الوهابية: هل لها علاقة بأفكار الإسلام السياسي في العصر الحديث؟

الوهابية: هل لها علاقة بأفكار الإسلام السياسي في العصر الحديث؟

الوهابية: هل لها علاقة بأفكار الإسلام السياسي في العصر الحديث؟


21/03/2024

الوهابية فكر وحراك منسوب إلى الفقيه السنّي، محمد بن عبد الوهاب (1703 - 1791)؛ الذي تحالف مع مؤسس الدولة السعودية الأولى، أمير الدرعية، محمد بن سعود (1697 - 1768)، جنوب هضبة نجد.

دعوة ابن عبد الوهاب كانت، كما وصفها، دعوة إصلاحية عبّر عنها من خلال أشهر مؤلفاته وهو كتاب "التوحيد"

أسسا معاً سلطة سياسية تقيم الشرع، بحسب اتفاق الدرعية، الذي عُقد عام 1745، واتفقا فيه على؛ إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحاربة البدع والخرافات، والجهاد في سبيل الله، وشنّ هذا التحالف السياسي الدعوي سلسلة من الغزوات في الجزيرة العربية، يطلق عليها معارضوها "الوهابية"، إلا أنّ متّبعيها يطلقون عليها "السلفية"؛ باعتبارهم يمثلون السلف الصالح، كما ورد في كتاب تشريح الفكر السلفي للباحث حسن محمد رمضان.  
كما يرى محمد حافظ دياب، في كتابه "السلفيون والسياسة"؛ أنّ الوهابية مشروع سلطنة إسلامية حديثة، لا تقف عند حدود جغرافية؛ بل هي مشروع إمارة إسلامية قابلة للتوسع، هنا يُمكننا استرجاع ما قاله ابن خلدون، في مقدمته؛ حين تحدث عن إمكانية التقاء الدعوة الدينية مع العصبية القبلية في مصالح مشتركة، علماً بأنّ مقدمة ابن خلدون سبقت نشأة  الحركة الوهابية بحوالي 400 عام.   
الوهابية: توحيد أم فتنة أم حراك سياسي؟
يُنظر للوهابية من خلال ثلاثة أوجه مختلفة: 
1- التوحيد: حيث يؤكد أنصار الوهابية الأوائل أنّهم امتداد لزمن الغزوات الأولى، بحسب رؤيتهم، ويعدّون التحالف السياسي الدعوي بين أمير الدرعية والشيخ محمد عبد الوهاب بمثابة حركة صحوة إسلامية سلفية، قامت على أساس عقيدة التوحيد، والعودة والتمسك بمنهاج السلف الصالح، ويطلقون على أنفسهم "الموحدين".

اقرأ أيضاً: ابن تيمية.. والجدل المستمر
 
2-  الفتنة العقائدية: يلقّب المسلمون المناهضون للوهابية هذا الحراك بـ "فتنة الوهابية"، بينما تبرّأ منها بعض أتباع السلفية، وقالوا إنّ السلفية بريئة من الوهابية، واتهموا الوهابيين بأنّهم أدعياء السلفية، ونذكر هنا كتاب "فتنة الوهابية"؛ الذي قام بتأليفه الشيخ أحمد الدحلان (توفي 1886)، وهو إمام الحرمين الشريفين، ومفتٍ وفقيه شافعي، وفيه تناول ما أسماه "فظائع الوهابيين"؛ أي إنّ إمام الحرمين نفسه كان في عداء مع هذا التحالف.

شاكر النابلسي: إنّ تعاليم ابن عبد الوهاب ستلعب دوراً فيما بعد في تقوية شوكة النزعة السلفية لمواجهة الإسلام العثماني

3- الغطاء السياسي والشرعية الدينية: يمثل الفقيه السني، محمد بن عبد الوهاب، الدعوة الدينية التي تحتاج إلى غطاء سياسي وعزوة قبلية، بينما الأمير محمد بن سعود يُمثل سلطة سياسية في حاجة إلى شرعية دينية؛ فبحسب هذا التحالف يقوم الأمير ابن سعود بتسيير الأمور السياسية، بينما يتفرّغ ابن عبد الوهاب إلى الدعوة إلى توحيد الله، والرقابة الصارمة على التصرفات المجتمعية والأحوال الشخصية، بحسب ما جاء في كتاب "المجد في تاريخ نجد" لعثمان النجدي الحنبلي.
وهذا التحالف يُعدّ اللبنة الأولى لفتاوى السلفية بعدم الخروج على ولي الأمر، وهم معروفون باسم سلفية "الولاة"؛ أي إنّهم سلفيون تابعون للوالي أو السلطان، ورغم أنّ الحديث والتأريخ يخصّ تاريخ السلفية الوهابية في شبه الجزيرة العربية، في القرن الـ 18، إلا أنّه لا يجب أن نغفل أنّ (تحالف الغطاء السياسي والشرعية الدينية) هو الأساس الذي تقوم عليه معظم البلاد العربية، حتى يومنا هذا، حتى إن لم تتصدر فيها السلفية المشهد.
هل كان عبد الوهاب ناقلاً لتراث ابن تيمية أم ُمجدداً؟
السردية التاريخية تمثّل دوراً في فهم الخطاب الديني المـُصاحب للحركة الوهابية السلفية، فلم يكن ابن عبد الوهاب مجرد ناقل لاجتهادات ابن تيمية، أو ابن قيم الجوزية، تلميذه، بل كانت له رؤيته الفقهية المستمدة مباشرة من النص الديني الذي استند إليه في مؤلفاته جمعاء، وليس فقط في كتاب التوحيد، وهذا بديهيّ؛ كونه متبحراً في الفقه السنّي؛ لذلك عرف باسم الإمام المجدد.

اقرأ أيضاً: ابن تيمية.. لماذا مايزال يثير كلّ هذا الصخب؟
يقول الشيخ الناصر الألباني، في كتابه "حقيقة الدعوة السلفية": إنّ ابن عبد الوهاب كان سلفياً في العقيدة، وله الفضل الأول، من بعد شيخ الإسلام، في نشر دعوة التوحيد في العالم الإسلامي، ولعلّ اجتهاده في محاربة الوثنية والشرك هو ما صرفه عن إتمام الاشتغال بالدعوة السلفية.
كما تأثر ابن عبد الوهاب بمؤلفات ابن قيم الجوزية، ومنها "أحكام أهل الذمة"، الذي أورد فيه تفاصيل عن كيفية جمع الجزية، ومعاشرة أهل الذمة، أو "النكاح"، كما ورد في كتاباته.

اقرأ أيضاً: ابن تيمية: شيخ الإسلام المتنازع عليه
تجلّت شخصيّة محمد بن عبد الوهاب في عدد من مؤلفاته، ومن بينها: كتاب "كشف الشبهات"، وكتاب "مسائل الجاهلية"، وفيهما دعم أطروحته بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية، ولأنّه كان داعية دينيّاً لخلافة سياسية في نواتها الأولى، أكّد ضرورة السمع والطاعة للحاكم، واستشهد بالحديث النبوي الشريف: (إنّ الله يرضى لكم ثلاثاً أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) (أخرجه مسلم، في كتاب "الأقضية"، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة 3/1340، وراه أحمد في مسنده 2/367)، وهنا يرى ابن عبد الوهاب أنّ تفرقة المسلمين نابعة من جنوح بعضهم إلى الطرق الصوفية، لذا فإنّ حمل الناس على الاعتصام بحبل الله يتطلب قتال الصوفية. 
الوهابية تواجه التديّن الشعبي تحت راية الإصلاح الديني 
سعت الإمارة الإسلامية الدرعية، التي أسسها محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود، إلى ما أسمته الاستقرار والاستقامة، فأعلنت الجهاد ضدّ المرتدين، وحرّمت الرقص والموسيقى وإلقاء الشعر، واستخدام الزينة والمجوهرات، كما ورد في كتاب "التوحيد"، لمحمد بن عبد الوهاب، كما طبّق ابن عبد الوهاب الحدود بحسب الشريعة الإسلامية بشكل صارم، ويستشهد ابن عبد الوهاب بحديث خلافة النبوة، في مخطوطة كتبها بعنوان "نصيحة المسلمين بأحاديث خاتم المرسلين"، وتمّت طباعتها فيما بعد كتاباً. 

الإسلام الشعبي قد يكون فضاءً للتسامح وحصنًا ضدّ التطرف، لكنه قد ينم أيضاً عن عدم التبحر في العلوم الفقهية

حديث النبوة يقول فيه الرسول، صلّى الله عليه وسلّم، إنّه ستأتي خلافة من بعده تسير على منهج النبوة: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ..." (أخرجه الإمام أحمد 30/355). 
دعوة ابن عبد الوهاب كانت، كما وصفها، دعوة إصلاحية؛ عبّر عنها من خلال أشهر مؤلفاته؛ ألا وهو كتاب "التوحيد"، فقال: "أدعو إلى الله وسنّة نبيه، وطريقتنا هي طريقة أهل السلف، ومذهبنا في الأصول مذهب أهل السنّة والجماعة، ومذهبنا في الفروع مذهب الإمام ابن حنبل".

اقرأ أيضاً: السرورية.. صحوة ابن تيمية وبعث سيد قطب!
ويقول شاكر النابلسي، في كتابه تهافت الأصولية: إنّ تعاليم ابن عبد الوهاب ستلعب دوراً فيما بعد في تقوية شوكة النزعة السلفية لمواجهة الإسلام العثماني (المذهب الحنفي)؛ الذي انحرف عن تطبيق الشريعة، وتأثر بالغرب، بحسب رؤية ابن عبد الوهاب، فيما عُرف بالإسلام البدعي (أي القائم على البدع)، وإن دققنا في تلك الأطروحة؛ سنجد أنّ الإسلام البدعي المقصود به الإسلام الشعبي، وهذا الإسلام الشعبي أصبح في العقود الأخيرة هدفًا للدعوات والتنظيمات السلفية المعاصرة، التي ترى أنّ هذا الإسلام الشعبي بدعة وجهل بالدين وقواعده. 
كلّ ديانات العالم لها وجه شعبي؛ فالتدين الشعبي في عمومه هو مجموعة الآراء والممارسات الدينية المنتشرة بين الناس، بعيداً عن اللاهوتية المتشددة (راجع: Don Yoder, Towards a definition of folk Religion ,، نحو تعريف للدين الشعبي ، دان يودر، 1974).
تذهب بعض الآراء البحثية إلى أنّ الإسلام الشعبي قد يكون فضاءً للتسامح وحصنًا ضدّ التطرف، لكنه قد ينم أيضاً عن عدم التبحر في العلوم الفقهية، وهو ما زعمت التيارات السلفية أنّها تسعى إلى تصحيحه في العصور الراهنة.

اقرأ أيضاً: "داعش" إذ يحرض على قتل الآباء والأقربين..هل المسؤول ابن تيمية؟
وكانت البداية لدى محمد بن عبد الوهاب النجدي؛ الذي تراءى له أنّ المفاسد عمّت بسبب هذا الدين الشعبي، البدعي، الذي جعل الرعية تتساهل في دينها، وسيستمر هذا الخطاب في مفردات السلفية الحركية والدعوية في القرن الـ 20 والـ 21، فأقوى متحدٍّ للسلفية ليس بالضرورة تلك القوى الليبرالية، وإنما طبقة الدين الشعبي، التي غالباً ما تقف في وجه السلفية وجماعات الإسلام السياسي، بحجة أنّهم لا يطبقون تعاليم الإسلام السمحة.
ظهرت دعوة ابن عبد الوهاب في فترة سيطرت فيها الطرق الصوفية، بتقاليدها وثقافتها، على المجتمعات الإسلامية، لهذا شنّ الشيخ هجوماً على التقاليد الدينية الشعبية الرائجة ونبذ البدع، فقام بهدم الأضرحة .
أصبحت الحركة الوهابية تعبيراً عن السلفية، ومهداً لتيارات الإسلام السياسي، التي سترفع شعار العودة إلى الأصول، ومن هنا اختلط لفظ السلفية مع الأصولية، وأضحى نواة الإسلام السياسي في العصر الحديث.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية