لغز معركة الباغوز وتضارب التصريحات.. هل ما زال علم "داعش" مرفرفاً؟

داعش

لغز معركة الباغوز وتضارب التصريحات.. هل ما زال علم "داعش" مرفرفاً؟


13/03/2019

يكتنف الغموض عملية حصار تنظيم داعش في الباغوز، رغم كلّ التبريرات والتفسيرات التي تظهر كلّ ساعة في وسائل الإعلام، عن أسباب تأخر حسم المعركة، على الرغم من أنّ الأنباء أفادت أخيراً بأنّ قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، المدعومة من الولايات المتحدة، أعلنت استسلام ثلاثة آلاف من مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" وعائلاتهم، أمس الثلاثاء، في آخر جيب صغير للتنظيم في منطقة الباغوز.

اقرأ أيضاً: معركة الباغوز.. هل اقتربت نهايتها؟
ويأتي الإعلان بعد ثلاثة أيام من القصف المكثف والغارات الجوية على مواقع التنظيم.
وتقول "قسد"، كما نقل موقع "بي بي سي"، إنّه "بمجرد انتهاء عملية استسلام المسلحين وعائلاتهم فإنّها ستشن هجوماً نهائياً ضد بضع مئات من المسلحين يُعتقد أنّهم ما زالوا يتحصنون في المنطقة".  

تقول "قسد" إنّها ستشن هجوماً نهائياً ضد بضع مئات من المسلحين

كم عدد المقاتلين أو المدنيين في الباغوز؟

ولا يعرف على وجه الدقة كم عدد المقاتلين أو المدنيين أو الرهائن الباقين في الباغوز، رغم أنّ أحد قادة قوات سوريا الديمقراطية ذكر لمراسل صحيفة "التليغراف" البريطانية، في 11 آذار (مارس) 2019؛ أنّ المعلومات التي تم جمعها من الإرهابيين المستلَمين، تشير إلى 2000 مقاتل و6000 امرأة وطفل، ما يزالون مختبئين في الباغوز.

من المؤكّد أنّ قوات "قسد" ليست صاحبة القرار في إعلان بداية أو نهاية المعركة وأنّ القرار بيد ترامب

التبرير الذي تقدمه "قسد" لتأخير إعلان الحسم العسكري؛ هو وجود مقاتلي التنظيم الإرهابي وسط عدد غير معروف من المدنيين، الأمر الذي اضطرها لإيقاف المعارك أكثر من مرة، أو المخاطرة بالهجوم، وتوقع سقوط ضحايا من المدنيين؛ لأنّ مقاتلي التنظيم الإرهابي يعيشون وسط عائلاتهم، ولا توجد أيّة طريقة تستطيع بها التفرقة بينهم وبين النساء والأطفال، والشيء الوحيد الذي تستطيع فعله هو انتظار خروجهم مستسلمين.
و"الباغوز الفوقاني"؛ هي بلدة صغيرة تتبع ناحية "سوسة" في منطقة "البوكمال"، شرق دير الزور، بلغ عدد سكانها 10689 نسمة، عام 2004، بحسب إحصاء المكتب المركزي للإحصاء في سوريا، وتعدّ الباغوز آخر بقعة يسيطر عليها داعش داخل الأراضي السورية؛ حيث يقتصر وجوده فيها على مخيم عشوائي محاط بأراض زراعية يقع على الضفاف الشرقية لنهر الفرات، وتسيطر قوات سوريا الديموقراطية على جزء صغير منه.

بقايا التنظيم محاصر ضمن منطقة "الباغوز"

تفاوض على عدم تسليم السلام

بقايا التنظيم المحاصر ضمن منطقة "الباغوز" منذ 9 شباط (فبراير) 2019، يفاوضون على عدم تسليم السلاح حتى إنهاء خروج قرابة 7 آلاف شخص، بينهم أطفال ونساء، ما يزالون داخل المخيم، وذلك بعد طلب "قسد" تسلّم السلاح أولاً، قبل تنفيذ أيّ اتفاق؛ وهو ما عدّه التنظيم "خدعة" قد تنتهي باقتحام المخيم بعد تسليم السلاح.

اقرأ أيضاً: معركة الباغوز... هل يلفظ "داعش" أنفاسه الأخيرة؟
وفي تصريحات لوسائل الإعلام، ادّعى "أراس أوركيش"، القيادي في قوات سوريا الديمقراطية، يوم 9 آذار (مارس) 2019، أنّ ثمة حوالي 2500 مقاتل مستعدون للمعركة في قرية الباغوز، والمناطق المحيطة بها شرق سوريا.
وتدّعي "قسد" خروج عشرات الآلاف من المدنيين، واستسلام أكثر من 4 آلاف عنصر من التنظيم خلال فترة إيقاف المعارك، بينهم عائلات وجرحى تنظيم داعش، وإرسالهم إلى مخيمات الحسكة بموجب اتفاق مع مسلحي قسد، يقضي بفتح ممر آمن من الجهة الشمالية الشرقية للبلدة، مقابل الإفراج عن عشرات الأسرى والمختطفين لدى التنظيم.
وقصفت طائرات التحالف الدولي ومدفعيته، التي تشارك فيها فرنسا، "الباغوز" بأكثر من 100 غارة جوية، وعشرات القذائف، منذ أوائل شباط (فبراير) الماضي.
ويلاحظ المراقبون أنّ هناك أولاً تخبطاً وعدم مصداقية وشفافية في التصريحات، وتضاربها المثير للدهشة، والسخرية أحياناً، سواء من الجانب الأمريكي أو من قوات سوريا الديمقراطية.
وثانياً؛ من المؤكّد أنّ قوات سوريا الديمقراطية ليست صاحبة القرار في إعلان بداية أو نهاية المعركة، وأنّ القرار بيد ترامب أولاً وأخيراً.
وتثير هذه التصريحات والتعليقات، خاصة من قبل قوات قسد، البلبلة والارتباك، وترهق المتابعين، سواء كانوا خبراء أو باحثين أو إعلاميين؛ لكثرتها وتضاربها أحياناً.
حسابات الربح والخسارة
يبدو أنّ ترامب قد تورط في تصريحات متسرعة عن إعلان النصر على داعش ونهايته في الجيب الأخير في الباغوز.
ويمكن إيراد ثلاثة أسباب رئيسة لهذا التخبط، ربما تساعد في فهم هذا اللغز، هي:
الأول: الإعلان المفاجئ لترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا، وهو ما خلط الأوراق في المنطقة، وفي جسم التحالف الدولي لمحاربة داعش، وخلق انقساماً حاداً داخل الإدارة الأمريكية بين مؤيد ومعارض.

اقرأ أيضاً: سنجار العراقية بانتظار الناجين الإيزديين من قبضة داعش في الباغوز السورية
الثاني: إعلان ترامب النصر على داعش، وأنّ مسألة الباغوز مسألة أيام، ويبدو أنّ ترامب أراد تحقيق هدفين؛ الأول تسجيل نصر أمام جمهوره ومنافسيه على الساحة الداخلية الأمريكية، بإعلان النصر على داعش، كما سبق أن فعل جورج بوش الابن عندما أعلن النصر على القاعدة. والثاني: تعزيز مقاربته بسحب القوات الأمريكية، والادّعاء بأنّه لم تعد للقوات الأمريكية حاجة في سوريا، خاصة بعد القضاء على داعش؛ ولذلك كانت حساباته أنّ مسألة الباغوز مجرد مسألة وقت ليس إلا.
والثالث: معضلة "المقاتلين الإرهابين الأجانب"، ويُعتقد أنّ هذا الملف تفجر في وجه مخططات ومقاربة ترامب، وعطلها من الأساس، وبالتالي أخّر حسم معركة الباغوز، لماذا؟
لأنّه عقب إعلان ترامب سحب القوات الأمريكية من سوريا، نهاية العام الماضي (2018)؛ أعقبه بتصريحات عن ضرورة عودة المقاتلين الأجانب إلى بلادهم، بعد تهديد قوات قسد بأنها لن تستطيع الاحتفاظ بهم في الأسر لديها، وكان الحديث عن حوالي 800 مقاتل من داعش.
ترى بريطانيا أنّ المقاتلين الأجانب يجب أن يحاكموا بالمكان الذي ارتكبوا فيه جريمتهم

انقسام المجتمع الأوروبي
ما أدّى إلى جدل واسع وعميق، وانقسام داخل المجتمع الأوروبي، وأثار حفيظة وانزعاج الساسة الأوروبيين، خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا، وهي دول تتصدر في إعداد المقاتلين الأجانب في سوريا؛ حيث تتصدر فرنسا قائمة الدول الأوروبية الأكثر تصديراً للمقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم داعش، بما يقرب من 1200 مقاتل، وكانت وزيرة العدل الفرنسية، نيكول بيلوبيه، أكدت في 18 شباط (فبراير) 2019؛ أنّ بلادها لن تتخذ أيّ إجراء في الوقت الحالي، بناء على دعوة الرئيس الأمريكي، وستعيد المقاتلين على أساس مبدأ "كلّ حالة على حدة".

حذّر تقرير صادر عن "المركز الأوروبي لمحاربة الإرهاب" من أنّ ثلث أعضاء داعش سيختارون العودة إلى بلدانهم الأصلية

تليها ألمانيا، بنحو 1050 مقاتلاً، وقد عاد ثلث المقاتلين الألمان خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وقد أشارت وزارة الداخلية الألمانية، في تصريحات مبهمة، إلى أنّه من حقّ كلّ مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي، الذين يحملون الجنسية الألمانية العودة! إلا أنّه لا يمكنها استعادة مقاتلي تنظيم داعش الذين اعتقلوا في سوريا إلا إذا سُمح لهم بزيارات قنصلية.
أما بريطانيا؛ التي عاد إليها نحو 400 من أصل حوالي 900 مقاتل يحملون جنسيتها، في حزيران (يونيو) 2018؛ فترى السلطات البريطانية أنّ المقاتلين الأجانب في داعش يجب أن يخضعوا للمحاكمة في المكان الذي ارتكبوا فيه جريمتهم، رافضة دعوة الرئيس الأمريكي الدول الأوروبية إلى إعادة مواطنيها؛ حيث أعلن متحدث باسم رئيسة الوزراء، تيريزا ماي؛ أنّه "يجب تقديم المقاتلين الأجانب إلى العدالة وفق الإجراء القانوني المناسب في النطاق القضائي الأكثر ملاءمة، وحين يصبح ذلك ممكناً، يجب إتمام الأمر في المنطقة التي ارتكبت فيها الجرائم".
ومع تزايد موجات العائدين من داعش، وتزايد الضغط الأمريكي على الأوروبيين، تزايد القلق داخل أوروبا، وهو ما عكسه تقرير صادر مؤخراً عن وكالة الشرطة الأوروبية "يوروبول"، شدّد على أنّ المقاتلين الأوروبيين في صفوف داعش يشكلون مصدر تهديد كبير بإمكانه زعزعة استقرار أوروبا بأكملها.
ثلث أعضاء "داعش" سيعودون لبلادهم
وحذّر تقرير صادر عن "المركز الأوروبي لمحاربة الإرهاب" مؤخراً، من أنّ ثلث أعضاء تنظيم داعش، على أقل تقدير، سيختارون خلال الفترة القليلة المقبلة، العودة إلى بلدانهم الأصلية، ومن بينهم من سيعود وهو ينوي القيام بعمليات إرهابية.
في غضون ذلك، دعت "قسد" الدول الغربية لتحمل مسؤولياتها حول المقاتلين الأجانب الذين تمّ أسرهم خلال المعارك مع داعش، وذكر عبد الكريم عمر، أحد مسؤولي شؤون العلاقات الخارجية في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد؛ أنّ نحو 800 مقاتل أجنبي محتجزون في السجون، إضافة إلى قرابة 700 زوجة و1500 طفل في مخيمات للنازحين، مشيراً إلى أنّ العشرات من المعتقلين وأقاربهم يصلون يومياً، خاصة بعد حصار الباغوز.
ويعتقد مراقبون أنّ انتشار حالة الخوف في أوروبا من عودة المقاتلين، وعدم الدقة في حسبة الربح والخسارة، عقّدت وأخّرت مسألة الحسم في المعركة، خصوصاً أنّ علم "داعش" ما زال مرفرفاً!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية