هل ينحني حزب الله أمام عاصفة العقوبات على إيران؟

إيران

هل ينحني حزب الله أمام عاصفة العقوبات على إيران؟


14/11/2018

ضربت واشنطن ضربتها من جديد لتدخل الجولة الثّانية من العقوبات على إيران حيّز التّنفيد، ولكن هل الضّربة موجّهة لإيران فقط أم أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستعد لتسديد الكرة في ملاعب أخرى، لا سيما بعد تصنيف نجل الأمين العام لحزب الله كـ "إرهابي عالميّ" يوم أمس؟

اقرأ أيضاً: إيران.. العقوبات وتعطيل الحكومات

يبدو أنّ العلاقات الخارجية لإيران لم تعجب الكثيرين، سواء من حيث تدخّلها في الحروب في اليمن وسوريا، أم عبر دعمها الدّائم لبعض الجماعات، ومنهم حزب الله، والحوثيون، وتدخلاتها في العراق، بالإضافة إلى النّووي والصّواريخ الباليستية.

في الرّابع من الشهر الجاري، دخلت العقوبات الأمريكية الثّانية حيّز التّنفيذ لتضع إيران أمام عدّة احتمالات متعلّقة بمستقبلها وسياستها التي يمكن أن تكون العقوبات سبباً في تغييرها أو سبباً في لجم وتيرة التّدخلات الإيرانية في المنطقة.  

هل كانت ضربة واشنطن موجّهة لإيران فقط أم أنّ ترامب يستعد لتسديد الكرة في ملاعب أخرى؟

إيران تدخل المجهول

تدخل إيران فترة مجهولة تحمل معها احتمالاتٍ عدّة، أوّلها حدوث ثقب كبير في اقتصادها لا يمكن تلاشي أضراره عليها وعلى جميع المستثمرين فيه، وثانيها قبول طهران الجلوس على طاولة حوارية مع واشنطن والرّضوخ للشّروط الأمريكية كحلّ وحيد يجنّبها الوقوع في الكارثة، وآخرها هو إصرار إيران على تخطّي هذه المرحلة، وبرهانها للعالم كلّه أنّ العقوبات لن تعيق سياستها الخارجية ولا اقتصادها. وفي وجه كلّ احتمال يقف احتمالٌ آخر يجسّد حالة حزب الله المتعلّقة بالحالة الإيرانية.

اقرأ أيضاً: هل كانت واشنطن ذكية بإعفاء ثماني دول من العقوبات النفطية الإيرانية؟

ويرجح مراقبون أن يتأثّر حزب الله بطريقة أو بأخرى بالنّتائج، فإمّا يضطر في الفترة القادمة إلى كفّ يده عن الحروب الخارجية لنقص الإمدادات الإيرانية، أو إلى العناد والمكابرة والتحدي اللفظي والإعلامي للعقوبات والاستمرار في نهجه وكأنّ العقوبات لم تكن.

اختبار سياسة "النّأي بالنّفس"

يتبع لبنان سياسة "النّأي بالنّفس" ويصرّ الزّعماء والفرقاء على الالتزام بها، ولكن بعضهم يعتقد أنّ هذه السّياسة هي مجرد غطاء لحماية البلد، ولكنّها لن تصبح سياسة فعّالة قبل التزام حزب الله بشروط النّأي الفعلي بالنّفس، وكفّ يده عن الحروب الخارجية سواء في اليمن أم في سوريا، أو العبث ببعض دول الخليج، لتجنّب دخول لبنان في مآزق بسبب الحزب. ولكن يبدو أنّ قاعدة المناصرين للحزب تجهّزت لتتصدّى للعقوبات الأمريكية، فيما يرى طرف آخر أنّ ذلك لا يتعدى أن يكون جزءاً من حرب نفسية يمارسها الحزب لعدم بثّ مشاعر القلق لدى أنصاره.

صنفت وزارة الخارجية الأمريكية "جواد نصر الله" ‏إرهابياً عالمياً

واشنطن تصف حزب الله بالـ"ميليشيا". وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها صنفت "جواد نصر الله" نجل الأمين العام لحزب االله، ‏‏"إرهابياً عالمياً". ووصفت الوزارة جواد نصر الله بأنه "القائد الصاعد" للحزب، وقالت إنه قام خلال السنوات الأخيرة بتجنيد أشخاص ‏‏"لشن هجمات إرهابية ضد إسرائيل في الضفة الغربية‎". وبعد هذه الخطوة تكون واشنطن قد بدأت حربها الحثيثة والبطيئة ضد الحزب.

ما مصير رجال الأعمال اللبنانيين؟

إيران، كما تؤكد التقارير الدولية، تقدّم المساعدات لحزب الله، سواء من خلال الأسلحة أم من خلال أموال تُعطى مباشرةً، أم كما يشير البعض، من خلال رجال أعمال لبنانيين يوظّفون رؤوس أموالهم في شركاتٍ إيرانية. فإذا بقيت إيران على وعودها بالنّسبة للمساعدات المباشرة وغير المباشرة من أموال وأسلحة، فماذا سيكون مصير رجال الأعمال الذين يدعمون الحزب والذين ربطوا مصيرهم بعجلة الوضع الاقتصادي في إيران؟

الحريري لنصرالله: أنا أبو السّنة في لبنان وأعرف مصلحتهم. وهناك جهات لا ترغب في أن يأخذ البلد فرصة

مصدر مقرّب من حزب الله، هو أستاذ الفلسفة والأكاديمي الدّكتور محمّد المرتضى، أكد لـ"حفريات"  أنّ العقوبات لن تؤثّر على حزب الله؛ لأنّه "اعتاد" عليها و"تأقلم" معها، مضيفاً أنّ "معظم الإجراءات التي تتخذها واشنطن ترتبط بأشخاص لا علاقة لهم بالحزب، لا بالمعنى التنظيمي ولا بالمعنى التمويلي، وهم رجال أعمال يعملون لحسابهم الخاص، ولا يقدمون الدعم للحزب" ووصف المرتضى عملية استهدافهم بأنها "قرصنة أمريكية يراد منها الضغط على بيئة الحزب لا الضغط على الحزب نفسه".

اقرأ أيضاً: العقوبات وعودة طهران إلى طهران

أمّا المرشّح السّابق عن المقعد النّيابي التّابع لكتلة "المستقبل" المهندس جان موسى، فكان له رأي مغاير يكمن في احتمالية أن يتعرض لبنان بأسره للأذى، بسبب العقوبات؛ إذ يعتقد، كما صرح لـ"حفريات" بأنّ "وجود حزب الله في قلب لبنان وفي قلب المعادلة اللّبنانية يجعل معالجة الوضع دقيقة جدّاً" فبرأيه أنّ التّمويل الأكبر للحزب يأتي من الدّاخل اللّبناني "أي من رجال الأعمال اللّبنانيين الذين ينتمون إلى الاقتصاد الإيراني" وهذا ما سيدفع المجتمع الدّولي إلى قطع المساعدات التي يقدّمها للاقتصاد المحلّي اللّبناني، "ما سيتسبّب في مشاكل داخلية، وبالنّتيجة إمّا سيتنازل حزب الله من أجل مصلحة لبنان، أو يتشدّد أكثر".

محمّد المرتضى: العقوبات لن تؤثّر على حزب الله لأنّه اعتاد عليها وتأقلم معها

تشكيل الحكومة اللبنانية

أمّا على صعيد الملفات الدّاخلية، وبخاصّةٍ الملفّ العالق منذ ستّة أشهر والمتصل بتشكيل الحكومة الذي كاد يُنسي اللّبنانيين معنى وجود السّلطة التّنفيذية أصلاً، فلا بدّ من تأثّرها بوضع حزب الله، بعد هجوم واشنطن بالدّفعة الثّانية من عقوباتها على إيران.

اقرأ أيضاً: "حزب الله" أولوية لإيران في المنطقة

قبل فرض العقوبات، تبيّن أنّ الحزب يريد نجاح الرّئيس المكلّف سعد الحريري بتشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن؛ حيث أبدى إيجابية تامّة عند بدء المشاورات، ليتغيّر فكره في اليومين الماضيين، ويبدأ بالتصعيد الرامي لعرقلة تشكيل الحكومة بإصراره على توزير سنّة  8 آذار. الرد على اشتراطات حزب الله هذه، جاء من الرّئيس المكلّف سعد الحريري الذي حمّل الحزب، في مؤتمر صحفي أمس، كلّ المسؤولية في تعطيل تشكيل الحكومة قائلاً "أنا أبو السّنة في لبنان وأعرف مصلحتهم وكيف أحميهم". وأضاف: "ربما هناك جهات لا ترغب في أن يأخذ البلد فرصة، ربما هم لا يرغبون أساساً في أن تكون هناك في البلد حكومة ومؤسسات دستورية، ويعتبرون أنّ دساتير الأحزاب والطوائف يجب أن تتقدم على دستور الدولة". وأكد الحريري بلغة قاطعة: "ليس حزب الله من يقرر من أمثّل في الحكومة".

إذا كانت واشنطن جادة في عقوباتها لإيران وحزب الله، فهل ستتمكّن من إبعاد الحزب الله عن التدخلات الخارجية؟

فهل خرج حزب الله من مرحلة الخوف إلى مرحلة التّشدّد بعد العقوبات ليبرهن أنّه حزبٌ قويّ لا يمكن هزيمته؟ يرد الدّكتور مرتضى على ذلك بأنّ "التشدد الذي رأيناه مؤخراً من قبل حزب الله يدل بشكل لا لبس فيه على أنّ من يراهن على تراجع الحزب بسبب الاعتداءات الاقتصادية الأمريكية على إيران واهمٌ جداً"، مضيفاً "الذي يعرف حزب الله الحقيقي، يدرك أنّ الحزب لا يتراجع تحت الضغوط الأمريكية، بل ربما يزداد تصميماً وإرادة، وقد تبيّن ذلك في كلمة الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابٍ ألقاه، وكأنّ العقوبات لا تدقّ أبوابه وأبواب نظراءه الإيرانيين".

الشارع اللبناني ينتظر

في موازاة ذلك، ينتظر الشّارع اللّبناني، بفارغ الصّبر، تشكيل الحكومة مكتفياً بستّة أشهر من تعطيل أشغاله ومعاملاته وبلده. وينقسم اللّبنانيون، في هذا السياق، بين مؤيّدٍ ومعارضٍ لحزب الله، أو بالأحرى بين متعصّبٍ للحزب وكاره لممارساته في تطيل تشكيل الحكومة. ففي حين يبدي الحزب وأتباعه نظرة إيجابية تدلّ على أنّ العقوبات لا ولن تمسّ صلابة الحزب، يأتي القسم الآخر بصورة مخالفة، مبدين تخوفاتهم من بقائهم بدون حكومة بسبب فرض حزب الله ماكيناته المعطّلة وتشدّده أكثر فأكثر بسبب العقوبات، وبالتّالي قطع المجتمع الدّولي مساعداته وإغراق البلد في أزمة اقتصادية أعمق من التي يغرق فيها الآن.

هل خرج حزب الله من مرحلة الخوف إلى مرحلة التّشدّد بعد العقوبات ليبرهن أنّه حزبٌ قويّ لا يمكن هزيمته؟

ويعتقد المنتسب إلى كتلة "المستقبل" المهندس جان موسى أنّ تأثير العقوبات على حزب الله يعتمد على "جّدية العقوبات والنّوايا الأمريكية" فإذا كانت جدّية "ستتمكّن من استلام المفاتيح والشّيفرات كلّها لإبعاد حزب الله عن المعادلات الخارجية"، مشدّداً على أنّ "أمريكا لا تريد إسقاط النّظام في إيران، إنّما تريد جعله يحترم دول المنطقة ولا يتدخّل بأمورها". ولكن تتبلور جدّية واشنطن من خلال قرارات ترامب الذي يواجه معركة في ملفّ العقوبات من الأوروبيين الذين لا يزالون مؤيّدين للاتّفاق النّووي مع طهران، كما أنّ ترامب قد وضع استثناءات في موضوع استيراد النّفط الإيراني لبعض الدّول من بينها الصّين والهند.

يرى جان موسى احتمالية أن يتعرض لبنان بأسره للأذى بسبب العقوبات

فك شيفرة حزب الله

ويتساءل موسى، هل سينجح بهذه الخطّة في تقليص الاقتصاد الإيراني إلى الصّفر كما وعد أم سيعيد حساباته ويعود للتّوحد مع الأوروبيين من أجل كسح السّياسة الإيرانية، وبالتّالي قطع يد عونها عن حزب الله الذي يتدخّل في حرب اليمن إلى جانب الحوثيين كما قاتل إلى جانب الرّئيس السّوري بشار الأسد في سوريا، وهذا ما لا تريده كلّ من المملكة العربية السّعودية والولايات المتّحدة الأمريكية في المقام الأوّل؟".

اقرأ أيضاً: أيّة مسارات تشكّل سياسة واشنطن حيال النفط الإيراني؟

يحاول حزب حزب الله أن يعطي انطباعاً بأنه ما يزال القويّ والصّلب أمام كلّ ما تفرضه أمريكا وأمام كلّ المعارضات التي يتلقّاها من دول الخليج بسبب ممارساته التي تعرّض أمن لبنان للخطر، فهل يتحوّل الحزب "الصّلب" إلى حزب يقبل الحوار ويرضخ لشروط تحدّ من تدخّلاته الخارجية سياسياً وعسكرياً، وتلتزم بشكل كامل بمبدأ "النأي عن النفس"، وهل ستتمكّن واشنطن بقيادة ترامب من فكّ شيفرة الحزب، وتقليم أظافره؟


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية