الأمم المتحدة إذ تصوّت على حماس وليس على القضية الفلسطينية

الأمم المتحدة إذ تصوّت على حماس وليس على القضية الفلسطينية


13/12/2018

صحيح أنّ أمريكا لم تنجح في تمرير قرارها الخاص بإدانة حماس في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، رغم الحملة المكثفة والضغوط التي مارستها على الدول الأعضاء، التي سبقت طرح مشروع القرار، إلا أنّ نتائج التصويت تدلّ، في الوقت نفسه، على أنّ أمريكا "لم تفشل"؛ فللمرة الأولى يحصل مشروع قرار أمريكي مرتبط بـ "القضية الفلسطينية" على تأييد علنيّ من قبل 87 دولة، خلافاً لكافة قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات العلاقة، والتي كانت تؤكد أنّ أمريكا معزولة في مجلس الأمن، مما اضطرها غير مرة لاستخدام حقّ النقض الفيتو، لإفشال قرارات مرتبطة بقضايا الاستيطان، وحقّ تقرير المصير، وإدانة الاحتلال الإسرائيلي، ومن المرجّح أنّ غالبية من صوتوا ضدّ القرار لا يعني أنّهم يؤيدون حركة حماس، بقدر ما يعني أنهم يتخذون موقفاً ضدّ أمريكا وإسرائيل، على خلفية الاحتلال، وتعبيراً عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.

اقرأ أيضاً: ما الذي تفعله حماس لغزّة؟

من غير الإنصاف القول إنّ نتيجة التصويت تشير إلى تبدّلات عميقة في الموقف الدولي تجاه تضامنه مع الشعب الفلسطيني، وحقوقه المشروعة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي؛ إذ كانت قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة دوماً إلى جانب القضية الفلسطينية، لكنّ المتغير النوعي في التصويت الأخير؛ أنّ العالم فصل بين حركة حماس والقضية الفلسطينية، وقد صوّت على حماس، في سياقات ينظر إليها باعتبارها "تنظيماً إرهابياً"، شأنها شأن حزب الله اللبناني، تنازع شرعية فلسطينية معترف بها دولياً، خاصّة أنّ الداعم والممول لحماس وحزب الله واحد وهو إيران، وهذا ما يتم تداوله، على الأقل، من وجهة النظر الأمريكية والأوروبية، ومعهما دول أخرى لا يستهان بها ولا بأوزانها، وهو ما يدعو لتساؤلات حول مدى صوابية إصرار حماس على التحالف مع محاور ودول تقع تحت عقوبات دولية، أو محاصرة ومستهدفة دولياً.

آن أوان المكاشفة بين فتح وحماس بأنّ القضية برمّتها في خطر ومواجهته يحتاج لإنهاء الانقسام وتغليب الوطنية على الفئوية الضيقة

ورغم تعدد الأسباب التي حالت دون "فشل" كلّي لأمريكا وإسرائيل في الأمم المتحدة، ما بين الدعم الأمريكي واستجابة كثير من الدول للضغوط الأمريكية، ومن خلفه اللوبيات اليهودية العالمية، والانقسام العربي والتغيرات باستجابات عربية للتطبيع مع إسرائيل، قبل إنجاز السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، وهو ما تردّده الحكومة الإسرائيلية في خطابها اليوم، إلا أنّ الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، ربما كان العامل الأبرز والأكثر وزناً في التحولات الدولية، وهو في النهاية تصويت على إمكانية قيادة حماس وتمثيلها للشعب الفلسطيني، وأن تكون الناطق باسمه، كما تشير "خفايا" المفاوضات، السرّية والعلنية، بين حماس وإسرائيل؛ إذ إنّ إقصاء حركة فتح عن المقعد الفلسطيني، باعتبارها ممثلاً للشعب الفلسطيني في أية مفاوضات حالية أو قادمة، يشكل جوهر تحركات حماس ومناوراتها، وفي سبيل الوصول إلى هذا الهدف، تبدي حماس استعداداً لتقديم تنازلات، لا تنسجم مع الأسس والثوابت التي قامت عليها منذ انطلاقتها، العام 1987.

اقرأ أيضاً: حماس: تهدئة مع إسرائيل حسب الطلب.. أما غزة فلها الله

محصلة التصويت الأممي تؤكد حقيقة أنّ التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، بما في ذلك دولته المستقلة، وعاصمتها القدس المحتلة، وحقّ عودة اللاجئين، كلّها في خطر، خاصة ونحن على مسافة خطوات من طرح مشروع الحلّ التصفوي للقضية الفلسطينية، المعروف بـ "صفقة القرن"، وأنّ انقساماً فلسطينياً بهذا الحجم بين فتح حماس سيحول دون مواقف دولية أوسع متضامنة مع الشعب الفلسطيني، خاصّة إذا ما واصلت حماس تقديم نفسها ومشروعها مع حلفائها الإقليميين باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني والناطق باسمه، وإنّ استمرار رهن القضية الفلسطينية لصراعات المحاور والتحالفات الإقليمية، سيسهم في إضعاف الموقف السياسي والنضالي الفلسطيني، وستجد كثير من الدول مبرراً في الانقسام الفلسطيني لتبديل مواقفها، ومن المشكوك فيه؛ أن يتضامن العالم مع فصيل مرجعيّته إيران، المحاصرة دولياً، والخاضعة لعقوبات دولية بغطاء أمريكي.

بعد أعوام الانقسام بين فتح وحماس ونتائجه الكارثية على القضية، لا يمكن لأيّ فصيل فلسطيني وحده أن يكون ممثلاً للشعب الفلسطيني

واضح بعد أعوام الانقسام ونتائجه الكارثية على القضية الفلسطينية؛ أنه لا يمكن لأيّ فصيل فلسطيني وحده، أن يكون ممثلاً للشعب الفلسطيني، فلا فتح وهيمنتها على السلطة الفلسطينية نجحت في أن تكون ممثلاً وحيداً، ولا حماس، بانشقاقها وتشكيلها شبه دولة "محاصرة"، وغير معترف فيها، في قطاع غزة، قادرة على قيادة وتمثيل الشعب الفلسطيني وحدها، وربما آن أوان المكاشفة بين فتح وحماس بتلك الحقيقة، بأنّ القضية الفلسطينية برمّتها في خطر حقيقي، تحتاج مواجهته، قبل كلّ شيء، إلى إنهاء هذا الانقسام وتغليب الوطنية على الفئوية الضيقة، فالمكاسب الفصائلية والمغالبة لا تساوي شيئاً أمام حجم الأخطار الداهمة، واستمرار تقديم القضية لأطراف الصراعات الإقليمية والعربية، باعتبارها ورقة تخضع لحسابات المزايدة والصراعات لن تعود على الشعب الفلسطيني بتحقيق الحدّ الأدنى من حقوقه المشروعة.

اقرأ أيضاً: جهود مصرية لإقناع واشنطن بمشاركة حماس في حكومة وحدة وطنية

الصفحة الرئيسية