هل كانت واشنطن ذكية بإعفاء ثماني دول من العقوبات النفطية الإيرانية؟

إيران

هل كانت واشنطن ذكية بإعفاء ثماني دول من العقوبات النفطية الإيرانية؟


06/11/2018

في الوقت الذي تُكرّرُ فيه طهران بأنّها المنتصرة في معركة العقوبات النفطية التي فرضتها عليها واشنطن؛ على اعتبار أنّ تلك العقوبات لا تحظى بإجماع دولي، وأنّ الاستثناءات الأمريكية لثماني دول من العقوبات تُعدُّ خسارة للجانب الأمريكي، إلّا أنّ محللين وخبراء اقتصاديين يميلون إلى الاعتقاد بأنّ الولايات المتحدة ذكية جداً في هذه الاستثناءات؛ حيث اشترطت هذه الاستثناءات بتخفيض هذه الدول تدريجياً استيرادها للنفط الإيراني، ما يعني أنّ الجانب الأمريكي حافظ على أسعار النفط منخفضة، ومن جهة ثانية حرم إيران من عائداتها المالية، وهو من جهة ثالثة يعمل على "تنظيم آلية الاستثناءات"، وسحب البساط من أيّ آليات للالتفاف على العقوبات يسعى الأوروبيون وغيرهم إلى إرسائها.

النظام الإيراني سيواجه عزلة مالية متزايدة

عزلة مالية واحتمالات ركود اقتصادي

وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قال أمس إنّ الولايات المتحدة منحت ثماني دول إعفاء من العقوبات النفطية على إيران يسمح لها بمواصلة شراء الخام من إيران بصورة مؤقتة. يأتي ذلك، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء، بينما عاودت واشنطن فرض عقوبات على قطاعات الطاقة والبنوك والشحن الإيرانية.  وقال وزير الخزانة، ستيفن منوتشين، في بيان "فرض الخزانة لضغوط مالية غير مسبوقة على إيران ينبغي أن يوضح للنظام الإيراني أنه سيواجه عزلة مالية متزايدة وركوداً اقتصادياً حتى يغير أنشطته المزعزعة للاستقرار بشكل جذري".

الجانب الأمريكي حافظ على أسعار النفط منخفضة من جهة، ومن جهة ثانية حرم إيران من عائداتها المالية

وذكر البيان، تضيف "رويترز"، أنّ العقوبات تشمل 50 بنكاً وكيانات تابعة لها، وأكثر من 200 شخص وسفينة في قطاع الشحن، كما تستهدف الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير) وأكثر من 65 من طائراتها.

وتقول "رويترز" إنّ الخطوة جزء من مساع أوسع نطاقاً لترامب تهدف إلى إجبار إيران على تقليص أنشطتها النووية بدرجة أكبر، ووقف برنامجها الصاروخي، وإنهاء دعمها لقوات تحارب بالوكالة في اليمن وسوريا ولبنان وأجزاء أخرى من الشرق الأوسط.

وبعض الدول الثماني، وهي: الصين والهند واليونان وإيطاليا وتايوان واليابان وتركيا وكوريا الجنوبية، من كبار زبائن إيران العضو بمنظمة "أوبك".  وقال بومبيو إنّ أكثر من 20 دولة خفّضت بالفعل وارداتها من النفط الإيراني، مما قلص مشترياتها بأكثر من مليون برميل يومياً.

أكثر من 20 دولة خفضت وارداتها من نفط إيران وهي العضو بمنظمة "أوبك"

تعقيدات تواجه الإجراءات الأوروبية

وفي تحليل بثته قناة "بي بي سي" أمس فإنّ هناك الكثير من التعقيدات التي تواجه عمل الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بكيفية حماية الاتحاد للشركات الأوروبية التي ترغب بالاستثمار في إيران.

اقرأ أيضاً: مع حُزمة العقوبات الثانية... هل تدرس إيران وساطة عُمانية للتواصل مع إسرائيل؟

وكان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي قال في مؤتمر صحفي أمس إنه لم تتضح بعدُ، تفاصيل ومضامين الآلية المالية الجديدة التي ستقررها الدول الأوروبية لتفادي العقوبات الأمريكية على إيران. وما يزال الاتحاد الأوروبي يدعم الاتفاق النووي الإيراني الذي وُقّع قبل ثلاثة أعوام، ويحاول الالتفاف على العقوبات الأمريكية عبر أنظمة من المقايضة؛ مثل النفط مقابل السلع والأدوية والأغذية.

وأشارت قناة "بي بي سي" إلى وجود حديث عن قيام سويسرا بالتواصل مع إيران والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من أجل آلية تتعلق بعملية نقل الأموال المرتبطة بتوريد الطعام والأدوية إلى إيران، ووصفتها الحكومة السويسرية (التي ترعى المصالح الأمريكية في إيران) بأنها "آلية إنسانية لنقل الأموال".

الخسارات الإيرانية

إلى ذلك، قال الدكتور صادق الركابي، مدير المركز الإعلامي للدراسات التنموية في لندن، في حديثه للقناة إنّ الصادرات الإيرانية النفطية قبل العقوبات وصلت مليونين ونصف مليون برميل، وانخفضت هذه الصادرات مع العقوبات وأصبحت إيران تصدّر مليون ونصف برميل، وهذه الانخفاضات (مليون برميل) تشكّل ما نسبته 40% من عائدات المالية الإيرانية، وبالحديث عن أسعار النفط الحالية فإنّ الخسارة المالية ستصل إلى 30 مليار دولار في العام الواحد، وهذه الأرقام، يتابع الركابي، كبيرة بالنسبة للاقتصاد الإيراني الذي يعتمد بنحو 60% على إيرادات القطاع النفطي، ناهيك عن الخسارات التي أصابت القطاعات الأخرى، التي كانت تتوقع إيران أن تصلها استثمارات خارجية.

اقرأ أيضاً: هل تقصم العقوبات الأمريكية ظهر النظام الإيراني المنهك؟

ويضيف الركابي بأنّ إيران خسرت على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد، فضلاً عن أنّ عملية التباطؤ في الإنتاج النفطي ستؤثر في مدى قابلية حقول النفط الإيرانية على الإنتاج. وفيما يتعلق بنظام "سويفت"، فقد أشار  الركابي إلى أنّ هذا النظام يتم تقييده بالدولار الأمريكي، وأمام إيران الخيار باستخدام عملات أخرى أو نظام آخر مايزال في نطاق التطوير، ولا يمكن للدول الأوروبية أن تطبقه بمعزل عن ارتباطات الشركات الأوروبية بالسوق الأمريكية.

اقرأ أيضاً: 4 سيناريوهات ما بعد فرض العقوبات على إيران

وقد بدأت فعلاً عدد من الشركات الأوروبية بإعلان مواقفها بشأن علاقاتها مع إيران في ظل العقوبات الأمريكية؛ حيث أعلن عدد كبير من هذه الشركات عن الانسحاب من مشاريع في إيران كشركة "توتال"، كما أعلنت بعض الشركات عن تخفيض حجم مبيعاتها مع إيران كشركة "إيرباص" لصناعة الطائرات، وأوقفت شركات فرنسية وبريطانية رحلاتها إلى إيران.

خطاب روحاني موجه للداخل أكثر من الخارج

دلالات الاستثناءات المقدمة للدول الثماني

وفيما يتعلق بالموقف الإيراني لفت الركابي النظر إلى أنّ إيران تحاول أن تفسّر الآن الاستثناءات الأمريكية للدول الثماني على أنّها خسارة للجانب الأمريكي، وأنْ لا إجماع دولياً على إجراءاته بحق إيران، غير أنّ الواقع يقول إنّ الولايات المتحدة ذكية جداً في هذه الاستثناءات، بحسب الركابي؛ حيث اشترطت الولايات المتحدة على هذه الدول المستثناة من العقوبات الإيرانية بتخفيض استيرادها للنفط الإيراني تدريجياً ليصل إلى نقطة الصفر؛ الأمر الذي يفيد بأنّ الجانب الأمريكي حافظ على أسعار النفط منخفضة، ومن جهة أخرى حرم إيران من عائداتها المالية بمقدار 40%، وسوف تزداد هذه الانخفاضات مجدداً.

أبو ذياب: الاستثناءات التي منحتها واشنطن لبعض الدول إنما تستهدف سحب البساط عن أي آليات للالتفاف على العقوبات الأمريكية

وذكر الركابي أنّ الجانب الإيراني مخطئ في حساباته، وأنّ خطاب الرئيس الإيراني، حسن روحاني"سنواصل بيع نفطنا... وخرق العقوبات" موجه للداخل أكثر من الخارج.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة السوربون في باريس، خطّار أبو ذياب، في حديث لـ "بي بي سي" أنّ الاستثناءات التي منحتها واشنطن لبعض الدول إنما تستهدف سحب البساط عن أي آليات للالتفاف على العقوبات الأمريكية، يحاول الأوروبيون أو الصينيون أو الروس القيام بها، ما يعني أنّ الخطوة الأمريكية تسعى، في الحقيقة، إلى "تنظيم آلية الاستثناءات"، على حدّ قوله.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية