مظاهرات إيران: شيطنة الإنسان وتصدير الأزمة

إيران

مظاهرات إيران: شيطنة الإنسان وتصدير الأزمة


03/01/2018

في أقل من أسبوع، امتدت مظاهراتٌ شعبية في المدن الصغيرة في إيران لتنتقل بصورة غير مسبوقة إلى مدن رئيسية كمشهد والعاصمة طهران نفسها، وترافقت مع قمعٍ مباشرٍ وعنيف من نظام الملالي، ورغم سقوط عشرات القتلى إضافة إلى اعتقال 450 شخصاً على الأقل حتى الآن، لا تبدي السلطات أي نية للاستجابة لمطالب الناس المشروعة منتهجة سياسة المكابرة وكيل الاتهامات العبثية للداخل والخارج.

اتهامات العمالة للخارج

يلاحظ المتابع لوكالات الأنباء الإيرانية الرسمية، عدم اهتمام السلطات هناك بأسباب اندلاع المظاهرات التي تتعلق أساساً بالأوضاع الاقتصادية المتردية والاعتراض على سياسات الدولة الخارجية والداخلية؛ بل وسعت السلطات إلى تشديد القمع وتوعد المتظاهرين بمحاكماتٍ قاسية من ناحية، وإلى إظهار المطالبات الشعبية على أنّها مؤامرة خارجية من أعداء "المقاومة والممانعة"؛ ووصلت الأمور حد وصف المرشد الأعلى علي خامنئي المتظاهرين بـ"العملاء للخارج".

واعتبر خامنئي في تصريحه الذي نقلته "روسيا اليوم" أمس أنّ "العدو يتحين الفرصة لتوجيه الضربة إلى إيران".

من جهته، صرح "الحرس الثوري الإيراني"، في رده على تظاهرات أبناء شعبه أنّه سوف "يرد بقبضة من حديد إن استمرت الاحتجاجات السياسية"، وفق ما نقلته شبكة "بي بي سي" يوم 31 كانون الأول (ديسمبر) 2017. و"الحرس" الذي يبدو أنّه لا يحمل من الثورة سوى اسمها، لم يكتف بهذا؛ بل تبع منحى قوات الأمن الإيرانية بالإشارة إلى أنّ ما يحدث "مؤامرة موجهة من عملاء في الداخل والخارج".

وكانت قوات الأمن نفت إطلاقها النار على من وصفتهم بـ"مثيري الشغب"، وهو ما تنفيه حالات تم توثيقها، بحسب المصدر ذاته، لمتظاهرين تعرضوا لإطلاق النار.

سعت السلطات في إيران إلى إظهار الاحتجاجات الحالية على أنها مؤامرة خارجية

ويتضح من ردة فعل السلطات في إيران، توجهها مباشرة لـ"شيطنة" تحركات أبناء شعبها، وصبغ مطالباتهم المشروعة بـ"صبغة المؤامرة والعمالة للخارج"، وهو ما يبدو رداً شديد العنف على المتظاهرين، بعزلهم واعتبارهم ليسوا من أفراد الشعب، وأنه لا يحق لهم أو لأي فرد انتقاد السلطة والحكومة والظروف الاقتصادية السياسية المتردية، كما إنّ تصريحات الحرس الثوري المعروف بتدخلاته الخارجية في سورية واليمن، تشير إلى جعل "محاولة إبداء الرأي" أو "الاعتراض والمطالبة بالإصلاح" من خلال التظاهر، جريمة، تستوجب إسقاط حقوق صاحبها الإنسانية والدستورية، إن وجدت أصلاً، في دولة تتهم أي معارض لها على أنّه "عدو الله"، وتسارع لتحييده وقمعه.

استخفاف بإرادة الشعب

وفي خضم سيل التصريحات الكثيفة للسلطات الإيرانية على ما يجري، لم تنس، كعادتها، أن تتهم دولاً عربية بعينها في أنّها تقف وراء الاحتجاجات وتدفع بثقلها لتأجيجها، وهو اتهامٌ يوحي أن نظام الملالي غائب عن شعبه وظروفه المعيشية، مستخفاً به وبإرادته بزعم أنه يمكن ببساطة أن يثور "بضغطة زر" تحريضية من دول أخرى.

وكان أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني اتهم السعودية "بتوظيف كل إمكانياتها ضد إيران"، بحسب وكالة "تسنيم" المقربة من الحكومة الإيرانية، التي اعتبرت أيضاً أنّ موقع "تويتر" تم استخدامه للتحريض على المظاهرات في المدن الإيرانية وإشاعة الفوضى، وأنّ معظم التغريدات و"الهاشتاغات" المحرضة، جاءت من المملكة العربية السعودية.

لم تتوقف المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عن الإشارة إلى قمع الحريات في إيران منذ سنوات طويلة

وهذه المحاولة اليائسة لاستثمار الخلاف مع دول الجوار في تصدير ما يحصل اليوم إلى الخارج، تظهر عبثيتها إذا عاد المتابع إلى العام 2009، حين خرجت مظاهرات عارمة في إيران تطالب بالإصلاح والحرية "الحركة الخضراء"، وتم الإيحاء أيضاً أنّ من يقودها هم "عملاء وجهلة"، وأناس عاديون مستعدون للتحرك فجأةً! والسيناريو القمعي الحالي لا يكاد يختلف عما تعرضت له تلك التحركات آنذاك.

تجاهل الأسباب الحقيقية

يشير رد الفعل الكثيف والعنيف من قبل معظم المؤسسات الحكومية والأمنية والإعلامية الإيرانية على التظاهرات، إلى مدى رعبها من أي تحرك شعبي مهما كانت مطالبه بسيطة، ويبدو تناقض السلطات الإيرانية جلياً بين وصفها لهذه الأحداث على أنّها غير ذات تأثير، ورد الفعل العنيف والمكثف تجاهها؛ متجاهلة الأسباب الحقيقية المتمثلة بالوضع الاقتصادي المتردي، والفساد والبيروقراطية التي تنخر أجهزة الدولة، إضافة إلى السياسات القمعية وسلب المواطنين حقوقهم، تحت ذريعة شعارات تستثمرها السلطة في تبرير انتهاكاتها المستمرة منذ عقود.

كما ليس خفياً على الشعب الإيراني سياسات بلاده الخارجية، وحروبه الطائفية في الدول العربية، وتدخلاته في العراق واليمن وسورية ولبنان، وهو ما لا يخدم مصلحة هذا الشعب؛ بل ينصب مباشرة في مصالح السلطة وقيادات أجهزة الدولة التي ترى في كل هذا، إضافة إلى احتكارها للخطاب الديني، أسلوباً لتحافظ هذه السلطة على وجودها و"شرعيتها".

لم تتوقف المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان عن الإشارة إلى قمع الحريات في إيران منذ سنوات طويلة، التي تبين بوضوح أي حال يعيشه الإنسان فيها؛ إذ أظهرت تقارير الحريات الدينية حول العالم في 2017، عدم وجود حق للأفراد "بالتفكير في شؤونهم الدينية بصورة ذاتية أو فردية"، كما تبين الاعتداءات بالسجن والإعدام أحياناً (إيران الثانية عالمياً في تنفيذ أحكام الإعدام)، بحق المعارضين الإيرانيين، والإصلاحيين، والسنّة والقوميات الأخرى، وحتى الفنانين ومخرجي السينما وبعض الكتاب من رجال ونساء، وكذلك الصحفيون وناشطو حقوق الإنسان، تبين المدى الذي وصلته معاناة الفرد الإيراني.

في ظل هذه الوقائع والمؤشرات، والمكابرة في الاعتراف بالأخطاء الفادحة، أو حتى محاولة الإصلاح وتغيير السياسات الحالية، ما يزال ثمة من يمجدون النظام القائم، متعامين عن عجزه عن تحرير وتطوير المواطن الإيراني ذاته، قبل أن يدعو إلى تحرير فلسطين.

 

 

 

الصفحة الرئيسية