مؤتمر وارسو امتحان آخر لواشنطن

مؤتمر وارسو امتحان آخر لواشنطن


17/02/2019

خيرالله خيرالله

ليس مؤتمر وارسو الذي دعت اليه الولايات المتحدة وبولندا حدثا عاديا. انّه مساهمة في عزل ايران اكثر وتأكيد وجود نيّة لحملها على تغيير سلوكها. لعلّ اهمّ ما في هذا المؤتمر الذي شاركت فيه ما يزيد على ستين دولة انه سيسمح مرّة اخرى بمعرفة ما اذا كانت إدارة دونالد ترامب جدّية فعلا في الذهاب الى النهاية في المواجهة مع النظام الايراني... ام ان كلّ ما في الامر خطبا نارية لا ترجمة لها على ارض الواقع، على الرغم من تمزيق الرئيس دونالد ترامب الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني. 

يمكن اعتبار مؤتمر وارسو، الذي تخللته دعوة موجهة الى دول أوروبا من نائب الرئيس الاميركي مايك بنس كي تحذو حذو الولايات المتحدة بالنسبة الى الملف النووي الايراني، حلقة جديدة تضاف الى سلسلة طويلة من المواقف الاميركية. بدأت هذه المواقف بخطاب لترامب القاه بعيد دخوله البيت الأبيض، قبل ما يزيد على عامين، حدّد فيه بوضوح ليس بعده وضوح المآخذ الاميركية على السلوك الايراني. بدأ الرئيس الاميركي بسرد للاحداث التي ترافقت مع قيام "الجمهورية الإسلامية" في ايران مباشرة بعد سقوط نظام الشاه في شباط – فبراير من العام 1979. لم يترك أي حدث كبير يعتبره "إرهابا" الّا واتى على ذكره. توقف عند احتجاز الديبلوماسيين الاميركيين في طهران 444 يوما في تشرين الثاني – نوفمبر 1979. لم يفته الدور الايراني في نسف السفارة الاميركية في بيروت في نيسان – ابريل 1983 ثمّ مقر المارينز قرب مطار العاصمة اللبنانية في تشرين الاوّل – أكتوبر من السنة نفسها ولا خطف مواطنين اميركيين في لبنان في منتصف ثمانينات القرن الماضي. كشف ترامب انّ ادارته تعرف ايران بدقّة شديدة مؤكّدا انّها ستكون مختلفة عن الإدارات السابقة. لعلّ اهم ما في كلّ خطب الرئيس الاميركي وتصريحاته هو تلك الحملة على سلوك إدارة باراك أوباما التي اختزلت كل أزمات الشرق الاوسط في الملفّ النووي الايراني. رفضت تلك الإدارة بذل أي جهد يسمح لها باستيعاب ان المشكلة مع ايران ليست في الملفّ النووي فقط. المشكلة أوسع من ذلك بكثير. هذه المشكلة هي مع المشروع التوسّعي الايراني الذي يستثمر في الغرائز المذهبية من اجل تدمير المجتمعات العربية وجعلها تحت سطوة الميليشيات التابعة لـ"الحرس الثوري". بهذه الطريقة، استُهدف العراق واستُهدفت سوريا ولبنان واستُهدف اليمن الذي باتت عاصمته رهينة لدى "انصار اللّه". 

اتسم مؤتمر وارسو بلهجة حازمة. رأى وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو في افتتاح المؤتمر أن "إيران وحزب الله وتفشي الإرهاب أخطار تهدد الشرق الأوسط". اعرب عن رغبة واشنطن في فرض مزيد من العقوبات على النظام الإيراني لوقف "عدوان" الرئيس الايراني حسن روحاني وقائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الجنرال قاسم سليماني على الشرق الأوسط. هناك باختصار تأكيد آخر لوجود توجه أميركي جديد والى تسمية الأشياء باسمائها والتعاطي مع المسؤولين الايرانيين بطريقة مختلفة اكثر هجومية من الماضي.

لم يكن وزير الخارجية البولندي اقلّ وضوحا من بومبيو في مؤتمر وارسو، المخصص للبحث في الوضع في الشرق الأوسط، وبرنامج إيران النووي والحد من انتشار أسلحة الدمار. ابدى ياتسيك تشابوتوفيتش، قلقه حيال برنامج إيران النووي. وقال: "بلادنا معنية باتخاذ إجراءات تعزز السلام" في الشرق الاوسط. وأضاف: "الوضع في الشرق الأوسط يتطلب منا اهتماماً خاص." زايد عليه بومبيو بقوله: "إن إيران تشكل أخطر تهديد في الشرق الأوسط. لا يستطيع العالم تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط من دون مواجهة إيران."

بعيدا عن التصعيد الكلامي، كان لا بدّ من ملاحظة ان ثمّة تغييرا في الموقف العربي عموما من إسرائيل. جلس وزير الخارجية اليمني بين وزير الخارجية الاميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي كان لديه لقاء مع الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي. تصرّف بن علوي بشكل لائق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي جاء يشكر الوزير العماني على الدعوة التي وجّهها اليه السلطان قابوس العام الماضي لزيارة مسقط. رأى في زيارته لمسقط "تحوّلا كبيرا" على الصعيد الإقليمي. بدا واضحا ان هناك أجواء جديدة في المنطقة خلقتها زيارة نتانياهو لسلطنة عُمان التي ترتبط بعلاقات خاصة ومميّزة مع ايران، بغض النظر عن طبيعة النظام فيها. لا فارق في مسقط بين الشاه والخميني او بين الشاه والذين خلفوا الخميني. لم يكن التصرّف العُماني، الذي يشير الى وجود جسر بين ايران واسرائيل، سوى جانب من الصورة التي تغيّرت في المنطقة بعدما اكتشف معظم العرب مدى خطورة ايران...

ما لا بدّ من ملاحظته أيضا هو ذلك الانقسام الاوروبي تجاه ايران. لا وجود لموقف أوروبي موحّد من "الجمهورية الإسلامية". بولندا، على سبيل المثال، متشدّدة. تبدو اكثر تشدّدا من الولايات المتحدة في حين تعتمد دولة مثل فرنسا موقفا حائرا. يقوم هذا الموقف على رفض تطوير ايران للصواريخ الباليستية والتمسك في الوقت ذاته بالاتفاق في شأن ملفّها النووي.

هناك ما يمكن وصفه بضمور الدور للأوروبي على الصعيد العالمي. فقد الاتحاد الاوروبي الكثير من وزنه. بريطانيا غارقة في ازمتها الداخلية التي تسبب بها الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وفرنسا تعاني من اضطرابات اجتماعية يصعب ان تخرج منها قريبا. امّا المانيا، فهي في مرحلة ترقب لعهد ما بعد المستشارة انجيلا ميركل.

فقدت أوروبا الكثير من ثقلها في وقت تبين ان الصين ليست على استعداد للذهاب بعيدا في أي مواجهة مع الولايات المتحدة، خصوصا بعدما تبيّن ان اقتصادها لا يتحمّل مثل هذه المواجهة على الرغم من حجمه الكبير.

تبقى روسيا التي كشفتها القمة الثلاثية في سوتشي بين الرئيس فلاديمير بوتين وحسن روحاني والرئيس التركي رجب طيب اردوغان. لا تستطيع روسيا ايجاد تفاهم بينها وبين تركيا في شأن شمال سوريا، فيما لا يمكن ان تستمر الى ما لانهاية في تأمين غطاء للوجود الايراني في سوريا. عين روسيا على صفقة تريد عقدها مع اميركا في سوريا. ثمّة من يعتبر ان هذه الصفقة تمّت وانّ الانسحاب العسكري الاميركي من شرق الفرات جزء من هذه الصفقة. إضافة الى ذلك، ظهر بوضوح انّ روسيا لا يمكنها الّا ان تأخذ في الاعتبار مصالح إسرائيل وان العلاقة الروسية – الإسرائيلية في غاية الاهمّية بالنسبة الى المقيم في الكرملين.

يعكس مؤتمر وارسو التغيّرات التي يشهدها العالم والشرق الاوسط والتوازنات الجديدة فيهما. عاجلا ام آجلا سيكون هناك جواب عن السؤال الذي لا يزال مطروحا منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة. هل اميركا جدّية في وضع حدّ للخطر الايراني وهل من ترجمة للكلام الناري الذي يصدر عن كبار المسؤولين في الإدارة التي تريد ان تكون مختلفة عن إدارة باراك أوباما؟

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية