هل انتفت صلاحية الإسلاميين في الجزائر؟

الجزائر

هل انتفت صلاحية الإسلاميين في الجزائر؟


28/10/2018

تحتدم الأسئلة حول مستوى الأسهم التي يمتلكها الإسلاميون في الجزائر بعد كل الخيبات التي تجرعوها في العقدين الأخيرين، وتتباين القراءات بين من يرى بانتفاء صلاحية ممثلي هذا التيار، وقطاع آخر يتوقع عودة الإسلاميين رغم اجترارهم الخيبات واكتفائهم بالفتات جرّاء "خياراتهم".

وفي تصريحات رصدتها "حفريات"، يشدّد عبد الرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم (إخوان) على أنّ الإسلاميين لم يتراجعوا، بل كل ما في الأمر أنّ "كل المواعيد الانتخابية الماضية كانت مزوّرة".

اقرأ أيضاً: 5 سيناريوهات تشعل قادم الجزائر السياسي

هذه القناعة يتشبع بها أيضاً، أبو جرة سلطاني، الوزير الإخواني السابق الذي يتهم جهات في السلطة بـ "العمل على إعادة البلد إلى عهد الأحادية الحزبية"، ويؤكد وجود "تأسيس لواقع نريد أن يتغير"، مبدياً خشيته من أن تتسبب "سياسة فرض الأمر الواقع" في نسف ما بناه الإسلاميون منذ عقود.

7 عوامل 

يكشف، عامر ولد سعد سعود؛ الذراع الأيمن للزعيم السابق للإخوان في الجزائر، محفوظ نحناح، عن سبعة عوامل تقف بحسبه وراء الحقيقة المرّة التي يتجرعها التيار الإسلامي في الجزائر، ويركّز مستشار رئيس الوزراء الأسبق عبدالسلام بلعيد، على خطأ الإسلاميين في دخول المعترك السياسي رغم افتقادهم مرجعية قوية، وقبل تأسيسهم مدرسة سياسية معلومة الفلسفة بيّنة الأهداف والبرامج.

عامر ولد سعد مستشار زعيم الإخوان المسلمين السابق في الجزائر

ويقرّ ولد سعد سعود بـ "انحراف" بعض الإسلاميين، مضيفاً أنّ دخول المعترك السياسي كان بـ "دافع ماكر من مخابرات أجنبية معروفة بعدائها للدين الإسلامي وللجزائر وتاريخها وحضارتها"، وساعدها في ذلك "تواطؤ داخلي، وقلة وعي" بخطورة المآلات لدى القيادات التي اندفعت بفعل "عواطف شعبية متدينة ومؤهلة للانفجار نتيجة الغضب المكدس بسبب ممارسات الحزب الواحد وسموم الطبقات العازلة".

اقرأ أيضاً: انتكاسة غير مسبوقة لأحزاب الإسلام السياسي في الجزائر

ويتصور، ولد سعد سعود، أنّ أولوية الإسلاميين حالياً في الابتعاد عن العمل السياسي لأنّ شروطه غير متوفرة، بحسبه، ويجزم بأنّ وضع الإسلاميين بات هشاً بحكم "التدجين" و"الضعف"، ويدعو "سعود" إلى التخلي عن النظرة الطوباوية في مقاربة الحركات الإسلامية السياسية، فهي تجارب بشرية قد تنجح وقد تفشل والتاريخ هو الذي يحكم لها أو عليها.

مشاركة أفسدت الصورة

يرى الخبير، حبيب بوخليفة، أنّ التيار الإسلامي دفع ثمن خياراته الخاطئة خاصة خيار المشاركة في السلطة، ما أساء إلى صورة الإسلاميين في الشارع المحلي الذي يربط مفهوم السلطة في الجزائر بـ "الفشل والفساد وسوء التسيير".

الجيل الجديد من الإسلاميين في الجزائر يختلف من حيث طبيعة العمل وأساليب التفاعل ومستويات التطلع عن الجيل السابق

ويحيل د. بوخليفة، على أنّ التيار الإسلامي ذهب ضحية مشاركة "الإخوان" في السلطة لسنوات وإسهامهم في تمرير قوانين عارضتها فئة كبيرة من الجزائريين مثلما حصل مثلاً مع قانون الأسرة، ولم ينفع الانسحاب المتأخر للإخوان من الائتلاف الحاكم (ربيع 2011)، في تحسين صورتهم التي تلطخت كثيراً.

ويذهب، بوخليفة، إلى اعتبار ذاك الانسحاب "تكتيكياً" و"شكلياً" طمعاً من الإسلاميين قبل سبعة أعوام، في اقتسام كعكة ما سُمي بـ "الربيع العربي".

يرى بوخليفة أنّ التيار الإسلامي ذهب ضحية مشاركة "الإخوان" في السلطة

ويربط، بوخليفة، فشل الإسلاميين بمشاركتهم في السلطة، بعكس ما حصل مثلاً في تونس ومصر والمغرب، عندما كان نظراؤهم "مضطهدين"، على حد تعبيره. ويتطرق بوخليفة إلى صراع الزعامات الذي مزّق إسلاميي الجزائر، ما أثّر كثيراً على مصداقيتهم، واستثمار السلطة لـ "خطاب تشويهي ترهيبي" جعل من الإسلاميين مرادفين لمآسي عشرية العنف الدموي في الجزائر من عنف وتخريب وتقتيل، ولم يكن تخندق هؤلاء في صف المعارضة ليمكّنهم من استعادة صدقيتهم في المستقبل المنظور على الأقل.

الدولة الدينية لم تعد منشودة

يقدّر د. عمار يزلي أنّ الدولة الدينية، بالمفهوم الكهنوتي اللاهوتي صارت تمثل في أذهان مواطنيه صورة للعهد الإقطاعي بأوروبا وهيمنة الكنيسة بتحالفها مع الإقطاع على الساكنة (هذا قبل أن يبرز مفهوم المواطنة)، لذا لم تعد هي الدولة المنشودة، على الأقل لدى شرائح واسعة من شباب اليوم.

اقرأ أيضاً: السلطات الجزائرية تلاحق أتباع "المسيح المنتظر"

ويشير الخبير الاجتماعي إلى اهتمام مواطنيه بتحقيق العدالة الاجتماعية والإصلاح الاقتصادي والسياسي، وهو ما يؤيده، حبيب بوخليفة، بالقول إنّ طبيعة ومعطيات المرحلتين الحالية والقادمة لا تصب في مصلحة الإسلاميين وتكريس نظرتهم للدولة.

وكان الوزير السابق للشؤون الدينية، بوعبد الله غلام الله، جزم بأنّ الإسلاميين لا يريدون "الإسلام" بل "السلطة"، مشيراً إلى محاولات التيار السلفي في الجزائر إدخال أفكار "دخيلة" تهدد المرجعية الدينية الوطنية، في محاولة لتغيير واقع التركيبة الاجتماعية المحلية.

قادة الاسلاميين في الجزائر

لا تجاوب

في مخطط أتى لتدارك الخيبات التي تجرّعها الإسلاميون في الجزائر على مدار العقدين الأخيرين، سعى عبد الله جاب الله، أحد كبار قادة التيار الإسلامي بالجزائر، إلى لمّ شمل أبناء المشروع الإسلامي، لكن دعوة رئيس جبهة العدالة والتنمية لم تُحظ بتجاوب كافة ممثلي التيار.

اقرأ أيضاً: مؤتمر "حمس" يضرم نار الخلاف داخل إخوان الجزائر

واقتصر التفاعل على عدد من قدماء الإسلاميين وممثلين عن حركتي مجتمع السلم والنهضة، خلافاً لأنباء سابقة تحدث عن التحاق عدد معتبر من الوجوه الإسلامية بركب "جاب الله"، في وقت رأى مراقبون أنّ فرص تكتل الإسلاميين مجدداً مستبعدة بعد الفشل الذي مُنيت به تحالفات سابقة، على منوال إئتلاف الجزائر الخضراء عام 2012.

بوخليفة: التيار الإسلامي ذهب ضحية مشاركة "الإخوان" في السلطة وإسهامهم في تمرير قوانين عارضتها فئة كبيرة من الجزائريين

ويربط، حبيب بوخليفة، الأمر بصراع الزعامات الذي مزّق إسلاميي الجزائر بما أثّر كثيراً على مصداقيتهم، فضلاً عن "انحراف" بعض الإسلاميين الذين بات وضعهم هشاً وإصرارهم على تبنّي "نظرة طوباوية"، كما يشير، بوخليفة، إلى أنّ طبيعة ومعطيات القادم لا تصب في مصلحة الإسلاميين.

الأولوية للتكيّف  

مفهوم المراجعة المتداول في بعض الدول والأدبيات للإسلاميين تختلف عن تلك الممارسات المستعملة في أدبيات وسلوكات الإسلاميين في الجزائر، بحسب الباحث محمد بغداد، الذي يرى أنّ هؤلاء يعتمدون التطور واكتساب المهارات، مستفيدين من الوضعية القانونية المريحة لهم، والتي تسمح لهم بالتواجد في مؤسسات الدولة، وبالذات المجالس المنتخبة وتوليهم لمسؤولية إدارة الشأن العام، وهو ما يجعل الأولوية عندهم هي التطور والتكيف من أولويات العمل.

 

ويشير بغداد إلى أنّ تجربة الإسلاميين في الجزائر، تكاد تكون متميزة عن بقية التجارب في الوطن العربي، كونها تحمل المميزات الذاتية للمجتمع الجزائري وثقافته، تجربة فيها الكثير من القضايا التي بقيت في طي الشفاهية والانطباعية، دون أن تنتقل إلى الدراسة العلمية والمتابعة البحثية.

اقرأ أيضاً: القصة الكاملة للصراع بين السلطات الجزائرية والأحمدية

ويقول، بغداد، إنّ المميّز في هذه التجربة أنها بقيت حبيسة الإسلاميين أنفسهم، يعيدونها مرات عديدة القليل منها يتمثل في بعض المراجعات والقدرة على التكيف مع الظروف الطارئة والمعطيات المستجدة، فبقدر ما تكبدوا الخسائر من الانقسامات والصراعات الشخصية والزعامة، إلا أنهم تمكنوا من البقاء في المستوى الميداني وامتلكوا خبرات ومهارات التفاعل الاجتماعي، والاحتماء بأدوات البقاء والاستمرار، ويبقى تاريخ الإسلاميين في الجزائر مؤجل الكتابة والتناول إلى حين.

نَفّس إخواني

يُبرز بغداد أنّ الأحزاب الإسلامية الجزائرية ذات نفس إخواني في عمومها، وإن كانت تحمل خاصية ذاتية يمكن تسميتها بـ "الاستقطاب والاحتواء"، كونها تستمد من كل التيارات الإسلامية وتستثمر في التراث المحلي الوطني والإسلامي، دون أن تكون هناك عوائق مانعة من التكيف مع المعطيات الجديدة.

بغداد: إن تجربة الإسلاميين في الجزائر تكاد تكون متميزة عن بقية التجارب في الوطن العربي كونها تحمل المميزات الذاتية للمجتمع الجزائري وثقافته

ولكن التجربة السياسية للأحزاب الإسلامية، "استطاعت أن تؤثر في غيرها من التيارات السياسية الوطنية، وذلك في العديد من النماذج والسلوكات، كما كانت لها تأثيراتها في بعض الدول العالمية".

ويعتقد بغداد بصعوبة الجزم بمسارات الظواهر السياسية والكيانات الحزبية، "إلا أنّ التعامل مع المؤشرات القائمة والمعطيات المتوفرة يكون أن الأحزاب الإسلامية، استفادت من المساحات الفارغة واستثمرت في الفضاءات الاجتماعية المهملة، وهي تقوم بصناعة الخدمات الاجتماعية والثقافية المنتظرة من فئات اجتماعية واسعة، مما يجعلها في مقدمة الجهات التي يتم اللجوء إليها من طرف هذه الفئات، لمواجهة الصعوبات الطارئة في ظل الظروف الحياتية الصعبة".

اقرأ أيضاً: تجربة الجزائر في إعادة دمج المقاتلين الإسلاميين في المجتمع

يبقى مستقبل مشهد الإسلاميين، مرتبطاً بالعوامل الأساسية التى ستتحكم في طبيعة المشهد، وفي مقدمتها نوعية الجيل الجديد من الإسلاميين، وهو الجيل الذي يختلف من حيث طبيعة العمل، وأساليب التفاعل ومستويات التطلع عن الجيل السابق، وثانياً حالة الترهل الكبير الذي تعرفه النخب السياسية وثقافتها المتصدعة في البلد، وهي الحالة التي ستكون في صالح الإسلاميين، إضافة إلى الوضعية الإقليمية والدولية.

الوزير أبو عبد الله: الإسلاميون لا يريدون الإسلام بل السلطة

هذه العوامل يُفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار عند التعامل مع ظاهرة الأحزاب الإسلامية وبالذات في الجزائر، وتفتقد إلى دراسات وأبحاث علمية متخصصة، وهو ما أشار إليه بعمق، الباحث محمد بغداد في كتابه "التركة المسمومة .. أزمة حركة مجتمع السلم".

الصفحة الرئيسية