أسرى فلسطينيون يتابعون تعليمهم خلف القضبان ويتحدون عتمة السجون

فلسطين

أسرى فلسطينيون يتابعون تعليمهم خلف القضبان ويتحدون عتمة السجون


24/01/2019

بالرغم من العراقيل والممارسات العنصرية التي تفرضها سلطات الاحتلال الصهيوني بحق الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، إلا أنّهم عبّروا عن رفضهم للاستسلام لقيود السجان وإجراءاته التعسفية، وتمكنوا من استغلال أوقاتهم داخل المعتقلات في تحقيق إنجازاتهم وطموحاتهم من خلف القضبان، ونجح العديد من الأسرى في انتزاع حقهم بالتعليم والحصول على أعلى الدرجات العلمية.

اقرأ أيضاً: الاحتلال يقرّ قانوناً يستهدف أسر الأسرى والشهداء..هذه تفاصيله

ووفقاً لهيئة شئون الأسرى والمحررين، فقد بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين داخل سجون الاحتلال 6 آلاف و500 أسير، من بينهم 63 أسيرة فلسطينية، و500 أسير يواجهون الاعتقال الإداري، والذين لم تصدر بحقهم سلطات الاحتلال  أي لائحة اتهام، ولم يتم تقديمهم للمحاكمات العسكرية، فيما يقضي 500 أسير أحكاماً بالسجن المؤبد.

تمكنوا من استغلال أوقاتهم داخل المعتقلات في تحقيق إنجازاتهم وطموحاتهم

إجراءات تعسفية

الأسير عمر دار علي (37 عاماً) من قرية كوبر قضاء رام الله، اعتقلته قوات الاحتلال الإسرائيلي في العام 2005، بعد محاصرة منزله بعشرات الآليات العسكرية، بدعوى تخطيطه لتنفيذ عملية فدائية في إحدى المستوطنات، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 11 عاماً، ودفع غرامة مالية تقدر بـ20 ألف شيكل.

دار علي: رغم موافقة الاحتلال لبعض الأسرى على الدراسة إلا أنّ مصلحة السجون تعمدت عدم إدخال الكتب التعليمية والأبحاث

وفي حديثه لـ "حفريات" يقول دار علي: "تعرضت خلال فترة الاعتقال إلى أبشع أنواع التعذيب والتنكيل خلال مراحل التحقيق، والتي استمرت لعدة أشهر متواصلة في داخل معتقل "هداريم" الصهيوني، وكنت قد حصلت على شهادة الثانوية العامة قبل اعتقالي بوقت قصير، وقررت استكمال مسيرتي التعليمية رغم علمي بمشقة هذا القرار، نتيجة الإجراءات والمعيقات التي تفرضها سلطات الاحتلال على المعتقلين، والتي تهدف من خلالها إلى عدم السماح لهم باستكمال تعليمهم ودراستهم".

ويتابع "بعد مكوثي داخل المعتقل لمدة عامين، فكّرت جدّياً بمواصلة تعليمي الجامعي، وانتسبت إلى الجامعة العبرية بالقدس في العام 2010، للحصول على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية، إصراراً مني على أن لا يكون السجن عقبة أمام تحقيق طموحاتي وتأهيل نفسي علمياً وفكرياً".

بلغ عدد الأسرى الفلسطينيين القابعين داخل سجون الاحتلال 6 آلاف و500 أسير

صعوبات كبيرة

ويوضح دار علي أنّ "من أهم الصعوبات التي واجهته خلال دراسته الجامعية، هي إجباره على أن يكون ملمّاً باللغة العبرية بشكل كامل، إضافة إلى رفض الأسرى الانتساب إلى الجامعة العبرية للدراسة، باعتبارها تتبع لمؤسسات الاحتلال، إلى أن تم التوصل لاتفاق بين جميع الأسرى على الدراسة فيها، باعتبارها الخيار الوحيد أمامهم، وعدم وجود بدائل أخرى في ذلك الحين، خاصة أنهم يمكثون خلف القضبان".

تكفل الأسرى المثقفون داخل المعتقلات بتشجيع البقية على زيادة تحصيلهم العلمي وتطوير قدراتهم خلال أعوام الاعتقال

ويكمل حديثه "بدأتُ برفقة العشرات من الأسرى بتعلم اللغة العبرية، من خلال بعض الكتب التي كانت متوفرة لدينا داخل المعتقلات، بالإضافة إلى الاستفادة من خبرات بعض الأسرى والمعتقلين، والذين قضوا أعواماً طويلة في داخل المعتقلات،        ويتحدثون اللغة العبرية بطلاقة".

واستدرك أنّه "على الرغم من الموافقة الإسرائيلية لبعض الأسرى الفلسطينيين على الدراسة، إلا أنّ إدارة مصلحة السجون تعمدت عدم إدخال الكتب التعليمية والمجلات والأبحاث، ورفضت تزويد المعتقلات بقاعات دراسية، واتخذت خطوات كبيرة لمنع الأسرى من استغلال أوقاتهم، إضافة إلى حرمان عدد من الأسرى من التقدم لاختبارات الثانوية العامة، والذي يؤهلهم لدخول الجامعات والكليات المختلفة".

إدارة مصلحة السجون تتعمد عدم إدخال الكتب

حرمان الأسرى من التعليم

ويقول دار علي: "لم تتوقف الإجراءات العقابية الإسرائيلية بحق الطلاب الأسرى، فقد أصدرت مصلحة السجون، بدعم  سياسي، قراراً بمنع الأسرى الفلسطينيين من الانتساب للجامعة العبرية في حزيران (يونيو) 2011، وحينها صعّد الأسرى من إجراءاتهم داخل المعتقلات لدفع السلطات الإسرائيلية للتراجع عن القرار، وقاموا بتقديم استئناف للمحكمة الإسرائيلية العليا ضده، فتم رفض الاستئناف في العام 2014م، ومنع أي أسير فلسطيني من الدراسة والالتحاق في الجامعة العبرية بالقدس الغربية".

اقرأ أيضاً: الأسرى الفلسطينيون من دون أمهم فيليتسيا لانغر: غابت شمس الحق

ويبين دار علي أنّه "بعد أكثر من عام على الدراسة في الجامعة العبرية وبعد القرار الإسرائيلي الأخير بمنع الأسرى الفلسطينيين من الدراسة فيها، انطلقت في رحلة البحث عن جامعة فلسطينية أستطيع الانتساب إليها لاستكمال مسيرتي التعليمية مجدداً، إلى أن وافقت جامعة القدس في العام 2012م على قبولي للدراسة فيها، وبعد  ثلاثة أعوام ونصف العام من الجهد والمثابرة، وقبل خروجي من المعتقل بأشهر قليلة تخرجت منها بتقدير جيد جداً".

إكمال التعليم الثانوي ليس بالأمر السهل إذ تُعرقَلُ جهود الأسرى في إكمال مسيرتهم التعليمية

مصادرة الكتب والأبحاث التعليمية

عبدالباسط سلمان (43 عاماً) من بلدة طمون قضاء نابلس، حصل هو الآخر على شهادة الثانوية العامة في العام 2014، من داخل سجون الاحتلال.

وجد سلمان فترة حكمه بسجن الرملة لمدة 16 عاماً متسعاً ليستغل وقته في الحصول على الثانوية العامة

اعتقلت قوات الاحتلال سلمان من منزله وحكمت عليه بالسجن لمدة 16 عاماً، ليجد في فترة اعتقاله الطويلة، في سجن الرملة، متسعاً ليستغل وقته في الحصول على شهادة الثانوية العامة، وكان لزملائه داخل المعتقل دوراً كبيراً ودافعاً أمامه لإكمال تعليمه والانطلاق نحو التعليم الجامعي.

ويضيف: "لم يكن قرار إكمال تعليمي الثانوي بالأمر السهل، فمصلحة السجون كانت تحارب وتعرقل جهود الأسرى في إكمال مسيرتهم التعليمية، مع اقتحاماتهم المتكررة لغرف المعتقلين، بهدف مصادرة الكتب والأقلام والأوراق في كثير من الأحيان، مما اضطرني وزملائي الآخرين داخل المعتقل للمناوبة على القيام بنسخ المقررات الدراسية يدوياً على الأقمشة وقطع الكرتون، وذلك تحدياً لكافة إجراءات الاحتلال التعسفية".

لولا تجربة الاعتقال لما تسنّى لبعضهم الوصول إلى كل هذه الإنجازات

تحدي الأسرى لإجراءات الاحتلال

وتابع سلمان "مرحلة الدراسة كانت في غاية الصعوبة، فالمكان غير مؤهل نفسياً للدراسة بداخله، إضافة لعدم توفر مراجع ومكتبة علمية بداخل المعتقل يستطيع الطالب الأسير الاستفادة منها خلال مراحله التعليمية المختلفة، فجل اهتمام الأسرى كان يتركز على متابعة الجانب الصحي للمعتقلين بداخل السجون وخاصة من ذوي الأمراض المزمنة، والذين يعانون تهميشاً متزايداً من قبل السلطات الإسرائيلية، والذي نتج عنه وفاة عدد منهم بفعل الإهمال الطبي الذي صدر بحقهم، وعدم الاهتمام بعلاجهم في الوقت المناسب".

اقرأ أيضاً: أسير فلسطيني على حافة الموت في سجون الاحتلال الصهيوني

ويشير سلمان "حصلت على شهادة الثانوية العامة بمعدل 76 في المائة، وبعد خروجي من المعتقل واصلت تعليمي الجامعي واستطعت الحصول على شهادة البكالوريوس في الدراسات الإسلامية من جامعة النجاح الوطنية في العام 2017، وحالياً أستعد لنيل درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من معهد البحوث والدراسات العربية في جمهورية مصر العربية".

اقرأ أيضاً: جيش الاحتلال يكشف عدد الغارات التي شنّها على غزة في 2018

ولفت سلمان إلى أنّه "لولا تجربة الاعتقال لما تسنّى له الوصول إلى كل هذه الإنجازات، من خلال تكفل الأسرى المثقفين داخل المعتقلات بتشجيعه كباقي الأسرى على زيادة تحصيلهم العلمي وتطوير قدراتهم خلال أعوام الاعتقال، لتصبح السجون صفوفاً دراسية وعلمية، واستطاع الأسرى توجيه رسالة للاحتلال أنه في حال تم محاصرة جسد الأسير فلن يستطيعوا النيل من عقله وعرقلة طموحاته".

 

 

محاربة التطور الفكري والثقافي

وفي سياق متصل، يقول رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى عبدالناصر فروانة لـ "حفريات" إنّ "مصلحة السجون الإسرائيلية لم تسمح بإرادتها على مدار التاريخ بتلقّي الأسرى الفلسطينيين تعليمهم الثانوي والجامعي، وكانت تحارب تطورهم الثقافي والفكري، كما منعت إدخال الكتب التعليمية والثقافية لهم، واستمرت حتى يومنا هذا بمنع الأسرى من الحصول على تعليمهم الأساسي دون الثانوية العامة".

فروانة: مصلحة السجون الإسرائيلية لم تسمح بتلقي الأسرى الفلسطينيين تعليمهم الثانوي والجامعي وكانت تحارب تطورهم الثقافي والفكري

ويشير "بعد إضراب الأسرى عام 1992، استطاعوا انتزاع حقهم في التعليم والالتحاق بالجامعات، وقد سمحت سلطات الاحتلال للأسرى بالتقدم لامتحانات الثانوية العامة، والانتساب للجامعة العبرية بالقدس رغماً عنها، ويعد ذلك انتصاراً كبيراً للأسرى وتطوراً ملموساً في المسيرة التعليمية لهم".

وتابع أنّه "نتيجة أسر المقاومة للجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، توقف التحاق الأسرى بالجامعة العبرية، وتم منعهم من التقدم لاختبارات الثانوية العامة كإجراء عقابي بحقهم، بالإضافة إلى تصعيد اقتحام قوات الاحتلال لغرف الأسرى داخل المعتقلات ومصادرة الكتب والمنسوخات العلمية".

 

 

تجهيل الأسرى الفلسطينيين

ويتابع فروانة حديثه: بعد كل هذه الإجراءات العقابية كان لا بد للأسرى من إيجاد حلول جذرية لمواجهة حرمانهم من التعليم، فتم التنسيق بين الأسرى ووزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية لإيجاد آلية للتواصل، يستطيعون من خلالها تقديم امتحانات الثانوية والتقدم للجامعات الفلسطينية بشكل يتلاءم مع النظام العام للتعليم الفلسطيني، وتمكن الأسرى بعد سلسلة من الإضرابات بالضغط على إدارة السجون لاستكمال تعليمهم، واستطاع العديد منهم التقدم لامتحانات الثانوية والانتساب لعدد من الجامعات الفلسطينية، والحصول على درجة البكالوريوس والماجستير منها.

اقرأ أيضاً: يهدمون منازلهم بأيديهم: فلسطينيون على الأطلال يعانون ويلات الاحتلال

ويضيف أنّ "الاحتلال الإسرائيلي كان يهدف دوماً وبشكل أساسي إلي تجهيل الأسرى، وعدم السماح لهم بتطوير ذواتهم بداخل المعتقلات، ولمواجهة ذلك تم تشكيل الحلقات الثقافية بين الأسرى، والتي تقوم على نقل المعارف فيما بينهم، حيث تمكن عدد من الأسرى من الحصول على درجات علمية متنوعة".

اقرأ أيضاً: عهد التميمي لـ "حفريات": لن أتردد في صفع المزيد من جنود الاحتلال
وبحسب إحصائية صادرة عن وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطينية، فقد تقدم لامتحان الثانوية العامة عام 2017، 837 أسيراً وأسيرة في 11 معتقلاً إسرائيلياً، نجح منهم 583، بنسبة نجاح 69.7%، فيما انخفضت النسبة العام الماضي 2018، إلى 65.85%، حيث تقدم 858 أسيراً وأسيرة، نجح 565 منهم.

الصفحة الرئيسية