الجمهور.. يصفّق للألعاب النارية ولا يصفّق لشروق الشمس

الجمهور.. يصفّق للألعاب النارية ولا يصفّق لشروق الشمس


21/12/2017

الجمهور هنا، ليس مفهوماً، بل ظاهرة، ونعني بها الجمهور الديني " الإسلامي على وجه الخصوص"، وكثيراً ما لفت الدّارسون والباحثون للظاهرة، إلى اعتبارها من جهة ما مجرّد حصيلة عددية، تماما كأنْ تقاس ظاهرة الجمهور الحصري لأيديولوجيا معينة بنسبة عدد قراء الصحيفة الصادرة عنها والناطقة باسمها، ولعل خبراء نظريات الاتصال التفتوا لذلك وأفردوا تفريعات تطال هذا النمط الجماهيري والمسمّى: الجمهور الكمي.

الإسلام لم يمارِس تقرير ثقافة التبعية المطلقة ولم يكرّس المسلمون  إلى عهد الراشدين فقط منطق الإذعان والخضوع

وما يعنينا هنا، هو الجمهور الإسلامي الذي تتحقق "بينه - به" جملة المصالح، التي غالبا ما يُصطلح عليها بـ "المصلحة العامة"، وليس مصلحة فرد، وهو معنى يتم تداوله نظرياً في الخطابات التحشيدية والتوجيه المعنوي للأفراد، اتكاءً على مفهومات مثل الطاعة، التي تعني حتماً التبعية بالمعنى المحض للتبعية، التي تنطوي على شيء من القداسة التي يتم تقريرها بشكل سلطوي.

مع أنّ الإسلام لم يمارِس تقرير ثقافة التبعية المطلقة، ولم يكرّس المسلمون - إلى عهد الراشدين فقط -  منطق الإذعان والخضوع أو الإخضاع، ربما لأنه آنذاك لم تكن ثمة مفارقات في مثل هذه الطروحات التي نعاصرها اليوم بين الديني والسياسي، فكان الجمهور كله جمهوراً دينيا، أما وقد أنجزت التحولات التاريخية كل هذا التجزيء والاختلافات والمسارات الدينية والسياسية، فإنّ الجمهور الإسلامي قد خضع لسطوتها، وتداخلتْ لديه مفاهيم الديني والسياسي، وأصبحت مسائل التبعية والطاعة والشورى، مختلفة التصور، وأخذت الممارسة العملية لها في كل حقبة زمنية تكرس فهماً جديداً ومعطى مختلفاً، وقد أنتج التجديد في البناء السيوسيولوجي للجماعة الإسلامية حسب المعطيات المعاصرة، جمهوراً إسلامياً مختلفاً أيضاً، قابلاً لأنْ يكون جمهوراً كميّاً أولاً، وقابلاً أيضاً لأنْ يتوالد منه جمهور ضمنيّ، وآخر معنويّ، يُعبر عن "الاحتجاج"، حسب ما يراه عالم الاجتماع التونسي الدكتور عبد الباقي الهرماسي، في وصفه لظاهرة انتشار الحركات الإسلامية وجمهورها بأنها تعبير عن الاحتجاج الديني.

أنتج التجديد بالبناء السيوسيولوجي للجماعة الإسلامية حسب المعطيات المعاصرة جمهوراً إسلامياً مختلفاً

وجمهور الحركات الإسلامية، ليس بالضرورة أنْ يكون من الإسلاميين، إذ ثمة عوامل مهمة يخضع لها تكوين الجمهور الإسلامي، فالأفراد العاديّون في المجتمع الإسلامي، لديهم ميل فطري للإسلام، استطاعت الجماعات الإسلامية أنْ توظّفه لصالحها، وهو ما مكّنها من استقطاب عموم الناس، وليس خصوص النخب ، فعزّزت انغراسها في الطبقات الاجتماعية، وكوّنتْ جمهوراً بين "العام والخاص والكمي والنوعي والعلني والمعنوي"، وبذلت في سبيل تحقيق الاستفادة القصوى من الطاقة الكامنة في الجمهور جهداً كبيراً، إلا أنّ الأمر ليس بهذه الرفاهية للجماهيرية الإسلامية، فثمة من يرى بأنّ الرّهان على الجمهور الديني رهان خاسر، أو انه محفوف بقدر كبير من المخاطرة والمغامرة، نظرا لطبيعة تشكله الكمي وليس النخبوي، ولأنه لم تتحقق فيه اشتراطات الجمهور القادر على الوصول بالرهان إلى أقصى مداه الفاعل والمؤثر.

خفتَ صوت الظاهرة الجماهيرية الدينية، ليس بفعل الممارسة السلطوّية تجاهها، بل لأنها انكشفت عن هلامية فكرية

لقد خفتَ صوت الظاهرة الجماهيرية الدينية، ليس بفعل الممارسة السلطوّية تجاهها، بل لأنها انكشفت عن هلامية فكرية، ويد رخوة لا تمسك صيداً كما يقال، ولأنها كمية تحشيدية، عاطفية، وبهذه الصفات لهذه الجماهير سيكون حتماً عمرها أو نفسها قصيراً.

إنه جمهورٌ لا يمكن أنْ يكون إلا ظاهرة احتجاج، أغلبه مركون في زوايا الأيديولوجيات كرصيد كمّي لأوقات تبدو فيها الحاجة للاحتجاج ضرورية، ومع هذا الركون وهذا التغييب وهذه الحالة الزئبقية في التعامل مع الجمهور يكون قد خسر صلابته التي شكّلها العامل المفاهيمي المسمى "الطاعة".

يظنّ الناس أنّ الكلام أمام جمهور سهلٌ على الممثلات لكنّه ليس سهلاً على الإطلاق فنحن معتادات على التّخفي وراء أقنعة

إن الجمهور الدينيّ لا يمكن أنْ يكون إلا إنتاجاً تأويلياً ضمنَ نتاجات الخطاب الديني، الذي ينزع دوماً إلى تكوين أو تحويط أو تسوير بنيته المذهبية أو العقدية بالقداسة، باعتبار "القداسة" أيسر الطرق لتكوين القناعات وتعزيز اليقينيات في عقل ووجدان أفراد الجمهور.

أتساءل، بعبارة "كريستيان فريدريش": هل الجمهور فعلاً هو "ذلك الذي يصفّق للألعاب النارية ولا يصفق لشروق الشمس"...؟، وعلى رأي الممثلة والكاتبة والناشطة السياسية الأمريكية "جين فوندا": "يظنّ الناس أنّ الكلام أمام جمهور سهلٌ على الممثلات، لكنّه ليس سهلاً على الإطلاق، فنحن معتادات على التّخفي وراء أقنعة".

الصفحة الرئيسية