ميدان الأوبرا في القاهرة: ضحية أخرى يفترسها الإهمال

ميدان الأوبرا في القاهرة: ضحية أخرى يفترسها الإهمال


29/11/2018

ميدان الأوبرا؛ هو أحد الميادين الرئيسة وسط القاهرة، يعود تاريخه إلى العام 1869، العام الذي أنشئت فيه أول دار أوبرا في الشرق الأوسط، في عهد الخديوي إسماعيل.

اقرا أيضاً: مقهى جروبي: ملتقى زمن القاهرة الجميل

يطلق عليه "ميدان تياترو"، "ميدان الأوبرا"، "العتبة الخضراء"، وعُرف أيضاً باسم ميدان إبراهيم باشا، بعد نقل تمثال إبراهيم باشا من ميدان العتبة إلى هذا الميدان، العام 1873، وظلَّ يحمل هذا الاسم حتى قيام ثورة يوليو 1952، فأُعيد إليه اسم الأوبرا ثانية.

فقد ميدان الأوبرا بريقه تدريجياً بسبب الزحف من أكبر الأسواق الشعبية بوسط القاهرة

عند تشييد الأوبرا التي سُمّي الميدان باسمها كانت آنذاك تشغل ضلعه الشرقي، وتشغل حديقة الأزبكية ضلعه الشمالي، وتتفرّع من الميدان 7 طرق هي: شارع الأوبرا، وشارع الطافر، وشارع الجمهورية، وشارع عدلي، وشارع ثروت، وشارع قصر النيل، وشارع 26 يوليو (فؤاد سابقاً).

تاريخ يتكلم

تمثال إبراهيم باشا الذي كان الميدان يحمل اسمه صنعه الفنان الفرنسي (كوردييه)، وذلك بأمر من الخديوي إسماعيل، العام 1872، وهو الباقي حتى الآن من الميدان، الذي كان مركزاً من مراكز الثقافة المصرية.

 سُمّي الميدان باسم دار الأوبرا عند تشييدها

وكان يضمّ سابقاً دار الأوبرا العتيق، وعمارة السنيور "ماتاتيا"، وكازينو مكتشفة الفنانين بديعة مصابني، وفندق "الكونتيننتال"، ولم يعد أي من هذه المعالم التاريخية موجوداً.

ظلّ فندق الكونتيننتال صامداً 119 عاماً رغم الأحداث الكثيرة التي مرت عليه حتى هدمه مؤخراً

أحدث نقل التمثال من ميدان العتبة الخضراء إلى مكانه الحالي أزمة بين مصر وتركيا؛ فقد حدث أن صنع كوردييه لوحتين لوضعهما على قاعدة التمثال الرخامية: إحداهما تمثل معركة نزيب، والثانية تمثل معركة عكا، وكانت اللوحتان على وشك أن توضعا على جانبي قاعدة التمثال، لكنّ السلطات التركية تدخلت ورفضت؛ لأنّهما تمثلان هزيمتها أمام جيش مصر، وأخذ كوردييه اللوحتين، وسافر إلى فرنسا، وعرضهما في معرض باريس، العام 1900، وبعد انتهاء مدة العرض، أخذهما إلى بيته، وحفظهما في استوديو صغير؛ حيث دفنهما التاريخ.

أما دار الأوبرا؛ فقد حلّ محلّها كراج متعدّد الطوابق، وكذلك عمارة السنيور "ماتاتيا"، التي أزيلت، ولم يبقَ من ذكراها غير مساحة خضراء حلّت محلها حالياً؛ حيث يصل بين ميدان العتبة الخضراء، والأوبرا حالياً، كلّ من شارع عبد الخالق ثروت وشارع التياترو.

تمثال إبراهيم باشا

أما كازينو بديعة مصابني، الذي تمّ تأسيسه العام 1929، فكان يعدّ بمثابة أكاديمية للفنون، تخرّج فيها أكبر نجوم الفنّ في ذلك الوقت، وكان روّاده من الأدباء والفنانين، الذين يتخدون من حديقته مكاناً لندواتهم ولقاءاتهم؛ حيث كان الأديب نجيب محفوظ يقيم ندوة أسبوعية فيه، وغنّى في مسرح الكازينو كبار المطربين في بداياتهم، كما رقصت عليه سامية جمال، وتحية كاريوكا، وحورية محمد العام 1934، كما كان من رواده الأوائل الملك فاروق.

اقرأ أيضاً: هل ضحّت القاهرة بالمهدي لكسب ودّ الخرطوم؟

أما فندق "الكونتيننتال"؛ الذي كان يقع في قلب الميدان، فقد كان شاهداً على التاريخ؛ حيث استضاف اللورد الإنجليزي كارنارفون، الذي كان يموّل عمليات البحث عن قبر توت عنخ أمون، التي قام بها الأثري هيوارد كارتر، وكان يقيم بالفندق فلدغته بعوضة على خدّه، وتوفَّي في غرفته.

ما أنّ الفندق كان يضمّ "كازينو" كبيراً يطلّ على ميدان الأوبرا، وحلّ فيه عدد من ملوك وملكات أوروبا، خلال الاحتفالات بافتتاح قناة السويس، وكان أيضاً ملتقى رجال الأحزاب المصرية في العهد الملكي.

 

 

ظلّ هذا الفندق صامداً 119 عاماً رغم الأحداث الكثيرة التي مرت عليه؛ فنجا من حريق القاهرة، وحريق دار الأوبرا المصرية، إضافة إلى أنّه شهد تشييد كوبري الأزهر، ثم تدشين المترو، وحفر نفق الأزهر، ومن قبلها إنشاء جراج الأوبرا، وبجواره تمثال إبراهيم باشا ممتطياً جواده، ويشير بإصبعه إلى البناء الضخم، الذي تمّ هدمه مؤخراً، وأصبح الآن مكانه محلات الملابس الحريمي، وعدد كبير من الورش والمتاجر الصغيرة.

ضحية الزحف العشوائي

طرحت دراسة "تأثير البطالة على الأمن في مصر... المشكلة وآليات المواجهة" التي أنجزتها المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية تساؤلاً عن "الأسباب التي تدفع إلى انتشار العشوائيات، وهدم المباني التاريخية".

ميدان الأوبرا عام 1934

تمثال إبراهيم باشا وحده الباقي بالميدان

فلقد كان ميدان الأوبرا يعدّ من أجمل وأهم ميادين القاهرة في العصر الحديث، إلا أنّه لم يحتفظ ببريقه؛ بسبب الزحف من أكبر الأسواق الشعبية بوسط القاهرة، ومن المؤسف أن يُترك ذلك التراث، فريسة الإهمال الذي أسلمه إلى أيدي الضياع والهدم، وبالتالي الاندثار الذي تسبّب في تلفه وخرابه ومهّد لإزالته في النهاية.

 كان ميدان الأوبرا يعدّ من أجمل وأهم ميادين القاهرة في العصر الحديث

ورغم أنّ كثيراً من الخبراء يعدون الفندق من الثروات الوطنية المهدرة، التي تقدر قيمتها الاستثمارية، بنحو 3 مليارات دولار، وفق ما يذكر موقع اليوم السابع، لكن ذلك لم يمنع صدور القرار النهائي بإزالته، وكانت ثمة مطالبات باتفاق مع الجهات الحكومية والخاصة، التي تتولى تنفيذ المشروعات الإنمائية، لمعالجة الأخطار التي تهدّد التراث المعماري في منطقة ميدان الأوبرا، جرّاء تنفيذ بعض المشروعات، إلا أنّ ذلك، لم يمنع سقوط ميدان الأوبرا في مستنقع العشوائيات.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية