ما مصير إدلب بعد "سوتشي" وبعد رفض الفصائل إلقاء السلاح؟

سوريا

ما مصير إدلب بعد "سوتشي" وبعد رفض الفصائل إلقاء السلاح؟


28/10/2018

تخضع محافظة إدلب، الواقعة في شمال سوريا، تحت وطأة سيناريوهات متعددة، وتبعث معها احتمالات وأسئلة معقدة؛ ترجح كل حالة منها مآلات الواقع السياسي والعسكري الذي ستؤول إليه، في ظل التجاذبات الإقليمية والدولية التي تبحث عن مصالحها الاستراتيجية، وأمنها السياسي، وطرح رؤيتها لشكل التسوية النهائية للصراع السوري.

إدلب بين رؤيتين

وبينما يتحرى الدور الروسي والقوى المتحالفة معه، وأبرزها إيران، إزاء ضرورة إعادة تأهيل نظام بشار الأسد، عبر ثنائية الدستور والانتخابات، فإنّ الموقف الغربي والأمريكي، يعكس رؤية متناقضة تماماً، ترى من خلالها أنّ استمرار الأسد في الحكم، يعني مزيداً من التطرف والإرهاب في العالم.

اقرأ أيضاً: هل فشل مؤتمر سوتشي؟

في ظل مخرجات قمة سوتشي الأخيرة، التي انعقدت في روسيا، وجمعت الرئيسين؛ الروسي، فلاديمير بوتين، والتركي، رجب طيب أردوغان، برز الدور التركي كأحد اللاعبين الإقليميين، الذي يبحث عن تأمين مصالحه الجيوسياسية، في منطقة الشمال السوري، وتعزيز نفوذه، بهدف حماية قواته المتمركزة في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، ومنع تشكل "غيتو" كردي سوري، يهدد حدود أنقرة الجنوبية، بالإضافة إلى قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، المعروفة بـ"قوات سوريا الديمقراطية- قسد"، المتواجدة في شمال شرقي سوريا، وتعمل تحت مظلة أمريكية.

إدلب هي آخر محافظة تسيطر عليها الجماعات المسلحة المعارضة للنظام

ما أهمية إدلب لأطراف الصراع؟

تحوز إدلب أهمية إستراتيجية بين مختلف الأطراف المتصارعة ولدى النظام السوري؛ فمن ناحية، هي المحافظة الأخيرة التي تسيطر عليها الجماعات المسلحة المعارضة للنظام، وقد فرضت سيطرتها منذ أربعة أعوام، ومن ثم، فإنّ عودة إدلب لسيطرة النظام، سيعني تصفية وإنهاء الحرب التي يخوضها الأسد منذ اندلاع الثورة.

هاني نسيرة: إصرار الفصائل المسلحة على عدم تسليم السلاح وعدم إخلاء المنطقة العازلة في إدلب يزيد الأمر تعقيداً

ومن ناحية أخرى، تتمركز في إدلب مواقع عسكرية للجيش التركي، فضلاً عن القوات التركية، المنتشرة في مدينتي عفرين والباب، بهدف تحجيم الوجود الكردي العسكري، وبالتالي، فإنّ خشية تركيا الرئيسة تتمثل في أنّ استعادة نظام الأسد لإدلب، سوف يعني بالنسبة لها، الانسحاب من عفرين والباب وجرابلس، وفقدانها مناطق سيطرتها، ناهيك عن احتمال وقوع ضربة عسكرية، ما سيسفر عنه مزيداً من اللاجئين، ونزوح ما لايقل عن 800 ألف مواطن سوري، سيعبرون الحدود إليها، بحكم الجوار الجغرافي، وهو ما لا تتحمله أنقرة في الوقت الراهن.

اقرأ أيضاً: على ماذا سيتفق أردوغان مع بوتين حول إدلب؟

في ظل موازين القوى السياسية والعسكرية التي تشكلت في سوريا، بعد دخول أكثر من طرف دائرة الصراع، تبدو المدينة الخضراء، بمثابة ورقة ضغط سياسية، بين تلك الأطراف وبعضها، بهدف بقاء نفوذها، وعدم تقليص مساحة الحجم أو التأثير لأي منهم، على حساب الآخر، وهو الأمر الذي عبر عنه أردوغان، في تصريحات صحفية، إبان قمة طهران، وحديث بوتين الداعم للأسد، في ما يتصل بضرورة بسط سيطرته على كامل البلاد، إذ رأى أردوغان أنّ "تركيا مصممة على حماية وجودها في المنطقة، إلى حين ضمان وحدة سورية، السياسية والجغرافية والاجتماعية، بالمعنى الحقيقي".

عودة إدلب لسيطرة النظام سيعني تصفية وإنهاء الحرب

اتفاق سوتشي طرح وجود منطقة عازلة منزوعة السلاح بين 15 إلى 20 كيلو متراً، بضمانة البلدين، وهو ما حظي بموافقاتهما، خاصة، بعد اطمئنان أنقرة عبر الوساطة والتفاهم مع الطرف الروسي، بعدم شن هجوم عسكري على إدلب من قبل النظام.

وعبر أردوغان عن ارتياحه إزاء ذلك الاتفاق، قائلاً إنّ "تعاوننا مع روسيا على الصعيد الإقليمي من شأنه أن يبعث الأمل في المنطقة، وأنا واثق بأنّ عيون العالم ومنطقتنا تتطلع إلى قمة سوتشي".

اقرأ أيضاً: قمة طهران.. ماذا يخبرك تأجيل موعد المعركة الكبرى في إدلب؟

وتقدر الأمم المتحدة أعداد المقاتلين في إدلب بنحو ثلاثين ألف مقاتل، تحت هيمنة فصيلين رئيسيين، من فصائل المعارضة التي تنتشر في سوريا؛ وهما: الجبهة الوطنية لتحرير سوريا، وتتلقى دعماً من تركيا، وهيئة تحرير الشام (جبهة النصر سابقاً)، والأخيرة، تبحث معها تركيا ضرورة فض وإنهاء تبعيتها مع تنظيم "القاعدة"، ودمج الأعضاء المنتمين لها في الجبهة الوطنية لتحرير سوريا، والتي نجحت في ضم "أحرار الشام" و"فيلق الشام" و"جيش الأحرار" لها، بهدف إرضاء الطرف السوري وإكمال المفاوضات معه.

مستقبل هيئة تحرير الشام في إدلب

هيئة تحرير الشام التي سبق ورفضت العرض التركي، الذي يقضي بإلحالقها في الجبهة الوطنية لتحرير سوريا، وحل تنظيمها وتبعيته لتنظيم القاعدة، أعلنت، بعد فترة من الصمت، بعد اتفاق سوتشي، عن رفضها التام وعدم موافقاتها على مخرجات الاتفاق، وأصدرت بياناً أعلنت فيه مواصلتها القتال، ورفضها التخلي عن سلاحها، والتأكيد على الاستمرار في الطريق الذي بدأته، ورفض الرضوخ لما وصفته بـ "المحتل الروسي".

المهم في اتفاق سوتشي أنه سيجنب مدينة إدلب التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين سوري حرباً مدمرة

وفي هذا السياق، يشير الصحفي السوري، كدر أديب أحمد، في حديثه لـ "حفريات"،  إلى أنه بالرغم من وصول روسيا وتركيا من خلال اتفاق سوتشي على إقامة منطقة منزوعة السلاح، تفصل بين مناطق النظام والمعارضة في إدلب، إلا أن واقع الحال، يقول إنّ "روسيا لم تتقيد بشروطها خلال المصالحات التي جرت في عدة مناطق في سوريا"، مردفاً:"يظل الشيء المهم في اتفاق سوتشي، هو أنه سيجنب مدينة إدلب، التي يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين سوري، من حرب مدمرة، على غرار الغوطة الشرقية وحلب ودرعا؛ فبعد بدء الفصائل بإخراج أسلحتها الثقيلة، والتزامها بشروط الاتفاق، غاب الطيران عن أجواء المدينة، بعد أن كان ينفذ عشرات الغارات يومياً".

اقرأ أيضاً: كيف تدير روسيا وتركيا معركة إدلب بمعزل عن "الأسد"؟

وفي ما يتصل بوضع هيئة تحرير الشام، يرى الصحفي السوري أنّ الاتفاق بين أنقرة وموسكو، يستهدف بالأساس سحب الأسلحة الثقيلة، من الفصائل المسلحة المعارضة، حتى تمهد الطريق لعودة المنطقة بالكامل للنظام السوري.

إن إصرار هيئة تحرير الشام على عدم تسليم السلاح يزيد الأمر تعقيداً

ويؤكد أنّ هيئة تحرير الشام تأخرت في إصدار قرارها حول الاتفاقية، "بسبب معرفتها بحساسية وضعها في الشمال السوري، وأنها الخاسر الأكبر من اتفاق سوتشي؛ لأنّ الاتفاق يشمل فضلاً عن الانسحاب من مساحات كبيرة في إدلب، محاربة الإرهاب كذلك"، لافتاً إلى أنّ "تحرير الشام" مصنفة ضمن قوائم المنظمات الإرهابية، وفق قرارات الأمم المتحدة وتركيا، وبالتبعية، لن يكون لها ثمة وجود في المنطقة، التي سيطبق من خلالها اتفاق سوتشي.

كدر أحمد: الاتفاق بين أنقرة وموسكو يستهدف سحب الأسلحة الثقيلة من الفصائل المسلحة المعارضة لتمهيد عودة المنطقة للنظام السوري

وحول تداعيات بيان هيئة تحرير الشام، يعلق الباحث المصري الدكتور هاني نسيرة، بأنّ بيان هيئة تحرير الشام في 19 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري بإصرارها على عدم تسليم السلاح وعدم إخلاء المنطقة العازلة في إدلب، "يزيد الأمر تعقيداً"، بالإضافة إلى كونها ليست وحدها، "بل إنّ كثيراً من الفصائل والمجموعات المسلحة على الرأي نفسه من عدم تسليم السلاح أو إخلاء المنطقة العازلة، ومن بينها تنظيم حراس الدين، ذراع تنظيم القاعدة، في سوريا الآن".

ويقول نسيرة لـ "حفريات"، إنّ "نجاح سوتشي يظل بعيداً، في ظل الرهانات الحالية، حيث لن يحرك الوضع إلا المزيد من الصراع، ومن نافلة القول، التأكيد أنّ النظام كان أسبق في الخروقات من غيره، وقد قصفت قواته أكثر من مرة فصائل ومجموعات موجودة في المنطقة العازلة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية