطفى فهمي

ما معنى شعار "ارفع رأسك يا أخي"؟

الغريب في أمر فهمي، أنّه ينتقد انقلاب مصر من ملكية إلى جمهورية، متسائلاً عن معنى شعار "ارفع رأسك يا أخي" الذي اشتهر في ذلك الحين، واعتباره أنّ ثورة الضباط الأحرار كانت انقلاباً عسكرياً في واقعها، في حين يمتدح الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، ويثني على حُكم محمد أنور السادات، ويعتبر نظام السيسي الحالي "هايل"، ما يجعل تفسير البراغماتية يلوح في الأفق كلما حاول المتلقي مناقشة توجهاته السياسية على حقيقتها.

لكنّ دبلوماسية فهمي في إسباغ الطابع الثقافي على حديثه، وكذلك التاريخي، تمنحه قبولاً من نوع خاص؛ إذ يتحدث الرجل الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، ويغنّي بالإيطالية في مرات، كما يحفظ الوقائع التاريخية، مصرياً في المقام الرئيس وعالمياً في المرتبة الثانية، ما يجعله يتحايل على أي سؤال قد يواجهه، ولا يملك حياله الردّ القاطع، بسرد معلومات تاريخية وعلمية، فلا ينفكّ محدّثه يتوقف ويصغي السمع إليه، كما في ردّه ذات مرة على سؤال مبطّن عن الأمل الذي منحته الفياغرا لكبار السن، في تلميح لزيجاته التي ما تزال مستمرة رغم مشارفته على الثمانين، فما كان منه إلا أن أسهب في شرح كيف انطلقت فكرة الفياجرا طبياً.

يتحدث فهمي الإنجليزية والفرنسية بطلاقة ويغنّي بالإيطالية في مرات كما يحفظ الوقائع التاريخية

المناصب التي تقلّدها فهمي انتزعت الاعتراف بأهميته عالمياً؛ إذ كان سفيراً للنوايا الحسنة لدى الأمم المتحدة، وانسحب من منصبه على إثر الهجمة الإسرائيلية على قانا في العام 2006، بالإضافة لمناصب أخرى أمسكها بجدارة لافتة كرئاسته لمهرجان القاهرة السينمائي وتقلّده منصباً رفيعاً في الأولمبياد المتعلّق بذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديمه برامج مهمة ثقافياً وفنياً كما "استديو 86" و"زمن" وغيرها، على مدار عقود، بيد أنّ ذلك كله لم يفلح في عمل مصالحة بين فهمي والجمهور المؤازر لحركة الإخوان المسلمين؛ إذ لا ينفكّ الفنان، ذو الأصول الشركسية، يعترف بالدور الذي لعبه في إسقاط حكم هذه الحركة في مصر، من خلال زياراته الثلاث التي نظّمها للكونغرس الأمريكي إبّان إمساكهم بمقاليد السلطة، والتي يقول في عدد من حواراته إنه كان يهدف فيها لإيصال "القضية" المصرية للساسة في الولايات المتحدة؛ فهم من أكبر داعمي حركة الإخوان كما أنهم لا يُبيّتون لمصر خيراً.

 دبلوماسية فهمي في إسباغ الطابع الثقافي على حديثه، وكذلك التاريخي، تمنحه قبولاً من نوع خاص

إطلاق اتهامات ضد مرسي والإخوان

ولا يتردّد فهمي في إطلاق اتهامات، بصيغة الواثق منها بالمُطلَق، كـ"عمالة" الرئيس الإخواني مرسي للأمريكان و"كون السفارة القطرية في أمريكا هي من موّلت ووزّعت "تي شيرتات رابعة" على المتظاهرين ضد زيارته للكونغرس".

يذهب فهمي لما هو أبعد، حين يقول إنّ من تحدّث إليهم في الكونغرس لم يسمعوا من قبل بالحقائق التي سردها؛ بل اعترفوا أنّ الصورة التي تصل إليهم مغلوطة. يقول في أحد حواراته إنّه ابتاع ربطة عنق من المتجر الموجود في الكونغرس، مكتوب عليها "نحن من نقرّر" وأنه في ختام حديثه مع الأمريكييين رفع ربطة العنق لهم.

حين سُئل فهمي عن أكثر اللحظات إيلاماً وانكساراً في حياته قال إنّ الأولى هي نكسة العام 1967

يبرّر فهمي موقفه السياسي الحاد من جماعة الإخوان المسلمين بنعوت عدة من بينها أنّ كوادر الحركة لا يجيدون سوى التخريب والهدم ولا يفلحون في البناء، وأنّ تاريخهم حافل بالمآسي وأنّهم صادروا حرية الرأي والتعبير؛ بل ذهب للقول إنّ المصريين ربطوا بين الرئيس المصري الأسبق محمد مرسي وبين زعيم النازية هتلر، كما قال إنّ على الفنانين والمثقفين أن يكونوا من بين الأكثر حساسية حيال حُكم هذه الحركة لدولة عريقة فنياً وحضارياً مثل مصر.

وحين سُئل عن أكثر اللحظات إيلاماً وانكساراً في حياته، قال إنّ الأولى هي نكسة العام 1967، حين كان يدرس الإخراج في أمريكا ووصلته أنباء الهزيمة، فيما الثانية هي لحظة فوز جماعة الإخوان المسلمين بحكم مصر.

يبرّر فهمي موقفه السياسي الحاد من الإخوان بنعوت عدة من بينها أنّ كوادر الحركة لا يجيدون سوى التخريب

الفنان وفخّ المواقف السياسية

ما سبق، يفتح الباب مشرعاً لأسئلة من قبيل: هل من مصلحة الفنان أو المبدع، بالمجمل، التعبير عن موقفه السياسي؟ وهل يؤثر ذلك على جماهيريته وموضوعيته في الطرح؟ كما يفتح السابق جرحاً مزمناً في العالم العربي حول العلاقة الجدلية بين المثقف والسلطة، وحول دور المثقف في انتقاد الأخيرة وتقويم نهجها إن حادت عن جادة الصواب، كما يفتح باباً آخر للنقاش حول تبنّي السلطة لمبدع ما وجعله ناطقاً باسمها، وهو ما لم يعترف به فهمي بشكل واضح، وإن كان لم ينكر لقاءاته الكثيرة برؤساء سابقين، حين كانوا على رأس عملهم، ومن بينهم السيسي.

لا مناص من الاعتراف بأنّ النظام الذي يختار فهمي ناطقاً فنياً باسمه هو نظام ذكي حتماً

وبرغم الجدليات الآنفة كلها، فإنّ لا مناص من الاعتراف بأنّ النظام الذي يختار فهمي ناطقاً فنياً باسمه، هو نظام ذكي حتماً؛ إذ يتمتع الرجل بوسامة وأناقة وخفة ظل وثقافة عالية وحضور عالمي وعربي ومصري، وإتقان للغات وتاريخ فني وعائلي حافل، ما يسبغ مزيداً من القوة على موقف النظام؛ أي نظام، بخلاف ما يحدث حين تختار بعض الأنظمة العربية فنانين ذوي سوية رديئة وشعبية لتمثيلها.

كان لموقف فهمي حساسيته؛ نظراً لإدلائه سابقاً بتصريحات هاجم من خلالها المحجبات، حين وصفهن بـ "المعاقات" ذهنياً، ليمضي سنين عقب هذا وهو يرقّع الأمر، من خلال قوله إنه يقصد الإعاقة البدنية وليس الذهنية، وليستشهد بحوادث بُترت فيها أيدي عاملات خلال تعاملهن مع آلات المصانع؛ لشدة سماكة ما يرتدين من طبقات، وصعوبة ممارستهن الرياضة حين يرتدين الحجاب. لكن يبدو أنّ فهمي صار أكثر حذراً مؤخراً؛ إذ حين سُئل عن موقفه من النقاب، أجاب إنه ليس من باب الحرية الشخصية؛ لاعتبارات أمنية وأخرى تتعلق بالعملية الأكاديمية وقيادة السيارة، وما إلى ذلك.

هل جاء السابق كله على حساب السوية الفنية لحسين فهمي؟ قد يكون؛ إذ تأتي الإرهاصات السياسية جنباً إلى جنب مع اللغط المثار حول زواجات فهمي التي أُعلِن منها ستة حتى الآن، وما انتهت إليه الزيجتان الأخيرتان من مشاكل وقضايا في المحاكم المصرية. في مقابل حضور فني خافت، إلى حد لم يعد فيه كثر يعرفون عن جديده، حتى حين دخل السباق الرمضاني المحموم، بقدر ما يعرفون عن جديده على صعيد التصريحات السياسية وقضايا الطلاق.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية