صحيفة سعودية تطالب تركيا بإعادة النفائس التـي نقلها فخري باشا للأستانة

العثمانيون

صحيفة سعودية تطالب تركيا بإعادة النفائس التـي نقلها فخري باشا للأستانة


17/01/2018

أثارت التغريدة التي أعاد نشرها وزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبدالله بن زايد، قبل أسابيع، عن الحقائق التاريخية المهمة التي حدثت في عهد الوالي العثماني على المدينة المنورة فخري باشا إبّان الحرب العالمية الأولى، عاصفة غضب في أوساط السلطة التركية، والتي لا ترى أنّ ما اقترفه الوالي العثماني آنذاك- من عمليات تهجير قسري لسكان المدينة المنورة أو نقل كامل أمانات الحجرة النبوية وكل ما تحتويه من نفائس إلى تركيا والإبقاء عليها- تعد جرائم!

ونشرت صحيفة "عكاظ" السعودية الأحد الماضي تحقيقاً علمياً موثقاً حول تلك الأمانات المقدسة في الحجرة النبوية الشريفة، التي نقلها الوالي العثماني إلى "الأستانة"، بحجة إجراء الصيانة لها وإعادتها كما جاء في أرشيف الوثائق العثمانية والمحاضر الموثقة التي تم رصدها في هذا التحقيق. وقالت الصحيفة، التي تعدُّ الصحيفة الرسمية الأولى في المملكة: هذه الأمانات غادرت منذ أكثر من مائة عام مضت ولم تعد إلى أصحابها، من دون مبررات، فما هي هذه الأمانات ومصيرها، ولماذا لم تعد؟

الأمانات التي نقلها فخري باشا في 1917م قبل مغادرتها إلى إسطنبول

لمحة تاريخية
لقد كانت مقتنيات الحجرة النبوية الشريفة تحفظ منذ زمن الصحابة رضوان الله عليهم، ويستشهد في ذلك بالسيدة أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنها، لاحتفاظها بجُبَّةَ الرسول، عليه الصلاة والسلام، وأخذتها عن السيدة عائشة، رضي الله عنها؛ إذ روى مسلم عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت "هذه جُبَّةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَأَخْرَجَتْ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسْرَوَانِيَّةٍ لها لِبْنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ، فقالت: هذه كانت عند عائشة حتى قُبِضَتْ، فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا".

تحقيق علمي موثق يظهر الأمانات المقدسة في الحجرة النبوية الشريفة، التي نقلها الوالي العثماني إلى "الأستانة"

واستناداً إلى دراسة مستفيضة طرحتها "موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة" في مجلدها الثامن تحت باب "نفائس الحجرة النبوية الشريفة"، فمنذ أن نفذ والي المدينة عمر بن عبدالعزيز، أوامر الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك (86-96هـ /‏‏705-714م) بجعل القبر الشريف في داخل المسجد النبوي الشريف، كان للحجرة النبوية الشريفة الأهمية البالغة لدى الحكام، والولاة، والأمراء، والأعيان؛ فعملوا على صيانتها، وتقديم الهدايا من نفائس الأحجار الكريمة، والجواهر، والستائر، والشمعدانات، والثريات، والقناديل الذهبية والفضية، والمباخر، وغيرها من النفائس التي نسبت إلى الحجرة النبوية الشريفة طيلة تاريخها. وكانت الهدايا التي تقدم للحجرة الشريفة بين حين وحين من أعيان المسلمين، من الحكام، والأمراء، والموسرين، قد بلغت ذروتها في العصرين المملوكي والعثماني، فيما كان من الصعب حصر الهدايا وإحصاؤها قبل هذين العصرين، "إلا ما تناثر في بعض كتب التاريخ من وقائع تخص ما قدم للحجرة الشريفة قبل ذلك"، [موسوعة مكة المكرمة والمدينة المنورة، المجلد الثامن، ص 88].

 

 

أقدم الهدايا
كان من أقدم ما تمّ الوقوف عليه من إشارة لنفائس الحجرة النبوية الشريفة، هو ما رواه ابن النجار المتوفى سنة 643هـ، في كتابه (الدرة الثمينة في أخبار المدينة)؛ حيث كان أول من أشار إلى وجود هدايا قناديل الذهب والفضة التي عُلّقتْ حول الحجرة الشريفة، وأكد ذلك الإمام السمهودي، المتوفى عام 911هـ في كتابه (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى)، ويحتوي على وصف لمعالم المدينة، سواء المعالم الموجودة في زمانه، وكتب عنها كتابة شاهد عيان ووصفها بدقة، أو المعالم التي زالت، فحاول أن يتتبع آثارها ونقل عمّن كتب عنها. وأضاف السمهودي على ما أرخه ابن النجار، بقوله: "واستمر عمل الملوك وأرباب الحشمة، إلى زماننا هذا (أي زمن السمهودي)، على الإهداء إلى الحجرة الشريفة قناديل الذهب والفضة".

مخطوط لأحد مصاحف الحجرة النبوية

الضبط الإحصائي لمحتويات الحجرة
إنّ الإحصاء العددي لنفائس الحجرة النبوية الشريفة، منذ ولاية عمر بن عبدالعزيز على المدينة المنورة حتى العصر المملوكي، لا يتوافر في المصادر، إلا من نصوص وصفية قليلة، جاء بعضها في كتب الرحلات، كرحلة ابن جبير للمدينة المنورة سنة 580هـ /‏‏1184م، حين أحصى 20 قنديلاً، منها اثنان من الذهب و18 قنديلاً من الفضة، وإحصاء صاحب رحلة (الاستبصار في عجائب الأمصار) لـ 284 قنديلاً في المسجد النبوي الشريف، وإحصاء ابن رستة لـ 88 قنديلاً، مع ثريا القبلة، في زيارته للمدينة الشريفة سنة 290هـ /‏‏903م.

فخري باشا

تقرير 1908
وفق تحقيق صحيفة "عكاظ" السعودية، فإنّ آخر تقرير إحصائي لنفائس الحرم النبوي الشريف والحجرة النبوية الشريفة أعد سنة 1326هـ /‏‏1908م، من قبل مشيخة الحرم النبوي الشريف، وتم جرد المحتويات بناءً على طلب من السلطان العثماني، موجه إلى الصدر الأعظم في الباب العالي العثماني، في محرم من سنة 1326هـ /‏‏1908م. وعلى إثره تم تكليف لجنة مكونة من 10 مسؤولين في الحرم النبوي الشريف، على رأسهم أمين خزانة الحرم النبوي في ذلك الزمن، محمد راسم، و7 من بوابي الحجرة النبوية، ونقيب أغوات الحرم النبوي محمد أمين، ومستلم الحرم النبوي بلال عنبر، وهو المسؤول عن تسجيل واستلام ما يهدى إلى الحرم النبوي الشريف.

بلغ إجمالي القطع التي نقلت في عهد فخري باشا 2320 قطعة، منها صحف ومجوهرات وتعاليق وأحجار كريمة

وقامت اللجنة بإعداد جدول بأصناف المقتنيات النفيسة، للحرم النبوي والحجرة الشريفة، مع تقدير قيمة الأعيان، وجهة الإهداء (إن وجدت)، وصدر تقرير اللجنة في العاشر من رمضان سنة 1326هـ /‏‏1908م، وتم تقديمه إلى مشيخة الحرم النبوي الشريف، التي قامت بدورها برفعه إلى نظارة الأوقاف العثمانية، ومنها إلى الصدر الأعظم، بهدف إطلاع السلطان العثماني في إسطنبول عليه، لاتخاذ اللازم بشأنه. وصادقت نظارة الأوقاف العثمانية على التقرير بتاريخ 27 ذي الحجة سنة 1326هـ /‏‏1908م.

الأمانات المقدسة المنقولة إلى إسطنبول

لماذا لم تعد الأمانات إلى أهلها؟!
لقد تضمن جدول المقتنيات النفيسة للحرم النبوي، والحجرة الشريفة، ما مجموعه 391 صنفاً من النفائس. وأشارت اللجنة إلى أن كل صنف بكلمة (قطعة)، مما يوحي إلى أن مجموع عدد المقتنيات هو (391 قطعة)، بينما الصحيح هو أن مجموع القطع يفوق ذلك العدد كثيراً، حيث بلغ إجمالي القطع، حسب جداول التقرير العثماني لعام 1326هـ /‏‏1908م، 2320 قطعة.
وكانت تفاصيل محتويات البيان الإحصائي الأخير للمقتنيات عام 1326هـ /‏‏1908م، على النحو التالي:

أولاً: المصاحف الشريفة وأجزاؤها: بلغ عدد المصاحف النادرة في التقرير 5 مصاحف نفيسة؛ منها: مصحف سيدنا عثمان بن عفان، ومصحف بخط محمد أمين وهو مؤرخ بسنة 1266هـ /‏‏1849م، ومصحف بخط شعبان بن محمد مؤرخ بسنة 1044هـ /‏‏1634م. وبلغ عدد الأجزاء من المصحف الشريف 100 جزء، نسخت بأقلام: علي البغدادي، وعلي رختوان، ومصطفى خواجه. وبلغ المجموع الإجمالي 105 مصاحف وأجزاء من القرآن الكريم.
ثانياً: المجوهرات: 4 قطع من ألماس نادرة الوجود ولا تقدر بثمن، ويطلق عليها مجموعة (الكوكب الدري): القطعة الأولى زنة 100 قيراط، والثانية زنة 80 قيراطاً، والثالثة زنة 40 قيراطاً، والرابعة زنة 20 قيراطاً.
هذه القطع الأربع وضعت في 3 قواعد ذهبية، الرابعة من الذهب الأبيض. وكل قاعدة مرصعة بقطع أصغر من ألماس والياقوت. وكل ماسة في حجم البندق. وكل ياقوتة في حجم حبة الحمص، بالإضافة إلى قطع ألماس الرئيسية الأربع، بلغ مجموع القطع الأصغر حجما نحو 40 قطعة، وجميعها من إهداء السلطان أحمد خان الأول. ومجموع القطع 44 قطعة.
ثالثاً: التعاليق: تعاليق ذهبية وفضية مرصعة بالأحجار الكريمة، كالألماس، واللؤلؤ، والياقوت، والزمرد، والفيروز، والبرلنت، وغيرها من أندر الأحجار وأثمنها، وأكبرها حجماً. وتضم تلك النفائس التعاليق الجدارية، والسقفية.

وتختم "عكاظ" تحقيقها بالتنويه إلى أنّ هذه هي الحقائق الموثقة عن قضية "الأمانات المقدسة" التي نقلها الوالي العثماني فخري باشا من الحجرة النبوية الشريفة إلى تركيا على أنها بحسب الوثائق العثمانية "أمانات"، وأن هذه النفائس أخرجت بحجة الترميم والصيانة، ما يعني، بحسب الصحيفة، أنه "لا يسعنا القول سوى ما قاله سبحانه وتعالى: (إنّ الله يأمركم أنْ تُؤدوا الأمانات إلى أهلها)".

الصفحة الرئيسية