شيرين عبادي: نعم أنا نسوية ومسلمة.. أين التعارض؟

شيرين عبادي: نعم أنا نسوية ومسلمة.. أين التعارض؟


07/04/2019

ترجمة: علي نوار


تنخرط المحامية الإيرانية، شيرين عبادي، بقوة في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، ما أسهم في أن تصبح أول إيرانية وأول مسلمة تفوز بجائزة نوبل للسلام. وقد تعرّضت لقدر كبير من التهديد بسبب دفاعها عن الأقلية البهائية.

اقرأ أيضاً: هكذا تقف الحركة النسوية في إيران بوجه نظام الملالي
تقول شيرين عبادي، وهي من مواليد مدينة همدان الإيرانية عام 1947، خلال إحدى فترات الاستراحة أثناء فعاليات مؤتمر (وومن ناو سانتاندر)، إنّها تمضي 10 أشهر من العام في السفر، لذا لا يتوفّر لها الوقت لمطالعة شبكات التواصل الاجتماعي ومعرفة أنباء عن نساء من شبه الجزيرة العربية ينشطن في المجال الحقوقي. نعم لديها فريق من المتعاونين في منظّمتها غير الحكومية يخبرونها بهذه المستجدّات، لكنّها تنفي مجدّدًا. تشير إلى أنّ الأمور ليست بهذا القدر من البساطة كما لو كانت صورة عبر شبكة (إنستغرام) أو تغريدة على منصّة (تويتر). تحكم السلطات الإيرانية الخناق على هذه الناشطة بعريضة جديدة من الاتهامات وبشكل يومي تقريباً، الأمر الذي يجعلها تخشى على حياتها.

اقرأ أيضاً: عاملات لا يصرخن عبر "هاشتاغات" .. نسويات بلا نسوية

شاركت عبادي مؤخّراً في جلسة عاصفة حول الدفاع عن النساء والأقليات، مثل البهائيين (معتنقي البهائية، وهي ديانة غير رسمية في إيران يؤمن بها 350 ألف شخص تقريباً في البلاد)، كانت قضية البهائيين على وشك أن تكلّف عبادي حياتها نفسها. أقدمت هذه المحامية على تحدّي النظام الوطني ودافعت عن البهائيين في ساحات القضاء. كانت النتيجة صدور حكم الإعدام بحق سبعة من موكّليها. ترتسم في عينيها علامات الألم لا الإرهاق عندما تسرد هذه القصّة. تطرق الطاولة براحة يدها عندما يروق لها السؤال وتجيب بنفس الاعتداد الذي تظهر به أمام العدالة في بلادها. تشرع في استعراض عدد من التقارير التي أعدّتها منذ فوزها بجائزة نوبل للسلام عام 2003 لتصبح بالتالي أول امرأة إيرانية وأول مسلمة تفوز بهذه الجائزة المرموقة، لذا يفرض السؤال الأول نفسه.

شاركت عبادي يوم الجمعة 29 مارس في قمة سانتاندير النسائية

ما الذي يعنيه بالنسبة لشيرين عبادي أن تكون امرأة ومسلمة؟

أنا نسوية وأؤمن في الوقت ذاته بالإسلام، أنا مسلمة. لا وجود لأي تناقض بالنسبة لي. أين هو؟ هناك أصوليون مثل حركة طالبان، وهناك آخرون مثلي، نحن مسلمون ننتمي للحداثة. اعتقد أن قوانين الشريعة تنقسم إلى جزءين: أحدهما ينظّم العلاقة بين الإنسان والله، مثل الصلاة والصيام، هذه قوانين دائمة، لن تتغيّر مطلقاً. كما أنّ هناك جزءاً آخر وهو المتعلّق بتنظيم النشاط الإنساني داخل مجتمع ما، على سبيل المثال: الزواج والتجارة والعقوبات. يجب أن تتغيّر هذه القوانين لأنّ المجتمع يتغيّر هو الآخر...

كيف تابعت صعود الحركة النسوية؟
بقدر كبير من الترقب. انتصار النساء في أي مكان سيكون له تأثير بالطبع على النساء في دولة أخرى. يتّسم الوضع في إيران بحالة من التمييز الشديد. منذ عام 1979 وحدوث الثورة الإسلامية وحتى اليوم، سُنّت تشريعات ضد النساء: ..بمجرد أن تتزوّج تصبح حركتها محدودة جدًا ولا تستطيع العمل بدون موافقة الزوج. وفي حالة وقوع حادث، فإن القيمة التي تمنح لحياة امرأة تعادل نصف قيمة حياة الرجل.

هل هناك شعور بالغيرة من المرأة الغربية؟
بالقطع لا، لكنني أتعلّم منها. بدأتنّ أنتنّ النضال من أجل المساواة قبلي بوقت طويل للغاية، وفي الحقيقة فإن رؤية ما نجحتنّ في تحقيقه يمنحني دفعة كبيرة من الأمل.

الصورة التي تصل إلى هنا عن المجتمع الإيراني...
أودّ أن أنتهز هذا السؤال كي أندّد بحقيقة أنّ 10% فحسب من الإيرانيين هم الأثرياء، أثرياء للغاية. توجد هناك سيارات ومنازل لن يمكنك رؤيتها في أوروبا، خاصة الأشخاص من ذوي الصلة بالحكومة. أما الـ90% الباقية من الشعب فلا تظهر في أي تقرير يسوّق له في الغرب الصحفيون الذين لا يرغبون في خسارة تأشيرة دخولهم إلى إيران. خرج الناس في العام الماضي وبصورة يومية للاحتجاج لأنّهم لم يكن لديهم كسرة خبز حتى، لكن كل ذلك لا تورده هذه المنابر الإعلامية التي تبرز فقط نمط حياة الـ10% من الإيرانيين.

لا ينبغي احترام شخص لمجرّد أنّه يحمل جائزة ولا التقليل من شأن آخر لأنّه لا يمتلكها

سأقرأ عليك عبارة يردّدها حزب صاعد في إسبانيا يحمل اسم (فوكس) ويرد فيها "عدونا المشترك، عدو أوروبا، عدو الأسرة، عدو الحياة، وعدو المستقبل، يُدعى الغزو الإسلامي". كيف ترين هذه الكلمات؟

لا أتّفق مع هذه العبارة على الإطلاق. أوروبا قارة عجوز وهي بحاجة لأيدي عاملة شابة. إذا حظي اللاجئون المسلمون باستقبال مُرحّب وبأذرع مفتوحة ومُنحوا الفرصة للحصول على عمل، كي يصبحوا مواطنين ذوي نفع، فسيزدهر الاقتصاد. من شأنهم أن يكونوا حلفاء مهمّين. أما إذا أُغلقت في وجوههم الأبواب واضطروا للعيش في أوضاع مزرية سيتحوّلون إلى وبال على المجتمع. إنّ ظهور السياسات المتشدّدة يعيدنا من جديد إلى الحقبة التي شهدت قيام جدران بيننا.
...
ما الذي يعنيه بالنسبة لكم الدفاع عن البهائيين؟
وفقاً للدستور الإيراني فإنّ الديانة الرسمية للبلاد هي الإسلام، ومن داخل الإسلام المذهب الشيعي على وجه التحديد. اليهود والمسيحيون مُعترف بهم طبقاً لدستور البلاد، لكن الديانات الأخيرة غير مُعترف بها. الأقلية غير المسلمة الأهم في إيران هي المجتمع البهائي. إنّها ديانة وُلدت في إيران. ولد نبي هذا الدين قبل نحو 200 عام في إيران وهناك ستة ملايين تابع له في جميع أرجاء العالم. يعيش 350 ألف شخص من هؤلاء المؤمنين داخل إيران. هذا رقم كبير ويجعل البهائيين أكبر أقلية في البلاد. ونظراً لأنّهم ينتمون أو يتبعون ديناً غير مُعترف به ضمن الدستور، فإنّهم يتعرّضون للحرمان من كافة الحقوق التي يتمتع بها المواطنون في إيران. ليس لهم الحق حتى في الالتحاق بالجامعة. لا يمكن للشباب البهائيين الالتحاق بأي جامعة في إيران منذ ما يقرب من 40 عاماً.

أرقب صعود الحركة النسوية فانتصار النساء في أي مكان سيكون له تأثير بالطبع على النساء في دولة أخرى

هذا هو الوضع القائم بعد 1979 وانتصار الثورة الإسلامية في إيران. ونظراً لأنّ الجيل السابق يولي أهمية خاصة للتعليم وهم في الغالب أشخاص على درجة عالية من التأهيل، وكي لا يُحرم جيل الشباب من الحق في التعليم، أنشأ الجيل القديم جامعة في الخفاء يدرّس فيها أساتذة سابقون ينتمون للأقلية البهائية كانوا يعملون في الجامعات. ألقى هؤلاء الأساتذة محاضراتهم بصورة افتراضية وفي مجالات مختلفة. لكن الحكومة للأسف اكتشفت هذه المبادرة وألقت القبض على الأساتذة والطلاب. ويقبع الآن عدد من هؤلاء الأساتذة البهائيين داخل السجون. لا يمكن للبهائيين أن يلتحقوا بالسلك الأكاديمي في الجامعات، لا يستطيعون العمل بأي مكان، ليس بوسعهم أن يختاروا من يمثّلهم. وتصدر الحكومة بين كل فترة وأخرى تعليمات باعتقالهم. صدر بالفعل بحق 200 من أبناء هذه الأقلية الدينية أحكاماً بالإعدام من قبل الحكومة. بينما يقضي عدد آخر عقوبة السجن فقط لأنّهم يؤمنون بهذا الدين.

اقرأ أيضاً: بخصوص النسوية العربية العابسة

من جهة أخرى، لا يزال سبعة أشخاص كانوا يُعتبرون من زعماء الجالية البهائية مُعتقلين، ألقي القبض عليهم وزُجّ بهم في السجن. خمسة رجال وامرأتان، سبعة أفراد إجمالاً. لم يجرؤ محام واحد على قبول الدفاع عنهم. جاء ذوو هؤلاء السبعة إلى مكتبي قائلين "هل تقبلين قضيتهم؟". وافقت بالطبع وهو ما دفع الصحف المتطرّفة ذات الصلة الوثيقة بالحكومة للهجوم علي. نشرت هذه الوسائل "غيّرت عبادي دينها وتحوّلت إلى البهائية الآن". طبقاً للدستور الإيراني إذا أقدم مسلم على تغيير دينه إلى أي معتقد آخر فإنّ العقوبة هي الإعدام. أرادوا تخويفي كي لا أدافع عنهم. ثم ادّعوا لاحقاً أنّه من السيئ حقًا أن يدافع مسلم عن البهائيين. قلت، حسناً فلنرى، وإذا قبلت الدفاع عن قاتل، هل يجعلني هذا قاتلة أيضاً؟ لديّ ديني، لكنني أؤمن كذلك بحرية العقيدة. أي شخص يجب أن يحظى بالحرية فيما يشاء. كان هؤلاء السبعة أبرياء تماماً. إلا أنّهم أدينوا ولا يزالوا قابعين في السجن للأسف.

هل خشيت على حياتك؟
في مرات عديدة. ضمن الوثائق الرسمية التي وصلت إلي كانت هناك تعليمات من أجهزة الاستخبارات العسكرية بإعدامي. الشعور بالخوف هو مثل الشعور بالجوع. إنّه شعور لا إرادي. وبمرور الأعوام، تعلّمت ما يتعيّن علي فعله كي لا يشلّ الخوف حركتي.

تثار في كثير من الأحيان شائعات حول مدى انخراطك في السياسة. ما هي حقيقة دورك السياسي؟
لا ينبغي على مدافع عن حقوق الإنسان قبول أي منصب أو تقلّد أي سلطة، لكنّه ملزم بالحديث وانتقاد الحكومات التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان. وفي محاولة منها لإخراسي، تزعم الحكومة أنّني منخرطة في السياسة.

أودّ أن أطرح عليك سؤالًا بشأن جائزة نوبل للسلام، هل تعتقدين أنّ قيمتها تراجعت بعد حالات مثل أوسكار أرياس، الذي حصل على ترشيح لنيل الجائزة قبل أن يدان فيما بعد بالاستغلال الجنسي؟
أؤمن شخصياً بأنّه لا ينبغي احترام شخص لمجرّد أنّه يحمل جائزة ولا التقليل من شأن شخص لأنّه لا يمتلكها. يجب أن يكون الاحترام الذي يناله شخص ما مصدره شخصيته وسلوكه وفقًا لتصرفاته. على سبيل المثال، هل سنغيّر وجهة نظرنا في الأم تيريزا الكالكتّية إذا كانت حائزة على جائزة نوبل من عدمه؟ بالتأكيد لا. رئيسة ميانمار أيضًا حتى لو حصلت على 20 جائزة دولية، هل سيغيّر ذلك نظرتنا لها ولطريقة تعاملها مع أقلية الروهينغا؟

وما رأيك في ترشيح رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب لهذه الجائزة؟
لا أظن أنّه سيفوز بها في نهاية المطاف. أريد أن أكرّر ما قلته منذ قليل. يجب أن يكون الاحترام تجاه الأشخاص نابعاً مما يظهر منهم. ينبغي أن يكون السبب هو ما تراه أنت. لكن وساماً لن يغير أي شيء على الإطلاق.

 

 


المصدر: مقابلة مع المحامية والناشطة الحقوقية الإيرانية شيرين عبادي نشرت بصحيفة (آ بي ثي)



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية