على شفا فكرٍ هار

على شفا فكرٍ هار


24/11/2018

رهام مدخلي

"المساحة الفاصلة بين مخاطبة العقل ومخاطبة القلب هي التي تحدد مستوى الفهم لدى المُرسل ثم مستوى الوعي عند المتلقي؛ وما أجمل أنْ تجمع بين هذا وذاك".

عندما تصبح وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في أيدي من لهم عقول لا يفهمون بها وقلوب لا يعقلون بها، حينها يتطلب الأمر أنْ نحدد الأولويات ونسهم في عملية رفع مستوى الوعي لدى أفراد المجتمع كافة، خاصة الأجيال الناشئة؛ فتغريدة واحدة من وسيلة مُعادية قد تكون سبباً في التغرير، ومقطع واحد قد يفتح الباب لأسئلة كثيرة.

العقل مكرمتنا كبشر، يعمل في نشاط مستمر عبر عملية ديناميكية وهي عملية "التفكير" التي لا تقف، ومن هذه العملية ينتج لنا "الفكر" بعد أنْ يمتزج بمكونات ذلك العقل التي تشكلت عبر الزمن، وبناء على ذلك من الطبيعي أنّ المدخلات تنتج مخرجات، وهكذا...

طالما أنّ هناك قواعد متينة وأسساً ثابتة لا تتزعزع وفي ذات الوقت تتسم بالمرونة من دون إفراط أو تفريط لتتفحص التغييرات التي تطرأ على المجتمع لتدرك تداعياتها طالما هناك انتباه، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه:

هل أجيال اليوم على شفا فكرٍ هار؟ هل يسهل اختراق عقولهم وغزو أفكارهم؟

لنفترض أنّ الأسرة هي المنظومة التربوية التي تضع اللبنات الأولى في حياة الفرد والمدرسة هي المنظومة التعليمية التي تتكامل في إتمام هذا البناء، فهل المحتوى التربوي والتعليمي من كلا الطرفين يوازي متطلبات العصر؟

في ظل هذه الثورة المعلوماتية نحتاج أنْ نقف وقفة صادقة أمام هذا التدفق والتسارع المعرفي لتشخيص المشكلات والسعي في إيجاد الحلول الجذرية لمعالجتها، لنُرسي ثقافة الوعي والاهتمام بالعقل كوسيلة لحماية الفكر وتحصينه من أي مدخلات ضارة قد تؤثر عليه بشكل سلبي. المهم أنْ نشجع على السؤال، والأهم من ذلك ألا نتقهقر خوفاً من الإجابة.

لا أعتقد أن ّأي منظومة تعليمية تستطيع حماية المدخلات إلا عن طريق توسيع مدارك العقل من خلال التساؤل والبحث في أفق المعرفة، أملاً في الوصول لمخرجات واعية ومدركة لخطورة ما يمكن أنْ يحيق بها عبر تلك الوسائل من جهات مغرضة ومعادية تسعى لنشر الشائعات والفتن وتبليد العقول ليسهل عليها تنفيذ بنود الأجندة التي تعمل من أجلها لتصبح هي المسيطرة عبر أيديولوجياتها المضللة التي تخدم وتحقق مصالحها من غير اكتراث.

هل تعتبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هي المصدر المعرفي الوحيد خارج البيئة التعليمية؟ وهل تستثمر بالشكل الصحيح الذي يُدير عملية التفكير ويقودها نحو التنوير وبالتالي تنتج لنا فكراً سليما لا يسهل اختراقه من أصحاب الأجندات التي تعمل على استعطاف الآخر واستمالته للإيقاع به في منحدر الظلام؟

إذاً، ما هو عن دور الأمن الفكري في ذلك؟ هل حان الوقت ليصبح مادة تعليمية وبحثية في المدارس، تحمي العقول من سهولة الاختراق والانتهاكات الفكرية الأخرى وتضمن لنا أجيالاً مُحصنة تنتهج الوسطية كمبدأ وفي ذات الوقت تدرك الخيط الرفيع بين التطرف والانحلال، أم أننا متأخرون في إشعال فتيل التنوير وغيرنا يسبقنا في احتكار العقول ويتفوق علينا في إيجاد الحلول؟

عن "الحياة" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية