إيران ومستقبل الاتفاق النووي بين تياري الحمائم والصقور في نظام الملالي

إيران

إيران ومستقبل الاتفاق النووي بين تياري الحمائم والصقور في نظام الملالي


14/02/2019

ما تزال الإدارة الأمريكية تتحرى إعادة بناء سياستها، وفرض إستراتيجيتها الجديدة في التعامل مع إيران، عبر عدة ملفات، ومن خلال وسائط عديدة، تخلص إلى تعديل سلوك طهران في منطقة الشرق الأوسط، وكبح نفوذها وتأثيراتها المتنامية، في العديد من القضايا والمعارك التي تنخرط فيها؛ ميدانياً وسياسياً، سواء في سوريا واليمن ولبنان والعراق والبحرين.
طهران تحت قبضة العقوبات
وتعددت أشكال الضغط التي تمارسها واشنطن، في سبيل الوصول إلى صيغة تفاوض واتفاق جديدين مع طهران، خاصة، مع فرض حزمتَي العقوبات الاقتصادية؛ الأولى والثانية، وإعادة النظر في جملة من القضايا الرئيسة، التي سبق وأشار إليها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، من بينها؛ الخلل في الاتفاق النووي، والقدرات الصاروخية الإيرانية، وسلوك النظام الإيراني المهدد للأمن والاستقرار الإقليميين.

4 اتجاهات عقدت الوضع الإيراني حول الاتفاق النووي: المرشد الأعلى، والمؤسسات التابعة للتيار المحافظ، والحكومة والحرس الثوري والسوق

بيد أنّ الاتفاق النووي الذي عاد إلى سطح الحياة السياسية الإيرانية، مجدداً، يبعث بحالة من الجدل، ويكشف عن آراء متفاوتة واتجاهات متناقضة، كما يرفع الغطاء عن حالة التوتر القصوى للمجتمع الإيراني الذي يعيش مخاضاً احتجاجياً، منذ نهاية العام 2017 وحتى اللحظة الراهنة؛ وهو ما يطرح على الجميع اختبار السيناريوهات المطروحة بين البقاء والانسحاب في الاتفاق، وجدوى كلّ حالة وتأثيراتها على الداخل، وحسابات المكسب والخسارة للحكومة والنظام، والبحث عن الخيارات البديلة.

ما هي مرجعيات طهران تجاه الخروج من أزمة الاتفاق النووي؟

ثمة اتجاه في الحكومة الإيرانية يتبنّى، وفق رؤيته، مسألة الانسحاب من الاتفاق النووي، وعلى رأس هذا التيار؛ رئيس مجلس صيانة الدستور، أحمد جنتي، الذي وجه انتقادات جمة للحكومة بسبب مواقفها المؤيدة لهذا المسار، وتحت تأثير هجوم هذا التيار وضغطه، ومعارضته لحكومة حسن روحاني، ترددت شائعات تفيد بالانسحاب من الاتفاق النووي، المبرم بين إيران ومجموعة "5+1"، وهو ما اضطر إلى نفيها من جانب وسائل الإعلام المحلية الإيرانية، واعتبرتها الأخيرة ناجمة عن "تيار مشبوه"، بحسب وصفها، ومجرد "شائعات ليس لها أساس من الصحة"، بينما الاتجاه الثاني، يؤيد، بطبيعة الحال، الاستمرار في الاتفاق النووي، وعبر عن ذلك، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني، حسين نقوي حسيني؛ حيث أكد أنّ الخروج من الاتفاق النووي في الوقت الراهن "سيعود على إيران بخسائر وضرر بالغ بنسبة 100%".

اقرأ أيضاً: خامنئي وروحاني يكشفان من وراء انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي
يفصح الخلاف القائم حول الاتفاق النووي، والتوجهات المعارضة والمؤيدة، عن عناصر صراع قائمة في بنية النظام الإيراني، وعدد من التناقضات التي تسفر عن انزياحات مختلفة في المواقف والرؤى، وتحديداً بين التيارين؛ الإصلاحي والمتشدد؛ فالأول الذي يقوده حسن روحاني، حقق مكاسب سياسية عديدة في ظل إبرام الاتفاق، وفاز في دورتين انتخابيتين متتاليتين، بالإضافة إلى حصوله على حصة كبيرة في مقاعد الانتخابات البرلمانية والبلدية، وهو ما عزز من شرعيته، وأدى بالتبعية إلى تراجع مكانة جناح الصقور، وفقدان مساحات تأثيرهم وهيمنتهم التقليدية، سواء السياسية والدينية، وفي مقدمتهم المرشد علي خامنئي.

يفصح الخلاف القائم حول الاتفاق النووي عن عناصر صراع قائمة في بنية النظام الإيراني

تناقضات في بنية النظام الإيراني

وتبرز حدة ذلك الصراع مع عودة الجناح المتشدد، وتقدمه كلاعب رئيس ومؤثر على أنقاض فشل التيار الإصلاحي، ومحاولته استثمار ذلك لحساب استعادة نفوذه السياسي، في خضم النفور الاجتماعي والغضب الشعبي؛ حيث تقوم عناصره وأطرافه بفرض سياستها، والقبض على الملفات للبت فيها؛ فعاد من جديد تفعيل دور المجلس الأعلى للأمن القومي ولجنة مراقبة الاتفاق النووي، وذلك برئاسة أحد القيادات السابقة في الحرس الثوري الإيراني، علي شمخاني، وتنحية سعيد جليلي، وهو رجل سياسة ودبلوماسي سابق.

أبو القاسم: قبول النظام الإيراني التفاوض حول اتفاق جديد قد يحدث مع استشعار طهران بأنّ الاتفاق أصبح بلا جدوى

وبحسب دراسة أصدرها المركز الديمقراطي العربي، تشير إلى أربعة اتجاهات للمواقف التي تسببت في تعقيد الوضع الإيراني حول الاتفاق النووي، وهي: المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، والمؤسسات التابعة للتيار المحافظ، والحكومة و"الحرس الثوري" والسوق؛ فالمرشد الإيراني تزعّم بوضوح موقفاً متصلباً؛ حين قال إنّه إذا مزقت الولايات المتحدة الاتفاق النووي، فإنه سيحرقه، بحسب تعبيره.
وتوضح الدراسة حجم التأثير الذي يفرضه الاقتصاد الإيراني المتداعي، خاصة إثر العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وبالتالي، لا يتحمل تبعات هذا الموقف المتشدد، ورأت أنّ المرشد الأعلى يزيد الوضع ضرراً.
وتؤكد الدراسة أنّ الموقف الأمريكي هو مجرد وسيلة للضغط على إيران، في عدة محاور، تتعلق بضرورة وقف برنامجها الصاروخي الباليستي، والحد من قدراتها العسكرية والنووية التي وصلت لمراحل متقدمة، ومن ثم، الضغط على عدد من الدول، بهدف تقليل التعاون مع طهران، أو وقفه، مؤقتاً، حتى العدول عن سياستها الخارجية الراهنة.

الخبرة التاريخية لإيران في التعاطي مع الأزمات... ماذا عساها تقول؟
وفيما يتصل بمستقبل الاتفاق والاتجاهات البديلة؛ فإنّ إيران، بحسب المركز الديمقراطي العربي، أمام خيارات محددة للتعامل مع مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق؛ فإما ستشهد خروج دول الاتحاد الأوروبي من الاتفاق، وينهار بشكل كامل، أو ستبقى تلك الدول ضامنة لاستمراره، أو ستتجه إيران إلى فتح خيار لصفقة جانبية مع الولايات المتحدة، أو أن تتجه إيران إلى طلب تدخل روسي- صيني أكبر، لحمايتها من أيّ احتمال لصراع عسكري مع الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: أمريكا وروسيا.. دعوة لمفاوضات نووية
وفي حديثه لـ "حفريات"؛ يشير الباحث المصري في المعهد الدولي للدراسات الإيراني، محمود أبو القاسم، إلى أنّ بقاء إيران ضمن الاتفاق النووي يعزز من استمرار مجموعة من المكاسب في المستقبل؛ إذ ستحافظ إيران على بقائها في الاتفاق، ولن تنسحب منه ما دام قابلاً للاستمرار، ولو شكلياً؛ لأنّ هذا الاتفاق ما يزال ورقة مهمة في يد النظام الإيراني، فهو يمنحه شرعية على المستوى الدولي، وتستفيد إيران من بقائه في تحسين صورتها الدولية بوصفها التزمت بتعهداتها الدولية، وقد منح الاتفاق إيران بالفعل فرصة لكسب قضية رمزية أمام محكمة العدل الدولية ضدّ الولايات المتحدة، وهو ما تستفيد منه في تصوير الولايات المتحدة كدولة تنتهج سياسات عدائية، بصورة منفردة، وبعيداً عن الشرعية الدولية.

اقرأ أيضاً: السعودية تدخل "عالم النووي"
ويؤكد أبو القاسم أنّ قبول النظام الإيراني التفاوض حول اتفاق جديد، قد يحدث مع استشعاره بأنّ الاتفاق أصبح بلا جدوى، وأنّ النظام يواجه أزمة بقاء حقيقية؛ وهو ما يمكن استكشافه من خلال الخبرة التاريخية؛ حيث قبل النظام عملية التفاوض، تحت تأثير العقوبات وهو ما قاد إلى الاتفاق النووي عام 2015.
ويتابع "وكما لعبت أوروبا دوراً بارزاً في الوصول إلى هذا الاتفاق، فإنّ لديها مساحة من التفاهمات مع إيران؛ حيث يمكنها أن تمهد الطريق نحو اتفاق جديد، خصوصاً، بعد الإعلان عن تدشين دول الترويكا لآلية مالية للتبادل المالي مع إيران، مؤخراً، وبالتالي، لن تخسر إيران ضمنه كل شيء، لكنه سيحفظ لكافة الأطراف ماء وجهها، ويبدو أنّ الوصول إلى تلك المحطة أقرب الاحتمالات، لكن سيظل المجهول ضمن هذه العملية حتى إعلانها، هو حجم مكاسب وخسائر إيران من مثل هذا الاتفاق".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية