معركة الباغوز... هل يلفظ "داعش" أنفاسه الأخيرة؟

داعش

معركة الباغوز... هل يلفظ "داعش" أنفاسه الأخيرة؟


11/03/2019

تتزايد وتيرة العمليات العسكرية في شمال شرق سوريا، بهدف دحر آخر جيوب تنظيم "داعش"، في قرية الباغوز، والتي تواجهها قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من قوات التحالف الدولي والولايات المتحدة؛ حيث قام المقاتلون الأكراد بشنّ هجوم على القرية، الموجودة في شرق سوريا، وإخلاء ما يقرب من ثلاثة آلاف شخص، والقبض على المشتبه فيهم من المنتمين للتنظيم الإرهابي، ومن بينهم نحو 200 شخص، بينما أظهرت مقاطع مصورة، تابعة للقوات الكردية، خروج عناصر داعش مستسلمين، وتم إجلاؤهم بواسطة شاحنات تابعة لـ "قسد".
المدنيون كدروع بشرية في قبضة داعش
وأعلن المكتب الإعلامي للقوات الكردية عن وجود نحو ألف من مقاتلي داعش، داخل الباغوز، ومعهم مجموعة من المدنيين، الذين يستخدمونهم كدروع بشرية ورهائن، وهو ما يجعل العملية العسكرية التي تشنها القوات الكردية، تجري ببطء وحذر شديدين، وفق قيادات مسؤولة في "قسد"؛ حيث زرع مقاتلو داعش عدداً كبيراً من الألغام، كما قاموا بحفر العديد من الأنفاق للاختباء فيها، بالإضافة إلى تنفيذ هجمات انتحارية، كلّ فترة.

أهمية المعركة التي تجري في الباغوز؛ هي فقدان داعش لآخر المناطق الجغرافية التي تقع تحت سيطرته

وأعلن مقاتلو قوات سوريا الديمقراطية؛ أنّ العمليات العسكرية متوقفة، نظراً لوجود مدنيين محاصرين، منذ حوالي يومين، ومنعهم من الخروج، للاحتماء بهم، ومنع قصفهم.
ومن جهته، أكد المرصد السوري، ومقرّه لندن، في بيانه الإعلامي، أنّ البطء في إنجاز المهمة يكمن في طبيعة أرض المعركة، ورأى أنّ التحدي يمكن في المزارع والبساتين المحيطة بقرية الباغوز؛ "حيث تتواجد أنفاق كثيرة مفخخة، وألغام ينبغي الحذر في التعامل معها".
ووثق المرصد خروج ما يقرب من 300 من مسلّحي التنظيم وعائلاتهم، إضافة إلى المدنيين الذين يقيمون حالياً، في المناطق المحررة من قوات سوريا الديمقراطية، ومن بين عناصر داعش؛ الذين قبض عليهم هناك، عشرون أجنبياً.

العمليات العسكرية متوقفة، نظراً لوجود مدنيين محاصرين

مصير داعش ومآلات الصراع

وفيما يتصل بمصير ومآلات المعركة العسكرية على التنظيم الإرهابي، يرى مصطفى أمين عامر، الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية، أنّه رغم أنّ مدينة الباغوز تعدّ الجيب الأخير لتنظيم داعش، في مناطق شرق الفرات السورية، إلا أنّها لن تكون معركة الانحسار الجغرافي الأخيرة لدولته المزعومة؛ وذلك لأنّ التنظيم ما يزال يتواجد في مناطق سورية عدة؛ أهمها شرق تدمر، والقلمون الشرقي، بالقرب من تلال الصفا، وشرق وجنوب السخنة، باتجاه البوكمال، بالإضافة إلى انتشار خلاياه على امتداد أربعة آلاف متر مربع من البادية السورية، كما أنّ اعتداءاته المتكررة على حواجز النظام السوري، في أرياف دير الزور وحمص، وريف دمشق، وريف السويداء، تشكل شاهداً عملياً على ذلك.

دون دعم واشنطن سيتراجع دور قوات "قسد" لصالح داعش وهو الأمر الذي سيسمح للتنظيم بإعادة التموضع والنشاط

عامر أبلغ "حفريات" أنّ "قوات سوريا الديمقراطية، لن تستطيع تشكيل حائط صدّ دائم ضدّ داعش؛ بسبب اعتمادها بشكل كامل على الدعم المادي والعسكري والسياسي من الولايات المتحدة، إضافة إلى تداعيات الضغط التركي الكبير عليها؛ ما سيشكل لها أزمة كبيرة عقب انسحاب القوات الأمريكية من سوريا".
وفي رأي الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية؛ فإنّه بدون دعم واشنطن، سيتراجع دور قوات "قسد" لصالح داعش؛ وهو الأمر الذي سيسمح للتنظيم بإعادة التموضع والنشاط، في ريف البوكمال، وريف مدينة تدمر، والجبال التدمرية الجنوبية، والقلمون الشرقي، ومناطق أخرى خاضعة لحماية الأمريكيين؛ وهو الأمر الذي سيدفع النظام السوري إلى بسط نفوذه بالدعم الروسي، داخل مناطق تقع تحت المظلة الكردية.

اقرأ أيضاً: لماذا فشل تنظيم داعش أسرع مقارنة بالقاعدة؟
كما أنّ داعش ما يزال يملك العديد من المواراد المالية، بحسب الباحث المصري، التي تساعده على الاستمرار، والحصول على الإمدادات، سواء الغذائية والطبية والتسليحية، التي تمكنه من الهجوم على مناطق سيطرة النظام السوري، ويملك شبكة تهريب لا يستهان بها؛ من سكان محليين مستفيدين من شبكات الفساد المتفشية، داخل النظام السوري.
مقاتلو التنظيم، كما يؤكد عامر، "ما تزال لديهم قدرة كبيرة على التنقل والهروب، من جيب إلى آخر، وصحارى غرب العراق، وشرق سوريا، ما تزال تشكّل ملاذاً آمناً لهم؛ بسبب طبيعتها الرملية المنبسطة، التي يصعب فيها العمل العسكري، خاصة أنّ التنظيم يعتمد على الكمائن، والخنادق، والأنفاق، وحرب العصابات".

"الباغوز" في سياق التداعيات الإقليمية
تأتي العملية العسكرية التي تستهدف آخر جيب لداعش، والتي سيطرت خلال العام 2014، على أجزاء واسعة من البلاد في سوريا والعراق، بالتزامن مع تحرك أمريكي باتجاه أنقرة، لبحث تفاصيل تحديد منطقة آمنة، على طول الحدود في منطقة شمال شرق سوريا، ومحاولة تبديد المخاوف الأمنية التركية من وجود كيان كردي، متاخم لحدودها، ويهدد مصالحها، وذلك في الوقت الذي تراجع فيه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن قراره بسحب قواته، بشكل كامل، من سوريا، والبالغ عددهم ألفي جندي، وتعديله الأمر بالإبقاء على 200 جندي، في الشمال الشرقي، و200 آخرين في منطقة الجنوب.

اقرأ أيضاً: آخر أيام داعش: ثمن الخروج الأمريكي
وفي هذا السياق، أشار مايكل آيزنشتات، الباحث في معهد واشنطن، في دراسته المنشورة بـ "منتدى فكرة"، إلى أنّ الوجود الأمريكي حال دون إقدام إيران ووكلائها على إنشاء مسار بري شمالاً، عبر سوريا، وصولاً إلى البحر المتوسط، وبالتالي، تواجه واشنطن الآن المهمة الصعبة، والمتمثلة في إرساء التوازن هناك؛ من خلال تهدئة المخاوف الأمنية التي تنتاب حليفتها تركيا، من جهة، وضمان أنّ الأحداث في شمال سوريا لا تمهد الطريق أمام عودة "الدولة الإسلامية" من جهة أخرى، ومن ثم، حدوث اضطرابات أوسع في المنطقة.
وإلى ذلك؛ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، قبل أيام، أنّ القوات الأمريكية التي ستبقى في شمال شرق سوريا، ستكون جزءاً من قوة متعددة الجنسيات، تهدف لمنع عودة تنظيم داعش.
فقدان داعش لآخر المناطق الجغرافية التي تقع تحت سيطرته

أبعد من المعركة العسكرية
وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير الصحفي الكردي، سردار ملا درويش، إلى أنّ أهمية المعركة التي تجري في الباغوز، تتمثل في فقدان داعش لآخر المناطق الجغرافية التي تقع تحت سيطرته، والكشف عن مجموعة أمور عالقة؛ كمصير المفقودين والمعتقلين في سجون داعش، وتحرير الأطفال الذين وقعوا في قبضته كلّ تلك الأعوام، ولم يحصلوا على تعليم، وأغلق السبيل أمامهم للذهاب إلى المدارس، وتشكلوا في ظلّ تعاليم وأدبيات هذا الكيان الإرهابي الأكثر فتكاً بالبشر.

اقرأ أيضاً: نهاية "داعش"..الحقيقة والأسطورة
واعتبر درويش أنّ خسارة داعش لمواقعه، التي تمدد عليها خلال الأعوام الماضية، في ظل ظروف سياسية وعسكرية معقدة، هو "مكسب لكل الإنسانية؛ حيث يتجسد الخلاص من تنظيم خارج عن سيطرة العدالة والقوانين"؛ بيد أنّ الأمر في حاجة إلى "إستراتيجية جادة، لا تتوقف عند مكافحة عناصر هذا التنظيم مكافحة عسكرية، فقط، بل تدمير البنية السياسية، والقاعدة الفكرية، التي تساهم في استعادته لقواعده، وتنشيط الخلايا النائمة له من جديد، وإيجاد البيئة المواتية والحاضنة الاجتماعية التي تستعيده للواقع، مرة أخرى، بدمويته ووحشيته".

اقرأ أيضاً: داعش يستهدف الحشد الشعبي في العراق
لذا؛ يعتقد الصحفي الكردي أنّ معركة الباغوز، رغم كلّ أهميتها، لن تكون الخلاص الأخير من داعش، دون الشروط التي سبق وذكرها، ويضيف عليها: "ضرورة التعاون مع القوى المحلية، وتوفير الدعم اللوجيستي والحماية الأمنية لها، بغية وقف عمليات استنزافها، واستهدافها من قوى إقليمية، سيما تركيا، التي تخوض صراعاً سياسياً ومسلحاً للقضاء على أيّ وجود كردي في المنطقة، وتقوم باحتلال عفرين، وتعمد إلى تغيير ديمغرافي بها، وتمارس انتهاكات بالغة المأساوية، من تهجير وقتل للأهالي وسرقة مواردهم.
ويدعو درويش أن يقوم المجتمع الدولي بدعم قوي للمجتمع المحلي، والقوى الموجود داخله، من مختلف الفئات، يكون عمادها البناء الوطني، دون تجزئته لحسابات طائفية وهوياتية، بهدف إيجاد قاعدة متماسكة وصلبة، للوقوف أمام خطر داعش واحتمالية ولادته من جديد، وهو ما سبق أن أحرز نتائج جيدة، عندما نجحت قوات البيشمركة في دحر داعش بالعراق، ومثله فعلت القوات الكردية، في عدة مناطق سوريا؛ كمنبج، والحكسة، ودير الزور.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية