الديون بين الدول.. كيف يمكن للأرقام أن تشكّل نظام السياسة والاقتصاد في العالم؟

الديون بين الدول.. كيف يمكن للأرقام أن تشكّل نظام السياسة والاقتصاد في العالم؟
الديون

الديون بين الدول.. كيف يمكن للأرقام أن تشكّل نظام السياسة والاقتصاد في العالم؟


06/03/2019

نسمع كثيراً عن أرقام بعشرات المليارات، هي ديون متراكمة على دول فقيرة، فهل بالإمكان حقاً أن يتم سداد هذه المبالغ وهي مستمرة في التعاظم سنوياً بسبب الفوائد؟ ولماذا تستمر حركة الإقراض والإدانة على الرغم من هذه الأرقام وتلاشي فرص سدادها؟

الأساس في وجود الديون بين الدول
تتلخص فكرة الدَيْن، أي دَيْن، ببساطة، بوجود طرفين، يمتلك أحدهما فائضاً من المال، والآخر بحاجة له، وكذلك هو المبدأ بين الدول؛ فهناك دول تمكّنت من مراكمة الثروات، بفعل عوامل عديدة، تتلخّص في التطوّر الصناعي، وغلبة كفّة الصادرات في الميزان التجاري، إضافة إلى عوامل سياسية وعسكرية، مكّنتها وما تزال، من فرض سياسات اقتصادية وعلاقات تجارية، تضمن مصالحها، حول العالم. وفي المقابل، هناك دول تفتقد كلّ ذلك، وتستمر في حالة دائمة من الحاجة ونقص الوفرة المالية، ما يضطرها للبحث الدائم عن مصادر التمويل لتغطية احتياجاتها وتنفيذ مشاريعها.

الاستعمار والثورة الصناعية.. والبداية

انتشرت الديون على نحو واسع منذ القرن التاسع عشر، وذلك في أعقاب انطلاق الثورة الصناعية، وما رافقها -في دول أوروبا الغربية تحديداً- من إنتاج وفائض في الإنتاج، نتج عنه البدء بعمليات تصدير السلع.

ترتبط عمليات إعادة الجدولة التي يشرف عليها نادي باريس باشتراطات سياسية

وكانت هذه الثورة مسبوقة، ومرافقة، لقرون من التاريخ الاستعماري، الذي ضمن للدول المستعمِرة، الصناعية فيما بعد، مراكمة الثروات، والمواد الخام اللازمة للتصنيع، وضمان استمرار تدفّقها، إضافة إلى ضمان توفّر الأسواق المطلوبة لتصريف فائض الإنتاج، في ظلّ فرض سياسات حماية جمركية، ضمنت استمرار رجحان كفّة الصادرات على الواردات.

ومع بدء صعود ونهوض دول وإمبراطوريات عدّة حول العالم خلال القرن التاسع عشر، اضطّرت هذه الدول للاقتراض من الدول الغنيّة صاحبة الوفرة المالية، وهو ما حصل مع دول صاعدة من آسيا، وحتى أمريكا اللاتينية، في المقابل كانت الدول الأغنى، في حاجة للاستفادة من فائض الوفرة المالية لديها؛ وذلك من خلال إقراضها وأخذ الفوائد عليها، بدلاً من تخزينها والاحتفاظ بها كمجرد أرقام في خزائن الدولة.

اقرأ أيضاً: قطر تقترض مليارات الدولارات...هذه هي الأسباب

وقد استغلت القوى الاستعمارية هذه الديون لتبرير التدخّل العسكري وإخضاع الدول المَدينة مراراً، كما حصل عندما دخلت بريطانيا إلى مصر عام 1882، على إثر تراكم الديون في عهد الخديوي إسماعيل وقيام ثورة عُرابي، أو عندما فرضت فرنسا الحماية على تونس عام 1881 على إثر عجزها عن سداد ديونها.

رسم كاريكاتيري يصوّر الخديوي إسماعيل بعد عزله وبجانبه سجلات الديون المتراكمة

استمرّت عمليات الاستدانة بالتصاعد في القرن العشرين، قبل أن يتزايد حجم الديون والاستدانة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، أثناء مرحلة تفكّك المستعمرات ونشوء واستقلال الدول حول العالم، والتي كان ميزانها التجاري في حالة عجز دائم بسبب رجحان كفّة الواردات، كما كانت في حاجة ماسّة للأموال لتنفيذ مشاريع التنمية، وفي هذه المرحلة ظهر المسمى الاقتصادي-السياسي لهذه الدول بـ "النامية"؛ باعتبار أنّها كانت تمرّ بمرحلة "النمو"، على طريق اللحاق بركب الدول الصناعية الغنيّة، والتي توصف بـ "المتقدمة"، على خط مسار التاريخ المتَخَيَل.

صدمة عام 1973.. وتضاعف حجم الديون

ولكن الديون الدولية تصاعدت على نحو غير مسبوق، عقب ارتفاع أسعار النفط المفاجئ عام 1973، على إثر قرار الدول العربية بحظر تصدير النفط أثناء حرب تشرين الأول (أكتوبر) ذلك العام، وهو ما أدى آنذاك إلى تحقيق وفرة مالية لدى الدول المصدّرة للنفط، تم تحويلها إلى المصارف المالية في دول الشمال (الدول الغنيّة)، ما خلق لديها وفرة مالية كبيرة، وبالتالي الحاجة لتدوير الأموال الفائضة والاستفادة منها عن طريق القروض ذات الفوائد المركّبة، والمدرّة للعوائد المالية المستمرة.

يشترط صندوق النقد عدم تدخل البرلمانات في الموافقة على برامج الإصلاح ومناقشتها

في الوقت الذي تسبب فيه ارتفاع أسعار النفط، بأزمة وعجز في المدفوعات لدول  الجنوب (الدول الفقيرة) غير النفطية، ما اضطرها لمزيد من الاستدانة والقروض  لتغطية العجز، حيث بادرت مصارف الشمال إلى تقديم خدماتها بعروض جذّابة ونسب فوائد منخفضة.
وبذلك تضاعف حجم الاستدانة والقروض. وبحلول عام 1980، وبحسب تقارير البنك الدولي كان حجم ديون الدول النامية قد وصل إلى نحو (600) مليار دولار، ليتضاعف بذلك اثنتي عشرة مرة عمّا كان عليه عام 1968، حين كانت لا تتجاوز الـ50 مليار دولار.

قرار حظر تصدير النفط عام 1973 في الصحافة العربية

أزمات المديونية.. وحلول أخيرة قبل الانهيار
كانت أزمات الديون وحالات "الإعسار" المتمثلة بتزايد مستويات العجز وعدم القدرة على سداد الديون قد بدأت منذ الخمسينيات والستينيات، ولكن الانفجار أتى في العام 1982، عندما توقّفت كُلّ من المكسيك وتشيلي والأرجنتين، عن سداد ديونها، وهو ما شكّل كارثة اقتصادية كبرى على مستوى العالم؛ وذلك بسبب تهديد نظام الائتمان الدولي بالانهيار؛ فالعجز يعني تهديد كبرى المصارف الدائنة بالانهيار والإفلاس.

اقرأ أيضاً: الليرة التركية تهوي أمام الدولار.. توقعات هل تصدق؟

وتزايدت تدخّلات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ونادي باريس، بالتزامن مع تزايد الأزمات، وترافق ذلك مع المنعطف النيوليبرالي (الانفتاح، والخصخصة، والحدّ من تدخل الدولة في الاقتصاد) في حقبة "ريغان - تاتشر" (الرئيس الأمريكي ورئيسة الوزراء البريطانية)، فجرى توظيف هذه التحوّلات لتعميم النمط الجديد من السياسات الاقتصادية.

اقرأ أيضاً: الدولار يلتهم عملة جديدة ويتسبّب بانخفاضها...ما هي؟

ولم يتم تجاوز الأزمة اللاتينية إلا مع ظهور "خطة برادي" -نسبة لوزير الخزانة الأمريكية آنذاك "نيكولا برادي"- عام 1989، والتي تضمنت شطب نسبة من الديون، وعمليات إعادة جدولة -في إطار نادي باريس- لنسبة أخرى منها، وعن طريق إصدار سندات بنسب فائدة مخفّضة عرفت بـ "سندات برادي".

نيكولا برادي صاحب الخطة الشهيرة لإنقاذ دول أمريكا اللاتينية

إعادة جدولة الديون.. مَن المستفيد؟

تزايد اعتماد خيار إعادة جدولة الديون كحلّ لأزمات "الإعسار" منذ الأزمة الأرجنتينية في الخمسينيات، وتأسيس "نادي باريس للديون" على إثرها عام 1956. ويفترض في خيار "إعادة الجدولة" أن يكون مفيداً للطرفين: الدائن والمَدين؛ فهو يضمن للدائن الحصول على دَينه يوماً ما، مع استمرار تدفق الأموال إلى خزائنه، كما يمنح المَدين فترة تأجيل تتيح له إعادة ترتيب أوضاعه الاقتصادية.

تحرص الدول المَدينة على عدم الفشل في سداد التزاماتها نحو ديونها حفاظاً منها على تصنيفها الائتماني

وتتضمن هذه العملية توزيع أقساط الدين على عدد أكبر من السنوات ولكن مع زيادة أسعار الفائدة على الأقساط الجديدة، بحيث تكون أكبر من سعر الفائدة الأصلي الذي تم الاقتراض به. وبذلك فهي مفيدة جداً للمؤسسات المُقرضة.
وعلى سبيل المثال، ووفقاً لمعدل نسب الفائدة المعتمدة، فإنّ إعادة جدولة مبلغ ما مدة 15 عاماً تؤدي إلى سداد ضعف قيمة المبلغ الأصل خلال هذه الفترة فقط، بالإضافة إلى بقاء مبالغ أخرى مضاعفة، تكون قد ترتبت بسبب الفوائد. وهكذا، فإنّ المبلغ المُقرَض يعود، وتستمر السيولة لدى الجهات المقرضة، وفوق ذلك يكون هناك أرقام مضاعفة من الديون التي تنتظر سدادها.

تأتي عملية إعادة الجدولة كحلّ أخير قبل الانهيار

نادي باريس.. تداخل السياسة بالاقتصاد

ويتولّى النادي الدولي المعروف بـ "نادي باريس" مهمة الإشراف على عمليات إعادة جدولة الديون، وتعود فكرة تأسيس النادي إلى المحادثات التي عقدت في باريس عام 1956 لمناقشة الأزمة آنذاك بين الأرجنتين ودائنيها.
وصل عدد الدول الأعضاء في النادي إلى (22) دولة، تعدّ من أكبر وأقوى الاقتصادات في العالم، والتي تتركز فيها المصارف والمؤسسات الماليّة الدائنة. ويعلن النادي في الصفحة التعريفية على موقعه الإلكتروني بأنه منذ عام 1956 قام بعقد (433) اتفاقيّة مع (90) دولة مَدينة.

انتشرت الديون على نحو واسع منذ القرن التاسع عشر وذلك في أعقاب انطلاق الثورة الصناعية

ويقوم نادي باريس بالاجتماع مرّة كل شهر لتدارس ملفّات الدول المُتعثّرة بهدف وضع استراتيجيات تضمن استرجاع أكبر ما يمكن من الأموال، مع اجتناب تعوّد الدول المَدينة على تأجيل سداد ديونها، وحتى لا تتحول الديون إلى مجرد أرقام وهمية غير مرتبطة بمبالغ حقيقية.

وبعد تقديم الدولة طلباً بإعادة جدولة ديونها، يتولى النادي مهمة جمع المعلومات ودراسة الحالة الاقتصادية لهذه الدولة، مع تحليل للوضع المالي، ومقارنة حجم الديون بحجم الناتج المحلي الإجمالي (GDP) ونسب النمو الاقتصادي فيها، كما يقوم بالتأكد من مدى التزامها بتطبيق برامج "الإصلاح الاقتصادي" المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي.

وفي العموم، فإنّ نادي باريس هو هيئة تعبّر عن مصالح الجهات الدائنة، وما يهتم به هي مصالح الدول الأعضاء، وهو غير معني بحلّ أزمة الديون لدى الدول المَدينة، وإنما يقوم فقط بتأجيلها وإطالة أمدها وتحويلها إلى ديون "مستدامة"، بما يضمن استمرار تدفّق الأموال من الأطراف (الدول المَدينة الفقيرة) إلى المراكز المالية.

اقرأ أيضاً: كيف يهيمن صندوق النقد الدولي على النظام الاقتصادي العالمي؟

وكثيراً ما تظهر الارتباطات، السياسة في عمل النادي، فنجد الكثير من عمليات إعادة الجدولة مرتبطة باشتراطات سياسية، كحدوث تغيرات في النظم السياسية والمواقف السياسية للدول المدينة، كما حصل في اتفاقية إعادة الجدولة مع الأردن بعد توقيعها معاهدة "وادي عربة" للسلام عام 1994، وإعادة جدولة ديون العراق بعد تغيير النظام السياسي عام 2003، وكذلك مع مصر بعد مشاركتها في حرب الخليج عام 1991.

اجتماع نادي باريس عام 2016 بمناسبة مرور ذكرى ستين عاماً على تأسيسه

مؤسسات دولية كبرى تشرف على سير "برامج الإصلاح"

وأما الجهة التي تتولى عملية إدارة القروض والإشراف على برامج الإصلاح والتي تسمى أيضاً ببرامج "التكيّف" و"إعادة الهيكلة"، فهي صندوق النقد الدولي، بينما يقوم البنك الدولي، من خلال مجموعة من مؤسسات الإقراض المنضوية تحت مظلته بمنح قروض للمشاريع والبرامج التي يفترض أن تساهم في تنمية اقتصادات الدول المَدينة، وبما يضمن تدعيم قدرتها على السداد.

كانت أزمات الديون وحالات الإعسار المتمثلة بتزايد مستويات العجز وعدم القدرة على سداد الديون قد بدأت منذ الخمسينيات والستينيات

ومباشرةً بعد دخول الدولة في أزمة وتوقيع اتفاقية معها، يبدأ الصندوق بوضع برامج التكييف الهيكلي، التي تتضمن شروط اقتصادية عديدة، بحيث تصبح السياسة الاقتصادية للدولة خاضعة لرقابة الصندوق ونصائح خبرائه. وتركّز هذه الخطط والبرامج بالمجمل على تخلّي الدولة عن دعم السلع والخدمات الأساسية، وتخفيض الميزانيات المخصصة للتعليم والصحّة، إضافة إلى التوصيات بالحدّ من التوظيف في القطاع العام، وتجميد الأجور، وخصخصة المؤسسات الحكومية، ويؤدي كلّ ذلك عادةً إلى احتجاجات شعبية واسعة، وبالتالي حدوث اضطرابات سياسية في الدول الخاضعة لبرامج صندوق النقد.

اقرأ أيضاً: إضرابات تعمّ إيران... والنقد الدولي يكشف حقيقة اقتصادها

كما تُشير التوصيات، على الدولة بالفتح الكلّي لأسواقها وإلغاء الحواجز الجمركية وتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة، وتشجيع الاستثمار الأجنبي بإعفائه من الضرائب. وهو ما يؤدي إلى الحدّ من فرص قطاعات الإنتاج المحلي على المنافسة، وبالتالي تحوّل الدولة إلى مجرد سوق استهلاكي لسلع والخدمات الأجنبية. وينتهي كل ذلك إلى إضعاف القاعدة الإنتاجية للدولة، وبالتالي إعاقة فرص تحقيق "نمو" حقيقي ومستدام في هذه الدول.

ولضمان سير الأمور وفقاً لمُراده، وتجنّب أي اعتراض سياسي داخلي، فإنّ الصندوق يشترط عدم تدخل البرلمانات في الموافقة على البرامج ومناقشتها، وبذلك فهو يسهم على المستوى الأبعد في تعطيل واعاقة فرص تطوّر حياة سياسية وحزبية فاعلة في البلاد. وهكذا، تنتهي البلدان التي يفترض أن تكون في طور النمو إلى دوامة من الخراب الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي، وبفضل "برامج الإصلاح".

كريستين لاغارد المديرة العامة الصندوق متحدثةّ في اجتماع للصندوق ربيع 2018

التصنيف الائتماني.. لماذا تخشى الدول هبوطه؟

يقوم صندوق النقد الدولي في حال الالتزام بتطبيق السياسات والبرامج التي يوصي بها، بمنح الدول شهادات الإشادة بتجربتها، وهذه الشهادات مهمة بالنسبة للمؤسسات المقرضة، والتي تقوم على إثرها بمعاودة الإقراض للدول الحاصلة عليها.

ويؤدي انتظام منح القروض للدولة، وتدفق أموال الاستثمار الأجنبي لها إلى المحافظة على تصنيفها الائتماني، وبالتالي تزداد ثقة المؤسسات المانحة والمستثمرين بها؛ إذ إنّ ذلك يعني أنّ منح الأموال للدولة لن يعني الدخول في مغامرة تعرضها للإفلاس، و"الإعسار"، وفقدان القدرة على السداد. ولذا، تحرص الدول المَدينة على عدم الفشل في سداد التزاماتها نحو ديونها السيادية؛ حفاظاً منها على تصنيفها الائتماني في سوق الاقتراض.

تزايد اعتماد خيار إعادة جدولة الديون كحلّ لأزمات الإعسار منذ الأزمة الأرجنتينية في الخمسينيات وتأسيس نادي باريس للديون

وكلما كان تصنيف الدولة الائتماني أفضل، ضمن لها إمكان الحصول على قروض بفوائد أقلّ؛ وتنال الدول ذات الاقتصادات القويّة تقديرات عُليا، بدءاً من (AAA)، وأما الدول ذات الاقتصادات الأضعف فتنال التصنيفات الأدنى، بدءاً من (BBB)، الذي يشير إلى: "جدوى استثمارية متوسّطة"، وثم (BB)، الذي يشير إلى كونها "دولة غير استثمارية"، وثم (B)، الذي يشير إلى أنّ "منح هذه الدولة المال هو عبارة عن مخاطرة"، وهكذا حتى التصنيف (DDD)، الذي يشير إلى أنّ اقتصاد الدولة "متعثّر". وقد ظهرت تشكيكات واسعة في عمل وكالات التصنيف في أعقاب الأزمة المالية العالمية عام 2008، بعدما تبيّن عدم دقة تصنيفاتها لكثير من الدول آنذاك.

اقرأ أيضاً: بالأرقام.. مديونية قطر تتضاعف

وتخشى الدول، في حال انخفاض تصنيفها الائتماني، من هروب المستثمرين ورؤوس أموالهم بالعملات الصعبة وخروجها من الدولة، ما يؤدي إلى حدوث نقص حادّ في مخزون النقد الأجنبي، وبالتالي انهيار العملة، كما حصل لعملة البيزو الأرجنتينية عام 2001.

رسم كاريكاتيري يسخر من عمل وكالات التصنيف الائتماني

السندات.. كيف يتحكم التصنيف الائتماني بنسب الفائدة؟

عندما تقوم دولة ذات تصنيف ائتماني عالٍ، بطرح سندات موجهة للمستثمرين، فإنّ المستثمرين يبادرون إلى شراء هذه السندات، حتى بأقلّ الفوائد؛ وذلك بسبب ضمان التزام هذه الدولة سداد دفعات الدين دون أي تأخير، وبالتالي ضمان تدفّق دفعات مستقرة وثابتة من العملات الصعبة إلى خزائن هذه المؤسسات، والتي تسعى إلى مضاعفة حجم مدخّراتها من الدولار واليورو. أما الدول ذات التصنيف الائتماني المنخفض والاقتصادات الأضعف، فتضطر إلى رفع نسبة الفائدة على سنداتها لاستقطاب المستثمرين؛ حيث تكون المؤسسات متخوّفة من عدم قدرتها على السداد والدفع.

اقرأ أيضاً: دعمٌ سعودي-كويتي- إماراتي للأردن.. وتخفيف لمديونته
والسند هو ورقة ماليّة قانونيّة، تعلن عن أنّ مالك السند مَدين إلى الجهة المشترية له، كما تحدد تاريخ الدفع ونسبة الفائدة. وعادةً ما تُطرح السندات للبيع لتحصيل مبلغ مطلوب لتنفيذ مشاريع تعجز الحكومات عن توفير الاحتياجات المالية اللازمة لها.

احتجاجات في اليونان بعد تفاقم أزمة الديون السيادية عام 2015

وهكذا، فإنّ الجهات المقرضة تسعى إلى أن تكون عملية الإدانة، ثابتة، ومستدامة. وتضمن الفوائد والفوائد المركبة استمرار تصاعد حجم الدين، رغم سداد الدفعات، وبالتالي، فإنّ الديون الخارجية هي بالنهاية عبارة عن أرقام لا يُنتظر أن يتم الوفاء بها، وإنما الغاية منها استمرار تدفّق الأموال من الدول المَدينة باتجاه المراكز، بما يضمن استمرار السيولة والوفرة المالية في المراكز، مع إخضاع الدول الفقيرة، وضمان نفاذ مصالح المراكز المالية عبر تطبيق برامج وسياسات "إصلاحية"، ودون اللجوء إلى استخدام السلاح والقوة العسكرية، كما كان يحصل في عالم ما قبل "بريتون وودز - 1945"، وهو الخيار الاستثنائي الذي لا يتم اللجوء له إلا عند إعلان دولة ما خروجها على هذا النظام، فتأتي حينها الانقلابات، و"الثورات"، وربما الحروب، اللازمة لإخضاعها من جديد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية