السعودية احتضنت "الإخوان" هرباً من "البطش" الناصري.. فكيف كان ردّ الجميل؟

الإخوان المسلمون

السعودية احتضنت "الإخوان" هرباً من "البطش" الناصري.. فكيف كان ردّ الجميل؟


14/03/2019

رغم اشتعال المنطقة العربية فترة صعود الصحوة الإسلامية، وانتشار حركات التطرف الديني، والجماعات الإرهابية، في مصر والجزائر واليمن، إلا أنّ المملكة العربية السعودية كانت الأكثر أمناً من تلك العمليات، إلا من بعض المحاولات التي ما لبث أن تلاشى أثرها سريعاً، مثل حصار الحرم المكي من قبل جهيمان العتيبي وجماعته، أو بعض العمليات الإرهابية التي نفذها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، غير أنّه لا يمكن قراءة حادث العتيبي وأتباعه، أو صعود تنظيم القاعدة في منطقة جزيرة العرب، بعيداً عن صعود نفوذ الإخوان المسلمين في منطقة الخليج كافة، على خلفية فرارهم من بطش نظام جمال عبد الناصر، في منتصف خمسينيات القرن الماضي.

الإخوان والسلفية الحركية
في ورقة بحثية، نشرت ضمن كتاب "الحركات الإسلامية في الوطن العربي"، للدكتور محمد أبو رمان، يقول الباحث: "في فترة الخمسينيات والستينيات، وفي ذروة الصراع بين الأنظمة القومية والمحافظة؛ سعت السلطات السعودية إلى توظيف السلفية في مواجهة تأثير عبد الناصر ودعايته السياسية، وفي السياق نفسه؛ فتحت المملكة للعلماء والدعاة والمفكرين الإسلاميين (في أغلبهم من جماعة الإخوان في مصر والعراق وسوريا)، فكان لحضورهم تأثير ملموس في تطعيم الدعوة السلفية بأفكار إسلامية أخرى، ما وضع البذور الأولى لأجيال جديدة من السلفيين الشباب، يجمعون بين العقائد والأفكار الدينية السلفية والأفكار الحركية لدى الجماعات الدينية المختلفة".

من أسباب انتشار فكر الإخوان بين شباب السعودية الداعي للعمل الحركي إلى جوار الدعوة سفر الشباب للجهاد بأفغانستان

وذكر عبد الله النفيسي، في كتابه "الحركة الإسلامية: رؤية مستقبلية، أوراق في النقد الذاتي"، كيف أنّ المملكة العربية السعودية كانت الحاضنة الأولى في مراحل التأسيس الثاني لجماعة الإخوان، إذ يقول: "وبدأت الجماعة تلملم شتاتها، وتضمّد جراحها العميقة، وتتنادى من جديد لتعويض 17 عاماً من السجن والملاحقة والتعذيب والاضطهاد والتشريد، ويبدو أنّ الهضيبي كان يعتزم إعادة النظر في عموم الوضع الإداري في الجماع؛، إذ كان يؤكد في لقاءاته على ضرورة تجاوز أخطاء الماضي من خلال التشاور والتحاور، فانتهز الهضيبي فرصة الحج، عام 1973، فعقد اجتماعاً موسعاً للإخوان في مكة المكرمة، وكان هذا الاجتماع هو الأول من نوعه منذ محنة 1954، وكان من قرارات هذا الاجتماع إعادة تشكيل مجلس الشورى ليمثل جميع الإخوان العاملين، وتكوين لجنة عضوية لتحديد الإخوان العاملين؛ نظراً إلى ضياع الكشوفات خلال الأحداث، ونظراً إلى أنّ معظم الإخوان في الخارج قد هاجروا إلى منطقة الخليج والجزيرة، أو البلاد الأوروبية والأمريكية، فقد تركز عمل لجنة حصر العضوية في تلك المناطق: فتشكلت لجنة الكويت، ولجنة قطر، ولجنة الإمارات، وثلاث لجان للسعودية، في الرياض، وفي الدمام، وفي جدة".

اقرأ أيضاً: جماعة الإخوان في ليبيا تصعد.. ماذا تريد؟
ويذكر النفيسي أيضاً؛ أنّ مجلس الشورى العام، الذي يمثل السلطة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين، "يتكون من 38 عضواً؛ ثلاثة أعضاء ثابتين بالتعيين مباشرة من المرشد العام، وبموافقة مجلس الشورى العام (أخ سعودي وآخر سوري والثالث مصري)، و2 من تنظيم الأردن، و2 من اليمن، و1 من العراق، و1 من الإمارات العربية المتحدة، و1 من البحرين، و2 من السعودية".
المملكة تواجه المدّ الناصري الثوري
أدركت جماعة الإخوان أهمية المملكة العربية السعودية في دعم مشروع إحياء وبعث الجماعة من جديد، أما عن دعم المملكة لذلك الإحياء؛ فكانت له أسبابه، التي أوردها الباحث، عبد الله بن بجاد العتيبي، في مقاله بعنوان "الإخوان والسعودية... القصة الكاملة"، المنشور في "الشرق الأوسط" لافتاً إلى أنّ للسعودية أسبابها "الواقعية في تلك المرحلة لاستقطاب "الإخوان المسلمين" من شتى البقاع، ونوجزها في خمسة أسباب أولية: الأول: مواصلة السعودية لسياسة الملك عبد العزيز في استقطاب النابهين من العالم العربي في شتى المجالات. الثاني: سعي المملكة لمواجهة المدّ الناصري الثوري، خصوصاً أنّ عبد الناصر ناصب الملكيات العربية العداء، وكان يصمها بالرجعية، وسعى إلى الإطاحة بها، ونجح مسعاه في ليبيا واليمن، وضربت طائراته المناطق الجنوبية في السعودية في عسير وجيزان، فتبنت السعودية دعم التضامن الإسلامي في وجه المدّ الناصري، وحينها كانت جماعة الإخوان المسلمين أقوى خصوم عبد الناصر في الداخل، فكان استقطاب السعودية لـ "الإخوان" من المبدأ السياسي؛ "عدو عدوي صديقي".

القائد الإخواني السنانيري أول من وجه الأنظار إلى أفغانستان بل كان أول من وحّد الفصائل الجهادية الأفغانية المتناحرة

أما السبب الثالث في نظر الكاتب فيتمثل في سعي المملكة إلى تطوير الخطاب الديني المحلي، بعد الممانعة المستمرة من قبل قادة هذا الخطاب لأغلب قرارات تطوير الدولة وتحديثها، وكان "الإخوان المسلمون" يقدمون حلولاً إسلامية وبحوثاً شرعية معمقة لتمرير مشاريع الدولة التي أعاقها الخطاب التقليدي. أما السبب الرابع، فهو  ما واجهته السعودية من تحديات داخلية، والتي أشارت إلى تنامي خطاب التطرف داخل الخطاب التقليدي، وكذلك قيام تنظيمات حزبية ثورية؛ منها القومي، ومنها البعثي، ومنها الشيوعي، تبنت معارضة النظام بصراحة ووضوح، وانتشر بعضها بين العمال وبين طلبة الجامعات، وكان أفضل من يقوم بمواجهتهم حينذاك جماعة الإخوان المسلمين. في حين كان السبب الخامس متجسداً في سعي المملكة المشروع لإثبات نفسها كدولة قائدة ورائدة، وكذلك تثبيت مكانتها وثقلها السياسي في العالمين العربي والإسلامي وفي العالم أجمع".
اقرأ أيضاً: شكوى للأمم المتحدة ضد تركيا بسبب جماعة الإخوان

كمال السنانيري سرّ الإخوان
من أسباب انتشار فكر الإخوان بين شباب المملكة العربية السعودية الداعي للعمل الحركي إلى جوار الدعوة؛ أن سافر العديد من شباب المملكة إلى أفغانستان، للمشاركة في الجهاد ضدّ الاتحاد السوفييتي السابق، وكان أحد المساهمين في ذلك القيادي الإخواني، كمال السنانيري، وفي مقاله المنشور بجريدة "المصري اليوم"، بعنوان "السنانيري...خزانة أسرار التنظيم الدولي للإخوان المسلمين"، قال علي زلط: "السنانيري هو إذاً أول من وجه الأنظار إلى أفغانستان؛ بل كان أول من وحّد الفصائل الجهادية الأفغانية المتناحرة، تحت قيادة عبد ربّ الرسول سياف، في اجتماع عقده في مكة المكرمة مع قادة الفصائل، وحمل اسم الاتحاد الإسلامي لمجاهدي أفغانستان، لكنّه تمزق بعد شهور"، مضيفاً "في موسم الحج، عام ١٤٠٠ هجرية، الموافق عام ١٩٨٠ الميلادي، التقى محمد كمال الدين السنانيري، القادم من أفغانستان، عبد الله عزام، الذي كان، كما يقول ابنه حذيفة عزام، يتشوق إلى معرفة طبيعة "الجهاد" الذي يقوم به الأفغان ضدّ السوفييت، وكان يعمل بالتدريس في جامعة الملك عبد العزيز في السعودية، على جبل الصفا، وفي أحد الأشواط السبعة للسعي التقى الرجلان، ودار حوار قصير: قال عزام للسنانيري: "من أين المقدم؟"، وجاءت الإجابة: "من أفغانستان"، فانفرجت أسارير الأول، وانتهى اللقاء، كما يقول النجل حذيفة الذي شهد الموقف بنفسه، وذكر لقناة "العربية"، في حوار أُجري معه، يوم ٢٨ حزيران (يونيو) ٢٠٠٥، قائلاً: "قرّر عبد الله عزام أن يتوجه بعد أداء المناسك إلى أفغانستان، وحطّت رحاله في العاصمة الباكستانية، إسلام آباد، أستاذاً للشريعة بالجامعة الإسلامية، ومنتدباً من جامعة الملك عبد العزيز".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية