فرقة بانوراما البرشا لمسرح الشارع: العلاج النفسي بالدراما

فرقة بانوراما البرشا لمسرح الشارع: العلاج النفسي بالدراما


04/12/2018

أحبت يوستينا سمير المسرح مُنذ طفولتها، وكلَّلت تلك المحبة بالتحاقها بمسرح الكنيسة في مدينتها بمحافظة المنيا، ثم انتقلت بعد بضعة أعوام إلى مسرح خاص في مدينتها، تدربت فيه على مسرح الشارع لمدة عام، ثم قررت بعد تلك الرحلة أن تواجه مساوئ مجتمعها المحافظ بالمسرح.
مسرح الشارع

اقرأ أيضاً: فرقة العاشقين: العائلة التي حكت قصة الوطن والنضال في أغانيها

أسست يوستينا أول فريق لمسرح الشارع بمحافظه المنيا، بعد أحداث "الربيع العربي" 2011، لمناقشة قضايا المرأة والطفل في قريتها، تشرح يوستينا سبب اختيارها للمسرح كوسيلة للمقاومة: "اخترت المسرح لأنه فن بسيط، يصل للناس بسهولة، إلى جانب أنّ الأهالي في القرى يحبون المسرح.

أسست يوستينا أول فريق لمسرح الشارع بمحافظه المنيا بعد أحداث الربيع العربي 2011، لمناقشة قضايا المرأة والطفل في قريتها

مسرح الشارع، من التجارب الفنية التي انتشرت في مصر بداية التسعينيات من القرن العشرين؛ لمواجهة عجز الامكانات، وأيضاً غياب الجمهور عن المسرح، فكان الانتقال بالعروض إلى الشارع تخطياً للصورة التقليدية للمسرح في ذلك الوقت، وهي نفس الأسباب التي دفعت يوستينا لتقديم عروضها المسرحية في شوارع قريتها، وعن ذلك تحكي يوستينا في تصريح لـ "حفريات": "في فريق بانوراما البرشا كان حلمنا أن يكون غير مقيد بأي سلطة، وأن يصل للناس بسهولة،  وخاصةً أنّ أهل القرى بسطاء، وصعب اقناعهم بدفع ثمن تذكرة، وحضور عرض؛ بسبب الظروف المعيشية، لكن من السهل أن نذهب نحن إليهم".

تسرد يوستينا إحدى الجمل التي علقت في ذهنها لفتاة من إحدى عروض مسرح الشارع:"أنا نفسي أحب وأتحب، بس إزاي وأنا في قرية بتمنعني من كده وتحرمني من أبسط حقوقي، هتحاكموا مين؟، حاكموا القرية اللي أنا فيها" تقول يوستينيا:"دايما بفتكر الجملة دي؛ اتقالت في عرض "محاكمة القرية"، كان عرض عن مشاكل الفتيات بطريقة صريحة ومختلفة، وده كان بداية تفكيرنا في مسرح الشارع اللي اخترنا من خلاله نتكلم عن قضايا صعب إننا نتكلم عنها في القرية".

فريق البرشا فى أحد العروض

فرقة بانوراما البرشا

البرشا، قرية تقع على أطراف جبال صحراوية، في شمال محافظة المنيا، تعداد سكانها تجاوز 26 ألف شخص، وفي منزل بسيط داخل القرية، في الطابق الثاني منه، غرفة صغيرة، هي مقر تدريبات الفرقة، التي تجاوز عدد أعضائها منذ تأسيسها عام 2011  مائة عضو، 50% منهم أعمارهم أقل من 13 عاماً.

مسرح الشارع من التجارب الفنية التي انتشرت في مصر بداية التسعينيات لمواجهة عجز الامكانات وأيضا غياب الجمهور عن المسرح

فرقة مسرح بانوراما البرشا ليست مجرد فرقة مسرحية، لكنها سبيل فتيات وشباب القرية لأن يغيروا من ذواتهم إلى الأفضل، ربما أصبح علاجاً؛ في الطب النفسي يستخدم المسرح كعلاج أو ما يطلق عليه السايكو دراما، وهو مصطلح يطلق على نوع من أنواع العلاج النفسي، الذي يجمع بين الدراما كنوع من أنواع الفنون وعلم النفس، تقوم على مساعدة الشخص أن يخرج مشاعره وانفعالاته خلال أداء أدوار تمثيلية لها علاقة بالمواقف التي يعايشها حاضراً، أو عايشها في الماضي، أو من الممكن أن يعايشها في المستقبل. ربما لا يتعامل أطفال قرية البرشا مع فرقتهم بهذا المعنى، هم فقط يحبون المسرح كوسيلة للفضفضة، وتساعدهم فى العروض بالتدريب يوستينا سمير كوسيلة لمناقشة قضايا مجتمعية تهم القرية بطريقة غير مكلفة، لكن السايكو دراما في طبيعتها تستخدم لعلاج الصدمات العاطفية للأطفال الذين تعرضوا للعنف أو لمواقف شبيهة. فالهدف من السايكودراما هو إيجاد حلول للمشاكل عن طريق مساعدة الشخص في فهم مشاعره عبر تجسيد الواقع بشكل تمثيلي في محاولة  لإخراج الشخص من عزلته النفسية.

اقرأ أيضاً: متى تخرج الأعمال الفنية من صندوق الصور السطحية للمتدينين؟

عقبات كثيرة واجهتها يوستينا في بداية مشروعها؛ فـ "أهل القرية لم يتقبلوا الفكرة في البداية، لكن بعد فترة من العمل بدأوا بتقبلها". لكنّ "المضايقات كانت كتيرة، وبطرق مختلفة، منها إبعاد الفتيات عن الفريق، والتحرش بالممثلين، والسخرية بجميع أشكالها". وعن العقبات المادية فقد كان من السهل تجاوزها عن طريق التشبيك مع المشاريع الثقافية المختلفة مستغلين اقتصاديات المشاركة كدعم لمشروعهم.

عرض لفريق البرشا

مسرح بانوراما البرشا يتميز بوجوده داخل قرى المنيا. وعن سر اختيار القرية مسرحاً للعمل تقول يوستينا:"اخترنا القرى باعتبارها أكثر الأماكن المهمشة، وصاحبة المشاكل الأكثر، إلى جانب حرمان أهلها من ألوان الترفيه على العكس من المدن أو العاصمة".

تجربة فنية ملهمة

محمد عبد الفتاح ممثل وقاص ومخرج مسرحي مصري، ولد في عام 1980، كما شارك كممثل في عدد من الأفلام، منها: (عين شمس، رسائل البحر، الشتا اللي فات، ديكور).

يوستينا سمير مدربة الفرقة فى يمين الصورة

أسس فرقة حالة المسرحية بعد تخرجه في الجامعة، والتي قدمت عروضها في الشارع، بعد نجاح عرضها الأول، بدأت الفرقة تقديم عروضها لعرض أفكارها حول قضايا ومشاكل المجتمع المصري من خلال عروض مسرحية، يتفاعل معها وتكون بمثابة نقطه ضوء جديدة في المشهد الفني في مصر.

اقرأ أيضاً: فانوس المسرح ينطفئ: نادر عمران أسعدَ الناس ورحل وحيداً

ومن ضمن الورش التدريبية التي قدمها عبد الفتاح كانت ورشة لتدريب فرقة مسرح بانوراما البرشا، وعن تلك التجربة يقول عبد الفتاح لـ"حفريات": "في محافظة المنيا دائماً ما تكون التجارب الفنية ملهمة لتجارب جديدة، وأعتقد أنّ الجيزويت في المنيا لها دور كبير في ذلك، لما تقدمه من دعم فني لجميع المشاريع الثقافية". مضيفاً:"مسرح بانورما البرشا قد يكون إطار عمله محدوداً لتمركزه في بعض قرى المنيا، غير أنّ تأثيره مهم جداً".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية