عزل زعيم الغالبية يؤجّج صراع الرئاسة في الجزائر

الجزائر

عزل زعيم الغالبية يؤجّج صراع الرئاسة في الجزائر


26/11/2018

يقتنع خبراء الشأن السياسي في الجزائر، أنّ إزاحة الأمين العام لجبهة التحرير الجزائرية (الحزب الحاكم) جمال ولد عباس، تعني اقتراب حسم معركة الرئيس المقبل الذي لا تزال هويته متأرجحة بين إرادتين وكتلة ثالثة.
ويُؤكد من تحدثوا لـ "حفريات"، على أنّ تنحية رأس الغالبية تؤجّج صراع الرئاسة في الجزائر واحتدام رياح الاستقطاب لحسم مرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وعلى وقع جدل عارم، رفض أكثر من وجه قيادي في تشكيلة الغالبية، الخوض في حقيقة تنحية/ تنحي ولد عباس.
إبعاد منطقي بعد موقف غريب
جزم أستاذ العلوم السياسية زهير بوعمامة، أنّ إبعاد ولد عباس من قيادة جبهة التحرير، احترم مرة أخرى منطق عمل المنظومة الرسمية الجزائرية، فعندما يصبح أحدهم عبئاً ثقيلاً على من عيّنه وعلى المجموعة ككل، يتم التخلص منه.

اقرأ أيضاَ: تراشق حكومي لخطف كرسي الرئاسة في الجزائر
وأردف: "عندما يقف ولد عباس -في موقف غريب سياسياً وحزبياً، في صف الوزير الأول أحمد أويحيى في سجاله مع وزير العدل طيب لوح الرجل القوي في جبهة التحرير، لن يكون أمر إزاحته إلاّ منطقياً خاصة في المرحلة الدقيقة التي يمر بها الحليفان المتنافسان على مقربة من الموعد المنتظر".

جمال ولد عباس
ويخلص بوعمامة إلى أنّ "بعض الطلاسم بدأت تتكشف ... وربما تكون فرصة حقيقية لمراجعات جادة تأتي بالجديد المفيد".
في الأثناء، تتناقل أحاديث صالونات السياسة بالجزائر، أنّ ولد عباس أريد له أن يكون "كبش فداء" لمسار التخالف بين إرادتين: الأولى تدفع لصالح صعود أحمد أويحيى رئيساً، والثانية تراهن على فرض طيب لوح.

إثارة مغايرة للسابق
المؤكد أنّ الأيام المقبلة ستكون مليئة بالإثارة، بما يجعل انتخابات الرئاسة المقررة في ربيع العام القادم، لن تكون كسابقتها رغم أنّ المرشحين من الخزّان ذاته.

إبعاد ولد عباس من قيادة جبهة التحرير، سببه أنه أصبح عبئاً ثقيلاً على من عيّنه وعلى المجموعة ككل

ولا يستبعد متابعون أن تباشر السلطة معركة "كسب ثقة المواطنين" من خلال إحلال شخصيات جديدة محل أخرى قديمة مستهلكة، مستنزفة ومثيرة للسخرية (...).
وتلوك الكواليس عدة أسماء لمسؤولين حكوميين سابقين يحظون بقدر من القبول الشعبي، ويرجّح تواجدهم في الشوط المؤدي لأهم موعد سياسي ستشهده الجزائر عام 2019.  
في المقابل، يقرأ الخبير الاجتماعي عمار يزلي، خبر الإقالة، عن طريق إرغام ولد عباس على الاستقالة، وهي "طريقة تعامل جزائرية معروفة في تسيير الأمور السياسية عندنا في غياب الشفافية السياسية، جاء مفاجئاً لنا وله، غير أنّ وضع الحدث وسط أحداث سابقة له داخل المنظومة السياسية ككل، وداخل إطار منظومة جهاز الحزب العتيد نفسه، يوحي من البداية أنّ الأمر يسير على نحو سير البطة العرجاء".

طلب رئاسي
يلفت أستاذ علم الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة وهران 2، إلى أنّ أحداث البرلمان والانقلاب الأبيض على رئيسه المخلوع سعيد بوحجة، والطريقة التي أريد له أن ينزاح بها ولم تنجح، أي تذرّع بوحجة بأنه لم يتصل به أحد من الرئاسة التي عينته تطلب منه الاستقالة، غير أنه مع ولد عباس، يبدو أنّ طلب الاستقالة جاء من الرئاسة.

اقرأ أيضاً: "جيل" الحظ العاثر في الجزائر: أبناء "جهاديي" الجبال
ويتابع يزلي: "ولما نقول الرئاسة..لا نقول الرئيس، قد نقول الديوان الرئاسي وقد يكون شقيق الرئيس ومستشاره السعيد بوتفليقة من اتصل به من أجل وقف مسيرة الرجل في الحزب".
ويحيل يزلي إلى أنّه لا يجب أن ننسى كيفية تنحي الزعيم السابق لجبهة التحرير عمار سعداني، هذا الأخير طُلب منه التنحي بنفس الطريقة قبل سنتين لصالح ولد عباس.
ويشرح الأكاديمي المخضرم: "الإقالات عندنا تمشي عن طريق طلب تقديم الاستقالة من المُقال، لأن مفهوم الاستقالة عندنا لا يكاد يعرف في مدونة الحكم. الموظف أو الوزير أو رجل الدولة أو السفير أو الإطار السامي، هو موظف لدى جهاز الدولة". 

الزعيم السابق لجبهة التحرير، عمار سعداني

مزايا خادم الدولة
يؤكد يزلي: "لا يجوز لرجل الدولة في عرف السياسة الجزائرية أن يستقيل، لأنّ الاستقالة عُرفاً وممارسةً عندنا تُفقد المستقيل كل الامتيازات، وتمحوه من سجلات التداول على المناصب ويشطب من القائمة تلقائياً، ويوضع في خانة الرافضين والمعارضين، وقد يعاب ويحاكم ويجرجر في المحاكم كل من يستقيل أو على أقل تقدير يوضع وفي القائمة السوداء.. وهذا ما لا يرضاه خادم الدولة وعونها الذي لا يحب أبداً أن يرمى خارج حضن الدولة التي يرضع من صدرها الامتيازات كلها".

اقرأ أيضاً: هل يستمرّ بوتفليقة برئاسة الجزائر؟
لهذا أقصى ما يذهب إليه موظف الدولة، مهما علا شأنه، هو طلب إعفاء من المنصب، مما يجعل المسؤول الأعلى ينهي مهامه ولا يقيله.. وفرق بين إنهاء المهام والإقالة أيضاً، لأنّ إنهاء المهمة، هي ظرفية قد يُعيّن بعدها في مهمة أخرى، ففي نظر منظومة الحكم للعون الإداري والحكومي وزيراً كان أم مسؤولاً رفيعاً، المنصب هو بمثابة تكليف بمهمة، وسيأتي يوم وتنتهي هذه المهمة.

انتهاء صلاحية تمهّد لتسريع التغييرات
في منظور عمار يزلي، ولد عباس انتهت مدة صلاحيته لدى الرئاسة كأي دواء أو منتوج استهلاكي، وكان عليه أن يرحل، والأمر مرتبط كله برئاسيات 2019 بالتأكيد، وكل ما حدث ويحدث منذ الإطاحات بالجنرالات وتعيين آخرين ما بعد قضية الكوكايين، ثم أحداث البرلمان والانقلاب على بوحجة وأخيراً وليس آخراً، دفع ولد عباس إلى تقديم الاستقالة، كلها تؤكد أنّ العد التنازلي لرئاسيات 2019 قد بدأ يتناقص ومعه تتزايد سرعة التغييرات.

الصراع  على الرئاسة في الجزائر ينحصر بين مرشحين اثنين؛ وزير العدل الطيب لوح عن جناح ندرومة والوزير أحمد أويحيى

ويضيف محدثنا: "ولد عباس صار منذ أشهر عالة وعبئاً وحملاً ثقيلاً على الرئاسة، بعد أن صار موضع تندّر وتنكيت وأضحوكة لدى العام والخاص، تماماً كما حدث مع سلفه سعداني الذي كان هو الآخر حملاً ثقيلاً قبل العهدة الرابعة.. ومنتوجاً فقد صلاحية استعماله فكان على الرئاسة أن تضغط على زر انتهت اللعبة". 
وكان ولد عباس، يعتقد أنّه كلما كثر مدحه للرئيس اقترب منه، غير أنّ "الرئيس يتعامل مع من حوله بمنظور عملي ميكافيلي معروف عنه؛ إذ يتعامل مع الأشخاص كما يتلاعب بالأرقام في لعبة البوكر، هذا يصلح للمرحلة 1، وذاك نتركه لما بعد المرحلة 3 وهكذا".

ضريبة الصراع
بالتأكيد أنّ ولد عباس دخل في صراع متسارع مع قيادات من حزبه (وزير العدل طيب لوح المقرّب جداً من الرئيس، وقد يكون هو خليفة ولد عباس على رأس جبهة التحرير)، وأخطأ القائد المعزول في التصويب عندما تعاطف مع الوزير الأول وغريمه أحمد أويحيى رئيس التجمع الديمقراطي ضدّ زميله في الحزب الحاكم طيب لوح، ولعلّ هذا ما عجّل خروجه بهذا الشكل الذي أخرج به سعيد بوحجة الرئيس السابق للغرفة التشريعية السفلى.

أحمد أويحيى، رئيس التجمع الديمقراطي

التماهي مع متطلبات القادم
يقول المدوّن فيصل عثمان: "في الجزائر لم نتعود أن يستقيل المسؤول بل يُقال، وكلمة إقالة تقال لحفظ ماء وجه من يتم إحالته على الهامش، وولد عباس انتهى دوره في جبهة التحرير، فهتف له هاتف أن أترك مكانك لمن هو أكثر منك استعداداً وقدرةً على التماهي مع متطلبات المرحلة المقبلة، وهكذا رضخ ولد عباس ولم يكن له ليرفض بالنظر إلى شخصيته الخَدَمية من ناحية، وبنية المنظومة التي يخدمها، وهي التي تقوم على "أمر، نفّذ" حيث تترجم علاقة تشبه تلك القائمة بين السادة وعبيد الدار".
وفي إفادته لــ"حفريات"، يستطرد عثمان: "لو أخذنا بعين الاعتبار قيمة ولد عباس كشخصية سياسية لا نجد للخطوة دلالات كبيرة؛ لأنه لا يشكل سوى بوق للتسبيح بحمد الرئيس منذ استلامه الأمانة العامة للحزب، كما أنه مثال للبهلوان السياسي الذي يشتت الأنظار ويصرفها عن جوهر القضايا الرئيسة".
ويعتبر  عثمان أنّه من حيث توقيت الإقالة وشخصية من سيخلف ولد عباس، ستصبح للإقالة دلالات كبيرة:
أولها، أنّ التخلي عن ولد عباس يعني التخلي عن أبرز دعاة العهدة الخامسة التي، حسب رأيه، تكاد تكون مستحيلة لأسباب بيولوجية وصحية لا علاقة لها برغبة الرئيس وزمرته.
ثانيها، أنّ خليفة ولد عباس مؤقتاً سيكون معاذ بوشارب رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى في البرلمان)، وبوشارب مقرّب من أويحيى مرشح الدولة العميقة وفرنسا إن استقرت الأمور على اختياره، وهذا يعني ترجيح كفته على مستوى الحزبين الجهازين، جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي، هذا ما يبدو للوهلة الأولى لكن كل شيء يبقى نسبياً، ما دام اختيار خليفة الأمين العام المقال، لم يتم بالطريقة المتعارف عليها بعد.

اقرأ أيضاً: الجزائر: حظر النقاب في الدوائر الحكومية يثير جدلاً حاداً
ويسجّل فيصل عثمان: "إلى حد الآن، لا يزال الصراع على أشده ويبدو أنّ هناك مرشحين اثنين قد ظهرا في الواجهة، وزير العدل الطيب لوح عن جناح ندرومة (مجموعة تلمسان= التفالقة) والوزير الأول أحمد أويحيى عن جناح أزفون (الدولة العميقة= الكيان الموازي)، الأول يعتبر رجل بوتفليقة، والثاني رجل مدير المخابرات السابق الجنرال محمد مدين المكنى توفيق.

معاذ بوشارب، رئيس المجلس الشعبي الوطني

خيارا الجيش لحسم الصراع  
يتوقع عثمان أن يكون تدخل قيادة أركان الجيش الجزائري، الكتلة الثالثة في النظام، حاسماً للصراع، سواء بالتحالف مع طيب لوح، أو دفع مرشح آخر، ويعدّد المتحدث مجموعة احتمالات مرجّحة لحسم الصراع:
إما تنتهي بحسم أحد الأطراف الثلاثة للصراع في الرئاسيات المقبلة أو التحالف بين طرفين على حساب الطرف الآخر، وكل ذلك لن يتم قبل إنهاء الترتيبات على مستوى حزب جبهة التحرير وربما تعديل الحكومة.

اقرأ أيضاً: الجزائر تحبط مخططاً إرهابياً كبيراً.. بالتفاصيل
وليس من المستبعد أيضاً، بنظر فيصل عثمان "إحداث بعض التغييرات على قيادة الأركان، ويظل كل شيء وارداً، مادامت آليات عمل النظام وتقاليده خاضعة لحسابات أبعد ما تكون عن القانون والشفافية وأدبيات صناعة القرار".

الصفحة الرئيسية