هل تحمي صفوف الإسلام في ألمانيا المراهقين من التطرف؟

هل تحمي صفوف الإسلام في ألمانيا المراهقين من التطرف؟


11/11/2018

عندما حلّ ثاني أسابيع سلسلة الصفوف الدراسية التي تتناول الإسلام، وقف المعلم منصور صدّيقزاي، أمام غرفة مليئة بالمراهقين المسلمين، وبعد أن فحص الغرفة بعينيه، أشار إلى عبارة مدونة على السبورة تقول: "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا"، ثمّ سأل: "من قائل هذه العبارة؟".

ارتفعت الأيدي، وقالت طالبة ترتدي حجاباً داكن الزّرقة: "إنّه حزب البديل من أجل ألمانيا"، في إشارة إلى حزب أقصى اليمين المناهض للاجئين في ألمانيا، هزّ صدقيزاي رأسه قائلاً: "لا"، فردّ آخر: "زيهوفر"، عندها قال المعلّم: "أجل، لكن من هو ذاك الرّجل؟"، فردّ ثالث: "إنّه وزير".

اقرأ أيضاً: أزمة المسلمين في ألمانيا وأزمة ألمانيا مع المسلمين

وأخيراً، جمع أحدهم كلّ الإجابات وقال: "هورست زيهوفر، رئيس الاتّحاد الاجتماعيّ المسيحيّ المحافظ في بافاريا، ووزير الداخلية في حكومة المستشارة آنجيلا ميركل، وشريكها في الائتلاف الحاكم، الذي هدّد في عدة مناسبات بنسف حكومتها على خلفية قضية الهجرة".

قال صدقيزاي: "أجل، هذا صحيح"، ثمّ التفت إلى الآخرين، وسألهم: "ما رأيكم؟ هل هو على حقّ؟".

يواجه هؤلاء الأطفال، الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً، في العناوين الرئيسة للأخبار وفي حياتهم الشخصية، نسخاً من سؤال: هل أنتمي أنا أيضاً؟ هل يمكن أن أكون ألمانيّاً ومسلماً؟ في بلدٍ قاد فيه النقاش حول "من ينتمي (إلى هذا البلد)؟" إلى تقسيم حكومة ميركل بشكل عميق، واندلاع تظاهرات ضخمة، وصعود الشعبوية المناهضة للمهاجرين.

هورست زيهوفر رئيس الاتّحاد الاجتماعيّ المسيحيّ المحافظ في بافاريا

صفوف الإسلام: الدين والهوية والاغتراب

تساعد المدارس العامة، في بعض المدن الأكثر ازدحاماً بالسّكان في ألمانيا، هؤلاء الطلاب في الحصول على إجابات في إطار غير حدسي: صفّ الإسلام.

يواجه هؤلاء الأطفال في حياتهم الشخصية نسخاً من سؤال: هل أنتمي أنا أيضاً؟ هل يمكن أن أكون ألمانيّاً ومسلماً؟

وقد جرى إطلاق هذه الصفوف، التي يدرس فيها مسلمون، والمخصصة للطلاب المسلمين، لأول مرة في أوائل العقد الأوّل من القرن الحالي، ويتمّ تقديمها الآن كصفوف اختيارية في تسع ولايات ضمن 16 ولاية ألمانية، من خلال أكثر من 800 مدرسة عامة، ابتدائية وثانوية، وفق شبكة الأبحاث "ميدياندينست إنتغراتسيون (الخدمة الإعلاميّة لشؤون الاندماج)"، وتشمل الصفوف دروساً في القرآن وتاريخ الإسلام والأديان المقارنة والأخلاق، وفي كثير من الأحيان؛ تتحوّل المناقشات إلى صراعات الهوية، أو مشاعر الاغتراب التي تنتاب الطلاب.

غولندام فيليبازوغلو (17 عاماً)، التي تحضر مع صدقيزاي صفّ الإسلام الخاص بالدرجة العاشرة هذا العام، تقول: "عندما يسألني مواطن ألماني من أيّ بلد أنا، أقول تركيا"، ولدتُ وترعرعت في دورتموند (مدينة ألمانية غربية)، ومع ذلك؛ إذا قلت إنّني ألمانية، فإنّهم لن يقبلوا الإجابة، إنّهم يرونني أجنبية، رغم كوني مواطنة ألمانية".

اقرأ أيضاً: الأطفال وجذور التطرف الفكري

تحتلّ ألمانيا المرتبة الثانية من حيث عدد السكان في الاتحاد الأوروبي، بعد فرنسا، وفق تقديرات مؤسّسة "بيو" للأبحاث، وعام 2016؛ كان هناك 4.95 مليون شخص مسلم، أو ما يعادل 6.1% من السّكان الألمان، لكن أقلّ من نصف هؤلاء يصلّون بانتظام، وعدد أقلّ من ذلك يذهب بانتظام إلى المسجد، وفق أحدث الدراسات الحكومية.

المسلم العادي بين تطرف اليمين وتطرف الإسلامويين

على أنّ قادة البلاد عبّروا عن نظرة متناقضة للإسلام، في أحسن الأحوال، وكان تصريح زيهوفر الذي ورد فيه؛ أنّ "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا" قد جاء بعد أشهر قليلة من دخول حزب البديل من أجل ألمانيا، المعادي بقوّة للإسلام، عتبات البرلمان. من جانبها؛ ندّدت ميركل بتصريحه، واستبعدت تقاسم السّلطة مع حزبه، ورغم ذلك، حصل الحزب على تأييد مستمرّ خلال العامين الماضيين؛ ففي 14 تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، حقّق مكاسب انتخابية أكبر من أيّ حزب في بافاريا، ثاني أكبر ولاية في ألمانيا من حيث عدد السكان.

اقرأ أيضاً: مراكز إسلامية في الغرب تنحرف عن مهماتها في مواجهة التطرف

وفي العام الماضي؛ علّق حزب البديل من أجل ألمانيا، ضمن حملة يقودها في دورتموند، ملصقات تظهر نساء يرتدين البرقع مع شعار يقول: "أوقفوا الأسلمة"، وذلك فيما حمل ملصق هذا العام عبارة "مدارس خالية من الإسلام!"، تحت صورة تضمّ خمسة أطفال مبتهجين ولهم بشرة فاتحة.

صدقيزاي؛ المولود لأبوين أفغانيين في مدينة بوخوم الألمانية، ويمتلك لحية كثّة، ويرتدي حذاء من ماركة "نايكي"، عندما يذهب إلى المدرسة، يقول إنّه قلق بشأن تأثير تلك الملصقات في طلابه؛ حيث إنّها "تقول لهم "إننا لا نريدكم هنا"".

 

 

ويتابع قائلاً: "إنّهم غير مقبولين في ألمانيا، وغير مقبولين في بلدان آبائهم، وذلك يولّد الرغبة في الانتماء إلى جماعة ما، وعندها يأتي إليك إسلامويّ ويقول "أجل، إنّك لا تنتمي إلى أحد، لذا، كن مسلماً فقط"، إنّهم يقدّمون لهم طريقاً ثالثاً".

ويرى صدقيزاي؛ أنّ وظيفته تحتّم عليه أن يجعل طلابه أكثر اطلاعاً على ما ينطوي عليه استهلاكهم لمثل هذه النداءات.

أطلقت الصفوف المخصصة للطلاب المسلمين في أوائل العقد الأوّل من القرن الحالي، الآن هي صفوف اختيارية في تسع ولايات ألمانية

ويوضح أنّه عندما كان السياسيون المحليون يناقشون حظراً لارتداء الحجاب هذا العام، أطلقت مجموعة، تنعت نفسها باسم "ريالتي إسلام"، حملة عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ للاحتجاج على الاقتراح، وقامت بتجنيد بعض الطلاب لهذا الغرض، وقد أظهر صدقيزاي لطلابه كيف يمكنهم تتبّع "ريالتي إسلام" بحزب التحرير، وهو جماعة متطرّفة جرى حظرها في ألمانيا منذ عام 2003، وشجّعهم أيضاً على التشكيك في موقف الجماعة من الحجاب، الذي زعمت فيه أنّ القرآن يفرضه على النساء.

ويتابع: "أقرأ لهم الآيات القرآنية المتعلقة بالحجاب، ونناقشها، ونرى أنّه لا توجد قاعدة واضحة تشير إلى أنّه يتوجب على المرأة أو الفتاة ارتداء الحجاب، ومعظمهم يعتقد أنّ القرآن نفسه لا يضمّ أيّة تباينات، لكنّ هذا اعتقاد خاطئ، فهناك الكثير من التّباينات في القرآن".

اقرأ أيضاً: التطرف والرؤية الإقصائية..تشويه للذات أم للآخر؟

ويضغط بعض السياسيين الألمان من أجل توسيع صفوف الإسلام في المدارس العامة، كوسيلة لتشجيع الاندماج الثقافي للطلاب المسلمين، والترويج لتفسير للإسلام يسلط الضوء على القيم الألمانية.

كتبت مشرّعة من الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط)، الذي هو جزء من الائتلاف الحاكم في حكومة ميركل، كيرستين جريز، مقال رأي تقول فيه: "إنّنا في حاجة إلى مزيد من التعليم الديني؛ لأنّه الطريق الوحيد لبدء حوار حول تقاليدنا وقيمنا، وفهم تقاليد الآخرين وقيمهم".

ندّدت ميركل بتصريح زيهوفر الذي ورد فيه أنّ "الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا"

على أنّ مثل هؤلاء المؤيدين لا يجول في خاطرهم، بشكل عام، حضور الطلاب غير المسلمين إلى هذه الصفوف، للحصول على تقدير أفضل للإسلام، وفي الوقت الذي تقدّم فيه بعض أنظمة المدارس الألمانيّة صفوفاً دينية، تتضمّن دروساً دينية أو أخلاقية متعددة، تتناول الدين؛ فإنّ الدين الذي يتمّ تدريسه في المدارس الثانوية ويدعمه القانون الأساسي في ألمانيا، يستهدف طوائف معينة عموماً.

تدريس الإسلام ومكافحة الأصوليّة والانتماء

هناك سبب آخر يدعو لوجود صفوف الإسلام، يتمثّل في "تحصين" الطلاب المسلمين من الأصولية، كما يقول الثيولوجي البروتستانتي، هاينريش بيدفورد-شتروم.

سياسي ألماني: لدينا مشكلات أكثر أهمية في المدارس، ولا يمكن أن يكون صائباً أن يقوم أسقف ألمانيّ بتشجيع الإسلام

وتثير الردكلة القلق بشكل خاص، لأنها قد تؤدّي إلى العنف، إذ غادر ألماني، منذ عام 2013، أكثر من 1000 شخص، معظمهم دون سنّ الثلاثين، للقتال مع تنظيم داعش، ومنظمات إرهابية أخرى، أو دعمها.

لكن بعض المربّين والسياسيين يقاومون فكرة أن يكون للإسلام مكان في المدارس الحكومية الألمانية؛ فقد صرّح أحد قادة حزب البديل من أجل ألمانيا، ألكساندر غاولاند، ردّاً على اقتراح بيدفورد-شتروم، قائلاً: "إلى جانب حقيقة أنّ لدينا مشكلات أكثر أهمية في المدارس، فإنّه لا يمكن أن يكون صائباً أن يقوم أسقف ألمانيّ بتشجيع الإسلام".

ووفق أستاذ الدّراسات الإسلاميّة والبيداغوجيا في جامعة غوته في فرانكفورت هاري هارون بير؛ فإنّه لم تقم بعد أيّة دراسات بفحص فعالية صفوف الإسلام في منع الردكلة، ويوضح: "الصفوف قيّمة، لأنّها تظهر للطلاب أنّ إيمانهم لا يقلّ أهميّة عن إيمان الآخرين، الذي يدرَّس في مدارسهم، ولأنّها تظهِر الإسلام كدين مفتوح للتأمّل والنقد الذاتي".

يقاوم بعض السياسيين أن يكون للإسلام مكان في المدارس الحكومية الألمانية

حوالي 95% من الطلاب في مدرسة صدقيزاي من مهاجري الجيل الأوّل أو الجيل الثّاني، ويحظى صفّ الإسلام في المدرسة بشعبية كبيرة؛ وعندما يعبر صدقيزاي فناء المدرسة، بالكاد يمشي خمس خطوات دون أن يوقفه أحد الطلاب الراغبين في الحديث معه عن الدرجات، أو عن طموحاتهم أو خططهم المستقبلية.

اقرأ أيضاً: المدارس الإسلامية في أوروبا: تكبيل الاندماج وتحفيز التطرف

يقول أحد الطلاب، يوسف عكار (17 عاماً): "ما يعلّمني إياه السيد صدقيزاي، في حقيقة الحال، ليس شيئاً يمكن تعلمه في المساجد؛ كيف يمكنني التفاعل مع غير المسلمين المتردّدين في التّفاعل معنا، أو الذين يخافوننا".

يتابع عكار: "لكنّ الأمر أكثر من ذلك؛ فهذا يبيّن لي أنّني موضع ترحيب هنا؛ لأنّ المدرسة لم تعد تطالبنا بأن نبعد أنفسنا عن ديننا، إنّهم يقبلونه؛ بل ويخلقون فرصة لمعرفته، وهذا يعطيني شعوراً بأنّني جزء من هذا المجتمع".


المصدر: "واشنطن بوست"، لويزا بيك


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية