هل تنجح أبوظبي في ترويض حركة طالبان؟

طالبان

هل تنجح أبوظبي في ترويض حركة طالبان؟


28/03/2019

كان من المفارقة أن تستضيف الدوحة سفير حكومة أفغانستان الشرعية، وعلى مسافة قصيرة تستضيف أيضاً ممثلاً رسمياً لطالبان؛ من خلال وجود مكتب سياسي للحركة موجود في قطر، وفي الوقت ذاته تجري طهران محادثات مع ممثلين عن الحركة، وتجري معهم مفاوضات سرية، لتفشل الخطط والمفاوضات، وتبدأ الإمارات في لعب دور محوري، يوم 17 كانون الأول (ديسمبر) 2018 وحتى الآن، من أجل تطبيق خطة تقضي بسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، والتوصل إلى سلام مع الحركة تتعهد بموجبه الأخيرة بأنّها لن تسمح لأيّة ميليشيا إرهابية أخرى، مثل؛ القاعدة وداعش، بالقيام بأيّ هجوم أو عملية من داخل أفغانستان. 
التفاوض والانقسام
كان زعيم طالبان، أخوند زاده، قد عبّر عن استعداده للتفاوض مع الولايات المتحدة، في منتصف العام 2018، لكنّ افتقاره للخبرة العسكرية مقارنةً بحقاني أفسح المجال لمعارضة داخلية للتفاوض مع الحكومة الأفغانية، رغبة في حسم النزاع معها بالوسائل العسكرية، وأصبح الجميع، واشنطن والدوحة وطهران، يتفاوضون مع حركة منقسمة.

اقرأ أيضاً: في كابول.. عودة طالبان المحتملة تقسّم الأفغان
ووفق مصادر من داخل الحركة أدلت بتصريحات خاصة لـ "حفريات"؛ فقد انقسمت قيادات حركة طالبان إلى 3 أقسام بسبب المفاوضات؛ الأول ضد المفاوضات مع الأمريكيين، داخل وخارج أفغانستان، جملة وتفصيلاً، والثاني مقتنع بالمفاوضات لكن داخل أفغانستان، والثالث يريد أن تستمر المفاوضات لكن من خلال المكتب في قطر.

 أخوند زاده
المجموعة الأولى والثالثة أقوى مجموعتين متصارعتين داخل الحركة، وأبو الوليد مصطفى حامد (مؤرخ القاعدة، المقيم بطهران) دخل هذه اللعبة بجانب نجل المولوي حقاني المتوفَّى، وهو سراج الدين حقاني، وزير الدفاع الطالباني، وهو أقوى شخصية طالبانية بعد الملا عمر وأختر منصور، والأول له تأثير على الحركة بشكل مباشر وغير مباشر، باستشاراته السرية والعسكرية والإستراتيجية، وكان له دور في عرقلة التفاوض مع أمريكا من مكتب قطر، عبر هجومه على موقع "مافا"، الذي يصدر من داخل إيران!
حدّد أبو الوليد أهدافه مع القيادة المعارضة، وهي محاربة مكتب قطر، والدعوة للتفاوض عبر مكتب طهران، وإدارة العلاقة بين طالبان وإيران، وفتح مسارات لدعم طالبان بالأسلحة الإيرانية.

اقرأ أيضاً: ما نتائج مفاوضات واشنطن وطالبان؟
وحسبما ذكره مصباح الله عبد الباقي، الأكاديمي والباحث المختص بالشأن الأفغاني، فقد انقسمت البنية الأساسية لحركة طالبان، عقب التفاوض مع أمريكا، ووفاة الملا عمر، ومقتل الملا أختر منصور، وتصدعت إلى: مجموعة حركة الانقلاب الإسلامي، ومن بين صفوفها شخصيات كبيرة ووزراء وقادة لحركة طالبان، وكذلك مجموعة الملا معتصم آغاجان، صاحب الوزن بولاية قندهار، والجبهة الفدائية، والمجلس الأعلى للإمارة الإسلامية، وهو من أكبر المجموعات التي انشقت حتى الآن عن حركة طالبان، ومقره في مديرية "شين دند"، في ولاية هرات، وزعيمه هو الملا محمد رسول.
إيران على خطّ اللعبة
تتهم بعض المجموعات المنشقة قيادة حركة طالبان بأنّها تتحاور مع إيران، وهذا بدأ بشكل رسمي، يوم 31 كانون الأول (ديسمبر) 2018، وفق تصريحات الإيراني بهرام قاسم، وأنها تتفاوض لتحقيق أجندتها الخاصة، ومنها تفخيخ أفغانستان؛ كي تظلّ في صراع دائم وطويل، وهي أسباب منطقية للانشقاقات المتوالية.

الملا معتصم آغاجان
وفي هذا السياق، قالت الكاتبة الصحفية، کاملیا انتخابي، في "cnn": إنّ هناك مفاوضات جرت يوم 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، تم بموجبه إفراج باكستان عن الملا برادر، وقد تم تعيينه لاحقاً ليكون رئيس المكتب الدبلوماسي لطالبان في الدوحة بقطر، ويزعم مبعوث واشنطن الخاص، زلماي خليل زاد، أنه تمّ إطلاق سراح الملا برادر بناء على طلب من الولايات المتحدة، وتدرب مقاتلو طالبان في أكاديميات عسكرية متخصصة بإيران، بما يؤكد أنّ احتواء طالبان وتقديم الدعم لها، أحد أهم محاور خطة طهران لاستنزاف الجيش الأمريكي وتوسيع دوائر الاشتباك معه، وإنهاكه في المنطقة، ولعل أهم هذه الخلافات الداخلية؛ هو القائم بين الملا هبة الله أخوند زاده، زعيم الحركة الجديد بعد مقتل سلفه الملا أختر أحمد منصور في غارة عسكرية أمريكية، عام 2016، وبين شبكة حقاني، الفصيل الأبرز عسكرياً داخل الحركة، بقيادة سراج الدين حقاني؛ ففي عام 2018 وحده قتل 4000 مدني على يد حركة طالبان، التي نفذت 68 عملية انتحارية ضدّ المدنيين في كابول، وأعلنت مسؤوليتها عن هذه العمليات، كما قتل مئات الآلاف من الأفغان منذ عام 2001، بما في ذلك قوات الأمن الأفغانية والمدنيين، على حدّ سواء.

سمح إدراك طالبان لثقلها العسكري في أفغانستان بالتمسك بعددٍ من الخطوط الحمراء أهمها وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية

كما أنّ وجود أبو الوليد مصطفى حامد في طهران، وهو تاجر ولديه علاقات واسعة واتصالات، ليقوم بدور الوسيط كطرف ممثل للقاعدة في ظلّ غياب الظواهري، يعطي انطباعاً عمّا يجري الآن في الأروقة المغلقة.
وثمة من يرى في الضمانات المقترحة بأنها ليست سوى إعادة صياغة للاحتلال والحرب المسلحة على أفغانستان بصورة جديدة، تتوافق أكثر مع الظروف الأمريكية، ولحسن الحظ؛ لم يتم حتى الآن التوقيع على أيّة اتفاقية بين الإمارة الإسلامية وأمريكا، كما كتب مصطفى حامد في "الحوار المتمدن"، وبالتالي؛ فإنّ الفرصة "ما تزال متاحة للنظر في الاتفاقية كلها بشقيها القتالي الخاص بانسحاب جيوش المعتدين، وبالجانب السياسي المتصل بالضمانات المشؤومة التي تحدّث عنها الإعلام، ولعلها مجرد فرقعات صوتية، بلا تأثير واقعي" .
وفي مقاله "الضمانات المتوازية... وتعويضات جرائم الحرب"، يقول: "لا يوجد سرّ يعيش في أفغانستان أكثر من عدة أيام، أو عدة ساعات، لأنّ الأماكن باتت معروفة، وكذلك أسماء معظم أباطرة الهيروين الجدد من سياسيين، بعضهم جهاديون سابقون في حقبة السوفييت، ومن قبليين طموحين باتت معلومة، وتقديم حركة طالبان تعهداً لأمريكا بعدم حدوث ضرر لهم انطلاقاً من الأراضي الأفغانية، يعني اعترافاً بدَورٍ لهم في أحداث 11 سبتمبر".
أبو ظبي تحلّ المعضلة
دخلت دولة الإمارات كطرف وسيط من أجل ترويض طالبان، وقطع الطريق على الدول التي توظف الحركة وفق أجنداتها الخاصة، وهي تعلم أنّ الحركة لم تُظهر حتى الآن أيّ استعداد جديّ للتفاوض مع الحكومة الأفغانية الحالية، كما أنه ليس واضحاً ما إذا كانت ستتقبل فكرة تقاسم السلطة مع الدولة الأفغانية، والدليل على ذلك هو تخوف المراقبين والمحللين من أن يهتم الأمريكيون بتأمين انسحاب قواتهم من أفغانستان خلال المرحلة الحالية، دون تقديم طالبان تنازلات سياسية وأيديولوجية تؤهلها للمشاركة في الحكم؛ فهي ما تزال تصرّ على تطبيق تصور للشريعة الإسلامية من وجهة نظرها، ومواصلة نهجها في قمع الحريات، وانتهاج سياسة تعليمية بدائية، ومنها المناهج التعليمية الدينية المتشددة، ونهج الحركة الاستبدادي تجاه المرأة وحقوقها، وغيرها من أمور الحياة اليومية، وأيضاً نظرة الحركة المتشددة تجاه الآخر.

دخلت دولة الإمارات كطرف وسيط من أجل ترويض طالبان
وفي يوم 17 كانون الأول (ديسمبر) 2018؛ استمر لقاء لمدة 3 أيام في أبوظبي، اجتمع فيه بشكل مباشر مبعوث الولايات المتحدة زلماي خليل زاده مع ممثلين عن طالبان، في إطار جهود دبلوماسية تكثفت لإنهاء الحرب الدائرة منذ 17 عاماً.
ضغطت الإمارات من أجل وقف إطلاق النار لمدة ستة أشهر، إضافة إلى اتفاق لتعيين ممثلين لطالبان في حكومة تسيير أعمال مستقبلية، غير أنّ مسؤولي الحركة قاوموا؛ إذ يعتقدون أنه سيضرّ بقضيتهم ويساعد القوات الأمريكية والأفغانية.

اقرأ أيضاً: القوات الأفغانية تشن هجوماً على طالبان.. حصيلة القتلى
وتمثلت أولويات طالبان في: إطلاق سراح سجنائها، ووضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية. وقال المتحدث باسم حركة طالبان، ذبيح الله مجاهد إنّ المبعوث الأمريكي إلى أفغانستان، زلماي خليل زاده، هو جزء من المحادثات الجارية في أبو ظبي.
وسمح إدراك الحركة لثقلها العسكري في أفغانستان بالتمسك بعددٍ من الخطوط الحمراء، حتى الآن، أهمها: وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية بالكامل من أفغانستان، قبل أيّ تفاوضٍ مباشر لها مع الحكومة الأفغانية، في مخالفة لهدف أساسي من أهداف الولايات المتحدة، التي تسعى إلى انتزاع اعتراف حركة طالبان بالحكومة الأفغانية، وكانت هذه الشروط والمفاوضات سبباً في انقسام كبير داخل طالبان.
فهل تنجح الإمارات في إقناع الحركة بنبذ التشدد والتطرف والصراع والمشاركة في الحياة السياسية المدنية، أم تنسحب أمريكا من أفغانستان وتترك الحركة المنقسمة في صراع طويل، بين أمراء الحرب، أو بين الدول التي تتنازع على السيادة في هذه المنطقة الحساسة من العالم؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية