أين مناهجنا العربية من بناء الهوية والمواطنة؟ الأردن نموذجاً

أين مناهجنا العربية من بناء الهوية والمواطنة؟ الأردن نموذجاً


28/10/2018

تركز المناهج الأردنية في فلسفة التربية على جميع الأسس التي تجعل منها مناهج حداثية مثل؛ التكيف مع متغيرات العصر، والتفكير النقدي، واستيعاب التكنولوجيا، وسلامة البيئة، واستخدام العقل في الحوار (قانون التربية والتعليم الأردني، رقم 3 لعام 1994). وأبعد من ذلك يقول القانون باحترام حرية الفرد وكرامته وحتى عروبة فلسطين وضرورة العمل على تحريرها، وهي بهذا تشترك نظرياً مع جميع المشتركات النظرية العالمية فيما يتعلق بالحداثة.

وبتحليل فلسفة التربية الأردنية، أمكن اشتقاق ثماني قضايا مهمة، يمكن اعتبارها معايير لأية مناهج مدنية وهي:

♦ الهوية.

♦ المواطنة.

♦ حقوق الإنسان ومنها؛ حقوق المرأة والطفل.

♦ البيئة والتنمية المستدامة.

♦ احترام العمل.

♦ العمل مع الآخر، الشراكة واحترام الآخر.

♦ التفكير الناقد والتفكير الإبداعي.

♦ الجمال والتذق الفني.

وفي استطلاع بسيط لآراء عدد من النخبة الأردنية من اتجاهات مختلفة وافقوا على هذه المعايير كمشتركات غير جدلية، وبذلك يمكن اعتمادها كمعايير لمناهج وطنية.

الهوية الشائعة هي الهوية الدينية؛ حيث تغطي ما يزيد عن 85% من المناهج، تليها الهويات الأخرى

وقد التقت هذه المعايير مع الورقة الملكية النقاشية السابقة عن التعليم، وبذلك يمكن اعتبارها معايير مقبولة رسمياً، وربما مدعومة رسمياً.

وبمقارنة هذه المعايير مع الأدب التربوي الحديث، نجد اتفاقاً واضحاً مع معايير المنهج السنغافوري، الذي يركز على التربية المدنية والتواصل وللوعي العالمي، ومهارات النقد، ومع المنهج الوطني البريطاني الذي حدد منتجات مطلوبة من النظام التربوي، كالتواصل والحوار والتعليم المستمر والتفكير النقدي، وكذلك دعت اليونسكو في تحديدها لمهارات القرن الحادي والعشرين إلى أهمية إنتاج المهارت الآتية:

♦ التواصل.

♦ التفكير الناقد.

♦ المشاركة.

♦ الإبداع.

وبذلك يمكن التحدث بثقة عن ضرورة أن تنتج المناهج مواطناً، يحمل الهوية الوطنية، ويدافع عن حقوق الإنسان، ويعمل شريكاً في فريق، ويحترم التنوع والاختلاف، ويفكر نقدياً.

يتضاءل الاهتمام بالجمال والتذوق الفني، ويكاد ينعدم في مواد مثل؛ التربية الوطنية والتربية الإسلامية

هذه هي مشتركات وطنية وعالمية، وليس من المتوقع أن يجاهر أحد ما بالاعتراض عليها، وقد نجد اتجاهات لا ترحب بالتفكير الناقد، ولكن يصعب عليها إعلان ذلك أمام المجتمع!

وبعجالة سريعة، أنقل نتائج دراسة لي قمت بتحليل الكتب المدرسية الأردنية الحالية، حيث تبّين:

♦ أنّ الهوية الشائعة هي الهوية الدينية؛ حيث تغطي ما يزيد عن 85% من المناهج، تليها الهويات الأخرى؛ كالوطنية ثم العربية ثم الإنسانية.

فالأردني يكتسب الهوية الدينية التي تجمعه مع باكستان وأفغانستان على حساب هوية تجمعه مع جاره الذي قد يكون مسيحياً.

اقرأ أيضاً: المناهج في الوطن العربي بلا أفق ولا رؤية.. لماذا؟

  كما أنّ الهوية تتركز في مواد كاللغة العربية بدرجة عالية جداً، ثم التربية الوطنية؛ فالتربية الإسلامية والتاريخ، الأمر الذي يعكس توظيف سائر المواد الدراسية لخدمة الهوية الدينية.

♦ يتضاءل الاهتمام بالجمال والتذوق الفني، ويكاد ينعدم في مواد مثل؛ التربية الوطنية والتربية الإسلامية والتاريخ والعلوم.

♦ يكاد ينعدم الاهتمام بقضايا التعصب والتطرف في جميع المواد الدراسية، باستثناء ذكر محدود جداً في مادتي التربية الوطنية واللغة العربية.

♦ يتضاءل الاهتمام بحقوق الإنسان؛ بل يقتصر على تدريس هذا العنوان في مادة التربية الوطنية مع إشارات محدودة في مواد اللغة العربية والتربية الإسلامية التي تحدثت عن حقوق الانسان في الإسلام.

قد أتعرض لهذه النتائج بالتفصيل في مقالة لاحقة، لكن ما يهمني هنا الإشارة إلى نقطتين:

الأولى، ليس مهماً ما يتحدث عنه الإطار الفلسفي من حداثة، ما لم يترجم إلى سلوكات ومعارف في الكتب المدرسية.

الثانية، ليس في المناهج والكتب المدرسية أية خطط لتدريس هذه المفاهيم وإكسابها للطلبة عبر جميع المواد أو جميع الصفوف.

وهذا يتطلب رقابة مجتمعية لضمان تنفيذ القوانين، بالحد الأدنى وهذه الرقابة قد تكون من الأهالي في الدرجة الأولى، خاصة أنّ النخبة غير مهتمة بأمور التعليم.

هذه هي مناهجنا، أما تأثيرها على الطلبة والمجتمع فسيكون موضوعاً لمقالة أخرى!

الصفحة الرئيسية